ابنة خالتك مرة أخرى

للراحة ثمن لم تحكِه لك ابنة خالتك (بطلة المقال السابق)، وهي تنصحك بأن «تتشطري» فتحتفظي بكل أموالك لنفسك وتتركي مصروف البيت على زوجك، فهو الرجل وهو المسؤول عن تغطية كل مصاريفك أنت وبيتك وأولادك.
هو الرجل- تنطقها هي من تحت ضرسها- وهو من يجب عليه أن يوفي كل احتياجاتك ومتطلباتك، لا تصرفي قرشا في بيتك يا عبيطة، انفضي جيبه أول بأول، فجرْيُ المال في يد الرجال يفتح شهياتهم التي لا تنطفئ إلى مزيد من العـــــلاقات بحلالها وحرامها. تريد راحتك المادية ابنة خالتك هـــذه، جزاها الله كل خير، تود أن تؤمنك وتحفظ حقوقك، «فهــذا شــرع الله»، تطمئنك هي، وهو حقك الذي لا يجب أن تتنازلي عنه!
لم تخبرك ابنة خالتك، جزاها الله عن كل النساء المكلومات كل خير، عن ثمن هذه الراحة، لم تعلمك بأنها مأمورة في بيتها بما أنها تريد أن تتصرف وكأنها قاصر تحتاج فيه إلى الرعاية. لم تخبركِ أن منعها المشاركة المادية في بيتها أحدث حاجزا مرتفعا بينها وبين زوجها، وخلق جوا من عدم الأمان بينهما، وقسمهما إلى قائد ومقود، قوّام ورعية، فهذا هو قانون الحياة؛ المسؤولية المادية تستحضر صنع القرار، من يدفع يقرر ومن يصرف يقُد. تغمز لك ابنة خالتك فخرا أن مصروفها ومصروف بيتها يصلها كاملا من زوجها، وأن راتبها جله لها، لا تصرف منه شيئا، هذا ما كانت عليه أمهاتنا، تؤكد هي لك، هذا هو الشرع وهذا هو المنطق.
لم تستجوب ابنة خالتك في يوم التفسير الشرعي عن القوامة المادية، معناها ومترتباتها، لم تفكر منطقيا في سبب تحميل الرجل العبء المادي، لمَ يدفع الرجل المهر؟ لمَ يتحمل المسؤوليات المادية كافة؟ وما الواجب الثقيل مقابل هذا؟ لو أن ابنة خالتك فكرت فيها بعض الشيء، لكانت طالبت بإعادة قراءة النص القرآني وإعادة فهم معنى القوامة، ولكانت نادت بتجديد الخطاب الديني وتطوير التفسير. لو أن ابنة خالتك فهمت سبب تحميل الرجل الأعباء المادية والمزايا التي يتحصل هو عليها مقابل هذه المسؤوليات، لما سعدت وتفاخرت ونصحت، لو أنها نظرت إلى الموضوع نظرة أعمق لعلمت حجم خسائرها الفادحة في هذه المقايضة غير العادلة.
وربما ما كانت لتعترض كثيرا، ربما أضحت حريتها واستقلالها ومساواتها وشريك حياتها في صنع القرار لا تعني لها الكثــــير، وليست جميعا بالمكاسب المهمة عندها. ربما لا تريد المساواة، هي تريد الراحة، وربما لا تريد الشراكة، هي تريد التبعية، وهذا اختيار، وهو حقها. ولكن أتفقهين أنت- حين «تطقطقين» أذنيك لها- ما تستمعين إليه وما تغامرين به وما تتنازلين عنه؟!
سيمون دي بوفوار تقول إن اهتمامها ينصب على الحرية لا السعادة، وربما أنا هنا أدعوك لتحويل اهتمامك للحرية والمساواة والشراكة لا الراحة والسعادة، أدعوك لأن تكوني شريكا حقيقيا في مسؤولياتك المادية والعملية لتصبحي شريكا حقيقيا في الحقوق، مساويا في المقدار الاجتماعي وفي مقدار السلطة الأسرية والحرية الإنسانية. أعلم أن الدعوة ثقيلة ومرفقاتها مرهقة وطريقها وعر وقد يكون غير آمن، فمن هذا الذي بعقله الواعي يقرر أن يختار شيئا فوق السعادة؟ هن، نحن النساء اللواتي يجب أن نختار شيئا فوق السعادة، فوق السعادة المؤقتة، لما عداها من سعادة ورضا تامين. نعم الدعوة ثقيلة، لكن مكاسبها لا تقدر بثمن، فأن تكوني إنسانا مستقلا، غير تابع ولا مأمور، حر الإرادة، مكتمل السيطرة على الحياة والقرارات، متساويا في السلطة الاجتماعية وفي الوصاية على الأبناء، متماثل الحق القيادي مع شريك يؤمن بمساواتك ويحترم قراراتك ويسعى جاهدا، دائما وأبدا، للــــــوصول إلى حل وسط معك كشريك حقيقي نافذ الإرادة، فهذا يعـــني أن ثمة مكاسب اجتماعية وحياتية وإنسانية لا تقدر بثمن، وخصوصا لمن كان جرب مرار القـــيود للجنس الأضعف الذي أمضى قرونا مقادا مملوكا مقهور الحقــــوق الإنسانية مسلوب الإرادة مسروق حق العيش الحر المساوي الكريم.
لحريتك ومساواتك واكتمال قدرك الإنساني ثمن، لك أن تدفعيه فتستمعي بالمميزات في هواء حياتك الطلق، ولك أن تكنزيه فتعيشي في دوائر المناورة والرجاء المكتومة الدبقة، فتتحولي إلى أمَة لتحوليه إلى عبد في مناورات مستمرة، بينه الآمر الناهي وبينك المطيعة المتحايلة التي تتحين الفرص وتظهر الضعف وتستغل الفسحات لتحقق مرادها.
لك أن تعيشي إنسانة متساوية نافذة القرار في بيتك، ولك أن تعيشي قاصرا مأمورة مطلوبة الطاعة فيه، ابنة خالتك اتخذت قــــراراها، فمــــا هو قرارك أنت؟

