إيران وتركيا تقاومان العقوبات الأمريكية بالريال والليرة

حجم الخط
0

بالنسبة لإيران، انهارت العملة المحلية الريال، قبل أن تبدأ العقوبات الأمريكية يوم الثلاثاء 7 آب/أغسطس وقبل تنفيذ المرحلة الثانية الأكثر عدائية وهي تصفير صادرات النفط الإيرانية في الرابع من تشرين ثاني/نوفمبر المقبل ذكرى اقتحام «الطلبة السائرين على نهج الإمام الخميني» السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 واحتجاز رهائن أمريكيين فيها لمدة 444 يوماً.
وقبل تلك العقوبات، شكلت الحكومة الإيرانية لجنة خاصة لدراسة التأثير المحتمل لها، وتوضيح الوضع الخاص بصادرات النفط والحفاظ على عائداته، واتخذت جملة إجراءات محلية حسّنت من أداء الريال الإيراني قليلاً في محاولة لإيجاد توازن في سوق المال وفي مواجهة الحرب الدعائية النفسية التي تستهدف تحريك الشارع الإيراني وزعزعة النظام من الداخل، ما يشير إلى سبب انهيار العملة داخليا أكثر منه خارجيا مرتبط بالفساد وسوء الإدارة وصراع الأجنحة الإيرانية.
وبالنسبة لتركيا فإن انهيار الليرة مرتبط أساساً بطبيعة النظام المالي وجاء نتيجة حتمية لعجز الميزان التجاري الذي يصل إلى 85 مليار دولار سنوياً، والديون الخارجية على تركيا التي زادت عن 400 مليار دولار، ومنها نحو 102 مليار دولار ديون قصيرة الأجل، بالإضافة إلى أن 75 في المئة من رؤوس الأموال المتداولة في سوق الاستثمار التركي هي أموال أجنبية و65 في المئة من البنوك في تركيا بنوك أجنبية و74 في المئة من الأسهم والسندات المتداولة في البورصة التركية هي لأفراد و شركات أمريكية وألمانية وأوروبية، ما يجعل العملة الوطنية عرضة لهزات من قبيل تغريدة عدائية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تربك السرق وتؤثر على ثقة المستثمرين.
وفي هذا الواقع ورغم تعدد الأسباب، إلا أن العداء الأمريكي لكل منهما جعل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف يعلن عن وقوف بلاده إلى جانب تركيا، بعد العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أنقرة، ورأى أن على واشنطن معالجة «إدمانها» على «الحظر والغطرسة». وقبل ذلك تحولت إيران وتركيا بالفعل إلى الحسابات بالعملتين الوطنيتين، إذ بدا واضحاً وعلى الرغم من التباين في المواقف حول قضايا كبيرة والتنافس فيها مثل سوريا وآسيا الوسطى والقوقاز، تريد تركيا تطوير تعاونها مع إيران وتعلن صراحة عن موقفها وتعمل على زيادة حجم التبادل التجاري مع إيران إلى أكثر مما هو عليه الآن أي 10 مليارات دولار، خصوصاً وأنها أيضا تشتري الغاز الإيراني ما يجعل الإيرانيين يعتقدون أن موقف تركيا المعلن برفض الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران أكثر من جدي في ضوء وجود مشاكل مزمنة كثيرة مع الولايات المتّحدة، منها بالطبع اتهام البنتاغون بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/يوليو 2016 التي كشفت أيضاً للرئيس رجب طيب اردوغان أن الصديق (طهران) موجود وقت الضيق.
من شأن حملة العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي ترامب، ويعتزم المزيد منها، على روسيا وإيران وتركيا، وشن حرب تجارية على الصين، أن تدفع هذه الدول إلى ترتيب أولوياتها على قاعدة التعاون التجاري والاقتصادي بعيداً عن تأثيرات أي نوع من الخلافات السياسية والتنازع حول مراكز النفوذ، وتم الاتفاق بين إيران على التعامل مع الصين وروسيا وتركيا بالعملات المحلية، ويتم حالياً تداول عقود النفط الآجلة مع الصين باليوان، ويمكن لطهران أن تستخدم بنشاط البورصة في شنغهاي.
روسيا، لديها فرص قليلة للغاية لمساعدة إيران، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين إيران وروسيا ملياري دولار فقط، ومع الصين 30 مليار دولار، وفي بعض المجالات، يمكن لروسيا مساعدة إيران، ولكن ليس في جميع المجالات، فمثلاً تصدير الحديد والصلب من روسيا إلى إيران، على سبيل المثال، محظور لكن قد يتم تقديم الدعم السياسي، ولكن فيما يتعلق بالدعم الاقتصادي الأساسي، فالأمر محصور بوعود منها مثلاً استثمار روسيا 50 مليار دولار في مشاريع نفطية.
إذن تبقى فرص التعاون الإيراني التركي أكبر، من واقع تجربة سابقة خاصّة وأن أنقرة ساعدت إيران كثيراً في فترة العقوبات الأممية التي رفعت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 (20 يوليو/تموز 2015) وأن العقوبات الأمريكية احادية تستهدفها معاً.
وتشير القراءة المتأنية لطبيعة التعاون الإيراني التركي في ضوء إجماع أوروبي على دعم الاتفاق النووي مع إيران لأسباب تتعلق بالأمن، وعلى رفض زعزعة استقرار تركيا ومخاوف من تداعيات ذلك على ملف الهجرة واللاجئين إلى أوروبا، أن قوة الولايات المتحدة الاقتصادية التي تمنحها هيمنة عالمية، تهشمت في ضوء صمود تركيا ورفض إيران الاستلام لرغبة ترامب بالتفاوض معها (بدون شروط مسبقة) واستهانة روسية بالعقوبات، تدفع إلى الاعتقاد بإمكانية نشوء مظلة تجمع هذه الدول على قاعدة الشراكة، حتى وإن بدت على غير انسجام تام في المواقف السياسية، تنضم إليها الدول المتضررة من سياسات واشنطن «المتغطرسة والمدمنة على فرض العقوبات» في مختلف بقاع العالم، على حد تعبير وزير الخارجية الإيراني ظريف.
وبينما ردت قطر بإيجابية على مواقف أنقرة الإيجابية منها في الأزمة مع السعودية وحليفاتها وضخت 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي لتدعيم الليرة، تخلى العراق عن إيران وأعلن عبر رئيس وزرائه حيدر العبادي التزامه بالعقوبات الأمريكية عليها وهي التي دعمته في أثناء الحصار الأممي المفروض بقرار مجلس الأمن رقم 661 الصادر في 6 آب/أغسطس 1990 إثر غزو نظام صدام للكويت، وساعدته بمده بالسلاح والخبراء وقتل منهم الكثير.
كما أن تلبية الأتراك خاصة جمهور حزب العدالة والتنمية لدعوة الرئيس اردوغان إلى تحويل مدخراتهم بالدولار واليورو إلى الليرة، تعامل مع دعوات مشابهة في إيران جمهور الرئيس حسن روحاني بلا مبالاة وتحميل روحاني مسؤولية تدهور قيمة العملة، ويقولون إنه قدم تنازلات مجانية خلال مفاوضات الاتفاق النووي دون أن يحصل على شيء، والعقوبات عادت من جديد.
ومن المتوقع إذا حرمت إيران من تصدير نفطها أن ينخفض النمو الاقتصادي إلى ما دون الصفر بعد أن وصل في الشهور الماضية الى 8 في المئة قبل سريان العقوبات، ليرفع بالتالي من معدلات التضخم وزيادة الأسعار. وقد وعدت الحكومة بالسيطرة على أسعار المواد الرئيسية وتأمين حاجة المواطن منها باتباع سلسلة من الإجراءات كانت طبقت مثلها إبّان الحرب العراقية الإيرانية والعودة إلى نظام دعم السلع الضرورية، وأكدت أن لديها احتياطيا من العملة الصعبة يصل إلى 690 مليار دولار لضخ ما يلزم منها لدعم لتحقيق الاستقرار المطلوب في السوق بالإضافة إلى أن إيران غير مدينة لبنك دولي وللخارج عموماً، وهي تؤمن 90 في المئة من الغذاء والدواء في الداخل ولا تعتمد في ميزانيتها على عائدات النفط إلا بنسبة 35 في المئة وبسعر 50 دولارا للبرميل، وفيها مؤسسات اقتصادية ضخمة تسيطر على أكثر من 40 في المئة من الاقتصاد الإيراني ما تزال خارج قانون الضريبة وتتحكم بالكثير من مفاصل الاقتصاد في امكانها إيجاد فرق نوعي في أداء الاقتصاد الإيراني إذا ما تمت فرملة نشاطها لصالح الحكومة.
وما بين الاعتماد على الشراكة مع تركيا وإلى حد ما الصين وروسيا وأخيراً الاتحاد الأوروبي لمواجهة آثار العقوبات، يعيد المرشد الإيراني علي خامنئي طرح مشروعه القديم ببناء اقتصاد غير قائم على النفط، المتدرج في النمو والمرتكز على قاعدة متينة من الإنتاج المحلي وجودة التعليم والتقدم الصناعي والتكنولوجي ومن خلال أسواق وبورصات منضبطة وتحت المراقبة، بدلاً من الاقتصاد القائم في الأساس على تحصيل ايرادات وأموال وأرباح بيع سريعة.

11HAD

إيران وتركيا تقاومان العقوبات الأمريكية بالريال والليرة

نجاح محمد علي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية