إيران ستنشئ ممرا بريا من طهران إلى البحر المتوسط بإشراف سليماني وبدون نهاية معركة حلب لن يتحقق السلام… وبوتين مصمم على تعزيز دويلة الأسد في الساحل

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: في وصف الحالة السورية والتوتر الأمريكي- الروسي لا يوجد أفضل ما يعبر عنها سوى استعادة التوتر بين البلدين في فترة الحرب الباردة والنزاع على كوبا، طبعاً لم تكن روسيا في ذلك الوقت مجرد دولة بل إمبراطورية شيوعية اسمها الاتحاد السوفييتي.
وفي اللعبة الجديدة تقول صحيفة «صنداي تايمز» إنه لا يوجد ما يعبر عن التوتر المستمر إلا التغريدة التي أرسلتها السفارة الروسية في واشنطن وفيها صورة لصاروخ أس-300 موجه إلى المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرينست عليها تعليق أن «روسيا» «ستتخذ كل الإجراءات من أجل حماية جنودها المرابطين في سوريا ضد التهديد الإرهابي لأنك لا تعرف أي نوع من المساعدة سيحصل عليه الإرهابيون».
وتعلق الصحيفة إن «تغريدة الصاروخ» تأتي بعد اتهامات روسيا للولايات المتحدة بأنها تسيطر على الإرهابيين في سوريا. ويشير في الوقت نفسه للمدى الذي تدهورت فيه العلاقات بين البلدين وبعد 3 أسابيع من المحادثات التي قادت إلى اتفاق وقف إطلاق للنار الذي كان يحمل شعلة أمل صغيرة لإنهاء الحرب الأهلية الدامية في سوريا.
وفي ظل تبادل الإتهامات أعلنت روسيا عن تحريك صواريخ اسكندر الباليستية التي يمكن أن تحمل برؤوس نووية إلى كاليننغراد، وهي منطقة روسية تقع بين بولندا وليتوانيا على بحر البلطيق وكلاهما عضو في الناتو.
ورفض الكرملين اتهامات واشنطن بالمسؤولية عن هجوم إلكتروني على الحزب الديمقراطي باعتباره صورة «غير مسبوقة من الجنوب المعادي لروسيا».
وكتب وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينمر في صحيفة «بيلد» الألمانية إنه من «الزيف التفكير أن هذا يشبه الحرب الباردة، فالأوقات الحالية مختلفة وأكثر خطورة».

تصعيد

وجاء التصعيد الحالي بعد إعلان روسيا الأسبوع الماضي أنها تفكر في إعادة فتح قواعدها العسكرية السابقة في كل من فيتنام وكوبا – ولا تبعد الأخيرة سوى 100 ميل عن خليج فلوريدا. وبدأت روسيا أيضاً مناورات دفاعية مدنية بما في ذلك التدرب للتعامل مع الهجمات الكيميائية.
وفي هذا الصيف توقع مقدم النشرة الجوية في التلفزيون الرسمي الروسي إمكانية إسقاط قنبلة نووية فوق المجال الجوي الأمريكي. وتعلق الصحيفة أن في قلب الغضب الروسي وتبادل الإتهامات سوريا حيث تسبب القصف الجوي الروسي الجنوبي على مناطق المعارضة السورية في شرق حلب بقتلى من المدنيين ودمار شامل على الأحياء والمستشفيات والمؤسسات الطبية وقوافل الإغاثة الدولية.
ويعتبر التدخل الروسي في سوريا أول عمل عسكري في الخارج منذ الثمانينيات من القرن الماضي ويأتي بعد التدخل الكارثي في أفغانستان. وكان مجلس الدوما في البرلمان الروسي قد صوت الأسبوع الماضي لصالح بقاء القوات الروسية في سوريا ولأجل غير محدد.
وأكدت روسيا نشر صواريخ أرض- جو أس-300 في قاعدتها الجوية في مدينة اللاذقية. واستغلت روسيا الخطأ الذي ارتكبه الطيران الأمريكي الشهر الماضي عندما قصف تجمعاً للجنود السوريين وقتل 62 منهم كي تعلن نهاية الهدنة. وعبرت عن غضبها من اتهامات جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي من أن الطيران الروسي ونظام الأسد وقصفهما لحلب «يدعو للتحقيق بجرائم حرب».
وتعلق «صنداي تايمز» أن الرد الانتقامي من الكرملين على التويتر يعبر عن عصر جديد من المبارزة الدبلوماسية على الإنترنت – وهي نسخة من التبادل الإعلامي البارد بين الشرق والغرب في فترة الحرب الباردة وجزء من المواجهات الإعلامية بين ممثلي الحكومتين. ففي الشهر الماضي انفجرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا غاضبة على صفحتها في «فيسبوك» ضد المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، سامنثا باور وكتبت قائلة «لا تخافي، لن يتجرأ أحد على إصابتك في حضوري» إلا «في حالة قام رجالك بضرب الهدف الخطأ».

دويلة الأسد

ويرى المحللون الروس أن إصرار بوتين على إخراج المقاتلين من حلب وقتل مئات المدنيين هو جزء من محاولة موسكو لجعل حلب ودمشق، المدينتين الرئيستين تحت حكم بشار الأسد في دويلته التي تمتد من الساحل إلى العاصمة.
وحسب المحلل الروسي الكسندر شوملين «يريد الأسد من الروس مساعدته على استعادة سوريا إلا أن بوتين ليس جاهزاً لهذا» و»لكن حلب ستكون نصراً رمزياً». وحذر شوملين من أن آمال السلام ستظل بعيدة بدون نهاية المعركة على حلب. وقال «لقد أصبح للجنرالات السوريين والروس اليد العليا على الجهود الدبلوماسية.
ومهما كانت نوايا الكرملين إلا أنه قام بتعليق اتفاق وقعه مع أمريكا في عام 2000 والمتعلق بتخفيض فائض البلوتونيوم المستخدم في صناعة السلاح النووي إلا في حالة ألغت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.
ويرى غليب بافلوفيسكي، المستشار السابق للكرملين أن مطالب بوتين هي تعبير عن حالة «ضعف» وهي محاولة منه لتحميل الولايات المتحدة مشاكل روسيا الإقتصادية. وفي ظل هذا التبادل الإعلامي والمواقف السياسية المتغيرة، أصبحت مدينة حلب مركزاً ورمزاً لهذا النزاع.
ويقول محللون إن موسكو ملتزمة بمساعدة الأسد على تحقيق نصر عسكري على المعارضة في حلب قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض. ولو نجح الروس فإنهم سيضعون الرئيس الجديد أمام الأمر الواقع- فمع سيطرة القوات الموالية للأسد على أكبر المدن السورية وتعزيز سيطرته على المدينة – فمزاعمه وشرعيته – لن يجادل أحد بها كما تقول الصحيفة.
ويقول كير جايلز، من تشاتام هاوس في لندن «هناك حس طارئ. هم يعرفون أن الرئيس الأمريكي القادم لن يكون متكيفاً معهم كالرئيس الحالي ولهذا فهم يبحثون عن فرصة ولم تعد روسيا منضبطة».

مهمة إيرانية

ولا تتوقف الخطط الروسية على تأمين خط دمشق- حلب – طرطوس بل وتحاول إيران القوة الأخرى التي لها مصلحة في استمرار حكم الأسد بناء معبر أرضي يعطي إيران القوة بالمنطقة.
وكتب مارتن شولوف في صحيفة «أوبزيرفر» البريطانية عن التحركات الإيرانية. وكتب شولوف قائلاً «ليس بعيداً عن الموصل، تقوم قوات عسكرية ضخمة بالإنتهاء من خطط للتقدم وتم رسمها منذ 3 عقود. والقوات هي ميليشيات شيعية والتي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية ولكنها لم تتلق أوامر لتحرير ثاني مدينة عراقية من براثنه».
وسيقوم المقاتلون بالسيطرة على الجزء الغربي من الموصل التي سيهاجمها الجيش العراقي من الجنوب، وهذا سيمنع مقاتلي التنظيم من الهروب نحو معقلهم في مدينة الرقة السورية. ويقول الكاتب إن غياب الميليشيات الشيعية هو محاولة لتطمين العرب السنة في الموصل من ان التقدم الذي بات قريباً نحو مدينتهم ليس مدفوعا بدوافع طائفية موجهة ضدهم. ورغم عدم مشاركتهم الظاهرية في معركة الموصل إلا أن داعمي هذه الميليشيات وهم الإيرانيون غير قلقين. فمع أنها أكدت حضورها في المعارك داخل العراق إلا أن الميليشيات تظل مركزية للطموحات الإيرانية فيه وغيره من دول المنطقة.
ويقول شولوف إن عدم مشاركة الميليشيات الشيعية في استعادة الموصل سيحررها ويعطيها الفرصة لتأمين قوس تأثير يمتد على العراق وسوريا وينتهي في البحر المتوسط. وفي هذا السياق فالمنطقة التي تقع غرب الموصل والتي ستعمل منها الميليشيات تعتبر ضرورية لتحقيق هذا الهدف. فبعد 12 عاماً من الحرب في العراق وخمس سنوات من الحرب الوحشية في سوريا تقترب إيران من تأمين المعبر الذي سيعزز موقعها في المنطقة وقد يحول وضعية الجمهورية الإسلامية في الأراضي العربية.
ويقول مسؤول أوروبي يراقب الدور الإيراني في العراق وسوريا «إنهم يعملون بنشاط لتحقيق هذا» وفي جزء منه يعبر عن الكرامة الوطنية وعن البراغماتية في جزء آخر، وسيكون بإمكانهم تحريك الناس والإمدادات بين البحر المتوسط وطهران كيفما شاءوا. وسيفعلون هذا على طول طرق آمنة تؤمنها قواتهم وكذا الجماعات الوكيلة».

تخطيط مستمر

وتشير مقابلات أجرتها الصحيفة مع مسؤولين مؤثرين وسكان في شمال سوريا على مدار الأشهر الأربعة الماضية إلى أن المعبر البري يتشكل منذ عام 2014. وهو معبر معقد يمر عبر العراق السني والمناطق الكردية في الشمال العراقي وتلك في شمال- شرق سوريا وعبر المناطق التي تشهد معارك حول حلب حيث تتقدم قوات الأسد والقوى الإيرانية الداعمة لها.
ويقول شولوف إن الممر تم بناؤه تحت أعين الأعداء والاصدقاء بشكل بدأ يثير القلق خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتعارض تركيا لهذا الممر البري وتخشى من تطور كهذا وماذا يعني للعلاقة الإيرانية – الكردية.
ويشرف على الخطة وينسقها مسؤولون كبار في طهران وبغداد ودمشق وكلهم يتعاملون مع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني الذي يدير الحربين في العراق وسوريا. وتشمل الخطة على تحولات ديمغرافية والتي تم تحقيقها في وسط العراق وهي جارية اليوم في شمال سوريا. وتعتمد الخطة على دعم حلفاء قد لا يعرفون بالضرورة به ولكن لديهم مصالح مشتركة تدفعهم للتعاون. ويقول شولوف إن الممر البري يبدأ من النقاط التي تستخدمها إيران منذ 12 عاماً لنقل الأسلحة والدعم البشري.
وهي الطرق نفسها التي استخدمها فيلق القدس للقيام بحروب ضد القوات الأمريكية أثناء احتلال الأخيرة للعراق ويستخدمها في الوقت الحالي لمواجهة تنظيم الدولة.
ويقول الكاتب إن ميليشيا عصائب الحق التي شاركت في عمليات ضد الأمريكيين أصبحت قوية بعد خروج هؤلاء من العراق عام 2011. ومن المفارقة أن أفرادها قاتلوا إلى جانب الأمريكيين بعد عودتهم إلى العراق لمواجهة الجهاديين. ويعبر الممر البري بعقوبة، عاصمة ديالى التي ظلت ولمئات السنين منطقة مختلطة يعيش فيها السنة والشيعة ولكنها أصبحت منطقة توتر طائفي.
وأقامت فيها لميليشيات التي يطلق عليها الحشد الشعبي نقاط تفتيش. وهناك بلدة الشرقاط في محافظة صلاح الدين والتي سيطر عليها الجيش العراقي والمليشيات الشيعية في إيلول/سبتمبر.
وتتجمع الميليشيات الآن في الشرقاط وتحضر للتقدم قريباً من الموصل وباتجاه المرحلة الثالثة من المعبر وهي سنجار وبين الميليشيات وسنجار هناك تلعفر التي تعتبر معقلاً من معاقل تنظيم الدولة.
وقال مسؤول أمني بارز إن المرحلة بين سنجار وتلعفر مهمة للخطة. ومنذ طرد تنظيم الدولة انتقل إليها عدد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين تحصنوا في جبال سنجار. ويحصل مقاتلو بي كي كي الإنفصاليون على رواتب من الحكومة العراقية وتم دمجها في الحشد الشعبي.
ويقول مسؤولون عراقيون وغربيون أن التحرك وافق عليه مدير الأمن القومي العراقي فلاح الفياض. وفي الخطة الحالية برزت شخصية عبد الرحيم الشمري، وقاعدة تأثيره هي بلدة ربيعة القريبة من الحدود السورية ويحظى بدعم من الحشد الشعبي ومقرب من نظام الأسد في دمشق. وقال للصحيفة «أعتقد أنه لا يوجد تأثير كبير لإيران في منطقتنا».
وأضاف «لا أحد هنا ولا قوة مؤثرة تقدم لنا الدعم والأسلحة. ومن ناحية أيديولوجية فالبي كي كي مرتبطون بالأكراد في هذه المنطقة ولهذا لا نجد مشكلة معهم هنا». ومن ربيعة يمتد الممر إلى القامشلي في سوريا وكوباني وعفرين وهي مناطق يسيطر عليها حزب الإتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب التابعة له. وهي القوات التي تحالفت مع أمريكا ضد الجهاديين وفي بعض الاحيان مع النظام. ويقول مصدر أوروبي «تعتقد إيران أنها تضعهم حيث تشاء الآن» و»لست متأكداً إن فهمت الأتراك بشكل صحيح».

