التزام فرنسي واضح وصريح بضخ مليار يورو في خزينة تونس، هو أقصى ما حصل عليه رئيس حكومتها في نهاية جولة خارجية قصيرة قادته الأربعاء الماضي إلى سويسرا، واختتمت بعد يومين في باريس.
الالتزام الذي قطعه الرئيس اولاند أمام ضيفه في جلسة عمل جمعتهما بقصر الايليزية لا يعني أن المبلغ الموعود سوف يسلم دفعة واحدة وفي القريب، بل سيمنح، حسبما ذكرت مختلف المصادر، على اقساط وسيكون كما قال بيان الرئاسة الفرنسية في إطار «خطة دعم على مدى السنوات الخمس المقبلة». لكن قبل أن يكتمل وصول اليوروهات الفرنسية بانقضاء تلك السنوات، فإن ما يهم الطرفين الان على ما يبدو هو التفكير جديا في تقلبات الحاضر أكثر من أي شيء آخر، ولاجل ذلك لم يحل وعد اولاند دون إصدار السفارة الفرنسية في تونس يوم زيارة الحبيب الصيد لباريس، بيانا أمنيا دعت فيه رعاياها إلى «توخي أعلى درجات الحذر واليقظة والابتعاد عن التجمعات والحشود»، وهو ما يعني أن الفرنسيين الذين يفكرون مثل باقي القوى الإقليمية والدولية بمصالحهم قبل كل شيء لن يقوموا بأي مجازفة غير مضمونة العواقب من أجل دعم بلد طالما وصفوه بالمثال الناجح في تجربة الانتقال الديمقراطي، رغم علمهم وتأكدهم من أنه يواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية وأمنية بالغة الخطورة والأهمية، قد تقلب في أي لحظة مساره الديمقراطي الصعب رأسا على عقب. ولأنهم يدركون أكثر من غيرهم دقة الظرف ويتابعون ما يجري على الضفة الاخرى بشكل مستمر، ويعلمون ما تواجهه حكومة تونس في هذا الوقت بالتحديد، فقد اختاروا أن يضمنوا نص البيان إشارة ذات دلالة رمزية مفهومة وهي أن «واحدا من المحاور الاساسية» لخطة الدعم المذكورة هو « استهداف المناطق المحرومة والشباب بالتركيز على التشغيل». وحتى يصدق الناس ذلك فقد قرروا تحويل جزء من ديونهم لصالح مشروع بناء مستشفى باحدى بلدات الجنوب الغربي الفقيرة والمنكوبة. هل كان ذلك أقصى ما يمكن فعله وتقديمه لاجل عيون الديمقراطية العربية الوحيدة؟ أم أن الإسناد البلاغي والانشائي للديمقراطيات شيء والوقوف معها بشكل ملموس وفعلي على ارض الواقع شيء اخر؟ في كل الأحوال لم يكن الضيف التونسي ليشغل باله كثيرا بالتفكير في طبيعة الوعد، أو مناقشة تفاصيله وشروطه أو دوافعه القريبة والبعيدة، فهو لا يملك فرصا أو عروضا وخيارات بديلة لإخماد ألسنة لهب ظلت تتصاعد على مدى اسبوع في اكثر من نقطة من بلاده وتهدد بالتحول إلى حريق واسع ومدمر يأتي على الاخضر واليابس. لقد قرر الخروج في تلك الجولة الخارجية التي جرى التحضير لها منذ شهور، واضطر لاختصارها والعودة سريعا لعقد جلسة مفتوحة لمجلس الوزراء، لاجل غاية واضحة ومعروفة وهي، إقناع قادة العالم وصناع القرار العالمي الوافدين على دافوس في منتداها السنوي بضرورة ضخ الأموال والاستثمار في الديمقراطية.
والمضحك المبكي هو أن الشعار الذي اختاره المنظمون لذلك التجمع العالمي الاقتصادي الضخم كان «الثورة الصناعية الرابعة»، في وقت بدأ فيه بعض التونسيين بالاستعداد للاعلان عن انطلاق ثورة ثانية في بلدهم، رغم أنه لم يحصل إلى الآن إجماع واسع بينهم على وصف ما حصل منذ خمسة أعوام، أي في الايام القليلة التي سبقت هروب الرئيس المخلوع بن علي، على انه كان ثورة أو هبة وانتفاضة شعبية أو حتى انقلابا ومؤامرة خارجية نفذت باياد تونسية مثلما صار يتردد بشكل مكشوف وعلى اكثر من لسان. لم يكن مثل ذلك الحديث عن الثورة الثانية مفاجأ أو مستبعدا في نظر الحبيب الصيد، أو حتى في حسابات وتوقعات المتابعين لتطور الاحداث في تونس، فقد كان واضحا منذ اسابيع، أن هناك شيئا ما يطبخ بعيدا عن الأضواء، وأن الهدوء النسبي يوشك على التحول إلى عاصفة مدمرة تخلط الاوراق وتعيد ترتيب البيت من جديد. ولم يكن صعبا على الكثيرين رؤية بعض العلامات الدالة على ذلك، خصوصا مع صدور بيان غاضب من اكبر التنظيمات النقابية بالبلد، أي الاتحاد العام للشغل، في السابع من الشهر الجاري، حمل نبرة تصعيدية واضحة وموقفا معاديا للتحوير الوزاري الذي أعلنه الصيد في الأسبوع الأول من العام بوصفه «لا يستجيب لمتطلبات المرحلة ويزيد من تعميق الازمة المخيمة على البلاد، ولا يحمل مشروعا شاملا لتجاوزها»، وبأن» التركيبة المعلنة اعتمدت مبدأ المحاصصة، ولم تراع الكفاءة، كما لم تعالج القصور والعجز الذي طبع عددا من الوزارات وعمد إلى معاقبة بعض الوزراء الذين عبروا عن نفس اصلاحي حقيقي، وأتى بوزراء لا صلة لهم باهداف الثورة ولا بمصلحة البلاد». والاغرب من ذلك أن الاستنتاج النهائي الذي خرج به البيان المذكور، هو أن» رئيس الحكومة لم يراع قاعدة التشاور والوفاق التي حرصت اغلب الاطراف على ارسائها تقليدا سليما في حل كل الاشكاليات وفض الملفات الوطنية وأخذ القرارات في مسار مازال يحتاج إلى توافق».
في وضع سياسي داخلي معقد لا وجود فيه لبنية حزبية صلبة وقوية عدا استثناءات محدودة وامام تعمق ازمة حزب النداء الحاكم وتحكم النقابات بشكل متزايد وملحوظ منذ سنوات في مفاصل حساسة ومهمة داخل دائرة السلطة، كان غضب الاتحاد يعني الكثير ويؤشر لاقتراب عاصفة اخرى من المواجهات، رغم توقيع الطرفين في وقت سابق على اتفاق لزيادة أجور الموظفين العاملين بالدولة، يفترض أن يكون فرصة لترسيخ ما وصف بالهدنة الاجتماعية على مدى العامين المقبلين على الاقل. لكن كان واضحا أن الاتحاد لن يقبل ابدا بحكومة لا يملك سيطرة ولو جزئية عليها، ولا يستطيع توجيه سياساتها والتحكم فيها عن بعد. أما الغاضبون والرافضون للنسخة الثانية من حكومة الصيد فلم يكونوا فقط من داخل اتحاد العمال، بل أن التشكيل الحكومي الجديد أثار فور الاعلان عنه موجة من الانتقادات الحادة والهجومات العنيفة والتشكيك في قيمة وجدارة الشخصيات المرشحة للحقائب الوزارية، والأهم من ذلك فقد نظرت إليه الجبهة الشعبية المعارضة وقوى اليسارعموما، وحتى أطراف سابقة في حزب النداء، كمحاولة لهيمنة حركة النهضة وتوسع نفوذها داخل الحكومة، رغم محدودية تمثيلها فيها وكان كل شيء جاهزا ليشتعل الفتيل في اي مكان ولحظة، بعد نشر بعض شركات استطلاع الرأي لارقام قالت فيها إن ما يقارب السبعين بالمئة من التونسيين يرون أن بلادهم تسير في الطريق الخطأ، وأن الجيش وحده يحظى بثقة تسعين بالمئة منهم واستمرار موجة الحملات الاعلامية الدعائية، خصوصا في ذكرى هروب الرئيس المخلوع بن علي التي كانت كلها تصب في اتجاه واحد وهو التشكيك في أن ما حصل بتونس كان ثورة، والتحسر على أمن ورخاء ايام بن علي والدعوة بشكل صريح ومبطن إلى ثورة جديدة بدعوى أن الشعارات التي رفعت قبل سنوات لم يتحقق منها إلى الان شيء على الاطلاق. ولكن اللافت في ما جرى منذ اسبوع في تونس كان سرعة انتقال ما وصف في البداية احتجاجات سلمية وتوسعها في ظرف وجيز إلى عدة مناطق داخلية وبشكل متزامن. من كان يقف وراء ذلك؟ ومن هي «الاياد الخبيثة « و»الاطراف المشبوهة» و»التيارات الهدامة» التي أشار إليها الرئيس الباجي وعدة مسؤولين اخرين، واعتبروها المحرك والمحرض على ما تحول إلى عمليات بلطجة ولصوصية وترويع؟ لا تسمح هشاشة الوضع الداخلي ودقة الظرف الاقليمي للسلطات بالافصاح بشكل مباشر عن الاسماء والجهات، لان ذلك سيكون بمباثة صب الزيت على النار، في وقت تحتاج فيه تونس إلى الهدوء اكثر من اي شيء اخر. لكن المؤكد أن تجربتها الديمقراطية وخيار التعايش والوفاق الذي اعتمدته هو المستهدف الاول والاخير بالتخريب والتدمير. ومن الواضح أن النجاح التونسي صار يثير انزعاج الكثيرين في الداخل والخارج، رغم أن التجربة لاتزال في بداياتها. والسؤال الذي يفرض نفسه هو إلى متى تستمر تونس بالصمود رغم محدودية مواردها ومتاعبها الاجتماعية والاقتصادية والامنية الكبيرة وقوة ونفوذ المتربصين بها من كل مكان؟ ما قاله الباجي قائد السبسي في خطابه الاخير هو أن «عودها صلب» وما ينتظره التونسيون من وراء ذلك التأكيد هو أن تكون تلك الثقة التزاما عمليا وناجزا بمواصلة طريق الديمقراطية الصعب والمحفوف بالمخاطر إلى النهاية وليس مجرد وعد انشائي من قبيل وعود اولاند الجمعة الماضي لرئيس حكومتهم الحبيب الصيد.
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
لا خير في من يشحت من المستعمر. فرنسا عليها أن تلتزم قدرها لأنها جزء مما يحصل الآن في تونس. إذا استمرت فرنسا حشر نفسها في تونس فإنها قد انحدرت إلى الحضيض لأن وجهها سوف يمرغ في التراب أو بالأحرى في الوحل. إذا كانت لامبدوزا قبلة الذين يحرقون إلى أوروبا فإن مرسيليا سوف تكون الوجهة الحقيقية ومباشرة إلى فرنسا. وفرنسا تعي جيدا ياجوج وماجوج التوانسة. فرنسا مدعوة إلى سحب سفيرها وقطع علاقتها مع تونس لأن فرنسا لم يأت منها الخير وقد استنزفت كل المقدرات ولم تستنفذ تدمير تونس بالإرهاب بشقيه المادي والمعنوي والموجه ضد الشعب التونسي. فرنسا مدعوة إلى تعويض الشعب التونسي جراء إجرامها وأن تعتذر للشعب التونسي وأن تسلم آبار النفط إلى الدولة التونسية وأن تكف عن نهبها للفسفاط والملح. وأن لا تتدخل في شؤون تونس.
كل دعم في الوقت الحاضر مرحب به
الاقتصاد التونسي يعاني من قلة الموارد و انكماش الاستثمار
يبقى الاستثمار العمود الفقري لمقاومة البطالة و دفع النماء
مهم كان شكل الحكومة و الوزراء المعينين فلا نمو ولا تقدم مادام لم تنتهج هذه الحكومات سياسة اقتصادية تراعي المعطى الاجتماعي وتعمل على تقليس الفوارق بين الجهات
الصمود ممكن مابقي صمود التحالف الحكومي وقدرته على إقناع الشعب بان لا بديل عن الاستقرار السياسي والامني وان من يريد ارباك الوضع يريد إسقاط السقف على الجميع وان المراهنة على القروض والمساعدات الأجنبية رهان خاسر حيث لم يعد هناك من يدفع بدون مقابل او يجسد وان ذاك “الاسناد البلاغي والانشائي للديمقراطيات الناشئة “هو ضحك على الذقون
اعتقد ان الإدراك بخطورة الوضع وان الحل هو في كلمة السر التونسية (التوافق) وفي الحوار من احل الصمود على الطريق الصحيح والسير فيه ولو ببطىء من اجل تحقيق أهداف الثورة وخاصة التشغيل والتنمية لقطع الطريق امام أسباب الفوضى والارهاب الذين يهددان صمود تونس وابتعادها عن المآسي التي حلت بأكثر من بلد عربي
ستبقى تونس استثناء في كل شيء، لن يتركوها تسقط كما سقط غيرها ،فلن تجوع ولن تشبع مادامت مخلصة لفرنسا تابعة لها اقتصاديا وثقافيا
مصائب تونس الاجتماعية بدأت منذ السبعينات عندما تخلت الدولة شيئا فشيئا عن القطاع العام وباعته لرأسمالية طفيلية أنانية غير إنتاجية.وهي تجني اليوم ثمار سياساتها الإرتجالية سياسة اقتصاد السوق المتوحش لتصبح خاضعة بالكامل لإملاءات صندوق النقد الدولي.
ورجال اعمالها طفيلييون خربوا الاقتصاد ولم يدعموه بشيء ولم يستثمروا إلا في المشاريع الاستهلاكية الهشة التي لا تتقدم بالاقتصاد من فنادق إلى مطاعم إلى تجارة التوريد….
اما اعتمادها على الدين فهو مسكن وقتي والخوف ان تصبح عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها تجاه الدائنين
مهمة الشباب الآن أن يعمل ولا يحتقر الأعمال المرهقة و المتعبة عضليّا، لا يمكن أن نبحث عن الأعمال السهلة فهي لا تدر الربح الكثير. تلزمنا المغامرة في العمل و المخاطرة. الكل منا ذاق مرارة البطالة لكن ماذا نفعل غير خلق الحلول و استنبات مواطن الشغل..
يجب تأميم ثرواتنا البترول والملح والفسفاط ونرفع يد المستعمر الفرنسي عليها بصفة نهائية وعندها لا نستجدي أموالا من أحد