يزداد موقع إيمانويل ماكرون في الدبلوماسية الدولية استثناء، بفعل ظروف ذاتية وأخرى موضوعية. تتجلى الظروف الذاتية في خصوصية الدبلوماسية الفرنسية تاريخيا، التي تبنت دائما الوقوف على مسافة واحدة من النزاعات الإقليمية في مسعى لإيجاد حد أدنى من التوافق للمضي بالحلول قدما.
هذا النهج، تحدث عنه ماكرون بالتفصيل في المقابلة المطولة التي خص بها صحيفة «لو بوان» الفرنسية حينما قال: «دائما في مرحلة الإعداد لمسلسل تفاوضي، أنظر في البداية إلى النقاط التي لا يمكن حصول أي اتفاق بشأنها، ثم إلى النقاط التي تستدعي مزيدا من الجهود للوصول إلى اتفاق فيها، ثم إلى النقاط التي لا تشكل خلافا».
الظروف الموضوعية تكمن في أن دونالد ترامب أرخى لماكرون الحبل للتصرف بـ« أريحية» في منطقة الشرق الأوسط، على أساس أن رئيس الولايات المتحدة الحالي لا ينظر الى الرهانات الدولية من الزاوية التي كان ينظر اليها أوباما، وكأن لترامب حدس مسبق بأنه بوصول ماكرون الى سدة الحكم ستصبح فرنسا وليس الولايات المتحدة على رأس مخطط قيادة مسلسل السلام والمفاوضات لتسوية الصراعات في المنطقة.
ماكرون يرسل أكثر من إشارة في الخارج، يهدف من ورائها إلى إرجاع فرنسا لصورتها الطبيعية كقوة ذات وزن في المشهد الدولي. ولعل من أقوى هذه الإشارات أن فرنسا «تخاطب العالم كاملا». الرئيس الفرنسي الجديد متشبت بضرورة إرسال رموز للمجتمع الدولي يستنتج منها حدوث منعرجات جديدة في الدبلوماسية الدولية.
في بحثها الدؤوب عن تسويتها للخلافات عن طريق «الحلول الوسط » تسعى فرنسا، كما قال مؤخرا أحد المعلقين على محطة إعلامية فرنسية مصيبا، إلى استعادة صورة «قابلة للتصدير». يريد الرئيس الفرنسي مواصلة التقارب مع إيران الذي كانت قد بدأته فرنسا كطرف فاعل في رعاية الاتفاق النووي لسنة 2015. ولكنه يواصل هذا التقارب مذكرا محذرا بعدم الإخلال بمبادئ تقوم مقام الخطوط الحمر غير القابلة للمساومة ولا التفاوض. وما إشارة الرئيس الفرنسي إلى انتهاج إيران سياسة بالستية، على حد تعبيره، «غير متحكم فيها» إلا دليل منه على «مباركة» التقارب ولكن ليس من دون شروط. في الوقت نفسه، يرى ماكرون في إيران رافعة اقتصادية ذات وزن في السنوات المقبلة وكفانا ذكرا في هذا المجال الفرصة التي يمثلها استثمار علامة «بيجو» للسيارات في السوق الصناعية الإيرانية حتى يبقى التواصل معها قائما.
للدبلوماسية الفرنسية ثوابت أساسية تتلخص في احترام التعددية والحفاظ على التوازنات في المنطقة. هدف فرنسا الدبلوماسي الأسمى في شخص رئيسها الجديد: تبوء مركز الساحة الدبلوماسية في العالم.
لو قرأنا عودة الحضور الفرنسي في المنطقة من باب التدخل في الشأن الداخلي للبلدان وحماية مصالح معينة لارتكبنا مغالطة لا تسمح بإدراك حجم الانهماك الفرنسي الراهن في منع تصعيد التوتر والخروج من الأزمات عن طريق اضطلاعها بدور التهدئة. لا تريد فرنسا الوقوف متفرجة على المناطق الإقليمية بعد الآن، وتسعى في هذا الطريق إلى ربط الأقوال بأفعال.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
بيار لوي ريمون
باختصارالدبلوماسية الفرنسية في عهد ماكرون ( انتقلت ) فقط من الغزو الثقافيّ إلى الغزو الاقتصاديّ.والاقتصاديّ وسائله وأساليبه تختلف عن
الثقافيّ.لأنّ الثقافيّ يقوم على ( غسل العقول ) والاقتصادي يقوم على ( غسل الأموال ).مع التقديرللمسيوريمون ؛ صاحب المقال.