الناصرة – «القدس العربي»: خلافا للأغلبية الساحقة من الإسرائيليين تعتبر بعض الأوساط غير الرسمية أن استمرار احتلال الأرض الفلسطينية منذ حرب 1967 هو عار وخطر كبير على إسرائيل. ومن هؤلاء الأديب اليهودي من أصل عراقي سامي ميخائيل، والأديب غروسمان من أصل ألماني، اللذان يبديان نظرة تشاؤمية حيال مستقبل الصراع ومستقبل إسرائيل. ويدعو ميخائيل بعد خمسة عقود على الاحتلال لإجراء موازنة لوجود الإسرائيليين في هذه « الزاوية المضطربة « في العالم. ويوضح أن الاحتلال الإسرائيلي في 1967 حدث بعد التفكك النهائي للإمبراطوريات التي بنيت على أسس الاحتلال من أجل الاستيطان.
وبرأيه فإن الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية تفككتا ليس فقط بسبب الحسم العسكري أو أسباب أخلاقية إنما اقتصادية . ومن هنا ينبه أن إسرائيل ضخت في المستوطنات خلال الخمسين سنة الأخيرة مليارات الدولارات من خزينتها وعلى حساب بلدات الضواحي والشرائح الاجتماعية الضعيفة. كما يشير لأثمان من نوع آخر يتسبب بها الاحتلال، فيقول «عشت المخاطر التي تربصت بابني المظلي، والآن أعيش بقلق الساعات الخطيرة لحفيدي الذي اختار الخدمة العسكرية في وحدة نخبة. أنا أعرف شجاعة قلوب غالبية جنودنا، ولكن خلال سنوات الاحتلال الخمسين، تآكلت القيم الإنسانية التي حرصنا على تنميتها. في ثقافة الاحتلال يحظى بالتمجيد والشعبية جندي يطلق عيارا قاتلا على خصم ينازع. هذه الثقافة التي تعظ من أجل كراهية الخصم الخاضع للاحتلال، تغلغلت في كثير من المؤسسات، بدءا من رياض الأطفال وحتى بيوت العجزة، من المدارس وحتى الكنس، من الجيش وحتى الأكاديمية».
على غرار أدباء ومفكرين يهود آخرين حذروا من كون الاحتلال مفسدا يؤكد أن ثقافة الاحتلال تسبب الكراهية الداخلية أيضا.
وأيضا يؤكد ميخائيل الذي بدأ مشواره كشيوعي، أن الإسرائيليين يخرقون حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين ويسرقون أراضيهم ومواردهم وحقهم في الحركة. في المقابل يشير لرفاهية المستوطنين ولإنتاج الاحتلال جهازين قانونيين منفصلين واحد للفلسطينيين وآخر للمستوطنين.
ويضيف « قبل الاحتلال كانت الحدود واضحة، ولكن بعد الاحتلال تحولت إسرائيل كلها لجبهة. ونحن ندعو يهود العالم للقدوم والعيش بطمأنينة في إسرائيل، رغم أنها تحولت عمليا إلى أخطر مكان لليهود في العالم بسبب الاحتلال. ويتابع «رغم الذكريات المريرة والمفزعة، يفضل خيرة شبابنا الحياة حتى في ألمانيا». لافتا إلى أن الفساد الأخلاقي لدى الإسرائيليين الناجم عن الاحتلال ينعكس في ترسيخ الاحتلال والتحريض على الجهاز القضائي، كما كان في فترة حياته في العراق، وفي تشريع قوانين غير ديمقراطية. وعن عدم اقتصار دعم الاحتلال على اليمين فقط يقول ميخائيل «إنه للأسف، هناك رجال ثقافة وفنانون وكتاب وشعراء ورجال دين مستعدون ويسارعون لخدمة الوحش الذي تم تغذيته حتى الغثيان».
ويقول إن وزير التعليم يريد تقييد حرية الأكاديمية، وان شعراء وكتابا يتجندون ليصبحوا أعضاء في لجان لتصنيف الكتب المسموحة والممنوعة في المدارس، أما وزيرة الثقافة فتحظى بمساعدة مبدعين يفتقدون الى الضمير في فرض الرقابة وقمع الحريات. مؤكدا أن الهجوم السلطوي الفظ على الصحافيين ينشر الرعب، وحقوق الإنسان أصبحت شتيمة، وشيطنة المختلف تتزايد. ويقول إن احد المفكرين الكبار قال إن «شعبا يستعبد شعبا آخر لا يمكن أن يكون حرا».
ويضيف بالفعل، تحدث أمام أعيننا، وداخل بيتنا، أمور رهيبة. لقد أصبحنا مجتمعا ممزقا وعنيفا في حياتنا اليومية. العنف إزاء الشعب الخاضع للاحتلال يعود إلينا كيدا مرتدا، كما يتجلى باعتداءات مستوطنين على جنود.
ميخائيل الذي لا يرى بما جرى عام 1948 احتلالا كبقية الإسرائيليين، يعتبر ان إسرائيل بخلاف دول محتلة غربية باتت الديمقراطية الوحيدة التي تحمل عار الاحتلال على جبينها. مبديا أسفه أنه لا يرى في نهاية الأفق في إسرائيل، عاملا شجاعا وعازما يمكنه التمتع بالجرأة ودوس رأس الثعبان الذي ينهش بشكل متواصل القيم الإنسانية والديمقراطية ويسمم حياتنا» قاصدا بذلك الاحتلال. ويخلص للقول «لم يتبق لنا إلا الأمل في وصول الخلاص من الخارج.
امضيت نصف حياتي في ظل الاحتلال الثقيل. ليست إيران هي التي تهدد وجودنا كدولة طبيعية. إنها غارقة حتى العنق في المواجهة ذات الألف سنة بين الشيعة والسنة. الاحتلال هو عدونا اللدود الذي يمكنه تدميرنا وتدمير اسرائيل «.
يصعب علي العيش هنا
ويتماثل الكاتب الإسرائيلي البارز دافيد غروسمان مع زميله ميخائيل، وهو كذلك متشائم حيال المستقبل، ويقول في مقابلة أجرتها معه «يديعوت أحرونوت» إن إسرائيل ستكون مختلفة إلى درجة يصعب علي استمرار العيش فيها. ويشير لنجاح المستوطنين بمضاعفة أعدادهم وفي خلق واقع يصعب معه رسم خط حدودي يفصل بين إسرائيل والفلسطينيين، الأمر الذي يضع من يريد دولة ديمقراطية ووطنا قوميا أمام خيار مأساوي، وبهذا المعنى فإنهم «ينتجون خطرا يهدد مستقبل إسرائيل ويجرونها نحو الهاوية».
وبصوت واضح يؤكد غروسمان أن هناك علامة سؤال على وجود إسرائيل الذي تتزعزع شرعيته أمام دول العالم.
وفيما إذا كان فقدانه لابنه في حرب لبنان الثانية قد أثر في مواقفه، يقول إنه رغم غضبه على الحرب وعلى حزب الله ونصر الله فإن مواقفه بقيت ثابتة تجاه الانسحاب من لبنان في حينه ومن المناطق العربية والفلسطينية الأخرى. لافتا الى إنه لا يريد العيش في مكان آخر، لكنه يشعر أن جدران «البيت القومي» تتحرك، وشعور الأمان الذي يمنحه البيت يتهدده الخطر. لكنه يستدرك قائلا: يوجد أناس يشعرون الآن فقط أنهم في البيت، هؤلاء هم المتدينون الوطنيون (الصهيونية الدينية) الذين شعروا سابقا بالإقصاء. وعن قدرة الاحتلال النجاة مدة 50 عاما، يقول إن الإسرائيلي المتوسط لا يرى الاحتلال تقريبا، إنه لا يسافر للضفة، وإذا فعل، فبواسطة طرق التفافية تتجاوز مناطق «أ» ، ولا يرى فيها فلسطينيين.
ويتطرق للإعدامات الميدانية المتواصلة ويقول ساخرا: «فلأجل توطيد سلطة الاحتلال، يجب تهميش إنسانية الفلسطينيين ومصادرة آدميتهم، وإلا كيف يمكن أن نعيش في واقع يتم فيه اعتقال طفل، ونقتحم بيته في منتصف الليل، ونحتجزه ساعات على الحاجز؟ إذا لم نهمش إنسانيته فإن واقعه الصعب والمؤلم يبدأ بمضايقتنا، ولذلك نهمش شعبا كاملا».
أطول الحروب
وتنضم لهذه الرؤية صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها فتقول إن حرب 1967 فرضت على إسرائيل، لكن انتصارها فيها حولها لأطول حرب في تاريخها ونتائجها عبء ثقيل وخطير عليها. وتدلل على رؤيتها بالقول إن حرب 1967 ضخمت الأيديولوجية الدينية التبشيرية، وشوهت الجهاز القضائي كونها حولته الى أداة لتشريع الاحتلال، وسببت التصدع لأسس الرؤية الصهيونية. وتابعت على غرار ميخائيل»وَلّد الانتصار في الحرب «امبراطورية» جديدة في الشرق الأوسط، ولكن خلافا للقوى العظمى الاستعمارية الأخرى، التي تعتبر بدايات احتلالاتها فصلا مخجلا في تاريخها، فإن اسرائيل تحتفل بالتغيير في مكانتها، كما لو أن الاحتلال كان يوم استقلالها الثاني».
وتلفت إلى أن تلك الحرب التي صادفت ذكراها الخمسون أمس أنها شكلت بالنسبة للصهيونية الدينية والتبشيرية، دليلا على بداية الخلاص وتنفيذ الوعد الإلهي لإسرائيل: السيطرة المادية على الأماكن المقدسة ضخمت التماثل بين الدين والدولة. وبالنسبة للصهيونية العلمانية، تحول الاحتلال والسيطرة على الضفة الغربية لضمان أمني قومي لاستمرار وجود إسرائيل.
وخلافا للموقف السائد في إسرائيل ترفض «هآرتس» رواية «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» وتؤكد أن الفلسطينيين شعب في طريقه لممارسة حقه في تقرير مصيره.
وتؤكد أنه بدل ان تجد حرب 1967 مكانها المناسب في متحف الحروب، فإنها تواصل إملاء الواقع، واختراع تهديدات جدية، ونشر الشر والقسوة، وبشكل خاص تعتبر انتصارا ابديا منقطعا عن التاريخ. داعية هي الأخرى لإعادة الحسابات لاستخلاص الدروس وتصليح الضرر لأنه لم يعد في العالم الحديث مكان للاحتلال، مؤكدة أن التبشيرية جلبت الكوارث فقط، والسيطرة على شعب آخر نهايتها تؤدي الى التفكك.
وديع عواودة