بغداد ـ «القدس العربي» من مصطفى العبيدي: حفل المشهد العراقي بمؤشرات التصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، في إطار الصراع المستعر بين القوى السياسية المحلية حول الاستحقاقات كالانتخابات وأزمة الإقليم والميزانية، إضافة إلى صراع المصالح الإقليمية والدولية حول الكعكة العراقية.
ولعل الحدث الأبرز على الساحة العراقية هذه الأيام، هو عودة التهديدات والتحديات بين أمريكا من جهة وبين إيران وحلفائها في العراق من جهة أخرى. ففي أعنف محاولة لإرسال رسائل متعددة، شن مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي ولايتي من بغداد، أعنف هجوم إيراني على الوجود الأمريكي في العراق متوعدا بهزيمتهم وطردهم من المنطقة على يد ما اسماه بـ«جبهة المقاومة الإسلامية»، وكاشفا التدخل الواضح في المشهد السياسي عبر إعلانه «عدم السماح للشيوعيين والليبراليين باستلام الحكم في العراق». وفي السياق جاءت تصريحات عضو المجلس الثقافي للثورة الإيرانية رحيم ازغدي، بكون العراق ودول أخرى، تحت سيطرة إيران، داعيا إلى إعلان «الامبراطورية الفارسية».
وفي الوقت الذي تابع العراقيون والمراقبون، غياب رد حكومة العبادي والبرلمان على تصريحات ولايتي، بل وتسابق المسؤولون الحكوميون والقوى الشيعية في استقبال المسؤول الإيراني والثناء على دور بلاده في العراق وتأييدهم طروحاته، إضافة إلى تصاعد مطالبات وتهديدات شيعية بإنهاء أي وجود عسكري أمريكي في العراق، فقد اكتفت وزارة الخارجية العراقية بـ«رفض اعتبار العراق تحت الهيمنة الإيرانية»! ومن جانبها، رفضت بعض القوى السياسية السنية وبشكل خجول، وضمن الاستحقاقات الانتخابية تصريحات المسؤولين الإيرانيين، منتقدة الصمت الحكومي تجاه ما اعتبروه تدخلا إيرانيا علنيا في الشأن العراقي.
واعتبر المراقبون تصريحات ولايتي تندرج في إطار تأكيد إيران لدورها في العراق ومحاولاتها المعتادة لترتيب الشارع الشيعي والعراقي قبيل الانتخابات، كما تعكس قلقا إيرانيا لتحالف التيار الصدري مع الشيوعيين والليبراليين وتخوفها من ان يكون له قبول جماهيري واسع كرد فعل طبيعي لفشل القوى الإسلامية التي يحملها العراقيون مسؤولية تدهور أوضاع بلدهم.
وفي موقف هو امتداد لنهجه في محاولة الحفاظ على صلات متوازنة بين مصالح حليفيه الأمريكي والإيراني، فقد أعلن العبادي، ان «العراق لن يسمح باستغلال أراضيه ضد إيران من قبل قوات حلف الناتو»، إلا ان رئيس الحكومة استقبل مساعد وزير الدفاع الأمريكي روبرت كارم وبحث التعاون الثنائي بين البلدين والدعم الأمريكي للعراق، حيث تعهد المسؤول الأمريكي بـ «استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية للعراق»، كما التقى العبادي خلال مؤتمر ميونخ بقائد حلف الناتو الذي وعد بتقديم المزيد من الأسلحة والتدريب للقوات العراقية.
وفي الملف الأمني، شهد العراق أعنف هجوم لتنظيم «داعش» منذ إعلان العبادي القضاء على التنظيم في العراق، حيث أسفر كمين لعناصر التنظيم، قرب الحويجة غرب كركوك، عن مقتل 27 من عناصر الحشد الشعبي واحراق عجلاتهم والاستيلاء على أسلحتهم، ما فجر تساؤلات عن مدى خطورة جيوب التنظيم وخلاياه النائمة وقدرتها على توجيه الهجمات وعواقب التأخر في القضاء عليها. كما جاءت الحادثة فرصة ذهبية للقوى الطائفية الساعية لكسب أصوات الشيعة في الانتخابات عندما دعت إلى الرد على الحادث بـ«احراق الحويجة» على سكانها الذين لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل. بينما حمّل قياديون شيعة موالون لنوري المالكي، قوات مسعود بارزاني مسؤولية الهجوم وأشاروا إلى ان «وجود مئات الدواعش الهاربين من المعارك باتجاه قوات بارزاني، يجعل منهم ورقة ضغط كردية على الحكومة الاتحادية».
ويأتي ذلك في وقت ما زالت أزمة إقليم كردستان تراوح مكانها رغم تجديد العبادي ورئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني، على هامش مؤتمر ميونخ الأمني، تمسكهما بالإسراع في حلحلة المسائل العالقة بين أربيل وبغداد، وأبرزها ملفات النفط وحصة الإقليم في الموازنة الاتحادية.
وتحدثت حكومة العبادي، عن قرب حسم ملف إعادة فتح المطارات في الإقليم، بعد قبول الإقليم بعودة الموظفين الاتحاديين للإشراف عليه. مشددة في الوقت نفسه على أن «لدى الحكومة صلاحيات سـيادية لا يمكن التنازل عنـها ومنـها أمن المنافذ الحدودية والجوازات في إقليم كردستان».
وفي خضم تصاعد حمى الانتخابات المقبلة، تتبادل الأطراف السياسية، الاتهامات والانتقادات، حيث ادعى النائب الشيعي حنين القدو، وجود اتفاق «أمريكي ـ سني» لنشر قوات أمريكية في سهل نينوى والمناطق السنية للإشراف على الانتخابات المقبلة، محذرا من «مخطط» للتلاعب بنتائج الانتخابات. بينما أعلن عضو مجلس محافظة كركوك أركان البياتي ان «مجاميع مسلحة نشطت في الآونة الأخيرة في كركوك هدفها اغتيال عدد من الشخصيات البارزة والمرشحة للانتخابات من العرب والتركمان في كركوك» متهما «الحزب الديمقراطي الكردستاني بالوقوف وراء تلك الأعمال بهدف إثارة الفتنة بعد ان خسروا كركوك «الغنية بالنفط.
ودعا الممثل الأممي في العراق يان كوبيتش أمام مجلس الأمن إلى الرقابة الدولية على الانتخابات العراقية مؤكدا انها ستمنحها فاعلية أكبر، في تأكيد للمخاوف من عدم شفافية تلك الانتخابات، معربا عن قلقه من أن تسفر الانتخابات البرلمانية عن حكومة محاصـصــة، فيما دعا هيئة النزاهة إلى عدم السماح للمشمولين بقانون العفو العام وقضايا الفساد بالترشح إلى الانتخابات.
مصطفى العبيدي