حشد وتعبئة

ومن بين المناطق المهمة التي تقع بين طهران والبحر المتوسط تعتبر حلب من أهم النقاط في الممر. وركزت إيران جهودها على مساعدة النظام لاستعادتها وحشدت 6.000 من عناصر الميليشيات معظهم جاء من العراق.
ويقول شولوف «من راقب سليماني عن قرب وهو يفتش الجبهات في سوريا والعراق وراقب لقاءاته في دمشق وبغداد حيث يتمتع بقوة كبيرة يقولون إنه استثمر كل شيء في سوريا، ومن خلال هذا تريد إيران الخروج من الحرب الوحشية والمكلفة وقد تعززت طموحاتها. وقال سليماني للسياسي العراقي أحمد الجلبي عام 2014 «لو خسرنا سوريا فسنخسر طهران». وقال الجلبي في حينه للصحيفة إن سليماني أضاف «سنحول هذه الفوضى إلى فرصة». ولو تم تأمين حلب فسيمر الممر عبر قريتين شيعيتين هناك وهما كفر نبل والزهراء. ويمتد الممر بعد ذلك كما يقول المسؤولون العراقيون والسوريون إلى حمص ومنها لمعاقل العلويين.
ونقل الكاتب عن علي الخضيري الذي عمل مستشاراً لعدد من سفراء أمريكا في العراق وقادة القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط أن تأمين إيران الممر البري من طهران إلى البحر المتوسط سيكون انتصاراً استراتيجياً إيرانياً «وسيعلم تعزيز سيطرة إيران على العراق والشام وهو ما يؤكد طموحات الهيمنة الإقليمية».
وحذر قائلاً «يجب أن يثير هذا مخاوف كل زعيم غربي وحلفائنا في المنطقة لأن هذا سيزيد جرأة إيران وتواصل التوسع خاصة ومن المحتمل في دول الخليج وهو هدف تحدثوا عنه وعبروا عنه بوضوح، ولماذا نتوقع منهم التوقف بعدما كانوا في الكازينو وضاعفوا من أموالهم مرة بعد أخرى وخلال عقد من الزمان».
وفي سياق الحديث عن التوتر الأمريكي- الروسي يبرز سؤال عن أهمية سوريا لأمريكا وإن كانت تعني أمراً مهماً لها؟ وما هي سوريا؟ في النهاية يتساءل ماكس فيشر وأماندا تواب في صحيفة «نيويورك تايمز» ويجيبان إنها «مشكلة ملحة استنفدت النقاشات في مجال السياسة الخارجية في الأعوام القليلة الماضية، ولكن هناك الكثير الذي يترتب عليه أكثر من مصير دولة في الشرق الأوسط. ويظلل الموضوع السوري عدداً من الأسئلة والتي حركت كل نقاش حول السياسة الخارجية ولقرن من الزمان. ما هو دور الولايات المتحدة في العالم وما هي واجباتها وماذا يحدث لو قصرت في الوفاء بجزء منها؟».
وللإجابة على هذا وغيره من الأسئلة يقول الكاتبان إن إمريكا حسب ملمح من التفكير لديها مهمة في العالم من ناحية نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وهو ما يعطيها وضعاً مهما في العالم ويضفي عليها صلاحيات وواجبات. إلا أن البعض يرى أن هذا التفكير جدلي ويرى فيه المتشككون نوعاً من الإسطورة التي تحمل في ثناياها مفهوماً خطيراً.
ويقول جوزيف ناير، من جامعة هارفارد إن الحرب في سوريا كما هو الحال مع نزاعات أخرى، أصبحت بديلاً عن هذا النقاش.
ويقول «هذه فكرة قائمة طوال التاريخ» و»تعود للأساطير المؤسسة وهي أن الأمريكيين مختلفون» عن غيرهم. ولكن هل القوة الأمريكية مختلفة بشكل أساسي؟ والجواب هو أن الاعتبارات التي تقوم عليها السياسة الخارجية تتعامل مع البلد/أمريكا بأن لديه قدرات خاصة لحل المشاكل المعقدة ولديه مسؤولية خاصة.
ويشير الكاتبان هنا للمناظرة في الأسبوع الماضي بين المرشحين لمنصبي نائب الرئيس وعندما سئلا عن دور الولايات المتحدة تجاه ما يجري في حلب وإن كان من واجبها منع سقوط ضحايا بالجملة بين المدنيين وكان الجواب بنعم. فلا يوجد هناك بلد نصب لنفسه دوراً دوليا يقوم على المبادئ العامة لا المصالح الوطنية مثل أمريكا.
ويقول فرانسيس فوكويوما، المحاضر في جامعة ستانفورد إن هذه الفكرة بدأت مع الآباء المؤسسين والذين أمنوا أن «نجاح الديمقراطية في العالم يعتمد على نجاحها هنا»،مما يعني أن الديمقراطية لم تعد شأنا تظهره أمريكا بالممارسة ولكن تقوم بنشره في العالم.
وهذا واضح من موقف وودرو ويلسون عندما شارك في الحرب العالم الأولى من أجل «تحقيق السلام في العالم». ويرى جيمس سيزار من جامعة فرجينيا أن المفهوم تطور إلى تنصيب أمريكا نفسها كأمة موكلة للقيام بمهمة تاريخية.
ويقول سيزار، المؤرخ إن فكرة المهمة شكلت رؤية أمريكا بشأن دورها في العالم بحيث أصبح هدفها السياسي نشر شكل من معين من الحكم في كل أنحاء العالم وهو الديمقراطية الليبرالية.
وقبل الكثير من الأمريكيين هذا الدور ليس باعتباره واجباً أخلاقياً ولكن كأساس للقوة في العالم. فطالما حمت الولايات المتحدة حقوق الإنسان والديمقراطية فستظل الأقوى.

مميزات ومنافع

ولا غرو في أن فكرة أمريكا عن نفسها ودورها في العالم كانت محلاً للنقاش حول الميزات والمخاطر، وثار النقاش أثناء حرب فيتنام والعراق واليوم في سوريا.
ومن هنا فالمهمة الخاصة التي كانت نتاجاً للإنتصارات في الحربين العالميتين القرن الماضي جعلت الكثير من الأمريكيين يعتقدون أن دورهم هو حل مشاكل العالم وأن التلكؤ عن فعل هذا يعني الضعف.
ودفع هذا التفكير بأمريكا، كما يقول فوكوياما لكي «تذبح كل التنانين في أنحاء مختلفة من العالم» من دول العالم الثالث الشيوعية إلى ديكتاتورات الشرق الأوسط.
وقال فوكوياما «لقد شاهدنا هذا وبقوة أثناء النقاش حول حرب العراق» حيث رأت واشنطن أن من واجبها الإطاحة بصدام حسين بناء على مبررات أخلاقية وبدون الحاجة للحصول على تفويض من مجلس الأمن.
وظهر النقاش في سوريا حيث طالب البعض بالتدخل كواجب تجاه الحلفاء والمدنيين. ويرى فوكاياما إنه لم يتم التفريق هنا بين ما هو إنساني واستراتيجي. وعندما تحدث البعض عن المهمة الخاصة لتحمل المسؤولية تجاه الحرب، ظهرت آراء تشكك في قدرتها على عمل هذا.
ولم تعد المسألة متعلقة بالقدرة بل بالإمكانية. ويرى البرفيسور ناير من هارفارد أن الشعور بالمهمة الخاصة خلق نوعاً من «القلق» لدى القادة الأمريكيين وفيما إن كانوا يقومون بدورهم أم يتخلون عنه. ومن هنا فالقوة الأمريكية ترتبط بمفهوم استخدامها أو عدم استخدامها. وفي حالة قررت التدخل فإنها تتخلى عن بعض مظاهر القوى الأخلاقية التي تعتبر أساس منعتها.
ويرى الكاتبان أن سنوات من الإضطرابات في منطقة الشرق الأوسط ركزت انتباه الأمريكيين حول قوة بلدهم الخاصة وفيما إن كانت حقيقية. ويرى جيرمي شابيرو، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن منطقة الشرق الأوسط هي «البوتقة الحقيقية» التي تنشأ منها مظاهر قلق الولايات المتحدة.
فمن ناحية استخدمت قوة كبيرة واظهرت اهتماماً ومن جهة أخرى وجدت صعوبة في تأكيد نفسها والتوصل للنتائج التي تريد. ومن هنا يرى البعض أن سوريا كشفت عن طبيعة القوة الأمريكية وأنها ليست «خاصة»، فالحرب هي عرض عن عدم قدرة الولايات المتحدة على حل مشاكل المنطقة التي ساءت بسبب حرب العراق.
فيما يرى آخرون أن الأزمة السورية هي فرصة لكي تؤكد الولايات المتحدة قوتها من جديد. فقد كشف التدخل الروسي عن محددات القوة الأمريكية الآخذة بالتراجع وحرك في داخل الأمريكيين القلق عن خسارتهم المنطقة إلا إذا قرروا العودة وبقوة. وهنا ما أهمية الحديث عن المهة الخاصة؟
والجواب هو أن أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة حققت انتصارات عدة من بنما إلى البوسنة وحرب الخليج وكوسوفو مما خلق انطباعاً أنها أمة لا يمكن لاحد وقف مسيرتها. وترك هذا كله أثراً على السياسة المحلية، فأي رئيس لا يتجرأ ويعلن أن قوة بلاده محدودة.

إيران ستنشئ ممرا بريا من طهران إلى البحر المتوسط بإشراف سليماني وبدون نهاية معركة حلب لن يتحقق السلام… وبوتين مصمم على تعزيز دويلة الأسد في الساحل

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية