إيران وإسرائيل: الصدام المطلوب

حجم الخط
1

وضع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني النقاط على الحروف وقال بعيداً عن العبارات الدبلوماسية خلال مؤتمر تكريم القائد الأمني والعسكري في حزب الله عماد مغنية: «قصاص الكيان الصهيوني على اغتياله سيكون اجتثاثه من الوجود».
تصريحات سليماني جاءت بعد أيام فقط من إسقاط الجيش السوري طائرة عسكرية إسرائيلية (وتمكن ثانية من الإفلات)، إذ حمّلت تل أبيب طهران المسؤولية وتجاهلت سوريا التي شهدت العام الماضي تزايداً في الرد على الغارات الإسرائيلية عبر دفاعاتها الجوية بعد أن كانت دمشق تكتفي بإعلانها الاحتفاظ بحق الرد على الغارات الإسرائيلية. واعترف محللون عسكريون إسرائيليون مطلع العام الجاري أن هذه الدفاعات باتت تهدد الطائرات الإسرائيلية، وربطوا ذلك بتعزيز إيران وجودها على الحدود مع الجولان المحتل، إذ جاء إسقاط الطائرة على وقع تصعيد تشهده الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع كل من سوريا ولبنان (بناء جدار أمني فاصل على الحدود مع لبنان ما فاقم التوتر هناك، ودفع القيادة اللبنانية إلى إعلان أنها سترد على أي أعمال تخترق حدود البلاد الجنوبية)، إضافة للمخاوف المعلنة من جانب إسرائيل من اقتراب إيران من حدود الجولان السوري المحتل بعد أن نجحت في تحقيق الارتباط بين قواتها وقوات الحشد الشعبي الحليفة على طرفي الحدود السورية مع العراق عبر خطها البري الذي تريده لتكون جارة مؤذية لإسرائيل.

فيلق القدس

أثناء الحرب العراقية الإيرانية، تم إنشاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الذي سيصبح قاسم سليماني قائده فيما بعد، وكان هدفه العقائدي الرئيسي هو تحقيق مقولة الإمام الخميني الراحل «إسرائيل يجب أن تمحى من الوجود»، وتحرير القدس وكامل فلسطين. وقام في بداية تأسيسه بتدريب المقاتلين الكرد العراقيين وتسليحهم، ودعم عملياتهم العسكرية ضد نظام صدام حسين أثناء الحرب، كما كان لفيلق القدس دور مهم في دعم تأسيس حزب الله، وتدريب عناصر المقاومة اللبنانية ضد اجتياح الجيش الإسرائيلي جنوبَ لبنان عام 1982.
ومع توقف الحرب بين إيران والعراق، وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، لعب فيلق القدس، دوراً بارزاً في دعم حركات التحرر العالمية والعربية والتركيز على الفصائل والمنظمات الفلسطينية عملاً بالمادة 154 من دستور الجمهورية الإسلامية وتنص على أن «جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».
وفي هذا الواقع كانت مهمة فيلق القدس الأساسية هي تقديم الدعم اللوجيستي لكل العمليات القتالية ضد ما تعتبرهم إيران قوى سلطوية متغطرسة تنتهك حقوق الشعوب في معادلة صعبة يجب أن توفق بين نصرة المستضعفين واحترام سيادة الدول.
قام فيلق القدس بدعم وتدريب المقاتلين الأفغان وشمل ذلك الفصائل الأفغانية المتناحرة، قبل وبعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان. كما قام بتدريب المقاتلين المسلمين في البوسنة أثناء القتال ضد الصرب في حرب البلقان في النصف الأول من التسعينيات، وفي العام 1998، جاء الحدث الأهم في حياة سليماني، حينما عُيِّن قائدًا لفيلق القدس خلفاً لأحمد وحيدي.

الطريق إلى القدس

وبشأن إسقاط الطائرة الإسرائيلية أف16 داخل الأراضي الفلسطينية من قبل الدفاعات السورية، يشير الإيرانيون إلى أنهم لم يكونوا خلف عملية الإسقاط رغم أنهم لا يخجلون من ذلك وسيعلنون ذلك على الملأ لو فعلوها، لكن المصدر المقرب من سليماني يشرح لـ «القدس العربي» أن قرار التصدي المباشر لإسرائيل في سوريا اتخذ بالتنسيق بين الأطراف المباشرة المتحالفة موضحاً «في كل عمل عدائي إسرائيلي ضد سوريا كانت القيادة السورية والمقاومة تؤكدان حق الرد في الزمان والمكان الذي تختاره القيادة السورية، وفعلاً بعدما انتصرت سوريا، وانتصرت معها المقاومة على الوكيل جاء تصفية الحساب مع الأصيل وهي إسرائيل».
وأضاف نقلاً عن قاسم سليماني، «لقد اتخذ القرار من القيادة السورية بالرد على أي اعتداء من قبل العدو الصهيوني، وهذا القرار سياسي عسكري سيادي سوري بامتياز بأن أي تدخل أو اعتداء صهيوني سيتم الرد عليه مباشرة من القيادة العسكرية دون الرجوع إلى أي أحد».
ويختم «لذا نحن كمحور مقاومة على علم بأن المواجهة العسكرية الميدانية قادمة لا محالة وهي ستحصل حتما ونحن على جهوزية تامة لذلك ونتوقعه عن قريب، بل بأي لحظة، ولدرجة أن الوضع ينذر بحرب سيفتحها العدو الصهيوني إذا فتحها، ولكن لا يعرف كيف ومتى ستنتهي».

حرب الديجيتال

لكن يبدو أن تراجع إسرائيل عن التصعيد العسكري مع إيران وحلفائها في سوريا، ولجوء رئيس الحكومة المتورط في قضايا فساد داخلية بنيامين نتنياهو إلى روسيا لنزع فتيل حرب كانت وشيكة في سوريا لن توفر لبنان، سمح بظهور معادلة ردع ثانية فرضتها هذه المرة على إسرائيل سوريا ومعها حلفاؤها، بعد معادلة الردع التي فرضها حزب الله على إسرائيل في الميدان بلبنان في الأسابيع الماضية بعد تسريب الحزب سلة أهداف جاهزة ستطالها صواريخ حزب الله رداً إذا تعرضت مواقعه في لبنان لاعتداء كانت السعودية تحرض إسرائيل لضربها .
وفي هذا السياق، يشن الإيرانيون وحزب الله حرباً نفسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي برز أثرها واضحاً في إسرائيل، خصوصاً بعد إغلاق مطار بن غوريون ثلاث ساعات، وتأهب مئات الشاحنات لنقل المستوطنين من شمال فلسطين، ما يشير إلى قدرة إيران وحزب الله على التأثير بشكل كبير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. إذ قال أحد مذيعي القناة «العاشرة» الإسرائيلية، إنّ حزب الله تقدم خطوة في اجتياح حياتنا الشخصية عبر شبكات التواصل، وهو موضوع غير محبذ أمنياً!
وحسب محلل الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية تسفي يحزكيلي، فإنّه خلال الأسابيع الأخيرة طرأ تحسن ملحوظ وتام في قدرات حزب الله في العالم «الديجيتالي» والافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي وإعلانات واتس آب التي ترسل على أنواعها ضد الإسرائيليين.
وأوضح يحزكيلي أنّ ما يحصل هو أمر مهم جداً، ومختلف عما إعتاد عليه الإسرائيليون مع «العدو» العربي، وذلك لن يحصل لولا الدعم الهائل الذي يحصل عليه الحزب من إيران .
ويلفت إلى أنّ حسن نصر الله يعرف جيداً أهمية الإعلام، ولذلك فهو يستثمر بشكل كبير للموارد في الإعلام الجديد في حزب الله، وفي الوصول إلى الإعلاميين ومنحهم مواد فورية، عبر واتس آب وتويتر وانستغرام ومن المذهل أنّ لا مثيل لذلك في أيّ دولة عربية.
ويعقب أحد مذيعي القناة العاشرة على كلام يحزكيلي، أنّ اقتراب حزب الله من شبكات واتس آب ووسائل التواصل الاجتماعي في إسرائيل وباللغة العبرية خصوصاً، هو حقيقة يمكن القول عنها أنّها تمس بالجبهة الداخلية.
وحسب بعض المعلقين الإسرائيليين، فإنّه بعد كل ما تقدم، سيكون من الصعب على إسرائيل التغلب على حزب الله وتحقيق صورة النصر في أي صدام قادم تكون إيران طرفاً مباشراً فيه.

إيران وإسرائيل: الصدام المطلوب

نجاح محمد علي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    «جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».
    هذا كلام غير صحيح فإيران اليوم تتدخل في في كل كبيرة وصغيرة في العراق وسورية ولبنان واليمن وتلعب بأصابعها في البحرين، ولديها حركة تشييع قوية في شمال افريقيا، وتدعم شيعة السعودية..

إشترك في قائمتنا البريدية