لندن- «القدس العربي»: يحمل الهجوم على الرقة، المركز السابق لتنظيم «الدولة» وسلسلة من عملية التوسع وقتل جنود روس وأسر وقتل المقاتلين المنافسين ملامح عودة تنظيم «الدولة» مستغلاً التمزق الذي أصاب التحالف المعادي له. ويقول مراسل صحيفة «إندبندنت» كيم سينغوبتا إن التنظيم يخرج من الظل ويعود من جديد لساحات المعارك في سوريا. فعودة الجهاديين الذين أعلن التحالف الدولي عن هزيمتهم الكاملة تأتي وسط ديناميات متغيرة.
وتحدث سينغوبتا مع مقاتلين سوريين ومسؤولين غربيين وأكراد قدموا صورة معقدة عن المناورات التي تقوم بها الجماعات على جانبي النزاع وتتميز بتغير التحالفات والخيانة التي ساعدت على عودة واحد من أكثر الجماعات الجهادية دموية. مضيفاً أن هناك ما بين 8.000 – 10.000 مقاتل تابع لتنظيم «الدولة» في كل من العرق وسوريا، وهو ضعف العدد الذي بقي في العراق ضمن ما كان يعرف بتنظيم «الدولة» الإسلامية في العراق عندما انسحبت القوات الأمريكية منه عام 2011. واستطاع التنظيم بالعدد المتوفر تغيير صورته بعد ثلاث سنوات من السيطرة على مدن ومناطق شاسعة من العراق ووصل إلى أبواب العاصمة العراقية بغداد. ولا يزال زعيم التنظيم حراً طليقاً رغم ما ينشر من تقارير عن مقتله على يد الأمريكيين والروس. وكان آخر تقرير عن مصيره أنه أصيب بغارة جوية قام بها طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على بلدة القائم قرب الحدود العراقية – السورية.
خشية
يقول سامي عبدالله عبدو الذي قاتل مع عدد من الجماعات المقاتلة بما فيها أحرار الشام «ظلت الدول الغربية تقول لنا إن داعش هزم وانتهى وقضي الأمر» و «على الأرض نرى أن هذا ليس هو الواقع، فقد هرب الكثيرون منهم بسياراتهم وأسلحتهم وعاد داعش من جديد إلى هنا، فقد تغيرت الظروف ويستخدمون كل هذا لزيادة قوتهم». وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أمر بفك الإرتباط مع سوريا بما في ذلك خفض المساعدات للمشاريع العسكرية والمدنية. وتركز على مواجهة القوات الكردية التي كانت تقاتل تنظيم «الدولة» بدعم من واشنطن القوات التركية. وهناك حالة من السخط في المناطق التي سيطر عليها حلفاء الغرب بعد خروج تنظيم «الدولة» وذلك بسبب فرض الضرائب والخدمة العسكرية الإجبارية.
واتهمت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يسيطر عليها الأكراد إلى جانب مقاتلين عرب بعدم التحرك وإنهاء جيب يسيطر عليه مقاتلون أجانب تابعون لتنظيم «الدولة» خشية أن يخرج الغربيون ويتوقف الدعم الخارجي لهم. ولوحظ وجود قوي للكوماندوز الفرنسيين في سوريا لاستلام مكان القوات الأمريكية التي ترحل، ويقضي الفرنسيون الوقت كله لمنع النزاعات القاتلة بين كتائب المعارضة. وسيزداد النزاع مع وصول الدعم المالي من السعودية والإمارات للمساهمة في إعادة إعمار المناطق المدمرة. كما أن هناك خلافات وانقسامات داخل أوساط داعمي بشار الأسد الخارجيين. ويقوم الإيرانيون بسحب بعض قواتهم بضغوط من الروس. تريد موسكو حل واحدة من أكبر الجماعات المسلحة الموالية للأسد بما فيها الجناح المسلح لجمعية البستان التي أنشأها ابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف. وترفض الميليشيات هذه التغيير وكذا عدد من المؤسسات الأمنية الأخرى التي طلب منها الروس تخفيف حملات القمع والإعتقالات والتي أدت إلى حالة من الحنق بين السكان وساعدت على تغذية المعارضة. وفي الوقت نفسه عانى الروس من خسائر تكبدوها على يد تنظيم «الدولة» العائد بقوة حيث قتل أربعة وجرح خمسة أثناء هجوم على بلدة الميادين في محافظة دير الزور الغنية بالنفط الشهر الماضي.
وقتل حوالي 40 جهادياً في المواجهة. وقال مسؤول غربي: «استخدم تنظيم «الدولة» كل العربات التي حصل عليها وخاض معركة استمرت ساعة. وحقيقة استعدادهم التضحية بهذا العدد من المقاتلين في مواجهة واحدة يعني أنهم لا يعانون من نقص في الأعداد». وفي الأسابيع الماضية أعدم التنظيم أعداداً من عناصر هيئة تحرير الشام قرب بلدة سلقين في محافظة إدلب وقتل آخرين عبر زرع المتفجرات البدائية على الطرقات. ولوحظ زيادة في الهجمات التي نفذها تنظيم «الدولة» على منطقة الشامية البيضا غرب نهر الفرات وحضور بارز لقواتهم في حوض اليرموك ودير الزور.
ويعتقد أن انهيار الاتفاق بين هيئة تحرير الشام وتنظيم «الدولة» وراء الزيادة في العنف. تزعم هيئة تحرير الشام أنها اكتشفت «خلايا نائمة» لزرع قنابل بدائية وأنها قتلت 50 منهم. ورد التنظيم بقتل عناصر الهيئة الذين أسرهم. ويقول مقاتل إن واحداً من أسباب المواجهة هي أن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني يريد إظهار أنه يقوم بمواجهة داعش للحصول على دعم من دول الخليج وشطب حركته من قائمة الجماعات الإرهابية التي تعدها وزارة الخارجية الأمريكية. وقام عدد من المقاتلين الاجانب القادمين من الدول الإسكندنافية بالفرار من السجن ووجدوا ملجأ في الكتيبة المعروفة باسم «جيش خالد بن الوليد». وتقوم هذه المجموعة بتدريب حوالي 100 مقاتل على المواجهة في المناطق الريفية الجديدة التي تدخلها. ولكن عودة التنظيم إلى الرقة «العاصمة» السابقة والتي قدم سقوطها على نهايته يعطي صورة أنه كان رمزيا وأن التنظيم لم يتبعد كثيرا عنها. وقتل حوالي 20 من «قسد» في سلسلة من الهجمات في الرقة والقرى المحيطة بها مثل حمام التركمان والرصافة. ونفذ بعض هذه العمليات عناصر في الخلايا النائمة التي دخلت المدينة على مدى أشهر.
المغادرة من جديد
وهرب عصام إلى الحدود التركية وكان قد ترك الرقة بعد سيطرة تنظيم «الدولة» عليها وعاد بعد استعادتها «لكن كان عليّ المغادرة مرة أخرى لأن الوضع يزداد سوءًا. وتجبر قوات سوريا الديمقراطية الناس على الانضمام إليهم. ويقولون إن هذا واجبنا ولكن هذا استخدام للقوة ولا أريد الإنضمام». وأضاف طالب الهندسة السابق: «هناك غضب شديد بسبب الضريبة ويقوم الناس بدفع الرشاوى للمسؤولين وهناك مناوشات بين قوات سوريا الديمقراطية وكتيبة ثوار الرقة. وعاد تنظيم «الدولة» سرا إليها وهم خطيرون. وهناك من يقول إن الحياة كانت أفضل في ظلهم، وهذا أمر سخيف لكن الحقيقة هي أن الناس غير راضين». وهناك أدلة عن حملة يخطط لها التنظيم في البوكمال والبيضا حيث حدثت مواجهات مع ميليشيات تدعمها إيران. ويتهم الإيرانيون ودمشق القوات التي تدعمها الولايات المتحدة التي سمحت لتنظيم «الدولة» بالمرور للهجوم على هذه الميليشيات.
ويقول الكاتب إن التغيرات التي حدثت في داخل إدارة ترامب وصعود جون بولتون مستشاراً للأمن القومي أحيا خطة رفضها سلفه «أتش أر ماكمستر» تقوم على المواجهة السرية لإيران في سوريا. وهناك اتهامات للنظام السوري وأنه يغض الطرف بل ويسهل هجمات تنظيم «الدولة». ويقول الجنرال فليكس غادني، النائب البريطاني للقوات الدولية في سوريا والعراق «لا نزال قلقين حول عدم استعداد النظام السوري أو عدم قدرته التعامل مع التهديد. ومن وجهة نظرنا يبدو تنظيم «الدولة» قادراً على المرور داخل مناطق النظام وبحصانة».
وحسب ناشطين سوريين فقد التقى قادة من النظام وتنظيم «الدولة» في بلدة الحصن قرب السويداء في 17 حزيران (يونيو) وبعد ساعات تحرك 100 مقاتل من تنظيم «الدولة» إلى حوض اليرموك حيث تقدمت القوات التابعة للنظام إلى الأمام وسيطرت على مناطق جديدة. ووسط الإتهامات المتبادلة فقد زعم أن قوات سوريا الديمقراطية مترددة في الهجوم على منطقة هجين التي يتحصن فيها عدد من مقاتلي تنظيم «الدولة» بعضهم من الدول الغربية. وتم تأجيل العملية مرات عدة لأن القيام بها حسب بعض المصادر يعني نهاية فائدة قوات سوريا الديمقراطية للدول الغربية. وقال أبو مرتضى القائد سابق في سوريا الديمقراطية: «نعرف أن اهتمام الأمريكيين والأوروبيين الأخير هو المقاتلون الأجانب، ربما لم يكن العسكر ولكن هذا ما تفكر به حكوماتهم» و»لماذا نعطيهم المبرر لقطع دعمهم لنا بتنظيف كل الأجانب الذين جاؤوا للقتال مع داعش؟ وهذا هو رأي بعض القادة على ما نعتقد، وهناك عوامل أخرى وهي أن التحالف يريد ملاحقة الأجانب ولكن لدينا اولوياتنا». وهناك محاولات أخرى لحماية المصالح المتضاربة في الجانب الآخر من النزاع- أي النظام- حيث تحاول الجماعات المسلحة المؤيدة للنظام رفض محاولات الروس إعادة تنظيمها. وحسب تقرير أعده مجلس الشؤون الدولية الروسي والذي يضم ديمتري بيسكوف، المدير الإعلامي للرئيس فلاديمير بوتين واتهم «الميليشيات المسلحة والقبائل التي تعمل كمافيات والمتعهدين الأمنيين الخاصين والميليشيات القبلية والجهوية بالتأثير على استقرار النظام».
«شبيحة» على الحواجز
وجاء فيه: «كان واضحاً منذ البداية محاولتهم بناء جذور في مؤسسات الحكومة أو السيطرة على مصادر الدخل المتعددة. وليس سراً أن الشبيحة التي تعمل تحت ظل قوات الدفاع الوطنية تسيطر على الحواجز والتي تعني من الناحية العملية استخدام الطرق الفاسدة». ويقول التقرير إن حزب الله السوري الذي يموله حزب الله رفض تسليم نقطة التفتيش التي يديرها في منطقة المهاجرين في دمشق حسبما طلب الروس. وأرسلت قوات الدفاع الوطني عريضة للأسد طلبت فيها السماح لها الإحتفاظ بنقاط التفتيش، كما رفضت الإستخبارات الجوية سيئة السمعة طلب الروس التخلي عن نقاط التفتيش التابعة لها.
وتصف نورا الجيزاوي التي اعتقلت في سجون الأسد وكانت نائبة للمجلس الوطني السوري الكيفية التي ساعد فيها تشرذم المشهد السياسي على عودة تنظيم «الدولة»: «لم يتم تدمير تنظيم «الدولة» رغم زعم البعض وهم يستفيدون مما يحدث» مشيرة إلى ان التنظيم جيد في عملية التلاعب بالطرفين واستغلال مظاهر الحنق بين السكان في مناطق المعارضة وفي الوقت نفسه عقد صفقات مع النظام. وما نعرفه عن داعش مهما كان شكله فقد أظهر صبراً لتحقيق أهدافه وهو ما لم يبد من الجانب الغربي.
«فورين بوليسي»: حروب المدن جبهات جديدة ونزاعات الشرق الأوسط حولت مدنه لـ «ستالينغرادات»
يقول أنطونيو سابمياو الزميل الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إن حروب الشرق الأوسط تقوم بتحويل مدنه إلى «ستالينغرادات».
وفي مقال نشره موقع مجلة فورين بوليسي» قال فيه إن «مدن الشرق الأوسط أصبحت مجازاً استراتيجياً للنزاعات التي أصابت المنطقة. حلب هي اختزال للحرب الأهلية السورية والرقة والموصل كمركز للمعارك الأخيرة مع تنظيم «الدولة»، مصراتة وبنغازي تنويعات متكررة للإضطرابات المستمرة في ليبيا وعدن وتعز للنزاع في اليمن».
اليمن مثالاً
وأضاف أن النزاعات المسلحة أصابت المدن بشكل حاسم. وحروب المدن ليست جديدة لكنها أصبحت في عصر النشاطات الوحشية للمتشددين والمتمردين أرضاً لحروب قاسية ومستعصية. وأصبحنا نعيش في عالم قاتم يذكرنا بالذي تنبأ به الكاتب الماركسي مايك ديفيس في عام 2006: « ليلة بعد ليلة، تلاحق مروحية مقاتلة تشبه الدبور العدو الغامض في الشوارع الضيقة للأحياء الفقيرة قاذفة الحمم النارية على الأكواخ أو السيارات الهاربة وفي كل صباح ترد الأحياء الفقيرة بعمليات انتحارية وتفجيرات واضحة».
وأضاف أن مدينة الحديدة الميناء الرئيسي في اليمن وبسكانه الـ 600.000 نسمة أضيفت لحروب المدن المقلقة. وفيها تحاول القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة والسعودية إخراج المقاتلين الحوثيين منها وهم الذين يسيطرون على مساحات واسعة من غرب وشمال اليمن. ولم تؤد المناشدات الدولية إلى وقف العملية وجهود الأمم المتحدة التفاوض على موافقة حوثية لتسليم المدينة لها إلا إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بشكل يجعل المدينة تحت التهديد المستمر.
يقول سابمياو إن معظم الحروب الكبرى التي شهدها القرن العشرون تركزت على المناطق المدنية والحضرية، فمعارك المدن مثل ستالينغراد كانت الاستثناء لا القاعدة. وطالب الزعيم الصيني ماو تسي تونغ المقاتلين بالتحرك بين السكان مثل السمكة في الماء، وكان في هذا يفكر بالفلاحين الصينيين ولكننا اليوم نواجه لاعبين غير دول من الجماعات المسلحة والميليشيات الطائفية وتجد هذه سهولة في الاندماج بالسكان وجمع الأموال وعرقلة قمع الحكومات للمدن. ومن أهم الدروس التي تعلمناها أخيراً في حروب المدن هي أن حركات التمرد تستطيع استخدام المدن الواسعة وذات الكثافة السكانية كقاعدة عمل لها أو كدروع بشرية وللتعمية على أعدائهم. فالنزاعات والجماعات المسلحة التي تقف وراءها هي الآن مدمجة/مرفقة في بنية التجمعات السكانية في المدن. إلا أن هذا جزء واحد من شرح المسألة وهناك عوامل أخرى جذابة للفاعلين المسلحين، سواء كانوا جزءاً منها أو عوامل خارجية مثل ضعف وجود «الدولة» في الهوامش المترامية الأطراف ووجود اقتصاديات إجرامية عابرة للحدود.
وواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في النصف الثاني من القرن العشرين عملية تحضير سريعة بدون إدارة جيدة حيث زادت حصة السكان الذين يعيشون في المدن من أقل من نصف السكان في عام 1980 إلى نسبة 60% عام 2000. وتأثرت التجمعات السكانية المترامية الأطراف التي تأثرت بالتوترات السياسية والعرقية بشكل واضح.
واستطاع المسلحون الشيعة في حي الصدر الفقير ببغداد تحدي القوات الأمريكية طوال الوجود الأمريكي في العقد الأول من القرن الحالي. وظل 3 ملايين نسمة خارج مدى القوات الأمريكية ومتحدين للسلطات العراقية لمدة خمسة أعوام حتى قيام الجيش الأمريكي بحملة لإضعاف جيش المهدي عام 2008. وعليه فقد أصبحت النزاعات الحضرية المستعصية علامة واضحة وثابتة في حروب الشرق الأوسط. وخلال أربعة أعوام (2012- 2016) من القتال سويت أجزاء من مدينة حلب التي كانت مركز الصناعة في سوريا بالأرض.
وفي العراق استخدم تنظيم «الدولة» الموصل المرامية الأطراف كي يعوض مظاهر ضعفه أمام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وذلك خلال المعركة التي بدأت عام 2016 وانتهت عام 2017. واستخدم مقاتلو تنظيم «الدولة» القنابل البدائية والكمائن والحواجز وطائرات بدون طيار لتوسيع مساحة الحرب في المدينة. وكانت هذه هي الإستراتيجية الوحيدة التي سمحت له بمواجهة 105.000 من قوات التحالف. وتعتبر المدن مصدراً جيدا للثروة والربح. فقد ركز تنظيم «الدولة» على إعادة تنظيم البلديات بعد سيطرته على مدن مثل الرقة والموصل وفرض الضرائب وأرسل المفتشين والشرطة الدينية للتأكد من وصول الخدمات وجمع الفواتير.
عصابات التهريب
ووجدت عصابات التهريب الدولية الفرصة سانحة للعمل من المدن وكان باستطاعتها عرض خدماتها على تنظيم «الدولة» لتوفير النفط والأدوية والسلاح. وبعيداً عن العراق وسوريا تعتبر مدينة كراتشي مركز تهريب الهيروين الذي يدعم التمرد في أفغانستان. وفي الحديدة، فالمشهد جاهز لاندلاع حرب مدن مستعصية. فرغم ما عبر عنه التحالف الذي تقوده السعودية من أهداف وتقليل المواجهة قدر الإمكان في مركزها إلا أن المفوض السامي للاجئين في الأمم المتحدة يتوقع تركز القتال حول البنى التحتية والشوارع الرئيسية والمناطق المزدحمة بالسكان. وسيتوسع مدى الضرر أبعد من الحديدة نفسها، خاصة انها عاصمة اليمن الصناعية – الزراعية والمحرك الحيوي للتنمية. وكانت الدول المانحة ووكالات الإغاثة الإنسانية وخبراء الأمن قد حذروا في مؤتمر عقد العام الماضي في جنيف من أثر الحرب على المدن وأنها أصبحت تهديدا للتنمية الدولية وكذا أزمة إنسانية. وتوصل المؤتمر الذي نظم المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن الأثر غير المباشر للحرب وعمليات إعادة التأهيل طويلة المدى للبنى التحتية والناتج الصناعي وتوفير الوظائف والنظام الصحي وإمدادات الطاقة، في ضوء الدمار الذي حدث بسبب الغارات الجوية.
وفي النهاية على الحكومات وجيوشها والتمرد تجنب البنى التحتية وعدم استخدام المتفجرات في الأماكن الحيوية والمهمة للمدنيين. وهناك أسباب وراء استراتيجية وإنسانية وراء هذا، فاستمرار عدم الإستقرار وقلة التنمية التي تتبع النزاعات المسلحة تظل مصدراً يغذي التوترات المحلية ويزيد من مخاطر العودة مرة أخرى للنزاع. وفي وقت تتوسع فيه المدن حول العالم فإن منع نشوء حروب مدن طويلة يعد اليوم من أكثر التحديات الإستراتيجية التي تواجهنا اليوم.