«إعلام الأراجوزات»… الخطر على نظام السيسي؟

حجم الخط
17

من المفيد بداية الاتفاق على ان الحديث في قضية الإعلام المصري لا يمكن ان يكون عموميا او مرسلا، حيث انه من الصعب وضعه في كفة واحدة، حتى اذا كانت هناك ثمة قواسم مشتركة تجمع بين متناقضاته الكثيرة، او معالم طاغية على ما سواها، هذا المشهد الإعلامي الملتبس غير المسبوق في تاريخ مصر.
بل من الانصاف التنويه بوجود محاولات حقيقية من إعلاميين مهنيين شرفاء للسباحة ضد «تيار القبح والتدجين» الذي يتصدر المشهد، وهو سرعان ما يواجه بالقمع والإقصاء ليس فقط من الأجهزة الأمنية، لكن من «بعض الزملاء» الذين يمارسون عملا امنيا خالصا تحت غطاء إعلامي.
وعلى الجانب الآخر، يبدو الانهيار في القيم المهنية والاخلاقية في ممارسات بعض المحسوبين زورا وبهتانا على العمل الإعلامي بلا قاع او حضيض.
اما المناسبة التي استدعت هذا الحديث، فانها الفضيحة الجديدة التي ظهرت قبل عدة ايام في احدى القنوات المملوكة لاحد رموز عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك، والتي اختارها لالقاء «بيان الانتصار» بعد حصوله على البراءة في قضية قتل المتظاهرين، وهي لا تخفي بالطبع عداءها السافر لثورة يناير، فيما تعتبر نفسها من «اصحاب ثورة الثلاثين من يونيو».
فقد بث مذيع احد البرامج في القناة، وهو كان صديقا شخصيا لوزير داخلية مبارك اللواء حبيب العادلي، ما قال للمشاهدين انه تسجيل للغارات الروسية ضد تنظيم «الدولة» في سوريا، بينما هو في الحقيقة ليس سوى فيديو مشهور للعبة حرب الكترونية ثلاثية الابعاد، مصممة لتسلية الاطفال، وتصور قيام طائرات اباتشي بتدمير عربات ومدرعات للاعداء، فيما تسمع اصوات الطيارين وهم يتحدثون الانكليزية بلكنة امريكية واضحة.
ويعلم من لديهم خبرة في العمل التلفزيوني، ان حدوث اخطاء امر وارد دائما، الا ان للاخطاء انواعا كثيرة، وبعضها قد يكون مفهوما تحت الضغط، وان كان هذا لا يبرر وقوعه ولا يعفي صاحبه من واجب الاعتذار.
الا ان اذاعة فيديو للعبة حرب لدقائق طويلة على الشاشة على انها غارات عسكرية حقيقية، دون ان ينتبه احد، انما هي فضيحة غير مسبوقة في العمل الإعلامي منذ اختراع التلفزيون غالبا. وهي اولا فضيحة إعلامية تدل على المستوى المهني المتدني، حتى لا نستخدم الفاظا اخرى، لفريق العمل بالكامل، وليس فريق الاعداد(وهؤلاء بالعشرات) او المخرج او رئيس التحرير او المذيع فحسب. ثم انها، وهنا الأهم، فضيحة اخلاقية لأنه لا القناة ولا البرنامج أعلن تحمل المسؤولية عنها، وقدم الاعتذار الواجب الى المشاهدين، الذين تعرضوا الى اهانة مروعة لعقولهم.
ويشي هذا السلوك الذي يستأهل وصفه بـ «البلطجة الإعلامية» بكثير من الصلف والغرور عند «إعلام الأراجوزات» هذا، إذ انه يعتبر ضمنيا ان ما يستند اليه من دعم من الاجهزة الامنية بشكل خاص يبيح له ان يخوض في اعراض بعض المخالفين للرأي، ثم يحصل على البراءة اذا اضطر للذهاب في المحكمة، وبالطبع لا يعتذر في النهاية عن هكذا جريمة. وبالتالي فانه من غير الوارد ان يعتذر للمشاهدين عن حدوث خطأ او حتى فضيحة إعلامية.
اما من يعترض او ينتقد هكذا جرائم لا تتفق اصلا مع تقاليد المصريين، ولا حتى مع تراث الإعلام الحكومي المصري العتيد، فليس اسهل من اتهامه بانه اما عضو في «الإخوان» أو واحد من «الطابور الخامس» ـ حسب مصطلحاتهم، اي المؤيدين للجماعة، حتى اذا كان من المؤيدين المعروفين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان من المشاركين في الثلاثين من يونيو.
اما «الصمت الرهيب» للنظام تجاه مثل هذه الجرائم، فان أغلبية المصريين يترجمونه حسب المثل الشعبي المعروف «السكوت علامة الرضا»، وبالتالي فانهم يحملون النظام بل والرئيس السيسي شخصيا مسؤولية استمرار هذه المهازل الإعلامية والاخلاقية على الشاشات، حيث ان خطابه في الثالث من تموز/ يوليو كان تضمن استحقاقا مسكوتا عنه ينص حرفيا على «وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن». وهو استحقاق لا يقل من حيث قيمته عن الاستحقاقات الاخرى مثل الانتخابات التشريعية والرئاسية وتعديل الدستور، الى آخره. وربما وجد النظام في مرحلة معينة ان هكذا حالة من الغوغائية الإعلامية تخدمه في توصيل رسالته، الا ان استمرار السكوت يعني حتما انه فقد البوصلة، ولم يعد يعي المخاطر الجمة التي يشكلها هؤلاء على مصداقيته وصورته في الداخل والخارج.
ولعل النظام يواجه «الحقيقة المرة» عندما يرى الاقبال الضعيف على المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي تبدأ الاسبوع المقبل، كما تجمع توقعات المراقبين وتقارير وكالات الانباء الدولية، وعندها قد يكتشف حجم الضرر بل والخطر الذي يمثله استمرار مهازل «إعلام الاراجوزات» الذي يتحدث باسمه يوميا.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hassan:

    يوم تقوم ثورة على منوال الثورة الفرنسية أو أشد فتكا يستقيم الحال بعدها شيئا فشيئا. ولعل الإجرام الفردي والجماعي سوف يضفي في النهاية إلى حدوث تلك الثورة. زيادة إلى التراكمات فإن العنف الواقع في مختلف البلاد العربية يقوم العقل الباطن بخزنه إلى حين أن ينفجر جيل في وجه المافيات. فرنسا في ثورتها وقع استعمال المشانق والمصاقل. أما الأجيال الصاعدة لن تلجأ إلى تلك الوسائل بل إلى ما هو أشد تنكيلا. في غياب العدل تحل عدالة الغاب.

  2. يقول فريد علي العلي - الجبيبات, جبلة:

    بعد نجاح الثورة المضادة, أصبح الإعلام المصري منفلت من كل عقال لإنه أُريد له أن يكون كذلك إعلام تضليلي منحل أخلاقيا يسبح بحمد الحكام الجدد. وإذا كان هذا حال الإعلام في بلد فاعلم أنه على الدنيا السلام.

  3. يقول Deutschland:

    هو إختارهم.. هو الذي وضع الصفيق يشتم ويسب علي الشاشات ونحن نسمع ونري ولآ نجد قضاء عادل يحكم عليهم بل هؤلآء مدعومون منه وهذا مانراه يوميآ.. عند زيارة أمريكا ذهب هذا المخبر الحكومي معه رغم حكم محكمة..؟؟؟؟ هو يتحكم في القضاء بكل بجاحه وإستهتار بالشعب المغيب أصلآ… الحاكم يري كل يوم مواطن يهان ويضرب وووووو وهو لآ يحرك ساكنا..؟؟؟ إذن بإذنه يهان المواطنون ويقمعهم وحتي الكلآم ممنوع ولذلك نبشره وأمثاله بالمثل وستقوم قيامته لآ محالة.

  4. يقول عبد المعطي...لندن:

    و ماذا يستفيد السيسي من هذا الفيلم ما هي المكاسب السياسية للنظام المصري من تزوير الحقائق في سوريا …اذا كان الفيلم عن ضربات الارهابيين في سيناء كنا نتفهم ذلك و كنا سنتفهم اكثر اذا كان من قبل الفضائية المصرية الرسمية

  5. يقول مهند -بريطانيا:

    مبروك على مصر عضويه مجلس الامن
    مبروك على مصر قناه السويس الجديده
    مبروك على مصر صفقات حاملات الطائرات والمفاعل النووي
    مبروك على مصر الرئيس السيسي

  6. يقول جعفر الطيار الجوائر:

    وهل كانت غير الذي هي عليه الان ….وسوف تكون عليه بعد الف سنة

  7. يقول عمرو احمد الاردن:

    اولا احيي كاتل المقال وشكرا جزيلا لانة اشار الى اهم المهازل في الدولة المصرية

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية