في كل يوم يوجه الانتقاد إلى ضعف التضامن الرسمي العربي في شتى المجالات، ونعيب على الحكومات العربية ندرة تحركاتها المتناغمة والمشتركة لمواجهة الأخطار التي يتعرض لها هذا الجزء من الوطن العربي أو ذاك.
لكن هل تفضل قوى المجتمعات المدنية العربية حكوماتها في التحرك النضالي المتناغم المشترك، إبان تعرض بعض أجزاء الوطن العربي للمحن وللاعتداءات الخارجية؟ هذا سؤال واجب طرحه في الفترة الحالية التي يتعرض فيها الشعب العربي الفلسطيني لمحن القتل والحصار والاعتداءات الصهيونية المتصاعدة والشاملة لكل أرض الوطن الفلسطيني.
دعنا من ردود أفعال الحكومات العربية، التي لا تزيد عن إصدار بيانات اعتراضات كلامية باهتة لا يقرأها أحد ولا تأخذها الدول المؤثرة في الساحات الدولية بجدية ولا حتى بأي اعتبار، إذ تعلم تلك الدول أن لن تعقب البيانات أيُ أفعال من أي نوع كان.
لكن ردود أفعال قوى المجتمعات العربية المدنية، وعلى الأخص السياسية منها هي المحيرة، وهي التي تفصح عن عجز ولامبالاة خطرة. فاذا كان خروج مجموعات صغيرة للتظاهر في هذه العاصمة العربية أو تلك بدون تنسيق، أو وقوف العشرات أمام بعص السفارات الأجنبية أو بعض مقار الأمم المتحدة، لإبداء الاحتجاج على التصرفات الصهيونية الإجرامية، هو أقصى ما تستطيع قوى المجتمعات العربية فعله تجاه قضية عربية وجودية غير مختلف حول أهميتها ومحوريتها في الحياة العربية عبر السبعين سنة الماضية، فإننا بالفعل أمام محنة كبرى في العمل النضالي الجماهيري المشترك، بل، إذا قارنا ذلك بما كان عليه الحال في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، عندما كانت الحراكات الشعبية النضالية، حتى العفوية منها، في الشارع العربي أمواجاَ من البشر الغاضبين المعربين عن مواقف وطنية أو قومية تضامنية واضحة، تجاه ما كان يحدث في فلسطين أو مصر أو الجزائر على سبيل المثال، إذا قارنا المشهدين فإننا أمام كارثة قومية مأساوية في حياة العرب.
سينبري أحدهم ليسأل: وما فائدة المظاهرات، أليست صراخا لا جدوى منه في وديان العجز العربي الرسمي والتغُل الصهيوني والإمبريالي الذي لا يأبه لذلك الصراخ؟
الجواب مع الأسف هو نعم، إلا إذا توفُر شرطان أساسيان:
أولاَ: توفر ما نادى به الكثيرون مرارا وتكرارا، ونعني به تكوين شبكة او جبهة أو تنظيم من بعض القوى المجتمعية المدنية العربية ذات المصداقية والحيوية، وعلى الأخص السياسية منها، لتصبح مرجعية مشتركة تناقش القضايا القومية الكبرى، وتتخذ قرارات بشأن ما يجب أن يكون عليه رد الفعل المجتمعي العربي، وتطلب من أعضائها تنفيذ تلك القرارات في ساحاتها الوطنية المحلية بالتنسيق والتعاون مع القوى غير الأعضاء في الجبهة/الشبكة/ التنظيم/ أياَ يكون الاسم. عند ذاك ستكون الحراكات الشعبية العربية في وقت واحد، رافعة للمطالب نفسها، لافتة لأنظار العالم بسبب حجمها وانتشارها، مأخوذة بعين الاعتبار من قبل الأنظمة الرسمية العربية.
ثانيا: سواء أقام ذلك التنظيم المجتمعي العربي أم لم يقم، فان المظاهرات بشأن فلسطين يجب ألا تقتصر على الاحتجاج المؤقت، بل يجب أن ترفع وتناضل من أجل مطالب محددة من حكومات بلدانها، فحيث هناك تبادل سفراء يتجه النضال للضغط من أجل سحب السفراء، وحيث توجد مكاتب يتجه النضال من أجل إغلاق المكاتب، وحيث يوجد تنسيق أمني وتبادل معلومات استخبارية يجب أن يتوجه النضال لإنهاء ذلك التنسيق، إلخ، المهم أن تستمر المظاهرات، ولو متقطعة، حتى تتحقق تلك المطالب.
المظاهرات ذات الشعارات والمطالب العامة لها تأثير محدود ونفسها قصير، أما المظاهرات ذات الشعارات والمطالب المحددة فإنها ذات أثر كبير لأنُها ستستمر طالما أن مطالبها لم تتحقق. لنتذكُر الفرق بين مظاهرات الشعب الأمريكي الهائلة المستمرة لإيقاف الحرب الأمريكية – الفيتنامية التي لم تتوقف حتى أوقفت الحرب، وبين المظاهرات الأمريكية التي رفعت شعار الاحتجاج على الممارسات الاقتصادية العولمية غير المحددة، التي توقفت وفشلت بسبب عمومية المطالب وغموض الأهداف الواضحة المطلوب الوصول إليها.
ردُ الفعل المجتمعي العربي تجاه تضحيات الشعب الفلسطيني المفجعة في وجه البربرية الصهيونية، لا يقل في عجزه عن ردُ الفعل المجتمعي تجاه ما ارتكبته الجهادية التكفيرية من بشاعات تجاه معتنقي الديانة المسيحية من ذبح وتهجير، أو تجاه النساء من سبي وبيع وشراء واغتصاب، أو من تدمير لأروع أشكال التراث الحضاري العربي، أو قتل للأبرياء في الأسواق والمساجد والمآتم. لقد آن الأوان أن يلتفت المفكرون والكتاب والإعلاميون والعاملون في السياسة إلى موضوع العجز المجتمعي العربي النضالي المشترك لينقذوا هوية العروبة من جهة، وليعيدوا للنضال العربي المشترك حيويته وفاعليته. ولنتذكُر ما فعله ذلك النضال المشترك من إنجازات إبان تاريخنا القريب عندما ساهم بفاعلية في دحر الاستعمار وفي إسقاط معاهدات مشبوهة وفي دعم نضالات مبهرة في ساحات الجزائر وقناة السويس وفلسطين على سبيل المثال.
مراجعة موضوع النضال الشعبي العربي المشترك أصبحت قضية عربية وجودية بامتياز.
٭ كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
مع احترامي لك يا سيد فخرو،الاعلام هو المحرك الرئيسي لكل شيء،وبما ان الاعلام العربي بمجمله فاسد ،فحراك الجماهير يبقى محدودا،انظر مثلا الى ملاعب كرة القدم في نهاية الأسبوع،تجد في عالمنا العربي عددهم مءات الآلاف ،اما المظاهرات والاحتجاجات ضد اسراءيل فهي في أحسن الأحوال عدة مءات،وطبعا لو كان هناك وعي ثقافي في كل طبقات المجتمع عن ما هي الصهيونية وماذا تريد من سوء لكافة الشعوب العربية لكانت النتائج افضل بكثير مما هي عليه الان،
التحرك الجماهيري من مظاهرات وإعتكافات هامة جداً وخصوصاً عندما تكون موجهة أيضاً إلى سفارات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والدول التي تدعم إسرائيل وتصوت إلى جانبها في هيئة الأمم وتبرر عدوانها. كما أن الإحتجاجات ومقاطعة وسائل الإعلام التي تروج لإسرائيل وأكاذيبها وتبرر عدوانها مثل ال سي إن إن وال بي بي سي ضرورية جداً أيضاً كعامل ضغط لوقف هذا الإنحياز إلى جانب إسرائيل وما تمثله من عدوان وإحتلال وخرق شنيع لحقوق الإنسان والقوانين والقرارات الدولية. هذا أقل ما يمكن أن يقوم به الشباب والقوى الوطنية العربية للتضامن مع إخوتهم العرب في فلسطين وضد العدو المشترك للأمة العربية.
ياسيدي سلبوا من حرية التعبير و حرية التنظيم التي هي مزرعة الفكر الحر و نمو النخب.
قضينا عقودا طويلة في القرن العشرين و نحن نرفع شعارات الحرية و الاستقلال. و عندما حصلنا على ذلك استكثر ابنائنا علينا الحرية و الديموقراطية. و ادعو اننا شعوبا لا تصلح فيها الديموقراطية، مع اننا نرى رأي العين شعوبا كانت خلفنا بمقياس التقدم تجاوزتنا و فرضت نفسها على خارطة العالم بالحرية و الديموقراطية. ومع اننا نري رأي العين ان الامم تتخلف بحكم العسكر مهما كان و تتقدم بحكم الشعب مهما كان.
حتى لو كان الحاكم بامره انزه و اشرف الناس فان التنمية تتم بالانسان و من اجل الانسان. لا بارادة حاكم و لا بمجموعة محدودة. فما بالك بالفساد و الافساد و العدوان.
الفرق بين اليوم و الامس اننا بلامس قاتلنا الاستعمار اما اليوم فقد استطاعت انظمتنا السياسية تجريف النشاط الاجتماعي بتقييد التنطيم الحزبي و النقابي و الاجتماعي و تقييد حرية الرأي و استعمال موارد الدولة في مكافحة اهل الرأي بل مكافحة الشعب نفسه.
ياسيدي سلبوا منا حرية التعبير و حرية التنظيم التي هي مزرعة الفكر الحر و نمو النخب.
قضينا عقودا طويلة في القرن العشرين و نحن نرفع شعارات الحرية و الاستقلال. و عندما حصلنا على ذلك استكثر ابنائنا علينا الحرية و الديموقراطية. و ادعو اننا شعوبا لا تصلح فيها الديموقراطية، مع اننا نرى رأي العين شعوبا كانت خلفنا بمقياس التقدم تجاوزتنا و فرضت نفسها على خارطة العالم بالحرية و الديموقراطية. ومع اننا نري رأي العين ان الامم تتخلف بحكم العسكر و الحكم الابوي مهما كان و تتقدم بحكم الشعب مهما كان.
حتى لو كان الحاكم بامره انزه و اشرف الناس فان التنمية تتم بالانسان و من اجل الانسان. لا بارادة حاكم و لا بمجموعة محدودة. فما بالك بالفساد و الافساد و العدوان.
الفرق بين اليوم و الامس اننا بالامس قاتلنا الاستعمار اما اليوم فقد استطاعت انظمتنا السياسية تجريف النشاط الاجتماعي بتقييد التنطيم الحزبي و النقابي و الاجتماعي و تقييد حرية الرأي و استعمال موارد الدولة في مكافحة اهل الرأي بل مكافحة الشعب نفسه.