ابنة خالتك مرة أخرى

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ أحمد – لندن
    بما انك حشرت المسيحية في تعليقك فارجو ان تعطيني كمية الحرية و المساواة و الحقوق مقارنة بالوضع المزري للمرأة و البشر في فترة الدين المسيحي كي لا نعتبر الامر مجرد انشاء بدون دراية للدعاية والنشر والاعلام

    1. يقول أحمد -لندن:

      الاخ سلام عادل

      لن أزايد من خلال المقارنة بين ما قبل الاسلام و ما بعده و لكنني أحيلك الى مقال الاستاذ جيلبير الأشقر من هذا الأسبوع في القدس العربي و اللذي هو بعنوان: في صدد المساواة بين الجنسين في الميراث.

      و شكرا لك

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    @اخي سلام عادل، ارى و كأنك قد أخدتك الحمية .. انا لم اعهد ذا فيك بصراحة.
    .
    يا أخي سلام، اخي احمد استشهد بمقال
    .
    هل بامكانك أولا الاطلاع عليه؟ الكاتب اسمه جلبير و ليس احمد و لا محمد، و أنا احترمه لأنه يبحث على الحقيقة.
    انت ترى كم اكون انا مثلا قاسيا مع سلفنا الفقهي، فلا تحركني لا بغظاء و لا حقد .. بل عشق الفكر الحر ..
    و اظن ان هذا هو الطريق الوحيد للتقدم: الحرية في الفكر.
    .
    انا اتفق تماما مع اخي احمد في هذه النقطة التي استرعت اهتمامك، و لعل ابسط دليل ان المرأة في سويسرا صار لها
    حق الانتخاب بعد ان كان هذا معمول به في جل الدول العربية.
    .
    و انت تعلم ربما ان نصف شعب المانيا مات بحروب داخلية فقط .. يعني لم يأتيهم التقدم من السماء.
    .
    وإن احببت ادلة كثيرة، فهو قد يتطلب بعض الوقت .. المسألة جلية بصراحة.

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ ابن الوليد. المانيا.مع تحيياتي
    القضية ليست حمية او غيرةوما شابه الاخ احمد افتتح تعليقة بالمقارنة بما موجود في الاسلام من حرية ومساواة وحقوق للمراة مقارنة بالمسيحية واليهودية ووصفها بالوضع المزري والامر لا يخص دولا هنا وهناك فهو يقارن بين الاديان, وحتى لو فرضنا بما تفضلت به من توضيح فيبقى وضع المراة في بلداننا رهينة باراء رجال الدين وفتاويهم وتحت رحمة العادات والتقاليد فالمراة في العراق بلدي كي لا اذهب بعيدا تقتل من قبل اخوها او ابن عمها بسبب كلمة او اشاعة وكذلك تعطى كدية قتل لاهل المقتول وهي في بيت اهلها خادمة مطيعة لاخوانها (الغالبية من النساء وتزوج بموافقة اهلها وهي راغبة بذلك لتهرب الى خدمة رجل واحد بدلا من خمسة او عشرة ولا تطلب الطلاق لانها لا تعرف بعدها من يقبلها من اخوانها خادمة في بييته هذا هو واقعنا التي تعيشه اغلب النساء في بلداننا اذا استثنينا تونس فقط

  4. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    تتمة،
    ان أحببت ان تعرف مذى حرية المرأة في عصرنا هذا عند اليهود، فعليك بمعاينة حالهم عند اليهود المتشددين. المرأة عندهم و كأنها حيوان أليف.
    .
    أنا بصراحة، ان احببت تقدما لبلدي المغرب، فلن احب له تقدما مثل الغرب. سأحاول أخذ المنهج أولا، نقاشه و دراسته مقابل ثقافتنا و ثراتنا و فلسفتنا .. دراسة قد تكون رياضية ب حتى على الكميوتر بموديلات مختلفة، كما كان يفعل العالم المغربي المهدي المنجرة .. و جمع رأي القوم المفكرين من كل التخصصات .. كي نخرج الى حل نجد فيه أنفسنا نحن.
    .
    قد ابان العرب و الأمازيغ في تاريخهم انهم وعاء حظارة.
    .
    مثلا، رأية المرأة عند الأمازيغ جد جد متقدمة، فلا نحتاج ههنا الى الغرب. و نظرتهم التحمت بقيم الاسلام، حيث تجدهم و جهابدة الفقه هناك من أحرص الناس على دينهم. و رُأيتهم جد متحررة. يكفي ان أقول ان الامازيغ لا ينظرون الى المرأة لا مثل الغرب و لا مثل عرب المشرق، مثلا عندهم لا يقرن جسد المرأة العار كما في المشرق و عند المسيحيين(الخطيئة الأولى، بالألماني die erste Sünde). لماذا لا نستفيد من هذا و هو لذينا في ثقاتنا العربية الامازيغية، و نجاحها مضمون، لأنه موجد الآن.
    .
    رأية المرأة قد يبدو شيئا سهلا… أبدا .. انه مثل الفرادية الأساس لبناء مجتمع فيه مساوات.

  5. يقول سلوى:

    ما حاجة المرأة الى الحرية اذا لم تكن سعيدة؟ لم يخرب بيت النساء سوى الدعوات الى الحرية والمساواة فاصبحن يعملن خارج المنزل وداخل المنزل ويلهثن من الصباح الى المساء و اصبحت المرأة لا تجد وقتا للنظر للاهتمام بنفسها في الماضي كانت المراة سعيدة في بيتها تهتم بشوونه بكل هدوء ومزاج رايق،،، وتربي اطفالها و تهتم بانوثتها ،،،،الان تعود الى منزلها متعبه وفي حاله عصبيه لا تتحمل كلمة من زوجها او اولادها ،،،ما المشكلة اذا كان الرجل هو الامر الناهي بالمنزل طالما سوف يريحها من مشاكل الحياة ويتحمل شظف العمل والقرف في العالم الخارجي ؟؟؟؟هل من الضروري ان تضع راسها براس زوجها وتتساوى معه؟؟؟ فليكن هو الملك والامبراطور في المنزل ما المشكلة طالما سوف يغنجها ويدللها ،،،، ايام اجدادنا لقد كان الرجال رجالا بحق ويتحملون مسوولية الاسرة لوحدهم الان بسبب دعوات المساواة اصبح الرجل يبحب عن فتاة تعمل كي تريحه وتدفع معه القروض والاقساط ،،،، انا اطالب بعودة السيد أحمد عبد الجواد سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ فلتعجن أمينة العجين وتعد له الطعام وتغسل له الثياب اليس هذا افضل من الركض طوال النهار و العمل بالمصانع والمكاتب؟ سوف تندم النساء على هذه المساواة عاجلا ام اجلا

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      أختي سلوى استغرب في تعليقك أنك تتحدثين عن المرأة عموماً. مثلاً مارأيك في طبيبة أطفال أو مربية في روضة أو مدرسة أطفال أو إمرأة ذكية كاتبة أو محاضرة في الجامعة … إلخ أليس من الأفضل أن تعمل خارج المنزل, بدلاً من العمل البسيط كمربة منزل, حيث يستطيع الرجال باعمال المنزل في أيامنا هذه بكل بساطة.

    2. يقول سلوى:

      لانني اعتقد يا اخ اسامة بان المراة مهما تطورت وتعلمت تحتاج الى رجل اقوى منها يحتويها ويحميها يشعرها بالامان لا أن يكون نداً لها كما ان هنالك فرق كبير بين امراة تعمل ربَّما كهواية او لانها مميزة في مجال ما أو كنوع من ظهور الاجتماعي وتعرف انها تستطيع ترك عملها اذا واجهتتها صعوبات معينه لان زوجها مسؤول و يتحمل العبء عنها وامراة مضطرة للعمل لاعالة اسرة ودفع اجار المنزل و اقساط المدارس ثم ان الرجال ليسوا بارعين بالاعمال المنزليه -التي ليست بسيطة على الاطلاق كما تفضلت – لكي يستلموا دور ربة المنزل فهم فاشلون في تنظيم المصروف والتنظيف الدقيق لارجاء البيت وتربية الاولاد حتى لو توفرت لديهم جميع الادوات الكهربائية ،،،،فأقصى ما بامكانهم اجراء بعض التنظيفات السطحية واعداد بعض الاطباق الجانبية ,,,, الفيزيولوجيا تحكم ولها تاثيرها هنا

    3. يقول أحمد -لندن:

      الأخت سلوى

      تعليق ختامها مسك

  6. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أخي سلام عادل, من ناحية الواقع معك حق, أما من ناحية الدين بغض النظر عن المقارنة بالوضع المعاصر الدين الإسلامي كان نتقدما بالمقارنة بالأديان الأخرى. وخاصة في العصور الوسطى أما بالنسبة لعصرنا الحاضر فالوضع يختلف. ولقد أوضح أخي ابن الوليد الأمر, ولهذا أكتفي بهذاالإختصار.

  7. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ أسامة كليّة سوريا/ألمانيا
    انالم اتحدث عن وضع الاحوال في بعض العصور وانما عن النصوص فعندما نقارن بين المعتقدات والاديان لا نقارن بين تطبيقات قادتها او رجالها فهم بشر في كل الاحوال ومختلفون بحسب زمانهم ومكاانهم وثقافتهم الموروثة فان ذكرت الاسلام او المسيحية قي امر ما فاني اعتمد النصوص المقدسة لكلا الديانيتين وليس ما فعله رحال الدين

  8. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    اختي سلوى،
    .
    أنا سعيد بعودك الى المنبر، و مشتاق الى قصيدة من شعرك.
    .
    هذه ثالت مرة اتوجه اليك بالتعليق، لأني اظن ان انفتك و عزة نفسك لا تدعك ان تجبري الخواطر ..
    احببت و أحب هكذا ان اسهل عليك الأمر، و أعطيك هكذا الفرصة تلوى الأخرى، كي تكتبين شيئا .. على الأقل سلام جميل ..
    في حقي .. هذا يكفي.
    .
    انا لا اهتم لا بنقاش طبخ و لا شيئ آخر .. كانت مجرد حركة، ظننتها جميلة تجاهك، كي تاخدينها كفرصة لإذابة الجليد.
    هذا كل ما في الأمر.
    .
    لو كان شخص آخر لما اخذ مني الأمر ما أخذ … حتى بعد هذه المدة ..
    لكنك كنت سلوى شاعرة الجريدة. فهل انت ما زلت شاعرة الجريدة؟
    .
    انا بصراحة حتى مع ألذ خصومي فكريا، لا أحب ان تكون بيننا كهرباء في الهواء انسانيا، لانني احاورهم،
    و هم ليسوا اعدائي بل خصوم فكريا فقط.
    .
    هل يا ترى ستجيبن بتعليق فيه شيئ من أخذ مسافات كبيرة … أو ستتغلبين على شيئ من كبريائك …
    كشاعرة بشعور انساي راقي و رهيف …

    ان لست بشاعر، لكنني كما ترين افعل و فعلت ..
    .
    تحياتي الأخوية.

  9. يقول سلوى:

    تحية اخ ابن الوليد وصباح الخير
    لقد اجبت على سلامك المرة ا لماضية ربما لم تقرأه كما انني لا مشكله لدي في الحديث عن الطبخ او اي موضوع ولا توجد قصة كبرياء هنا ولا اعتبر نفسي شاعرة ولا يليق بي التحدث عن الطعام هههههه ولا اظن نفسي المتنبي او ابن الرومي لا ادري من اين اتيت بهذه الافكار عني او ربما انا اوحيت لك بذلك من غير قصد ،،،، لايوجد كهرباء في الاجواء بالعكس دائما اتابع تعليقاتك باعجاب في كل المواضيع
    باي حال احييك مجددا واشكر لطفك والتفاتتك الاخوية

    1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      المسألة الآن صارت مهضومة اختي سلوى .. مهضومة ..
      .
      شكرا لك.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية