إيران وأمريكا: من المغازلة والتعاون في ملفات معقدة إلى التحضير لشهر عسل رومانسي

حجم الخط
2

لندن – «القدس العربي»: صرح أحمد بخشايش اردستاني، أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس النواب الإيراني، قبل أيام قليلة، أن «إيران وأمريكا قد أدركتا أنهما لا تستطيعان التخلي عن بعضهما البعض، ويجب أن يتعاونا معاً لخلق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج». وتظهر هذه التصريحات الرؤية الكاملة والواضحة لكيفية التعامل والتعاون بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية وأهدافهما المستقبلية للترتيبات الأمنية والسياسية في منطقة الخليج العربي من خلف ستار الخطاب العدائي الإعلامي والمهاترات الكلامية الفضفاضة كـ»الشيطان الأكبر» و»محور الشر».
وسببت العقوبات الغربية على إيران أزمة اقتصادية خانقة وخطيرة خلال السنوات الأخيرة، بحيث خسرت العملة الوطنية الإيرانية أكثر من 65 في المئة من قيمتها منذ عام 2011، وارتفع سعر الدولار الأمريكي من 12 ألف إلى ما يقارب 33 ألف ريال إيراني في العام الحالي. واضطرت الحكومة الإيرانية من جهة أن تلغي نسبة كبيرة من الدعم الاقتصادي الحكومي وأن تزيد أسعار الكهرباء والماء والغاز وغيرها من الخدمات بنسبة 3 أضعاف أو أكثر، ومن جهة أخرى منعت زيادة الأجور مقارنة بنسبة التضخم وارتفاع الأسعار، ورفعت الحكومة الأجور بنسبة ما يقارب 30 في المئة فقط خلال السنوات الأربع الماضية. وعلى سبيل المثال، في حين أن معدل دخل العمال الذين لديهم عائلة من 4 أشخاص، لا يتجاوز 8 ملايين و300 ألف ريال إيراني حسب الراتب الحكومي، أفادت وكالة إلنا للأنباء، التابعة لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي، أن الدراسات الميدانية تظهر أن معدل تكلفة الحياة لكل عائلة من 4 أشخاص يتراوح بين 18 مليونا و682 ألفا إلى 32 مليونا 980 ألف ريال إيراني للعام الحالي حسب الأحياء والمناطق المختلفة.
دفعت الأزمة الاقتصادية الخانقة المجتمع الإيراني إلى حافة الإنفجار، والنظام الإيراني يخلق ضجات وأزمات مصطنعة كمكافحة الحجاب ورش الأسيد الحارق على النساء بين الحين والآخر أو زيادة الإعدامات بشكل غير مسبوق، حتى يتمكن من زرع الخوف بين المواطنين وحرف توجه المجتمع عن الضغوط الاقتصادية لتفادي الاعتراضات الشعبية. ومن ناحية أخرى، هذه الأزمة دفعت إيران باتجاه تعديل مواقفها ومطالبها في المفاوضات النووية مع الغرب، حتى تتمكن من تسريع التوصل إلى «الاتفاق الشامل» ورفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي.
وبالإضافة إلى تأثير الأزمة الاقتصادية الخانقة على الموقف الإيراني، فإن ضرورة حل الأزمات في العراق وسوريا وأفغانستان وحاجة الغرب لإيران في مشاريعه المستقبلية لمنطقة الخليج العربي وسياساته تجاه روسيا، دفعت الغرب الى تعديل مواقفه ومطالبه في المفاوضات النووية مع إيران. وهذه القضايا ساهمت بشكل كبير في تسريع التوصل إلى «اتفاق شامل» غربي – إيراني خلال فترة قصيرة.
وكانت إيران والولايات المتحدة تتفاوضان في السر لفترة طويلة. وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، كشف يوسف بن علوي، وزير خارجية سلطنة عمان، في تصريحات هي الأولى من نوعها أن التوافقات التي حصلت حتى الآن بين إيران والغرب كانت نتيجة الجهود والوساطة العمانية للتقارب بين إيران وأمريكا خلال السنوات الـ5 الماضية.
وبدء التعاون العسكري العلني بين الحرس الثوري الإيراني والجيش الأمريكي قبل أشهر في العراق يظهر أن إطالة فترة المفاوضات هي مجرد أخذ الوقت الكافي لترتيب الأوراق الإيرانية والأمريكية وصولا الى «الاتفاق الشامل» وتعيين حصة باقي الأطراف الدولية المؤثرة وتقليل ردود فعل دول المنطقة وعلى وجه التحديد دول الخليج.
وفي 8 من الشهر الجاري، كتبت «فايننشال تايمز» أن إيران تمكنت من ملء الفجوة الأمنية الكبيرة خلال أيام معدودة ولم تتمكن القوات الأمريكية من ذلك خلال تسع سنوات وصرف ميارات الدولارات. ونقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤول كبير في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة الأمريكية أكدت للمسؤولين الإيرانيين أنهم لا يريدون إضعاف إيران أو ادخال قواتهم للعراق من جديد.
وكشف موقع «دبكا فايل» التحليلي مؤخراً أن «واشنطن وطهران لديهما تعاون عسكري وثيق في العراق. وخاضت القوات الخاصة الإيرانية والأمريكية المعارك جنباً إلى جنب في مدينة آمرلي وأنهت حصار هذه المدينة، وكان انتصاراً كبيراً للبلدين في أول عملية عسكرية مشتركة».
وذكرت «بي بي سي» نقلاً عن مصادرها المطلعة في طهران، أن آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، سمح لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس، بالعمل العسكري المشترك مع القوات الأمريكية.
وأفاد موقع «إينوفو نيوز» أن القوات الجوية الأمريكية تمكنت من قتل عدد من قيادات جــــماعة «داعــــش» في مدينة الرقة السورية بفضل المعلومات الاستخباراتية التي وفرها الحرس الثوري.
وكتب الموقع أن حسن روحاني، الرئيس الإيراني وهانس فيشر، الرئيس النمساوي، اتفقا على استثمار أوروبي بقيمة 8 مليارات و500 مليون دولار في مجال الطاقة لتسريع نقل غاز إيران إلى البلدان الأوروبية عبر خط أنابيب «نوبوكو».
وموقع «فارين باليسي» الأمريكي الشهير يوضح الصورة الكاملة لمستقبل التعاون والتقارب بين «محور الشر» و»الشيطان الأكبر» في مقال تحليلي عنونه بـ «آخر أفضل أمل لهزيمة الدولة الإسلامية… إيران». وأشادت المجلة الأمريكية بـ «الدور الإيجابي لفيلق القدس» وتعاون إيران لحل المشكلة مع حكومة الأسد، وكتبت «يمكن أن تكون إيران نقطة تحول لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها، نظراً لنفودها الكبير والمؤثر في النزاعات الإقليمية. الآن حان الوقت لاستغلال هذه الفرصة التاريخية لتطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وتحقيق الإنجاز العظيم في السياسة الخارجية».
وتحولت مغازلات كبار مسؤولي البلدين والتعاون العسكري والأمني الوثيق والسري في ملفات معقدة وخطيرة كتعاون إيران مع القوات العسكرية الغربية في حروب احتلال أفغانستان والعراق وبعدها ملف القاعدة المعقد، إلى العمل العسكري المشترك وواضح المعالم الآن، بحيث تحارب قوات فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له برّاً بدعم جوي من قبل الطائرات الحربية للجيش الأمريكي. ويحظر الطرفان لشهر عسل رومانسي في المستقبل القريب، كما أشار عضو لجنة السياسة الخارجية في مجلس النواب الإيراني الى أن طهران وواشنطن تريدان إقامة «الاحتفال النووي».

محمد المذحجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول nahahs usa:

    و العرب غاطين في النوم و ايران ستلتهمهم واحدا بعد الاخر و الله مهزله

  2. يقول S.S.Abdullah:

    مجهود رائع يا محمد المذحجي ساهم وفي وضع كثير من النقاط على حروف ما يتم التصريح به لوسائل الإعلام تحت عنوان “الخداع الاستراتيجي”، وأضيف تقول حكمة العرب من يُحضر الجن من قمقمه أو يتقرّب من عش الدبابير، عليه أن يُحضّر نفسه للدغات، وإلاّ هذا شيء ليس فيه من الحكمة شيء، وفقط غير الحكيم من يصدق تزويقات أهل الإعلام في عناوين الأخبار كما كان يفعلها محمد حسنين هيكل مع جمال عبدالناصر، لتبرير التصرفات التي يمكن أن تُثير مشاكل دون الأخذ بالاسباب، فوصل الحال بمصر إلى فضيحة هزيمة عام 1967،
    في البداية من وجهة نظري النقد لا يؤدي إلاّ إلى شيء إيجابي ولذلك دعمه الإسلام، ولكن جلد الذات لا يؤدي إلاّ إلى شيء سلبي ولذلك حاربه الإسلام، ومن لا يستطيع التمييز ما بين النقد وما بين جلد الذات جاهل أو على الأقل لا يصلح للنقد، وعندما قالت العرب ناقل الكفر ليس بكافر، أنا أضفت عليها من أنّه مثقف ببغائي ومُسبّب للفتن، فالفلسفة أو علم الكلام وهو الاسم الشيعي/الصوفي للفلسفة، يؤمن بالجدل لأجل الجدل أو النقاش لأجل النقاش من خلال التشكيك لأجل التشكيك، وهذا مرض، فعندما تشك بزوجتك لن تستطيع النوم معها وتستمتع كما كان الحال قبل الشّك، هذا إن لم تنفصل عنها.

إشترك في قائمتنا البريدية