«إن الدول العربية باتت تدرك أن الخطر الحقيقي على المنطقة ليس إسرائيل».
هكذا اختصر وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان، الوضع الراهن الذي آل إليه
الصراع العربي الإسرائيلي، حيث جَنَى الكيان الصهيوني ثِمار عقود من العمل على التطبيع، كان أقرب مظاهره الخرس والصمم الذي أصاب الأنظمة والحكومات إزاء إغلاق المسجد الأقصى، ما جعلني أستدعي قصيدة نزار قباني «متى يعلنون وفاة العرب»، التي قال فيها:
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
ولكنني ما رأيت العرب
لقد رأى قومنا أنه آن أوان تصفية القضية الفلسطينية، فأرادوا انتفاء العداوة المتجذرة للكيان الصهيوني في عقول الأجيال، منذ ولادة ذلك الكيان اللقيط، ومن ثمّ أوهموا الشعوب أن الخطر الحقيقي لا يأتي من جهة العدو الصهيوني، لذا ينبغي التفرغ والتعبئة لمواجهة المشروع الإيراني الأكثر خطرا.
قبل أن يشرد خيال القارئ، أودّ التأكيد على أنني لا أعني بتلك الكلمات التقليل
من خطر إيران، وإنما أنتقد محاولة إخراج الكيان الإسرائيلي من دائرة الصراع -الذي يعني التخلي التام عن القضية الفلسطينية – بذريعة مواجهة الخطر الإيراني، الذي تُوهمنا الحكومات العربية بأنه أشد خطرا من المشروع الإسرائيلي.
إيران والصهاينة، كلاهما خطر يتهدد المنطقة، كلاهما يمتلك مشروعا لابتلاعها، والقواسم المشتركة بينهما أكثر بكثير مما يحاول الطرفان إخفاءه وإظهار عكسه. كلاهما له ساحة العمل نفسها، إلا أن الأولوية القصوى لإيران هي التركيز على الخليج والعراق، بينما أولوية الكيان الصهيوني التركيز على مصر والشام. كلاهما يعتمد على استراتيجية الدفاع عن نفسه خارج حدوده، في الحالة الإسرائيلية عن طريق التفوق العسكري الهائل، وفي الحالة الإيرانية عن طريق أذرعها الإقليمية. كلاهما يرى أنه الأكفأ والأقدر على السيطرة على المنطقة العربية، ويطرح نفسه باعتباره متفوقا على جيرانه العرب. كلاهما يعتقد أنه منفصل عن بقية محيطه ثقافيا وسياسيا وإثنيا. كلاهما يشترك في أولوية تفتيت المجتمعات العربية عن طريق سياسة التوتير المضبوط. وكلاهما قد عانينا من أذاه طويلا، من قتل وسلب للثروات وتضييع أجيال بأكملها.
الأحداث المتلاحقة تثبت أن تحييد العدو الإسرائيلي، أو الإيهام بذلك ليس
تكتيكا تتبعه الدول العربية بهدف التفرغ لمواجهة العدو الأشد خطرا ليتسنى لها مواجهة العدو الصهيوني بعدها، وإنما يتضح من المشهد أنه اتجاه لفرض صورة من التطبيع الذي يأخذ شكلا نهائيا مستقرا، تنتهي على قاعدته القضية الفلسطينية، والمبرر أمام الشعوب موجود: مواجهة الخطر الإيراني.
ليست مصادفة أن تتفق دول عربية حاصرت قطر (الداعمة للمقاومة الفلسطينية) اتكاءً على مبررات أبرزها العلاقات القطرية الإيرانية، في الوقت الذي تصدر فيه من الرئيس الأمريكي ترامب (رجل المرحلة)، تصريحات تدين العربدة الإيرانية في المنطقة، الأمر واضح، استغلال الخطر الإيراني في صرف الأنظار عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
لقد وصل العرب إلى ذروة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بما يشير بقوة إلى
أننا بصدد تصفية القضية الفلسطينية، وفق خطة آيلاند التي تقضي بتوطين
الفلسطينيين في غزة وسيناء. تتضح معالمها عندما نتابع الاشتعال الذي لا يُراد إطفاؤه في سيناء، وإخلاء الشريط الحدودي، ثم تعالي الأصوات في الوقت الراهن بإخلاء سيناء، لمواجهة الإرهاب الداعشي الذي صُنع خصيصا لهذه الأغراض. وتتضح معالمها في محاولة إيجاد إجماع عربي على شيطنة حماس، وتطويق الدول ذات العلاقات المفتوحة مع المقاومة الفلسطينية. وتتضح معالمها في إعادة إنتاج دحلان وإدراجه كعنصر أساس في حل أزمة قطاع غزة، التي يتعهدها الآن النظامان الإماراتي والمصري، مستغلين سوء الأحوال المعيشية في القطاع، التي تجعل إدارة حماس تلجأ للتفاهمات معهما على مبدأ الاضطرار في أكل لحم الميتة.
يزعم ليبرمان أن قيام بعض الدول بقطع علاقاتها مع قطر يعزز إمكانيات التعاون مع تلك الدول لمحاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف، هذا الإرهاب كما يفهمه الوزير الإسرائيلي هو ذاته الإرهاب الذي تنوي «دول الحصار» محاربته تحت عنوان «حركة حماس» حتى بعد التعديلات التي أجرتها على
ميثاقها التأسيسي بهدف الاقتراب من المجتمع الدولي، وليس صدفة عابرة أو عاثرة أن تصدر من الدوحة المتهمة بدعم «إرهاب» حماس. لكن لكل حرب مآلات تفضي اليها.. فهل أدركت «دول الحصار» مآلات حربهم على
«إرهاب حماس»؟ هل سترضى «دول الحصار» إقامة دولة تحت مسمى «دولة غزة» في مرحلة ما بعد حماس؟ هكذا تخطط دوائر صنع الحدث في الكيان الصهيوني لإنشاء كيان على أنقاض غزة المدمّرة المنسلخة من الجسد الأم على أراض تمتد إلى داخل شبه جزيرة سيناء. لكن لماذا كل هذا العداء على حركة هي تمثل البقية الباقية من التشبث بالحق في مقاومة الاحتلال والعدوان؟
لم تعد المسألة مسألة حركات أو تيارات أو تطرف أو إرهاب؛ إنها مسألة بناء شرق أوسط جديد يقال إنه سيقام على أسس نبذ الكراهية والعنف والتشدد والسلام بين العرب واسرائيل، هكذا قال أنور عشقي رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط في جدة، وبهذه الرؤية بشّر السفير الاماراتي في واشنطن.
نعم إيران هي العدو، لكن لا ينبغي لنا الانشغال به عن عدو آخر يربطنا به
صراع وجودي، لأنه يتعلق بالقضية الفلسطينية التي هي مركز قضايا الأمة
الإسلامية والعربية وأصلها الذي تفرعت عنه الأزمات والقضايا والملفات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
إحسان الفقيه
من المخجل ان يقوم احد الكتاب العرب ممن يملكون قدر من الثقافة بمحاولة تشبيه دولة جارة لا أريد ان اقول مسلمة ناصرت القضية الفلسطينية بكل امكاناتها بدولة استعمار استطيطانية طردت شعبها ونكلت به وارتكبت ابشع المجازر. ما ابشع وأجهل من هكذا تشبيه. كيف يسمح المثقف العربي لنزعته الطائفية ان تتحكم به وبعواطفه لهذه الدرجة!!!! ويحكم من حكم الاجيال العربية القادمة.
تقول الكاتبة إحسان الفقيه:(… ليست مصادفة أن تتفق دول عربية حاصرت قطر (الداعمة للمقاومة الفلسطينية) اتكاءً على مبررات أبرزها العلاقات القطرية الإيرانية… ) إذا كانت قطر داعمة للقضية الفلسطينية- وهذا صحيح – ، وكانت إيران لها علاقات جيدة مع قطر إلى درجة أن هذه العلاقات أُتخذت مبررا من قبل بعض الدول العربية لحصار قطر، أفلا يمكن للبعض أن يستنتج من ذلك أن إيران تدعم ولو بطريقة غير مباشرة القضية الفلسطينية من خلال مساندتها لدولة قطر في محنة حصار الأشقاء لها ؟ الكثيرون يتجاهلون حقيقة أساسية وهي أن مشكلتنا كعرب من المحيط إلى الخليج ليست في معرفة وتحديد من هو العدو ومن هو الصديق، فذلك أمر سهل، إذ لايمكن للعدو إلا أن يكون عدوا، ولايمكن للصديق إلا أن يكون صديقا ، أعني أن هذه مسألة تتحدد ويمكن تعيينها بطريقة أو بأخرى، لكن مشكلتنا كعرب، أي مشكلتنا الأساسية وليست الوحيدة، هي أننا لا نملك مشروعا حضاريا، أي لا نعرف ماذا نريد ، وإلى أين نتجه ؟ بل ونكاد أن لا نعرف حتى من نحن ! وبسبب عدم إمتلاكنا لمشروع حضاري كعرب، فإن العديد من عوامل قوتنا تنقلب ضدنا، لأن عوامل القوة عندما لا تستغلها لمصلحتك فهي تنقلب ضدك، علينا أولا أن نضع مشروعنا الحضاري، بعدها ستتضح باقي الأمور، لا أقول من تلقاء نفسها، ولكن سيكون من الممكن حصرها وتعيينها ، وبالتالي إمكانية معالجتها ومواجهتها……هل إيران عدوة لنا ؟ أحترم رأي الكاتبة الذي أعربت عنه في هذا المقال ، ولكن وقياسا على رأيها وبنفس منطقها أسألها، هل تركيا عدوة للعرب أم لا ؟ الكاتبة لم تتطرق لهذه النقطة لأن من شأن ذلك أن يضعها في تناقض واضح، ما أريد قوله أن القضية ليست بالبساطة التي يتصورها البعض، من كان يتصور مثلا أن حصار قطر بهذا الشكل والحجم سيأتي من أقرب المقربين ومن الشقيقات الخليجيات ؟ والآن وفي هذه اللحظة بالذات إذا نحن طرحنا سؤالا مباشرا ، من هم أعداء دولة قطر ؟ فكيف سيكون الجواب ؟