تستمر إسرائيل في ارتكاب المزيد من المجازر والقتل والتدمير ضد الشعب الفلسطيني وغيره، وبالرغم من التوثيق الموزع على أجهزة الإعلام الإسرائيلية والعالمية والعربية، وسرد أدق التفاصيل عن ما قامت وتقوم به القوات الإسرائيلية، مع ذلك فإن إنكار ما حصل يتوالى بين فترة وأخرى، من قبل الإعلام والساسة الإسرائيليين، وتلك سياسة ممنهجة على ما يبدو: أقتل وشرد ودمر واحتل، وبعد مضي سنوات قليلة، انكر أنك فعلت ذلك، وما على السياسة الرسمية والإعلام إلا ترويج إنكارك وأكاذيبك الكبيرة، فالفلسطينيون بحسب الإعلام الرسمي الإسرائيلي، خرجوا من بلادهم غير مطرودين بالقوة الغاشمة، وبشاعة المجازر (دير ياسين على سبيل المثال) وإنما استجابة لنداء من الزعماء العرب!.
كما أن رئيسة الوزراء السابقة في مرحلة السبعينيات (غولدا مائير) كانت زعمت في تصريحات لها «أن الفلسطينيين لم يوجدوا في فلسطين»! كما أن أحد أبرز المؤرخين في إسرائيل، وأعني به بني موريس تراجع عن توثيقاته في كتبه المشهورة عن التفاصيل التي أوقعتها المنظمات الصهيونية، وبعد ذلك الجيش الإسرائيلي الرسمي من قتل وتدمير وطرد للفلسطينيين من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وأخذ يبرر الأفعال البشعة الدموية التي أوقعتها القوات النظامية الإسرائيلية بالفلسطينيين، وأن الأفعال تلك قد تكون فرضتها ظروف الحرب أو دفاعا عن النفس، أو عن سكان المستعمرات الصهيونية.
وحتى إزاء حادثة الشهيد الطفل محمد الدرة، وصلت سياسة الإنكار الإسرائيلية إلى حد الزعم أنه قد تكون نيران المنظمات الفلسطينية هي التي أودت بحياته، علما أن كاميرات التصوير والأجهزة الإعلامية وثقت بالصوت والصورة الحدث بتفاصيله ومجريات حدوثه. وحتى أطفال (الشاطىء) في غزة (أربعة أطفال من عائلة بكر) أثناء الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، دفعت سياسة الإنكار الإسرائيلية المعهودة إلى تصوير الأمر، وكأن القتل قد حدث نتيجة خطأ في الاعتقاد أن الأطفال الأربعة ربما كانوا من المقاومين، فتم إطلاق النار عليهم واحدا تلو الآخر، ولولا وجود مجموعة من الصحافيين والمصورين بالقرب من المكان، حيث وثقوا حصول ما حدث، لكان الإعلام الإسرائيلي ربما استمر في سياسة الإنكار المتمادية في الكذب وفبركة ادعاءات مخالفة تماما للحقيقة.
كفر قاسم أيضا وأيضا
من أبرز حيثيات قلب الحقائق والإنكار في سجل الإعلام والسياسات الإسرائيلية، ما جاء على لسان وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين من حزب الليكود عن مجزرة كفر قاسم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق سكان القرية والقرى المحيطة بها في 29/10/1956، أي في اليوم نفسه الذي شنت فيه القوات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية هجومها الثلاثي على مصر وغزة، حيث أنكر الوزير الإسرائيلي وقوع مجزرة في القرية ومحيطها، في حين تصدى له أحد النواب العرب في الكنيست، وفند أكاذيبه وإنكاراته الوقحة عن ارتكاب مجزرة في كفر قاسم، ومن وقائع ما حصل كما جاء في «القدس العربي» في 3/11 2016 ننقل التالي:»ستون عاما مرت على ملحمة كفر قاسم داخل أراضي 1948 وإسرائيل تواصل تنصلها من المسؤولية بالتجاهل والتهرب، إذ أقدم وزير السياحة فيها ياريف ليفين (من الليكود) على إنكارها والتشكيك بحقيقة وقوعها، ودفع هذا التمادي ابن كفر قاسم النائب عيساوي فريح من حزب ميرتس، لتقديم شكوى إلى لجنة الأخلاق البرلمانية ضد ليفين، بعدما زعم أن استخدام مصطلح «مجزرة» بشأن قضية كفر قاسم، هو استخدام كاذب، واتهم الوزير ليفين بمحاولة متعمدة لتزوير التاريخ، وخلق رواية تاريخية ترضي إسرائيل. وكتب فريح وهو ابن لعائلة فقدت اثنين خلال المجزرة في رسالة بعث بها إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وفيها أشار بالتلميح للمحرقة «كما تحارب إسرائيل من ينكرون التاريخ خارجها يجب أن نحارب الإنكار التاريخي فيها».
الجدير ذكره أن السرديات حول مجزرة كفر قاسم والتي ذهب ضحيتها 49 شهيدا وشهيدة وعشرات الجرحى، والتي تم نقل الوقائع المتعلقة بها بتوثيق وتفصيل في أجهزة إعلام عديدة إسرائيلية وعالمية وعربية، ونتيجة الكشف عن هذه التفاصيل، فإن القضاء الإسرائيلي أضطر إلى محاكمة الضباط والجنود الذين ارتكبوا المجزرة، وأصدرت المحكمة أحكاما عديدة تدين المرتكبين، صحيح أنها مخففة، إلا أنها أقرت في النهاية بارتكاب الجيش الإسرائيلي للمجزرة، والتي كانت تهدف إلى استكمال تشريد سكان المثلث الصغير المحاذي للحدود الأردنية، وبين ذلك سكان قرى كفر قاسم والطيبة وكفر برا وجلجولية والطيرة وغيرها، والتي كان يبلغ عدد سكان هذه القرى نحو 400 ألف نسمة في تلك الفترة، إلا أن مخطط التهجير القسري الدموي فشل في تحقيق أهدافه، وبقي سكان القرى في أراضيهم التي أخذت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصادر أراضيها مساحة بعد أخرى.
إن سياسة الإنكار هي من العناوين البارزة في المسيرة التاريخية للمنظمات والحكومات الصهيونية المتعاقبة في فلسطين المحتلة وخارجها، وإنكار ارتكاب مجزرة في كفر قاسم هي واحدة من انكارات كثيرة تجاه الفلسطينيين والعرب الآخرين.
كاتب فلسطيني
سياسة الإنكار،من مؤشرات الدول الفاشلة،وإن إدعت بغير ذالك،وتسويق المبررات،عن طريق كاذب رسمي أو رافض،لذكر
إسمة،دليل آخر على بؤس وتعاسة السياسيين،وفساد منهجهم !.