تحتاج مصر الآن إلى ثورة تصحيح شاملة للانحراف (الفلولي) بالحكم بعد هبة الثلاثين من يونيو، تماما كما كانت الثلاثين من يونيو نفسها رغبة شعبية في تصحيح الانحراف (الإخوانى) بعد الثورة الأصلية في 25 يناير.
وقد كنا نتصور أن يقوم الرئيس السيسي نفسه بهذه المهمة، وأن ينهي الخلل والتناقضات الفادحة في النظام الذي يحكم به، لكن الرئيس تردد، وترك الأمور تجري على علاتها، وهو ما أدى بالحكم إلى حالة فوضى واختلاط صور، وعودة إلى السياسات القديمة نفسها، وتصاعد أزمات السياسة والاقتصاد، وتراجع التأييد الشعبى إلى حدود تنذر بالخطر، وبدون فارق ملموس سوى في دور الجيش الذي يحمى ويبني.
وقد لا نريد العودة إلى تأكيد البداهات، فثمة إنجازات لا تخطئها العين المنصفة، وبالذات في حركة المشروعات الكبرى، ومن نوع تنمية قناة السويس، وشبكة الطرق والمدن الجديدة، والشروع الطموح في استصلاح مليون ونصف مليون فدان للزراعة، إضافة ـ بالطبع ـ للبدء في تنفيذ محطات الضبعة النووية، والزيادة الطفرية في توليد الطاقة الكهربائية، وإنهاض الصناعات العسكرية، وتنويع مصادر السلاح، وتعظيم قوة الجيش، وإلى سواها من إنجازات مرئية، تديرها وتشرف عليها هيئات الجيش غالبا، وتوظف فيها مئات الشركات المدنية، ونحو المليون مهندس وفني وعامل مدني، ناهيك عن التطورات الإيجابية عموما في تقليص التبعية الموروثة للأمريكيين، وفي استعادة ملامح لاستقلال القرار الوطني، وصوغ سياسة خارجية مقبولة بصورة عامة، وإن اتسمت بالحذر والتردد، والحرص على تجنب التورط بالخطأ، وليس التقدم إلى مخاطرة محسوبة وصواب مطلوب، وكل ذلك مما قد لا يصح نكرانه، لكن المشكلة ـ مع ذلك ـ تبدو ظاهرة، فلا يمكن تطوير سياسة خارجية صحيحة، بدون سياسات داخلية لها الصحة نفسها، مقابل التخطيط النسبي في السياسة العربية والإقليمية والدولية، فلا تخطيط من أصله في الداخل، والفوضى المتخبطة تحكم الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، والتناقض محتدم بين التقدم إلى اختيارات وطنية غير مكتملة، والتراجع إلى اختيارات زمن الانحطاط في السياسة والاقتصاد، فضلا عن بؤس الخيارات واضطراب الأساليب، تبدو الحيرة والعشوائية ظاهرة في البحث عن أدوات التنفيذ، فلا يبدو من طرف في جهاز الدولة يعمل بإيقاع الرئيس سوى الجيش، وسوى رأسماليته النامية في المشروعات الكبرى، بينما تبدو الحكومة والبرلمان وجهاز الإدارة الفاسد في مكان آخر تماما، يسيطر عليها تحالف البيروقراطية الفاسدة ورأسمالية المحاسيب، وبصورة بدت كأنها القدر المفروض على الرئيس، لا يملك منه فكاكا، ويكاد يسلم بمصالحه، ويخضع لأهوائه، وإن حاول أن يفلت منها أحيانا، ويخوض ضدها معارك صغيرة متفرقة، قد تصيبها بجروح ورضوض سطحية، لكنها تعود دائما أقوى مما كانت، وتتصرف بشراسة وعنجهية، وتلوي ذراع الرئيس، وترغمه على إلغاء قراراته، على نحو ما جرى في إلغاء قرارات الضريبة الاجتماعية وضريبة أرباح البورصة، ثم على نحو ما يجري الآن من مافيا المستوردين، التي بلغت جرأتها حد عرض «رشوة» على الدولة و«صندوق تحيا مصر» الذي يديره الرئيس، فقد عرضوا مبلغا يصل إلى 110 مليارات جنيه على مدى خمس سنوات، مقابل إلغاء قرارات محدودة لتقييد الاستيراد الترفي، ولا بأس عندهم من أن يشتروا الدولة، كما اشترى رفاقهم مقاعد البرلمان، في تطور يكشف طبيعة القوى والمصالح المؤثرة في الحكم الراهن، فلم يدرك الرئيس بعد طبيعة الاختلاف بين تنظيم الجيش وتنظيم المجتمع، فتنظيم الجيش انضباطي، وعقيدته وطنية جامعة، وهو ما يختلف عن تنظيم المجتمع متعارض المصالح بطبعه، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، وصيحة «تحيا مصر» في الجيش مختلفة عن «تحيا مصر» في المجتمع، ولا بأس عند «رأسمالية المحاسيب»، أن تردد مع الرئيس شعاره الأثير «تحيا مصر»، لكنها تقصد «تحيا مصر» التي في جيب أغنياء النهب العام، الذين يشكلون مع امتداداتهم واحدا بالمئة فقط من المصريين، ويملكون نصف الثروة الوطنية بالتمام والكمال، فيما لا يملك التسعون بالمئة من المصريين، وهم جماع الفقراء والطبقات الوسطى، سوى الربع من فتات الثروة، ويقع أربعون بالمئة ـ على الأقل ـ من المصريين تحت خط الفقر الدولى، فيما يتهدد خمسون بالمئة خطر الوقوع إلى القاع، خاصة مع الغلاء المتوحش، وارتفاع تكاليف المعيشة، أضف ـ من فضلك ـ أعباء البطالة والبؤس والمرض، وتردي الخدمات العامة، وانقسام مصر اجتماعيا إلى «مصرين»، مصر «الكومباوندات» ومصر «العشوائيات»، وهذا هو الجحيم الاجتماعى بعينه، الذي لا يبدو الرئيس السيسي مباليا به، رغم كثرة كلامه عن «الغلابة»، وعن «الحنو« و«الرفق» بالشعب، وعودته إلى ترديد كلام المخلوع مبارك عمن يسميهم بمحدودي الدخل، بينما هم من منهوبي الدخل لا محدودي الدخل، ولا تصح معاملتهم على طريقة رمي الفتات، أو الكلام فارغ المعنى عن برامج «حماية اجتماعية»، لا تغني ولا تسمن، ولا تحجب حقيقة التفات الرئيس عن الانحياز للفقراء والطبقات الوسطى العاملة المنتجة، والتفاته إلى الانحياز ـ بالعمد أو بالترك ـ لتحالف أغنياء النهب، تحالف البيروقراطية الفاسدة ورأسمالية المحاسيب وعائلات الالتصاق المزمن بالجهاز الأمني، وهؤلاء هم «تحالف المماليك» الذين حكم بهم المخلوع مبارك، وهم «الأصول» التي نسميها إعلاميا بالفلول، ولم يستمع الرئيس السيسي إلى نصائح مبكرة بتصفية نفوذهم، وإجراء «مذبحة مماليك» يفتح بها طريقه إلى قلوب الأغلبية الساحقة من المصريين، بل حدث العكس بالضبط، وانتفخ تحالف المماليك، وتفشى الفساد بصورة أكثر غلظة وفجاجة مما كان عليه أيام مبارك نفسه، وجرى تجنيد طاقة الدولة وأجهزتها لإقامة حفلات تكريم الفساد والفاسدين، وغض الطرف عن قضية استرداد مئات المليارات الضائعة المنهوبة، التي وصلت في عمليات نهب الأراضي وحدها إلى تريليون جنيه، ناهيك عن التراكم المتصل لسرقات «خصخصة» و«مصمصة» الأصول والشركات، التي بلغت قيمتها عشرات التريليونات على مدى العقود الأخيرة، وقد جرى إغلاق الملفات كلها، والالتفات عن مبدأ العدالة إلى حالة التسليم بما هو كائن، والتغاضي عن التهرب من الضرائب والتهرب من الجمارك، بل وتخفيض الضرائب عن المليونيرات والمليارديرات، وجعل الحد الأقصى للضرائب في حدود 22.5٪ لا غير، وهو لا يساوي نصف ولا ثلث الحد الأقصى المعمول به في دول الدنيا الرأسمالية شرقا وغربا، وكأنه لا يكفي أغنياء النهب ما سلبوه، بل لابد من تدليلهم، وتمكينهم من تجريف و«شفط» ما تبقى من أصول البلد وبقايا عظامها.
هذه ـ للأسف ـ هي الصورة التي انتهينا إليها حتى الآن، والتي لا تسر حبيبا، مع تراكم فوائض القمع، وملء السجون بعشرات الألوف من الشباب غير المتهمين في قضايا عنف وإرهاب مباشر، ومع إحلال المقاولة محل السياسة، وزيادة سطوة الأجهزة الأمنية، التي تتداخل مصالح كبارها مع مصالح رأسمالية المحاسيب المهيمنة على الإعلام والمال، التي تواصل معاركها لاحتواء وحصار الرئيس السيسي، وإغراقه في تلال الأزمات الاقتصادية، وإشعال جنون الدولار، وتهريب مئات المليارات للخارج، ودفع الدولة بالإنهاك المتوالي إلى الخضوع التام، وهو ما يحدث الآن للأسف، وبتسليم وقرارات من الرئيس السيسي نفسه، تنزل بجبروتها على أم رأس الفقراء والطبقات الوسطى، وينسى معها أنه وعد سواد المصريين بتحسن المعايش بعد عامين من حكمه، ولم تبق سوى شهور قليلة على موعد الوعد الذي لا يتحقق، فيما يجري تغيير الخطاب الآن، والحديث عن ضرورة الانتظار لعامين أو لثلاثة أعوام أخرى، تدعى فيها غالبية المصريين إلى تقديم المزيد من التضحيات، وإلى شد الأحزمة على بطون فارغة، فقد انتهت تضاغطات الحكم الداخلية إلى النصر المبين لأغنياء ومماليك النهب، وصار على الفقراء والطبقات الوسطى أن يدفعوا الثمن من اللحم الحي، وأن يجري تحميلهم أعباء إصلاح العجز المريع في الموازنة العامة، وتدبير إيرادات مطلوبة للدولة المفلسة، وتحمل ما تسميه حكومة السيسي ـ وكلها من الفلول ـ بالقرارات «الصعبة» و«المؤلمة»، برفع دعم الطاقة رغم الانخفاض العالمي في أسعار البترول إلى الربع، ومضاعفة أسعار البنزين والسولار والغاز والمياه والكهرباء وتذاكر المترو ووسائل النقل العام، فوق إشعال غلاء السلع كلها بخفض وشيك كبير في سعر الجنيه، وهو ما يفاقم أعباء خدمة الديون، التي تزيد منها حكومات السيسي باللجوء إلى الاقتراض مجددا، وفرض شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، وفتح الباب لخصخصة «المصمصة» من جديد، وبيع البنوك والأصول والشركات العامة، وهو ما يعني بدء دورة نهب جديدة، تضيع فيها مصر بأكثر مما ضاعت، وتلغى القيمة الاجتماعية لأي إنجازات مضافة تتم، فالجواب ظاهر من عنوانه، والمطلوب فيه عصر الشعب المصري على طريقة «عصر الليمونة»، والمصريون بغالبيتــــهم الساحقة صبروا بما يكفي، وأعطوا الفرصة تلو الفرصة للرئيس السيسي برجاء تصحيح الأوضاع، لكنهم لن يصبروا هذه المرة بعد أن فاض الكيل، ولن يمرروا ما يسميه شريف إسماعيل رئيس وزراء السيسي بالقرارات «المؤلمة» التي لا تحتمل انتظارا، فلم يعد بالوسع تحمل المزيد من الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولم يقم المصريون بثوراتهم، ولا قدموا قوافل شهدائهم، ليحكمنا أغنياء النهب وسدنة الفساد، ولا يصح لأحد أن يستهين بالشعب المصري، ولا بغضبه الاجتماعي الذي تتوالى أماراته، فالشعب وحده صاحب ثورته، وهو القادر على تصحيحها بحركة الناس السلمية، ومصر قد تبدو هادئة كصفحة النيل، لكنها في لحظة، قد تنقلب إلى بلد داهس كأقدام الفيل، وقد أعذر من أنذر، فاستفيقوا يرحمكم الله قبل فوات الأوان.
٭ كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
كل هذه المصائب ، و من ثم القاء اللوم على الآخرين انهم لا يجارون سرعة القائد الضرورة ؟!
البلد منهوبة الى قاعها ، و القبضة الحديدية تسحق الأبرياء و تملأ السجون بخيرة شباب و شيب مصر و بخيرة عقولها ، اهانة و تعذيباً و قتلاً و تشريداً و السيد كاتب المقال يطالب “السيد الرئيس” بأن يفرق في التعامل بين المجتمع”الإنضباطي” للمؤسسة العسكرية و الأسلوب “المصلحي” لباقي المجتمع!
كعادة السيد كاتب المقال ، الخلل في كل شئ في مصر ، الا في الرئيس و ايقاعه !!
هكذا يتم صناعة الطغاة …خاصة عندما يأتي الطاغية جاهز خلقة !!!
الرئيس مرسي لم يكن ملاكاً هبط من السماء ، و بالتأكيد بشر له اخطاءه ، لكن كان هناك عقداً اجتماعياً لمدة 4 سنوات مع الشعب الذي انتخبه، يطبق خلالها برنامجه ، و بدأ حسابه الشديد منذ. اليوم الأول ، و اعترف المدعو “محمد ابراهيم” وزير الداخلية السابق انه لم يكن يطيع و يطبق اوامر الرئيس ،وكذا اعترف أكثر من رئيس لمؤسسة ، و ناصب الرئيس و طاقمه العداء كل هؤلاء الفلول الذين رجعوا للتحكم بالسلطة ، كل ذلك منذ اليوم الاول ولمدة تقل عن العام ، و في محاسبات منقول بعضها على الهواء بطريقة شديدة الغرابة من اجل اسقاطه ، و رغم ذلك لم يُسجن احد ،معارض او غيره ، او يطارد او يعذب في عهده القصير، و منهم اعلاميون تجاوزوا كل خط احمر ، و رغم انني كنت من الذين كتبوا في اكثر من مناسبة ان ترشيح جماعة الأخوان لرئيس منهم سيكون خطأ سياسياً قاتلاً ، وهم انفسهم فعلوا ذلك ، قبل أن يغريهم الشارع كونهم الجماعة المنظمة الوحيدة لإفراز قياديين يرغب بهم المجتمع وفق قواعد اللعبة الانتخابية ،
يتبع ….
…تتمة
وجرى ما جرى على اية حال ، و نكث الرئيس الحالي بقسمه الذي اداه امام رئيسه و خانه و اختطفه و انقلب عليه ، و مصر التي يصر بعض الأخوة هنا على ان فيها الدنيا ربيع و الجو بديع ، ذاهبة الى الهاوية ، و الارقام و الحقائق هي التي تتكلم و ليس انا …الدولار وصل الى اكثر من 9 جنيهات مما يعني أن الجنيه فقط أكثر من نصف قيمته في اقل من سنتين (كان بحدود 6 جنيهات على عهد مرسي القصير جداً)
اقول بكل حب و عشق و حرص على مصرو أهلها و اسأل كاتب المقال و المؤيدين للإنقلاب ، ماذا لو صبر الجميع ؟! و اطاع المسؤولون رئيسهم المنتخب و نفذوا برنامجه ؟!!
لم يكن احد في السجون و كان هناك خطط و مشاريع ، لا اقول ان الأمر كان سيكون وردياً و سعيدا تماما و كل شئ عال العال ، لكن بالتأكيد افضل من هذا الوضع بمراحل!
ثم انه كان سيكمل دورته هذه السنة ، و بسلمية تامة كان الناس سيذهبون الى الصناديق لاتخاذ قرارهم بكل اريحية ،دون اي انقسام و دون اي ظلم بشع و دون اي احنا شعب و انتو شعب ، كان هذا فقط سيكون كافياً لو سارت الأمور كما في الدول المتحضرة ، حتى لو كانت بقية المؤشرات الأقتصادية و فرضاً هي نفسها و بهذا السوء ، فحقن كل هذه الدماء و منع كل هذا الانقسام و هذا التوتر ، كان ثمناً يستحق الدفع في انتظار الرئيس مرسي و من حوله يكمل دورته الرئاسية التي اختاره الشعب لها بكل شفافية ، مهما كانت سيئة ، لم تكن الأمور لتصل الى هذا السوء غير المسبوق.