لندن – «القدس العربي»: حذر الباحث في وقفية كارنيغي والأستاذ في جامعة جورج تاون كريم ساجدبور من أن سياسة ممارسة الضغوط على النظام الإيراني بهدف إسقاطه قد ترتد سلباً على واشنطن. وفي مقالة نشرها بمجلة «أتلانتك» وبدأه بمقولة نابليون بونابرت: «عندما يرتكب عدوك الخطأ فلا تعترضه». وقال إن الجمهورية الإسلامية تعاني منذ أشهر من الأزمات، فمن مشكلة العملة وعدم القدرة على مواجهة مطالب المواطنين بحقوقهم وحركة المرأة والإضرابات العمالية المستمرة التي طرحت أسئلة حول قدرتها على البقاء. ومن الواضح أن خطة دونالد ترامب كما قدمها وزير الخارجية مايك بومبيو تقوم على تسريع استسلام إيران أو الإنفجار السياسي.
ومع أن عملية الإنتقال السياسي في إيران تعتبر هدفاً يستحق المتابعة إلا أن طريقة ترامب المتهورة في تنفيذها قد تؤدي إلى العكس وهو إحياء النظام المريض. فقد كان الربيع العربي، كما يقول ساجدبور تذكيراً بأن انهيار الأنظمة الشمولية يبدو أمراً لا يصدق أثناء الحكم إلا أنه يصبح حتمياً عندما تسقط. ومن الملاحظ أن المراقبين المخضرمين للشأن الإيراني بدأوا بالتفكير بسقوط النظام. ففي خطاب تم تداوله بشكل واسع على وسائل التواصل الإجتماعي وقدمه استاذ السوسيولوجيا محمد فاضلي وأكد فيه أن النظام يواجه «أزمات متجمعة» سياسية واجتماعية واقتصادية ومناخية وجيوسياسية و«على خلاف أية دولة في العالم» والمثير أنه لم يلق خطابه أمام المعارضة الإيرانية في الخارج ولكن في معهد بحثي حكومي.
ولاحظ المراسلان الصحافيان الباقيان في طهران توماس إردبرنك من «نيويورك تايمز» ونجمة بوزورغ مهر من «فايننشال تايمز» هذا الشعور المتزايد. وبدأت بوزورغ مهر الهادئة تقريرها الذي أرسلته في 9 أيار (مايو) 2018 بسؤال مثير للدهشة: « هل بدأ العد النهائي للجمهورية الإسلامية؟». وكانت في هذا تقتبس كلاماً من رجل أعمال إيراني الذي ربما عكس ملاحظة الفيلسوف أليكسي دي توكفيل التي قال فيها إن الأنظمة الديكتاتورية تكون في حالة خطيرة عندما تحاول إصلاح نفسها.
شرطان
وقال رجل الأعمال: «المشكلة هي أنه عندما تبدأ الجمهورية الإسلامية بإصلاح نفسها فلن يبقى منها شيء، ولو ظلت ترفض الإصلاح فستموت». وجاء خطاب بومبيو الأول بعد وصوله إلى الخارجية ليحدد استراتيجية ترامب والتي تركزت على 12 مطلباً والتي منحت القيادة الإيرانية الخيار نفسه: أصلحوا أنفسكم باتجاه معارض لما كنتم تقومون بعمله خلال العقود الأربعة الماضية وإلا قمنا بالعمل على تدميركم. ورد المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله خامنئي بمنع التحاور مع الحكومة الأمريكية.
وترافق هذا مع موقف خامنئي الثابت وهو أن الاستسلام للغرب سيسرع ولن يمنع تغيير النظام، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة وإيران في حالة من الصدام. ولا بد من توفر شرطين حتى ينهار النظام الشمولي، الضغط من الأسفل وخلافات من الأعلى.
ورغم وجود علاقة تكافلية بين الشرطين- مع أن الإضطرابات الشعبية قد تفاقم الخلافات بين النخبة – إلا أن المحاولة الفظة من القوى الخارجية والدفع نحو تغيير النظام لا تؤدي إلا لزيادة تماسك النظام الشمولي. وحاول بومبيو تعبئة الشعب الإيراني ضد نظامه الذي قدمه على أنه كتلة واحدة.
وفي مجال أبحاثها حول «بقاء الأنظمة الثورية» والتي «تظهر من خلال كفاح أيديولوجي ومقاومة عنيفة من الأسفل» قدم الباحثان السياسيان ستيفن ليفستكي ولوكان وي رؤية تقول إن الأنظمة الثورية التي ولدت عبر حركات شعبية بما فيها الإتحاد السوفييتي السابق وكوبا وإيران تتشارك عادة بأربعة ملامح: تدمير مراكز القوة المستقلة، الأحزاب السياسية الحاكمة المتماسكة، سيطرة كاملة على قوات الأمن، وأجهزة قمع قوية. وتوجد هذه الملامح في النظام الإيراني للمساعدة على تحصين الأنظمة الثورية ضد الإنشقاق والإنقلابات العسكرية والتظاهرات الجماهيرية والتي تعد من أهم مصادر انهيار الأنظمة الشمولية. ورغم تعرض الجمهورية الإسلامية لنوبات من الاضطرابات الشعبية إلا أن النظام المنقسم إلى معسكرات يقوم في زمن الأزمة بالاتحاد. فالحرس الثوري الجمهوري والباسيج، يد القمع في النظام يبلغ تعداد عناصرهما، 300.000 مقاتل ولديهما مصالح مالية.
وكما قال غاري كاسباروف عن روسيا فكل دولة لديها مافيا إلا أن خامنئي والحرس الثوري يشبهان إلى حد كبير مافيا في داخل بلدهما. وتستطيع الجمهورية الإسلامية الاعتماد على 400.000 من الميليشيات الشيعية التي دربتها ومولتها خارج البلاد وتضم حزب الله. وقضت هذه سنوات في القتال داخل سوريا مقارنة مع معارضي الحكومة الإيرانية فهم غير مسلحين وبدون قيادة.
أبعاد الاتفاقية
ويقول ساجد بور إن واحداً من الأبعاد التي قامت عليها الإتفاقية النووية قيامها على تحول إيجابي للنظام الإيراني إلى لاعب غير مؤذ مع انتهاء مدتها في غضون 10- 15 عاماً. والمشكلة في استراتيجية ترامب أنها تعول على قدرة الشعب الإيراني الأعزل والمنقسم في الإطاحة سلميًا بنظام متماسك ومسلح. وفي الوقت الذي كانت فيه الثورة الإسلامية عام 1979 هي قصة عن شعب كان مستعداً لتقديم الشهداء ضد نظام لم يكن راغباً في ارتكاب عمليات قتل جماعي إلا ان الصورة اليوم تبدو معكوسة. فمنذ عام 1979 حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إما تغيير سلوك النظام أو تغييره بشكل كامل. فقد أحاطت إدارة جورج دبليو بوش إيران بـ 250.000 جندي الذين أرسلتهم إلى أفغانستان والعراق ودعمت بشكل واسع نشاطات الديمقراطيين الإيرانيين. إلا أن طهران هاجمت اثناء فترة بوش الجنود الأمريكيين في العراق فيما تلاشت المعارضة السياسية في إيران. وكان الغرض من الحرب في العراق هو نشر الديمقراطية في إيران لكنها أدت إلى انتشار النموذج الإيراني في العراق.
وعندما وصل باراك أوباما إلى السلطة حاول أن يكون نسخة مضادة لبوش وبحث عن تقارب مع إيران وكتب عدة رسائل للمرشد الأعلى. وزار جون كيري الذي كان سيناتورا عام 2009 إيران وقضى كوزير للخارجية وقتاً طويلاً مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. ورغم التوقعات الكبيرة بعد توقيع الإتفاقية النووية إلا أن سلوك إيران الداخلي والخارجي وعدوانيتها تجاه الولايات المتحدة لم تتغير. وورث ترامب إدارة شهدت صعوداً إيرانياً في المنطقة وتراجعاً داخلياً- مشاكل داخلية. وبدلًا من حشد الدعم الدولي ضد نشاطات طهران الخبيثة في الداخل والخارج خاصة المذابح في سوريا استهدف ترامب الشيء الوحيد الذي كانت إيران ملتزمة به وهي شروط الإتفاقية النووية. ومنذ تمزيق ترامب لها انحرف الإهتمام الإعلامي العالمي عن نشاطات إيران القمعية في الداخل وطموحاتها في الخارج وبدأ يركز على الولايات المتحدة كقوة عظمى لا يمكن الثقة بها.
وبعد خطاب بومبيو أخذ هاشتاغ تغيير النظام في إيران يظهر على تويتر. وهذا أمر مفهوم لأن انفجار الثيوقراطية المعادية لأمريكا يثير نشوة المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين. وعلمتنا دروس الثورة عام 1979 والربيع العربي عام 2011 أن الثورات يحكم عليها من خلال ما بنته لا ما دمرته. فلن يتخلى الحرس الثوري أو الباسيج عن مكتسابتهما بدون سفك الدماء. ويذكر الكاتب هنا بما كتبه الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان في عام 1947 محذراً من أن سياسات الولايات المتحدة لن تكون كافية لتغيير النظام السوفييتي. وكان على العالم أن ينتظر خمسة عقود قبل أن ينهار النظام السوفييتي الذي انفجر من الداخل «حيث كان يحمل في داخله بذور تدهوره» على حد تعبير كينان.
وساعد رونالد ريغان على تحقيق النهاية من خلال مساعدة المعارضين ومواجهته في أفغانستان. ومن الناحية النظرية يمكن استخدام ما حدث للاتحاد السوفييتي كنموذج مع إيران. وهذا لا يقتضي صبراً ومرونة واستعداداً لدعم المجتمع المدني الإيراني ومواجهة التأثير الإيراني الخبيث فقط بل والتعامل مع النظام لزيادة الإنقسامات بين من يريدون إيران دولة ومن يريدونها قضية.
«تلغراف»: اتفاق روسي- إسرائيلي يستبعد إيران من الجنوب السوري
نشرت صحيفة «دايلي تلغراف» تقريرا قالت فيه إن روسيا وإسرائيل توصلتا إلى صفقة غير مسبوقة تسمح لقوات بشار الأسد بالسيطرة على ما تبقى من مناطق يسيطرعليها الثوار في الجنوب السوري – اذا لم يشارك المقاتلون الإيرانيون. ويبدو أن موسكو خضعت للمطالب الإسرائيلية بمنع تجاوز الميليشيات التي تدعمها طهران مسافة 15 ميلاً من مرتفعات الجولان حسب تقارير إسرائيلية وسعودية.
وبالمقابل لن تقف إسرائيل مكتوفة الايدي أمام أي هجوم يشنه النظام السوري على مدينة درعا والمناطق المحاذية للحدود الأردنية والإسرائيلية. وقالت روسيا يوم الاثنين إن قوات سورية فقط ستكون على الحدود الجنوبية وهو ما يبدو موجها ضد إيران. ويقال أن تم التوصل إلى الصفقة في مكالمة هاتفية قبل أيام بين أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، وسيرغي شويغو، نظيره الروسي.
ويحول الاتفاق دون وقوع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران في سوريا حيث تصاعد التوتر بين الخصمين في الأشهر الأخيرة. وفي الوقت نفسه يكشف الاتفاق عن الهوة المتعاظمة بين موسكو وطهران اللتين تؤيدان الجانب نفسه في الصراع.
وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن روسيا تزداد انزعاجاً من التواجد الإيراني في سوريا وتخشى أن القتال بين إسرائيل وإيران يهدد الانتصارات التي اكتسبتها بصعوبة. ويقدر بأن لإيران آلاف المستشارين والمقاتلين في سوريا بالإضافة لعدد من المواقع والتي أصبحت هدفاً دائماً للهجمات الإسرائيلية.
ويقلق إسرائيل، التي يقال إنها تلقت أيضاً ضمانات من موسكو بأنها لن توقف أي ضربات مستقبلية للأهداف الإيرانية، تنامي الترسانة العسكرية على حدودها لكل من إيران وحليفها حزب الله.
ولعبت كل من روسيا وإيران دوراً مفصلياً في مساعدة الأسد تحويل الهزيمة إلى نصر، وطمأن فيصل مقداد، نائب وزير الخارجية السوري، طهران بأن أنسحابها ليس مطروحاً للنقاش.
درعا هي الهدف الواضح للأسد، وقد وعد مكرراً باستعادة كل شبر من أرض البلاد. والمنطقة الوحيدة المعارضة بعد ذلك هي إدلب في الشمال الغربي ويلفها التعقيد بسبب وجود القوات التركية في المنطقة. وتم احتواء القتال في جنوب غربي سوريا منذ العام الماضي باتفاقية «خفض تصعيد» تم التوصل إليها بوساطة روسية وأمريكية وأردنية. ولكن الانتصار الذي حققته الحكومة السورية مؤخراً في الغوطة الشرقية على أطراف دمشق، خفف الضغط على الجيش المستنفد، بحيث فرغ جنودًا لأعمال أخرى.
وقال مصدر عسكري موال للحكومة يوم الثلاثاء أن الاستعدادات لهجوم على درعا قد استوفيت. وقال القائد العسكري: «سيشن الجيش السوري كل المعارك وقد أصبح الآن قوياً وقادراً». وقام الجيش هذا الأسبوع بإسقاط منشورات على المدينة يحث فيها المقاتلين على التخلي عن سلاحهم وكتب في المنشورات: «رجال الجيش السوري قادمون.. اتخذوا قراركم قبل فوات الأوان». وتقع درعا، التي تعرف بمهد الثورة بسبب انتفاضتها ضد الأسد في أوائل عام 2011، تحت سيطرة توليفة من الثوار بمن فيهم الجيش السوري الحر، الجبهة الجنوبية. ومثل معظم الصفقات لأجل سوريا، حيث تتسابق الأطراف المختلفة الداعمة لتحقيق مصالحها، لم يشارك أي طرف سوري في المفاوضات. وقال إيليا السمان، مستشار وزارة المصالحة في الحكومة السورية للتلغراف بأنه ليس هناك وقت نهائي للهجوم، مضيفاً: «ولكن بالطبع تفضل الحكومة السورية دائماً الاتفاق حول العمليات العسكرية.. والآن هناك جهود تبذل للتوصل إلى اتفاق في المنطقة الجنوبية لتجنب عملية عسكرية». وسيشكل هذا الاتفاق ضربة قوية للثوار الذين دعمتهم كل من أمريكا وإسرائيل بالمال والسلاح.
وأعربت أمريكا عن قلقها خلال عطلة نهاية الأسبوع من حشد القوات السورية للقيام بهجوم هناك ولكن كان ذلك قبل أن تنشر تقارير حول الصفقة. وقد تراجعت أمريكا تحت إدارة دونالد ترامب عن دعم الثوار ولم تبد استعداداً للتدخل لصالحهم. ومن المنتظر أن يقوم مسؤولون من واشنطن بإجراء محادثات مع كل من الأردن وروسيا حول مستقبل الجنوب. فالأردن يخشى من هجوم يتسبب بتوجه آلاف اللاجئين في اتجاه حدوده.
فيسك في «إندبندنت»: بوتين يتعامل مع الجميع في الشرق الأوسط… وبعد الهزيمة في ليبيا لم يعد يتهاون مع تغيير الأنظمة
تحت عنوان «لدى بوتين الكثير ليشكر ترامب في الوقت الحالي» علق روبرت فيسك في صحيفة «إندبندنت» على الدور الروسي في سوريا، خاصة مقتل أربعة من الجنود الروس في صحراء دير الزور حيث يلعب الأمريكيون والروس في لعبة خطيرة.
وقال إن بوتين سينظر بدقة إلى موقع المدفعية السورية التي خسر فيها أربعة من الجنود الروس أرواحهم نهاية الأسبوع. فصحراء دير الزور لا تزال خطيرة من الناحية السياسية والمادية. ويشك بوتين بقيام الأمريكيين بالمساعدة في إرشاد قنابل الهاون التي قتلت قائدًا في الجيش الروسي الخامس للشرق للأدنى، الجنرال فاليري أسابوف قبل أقل من عام.
وتساءل إن كان الأكراد أم تنظيم الدولة هم من أطلقوا قذيفة الهاون؟ ويقول الروس إن قوات متحركة لتنظيم الدولة هاجمت موقع المدفعية السورية في نهاية الأسبوع. وكانت طريقتهم معروفة حيث يخرجون من وديان الصحراء بعربات انتحارية ودراجات. ويتساءل فيسك عن سبب وجود القوات الروسية في موقع للدبابات السورية مشيراً لطبيعة الأدوار المتعددة التي بات يلعبها الروس في الحرب السورية. ففي البداية كانوا جزءاً من الجيش السوري لتوجيه طائرات سوخوي لضرب المعارضين لنظام بشار الأسد. ومن ثم تحولوا إلى خبراء في نزع الألغام في تدمر ودير الزور وحمص وحلب. وبعد ذلك قامت الشرطة العسكرية بمرافقة المسلحين الذين خرجوا ضمن اتفاقيات مع النظام إلى إدلب.
أدوار متعددة
ويقوم الروس بالتنسيق ما بين السوريين والأكراد حلفاء الأمريكيين في وادي الفرات. ويقول إن التقنيين الكبار العاملين لبوتين قاموا قبل أشهر بالبحث بين أنقاض حلب عن مواقع سقوط القنابل الروسية وكتابة تقارير توزع على العسكريين ولكنها تذهب إلى الكرملين أولاً ويقرأها بوتين، فلن تكون هناك كارثة مثل أفغانستان في عهد بريجنيف ولا تراجع عبر أمو داريا في أفغانستان. ويضيف أن الضباط الروس يتحدثون جيداً العربية والإنكليزية مقبولة لديهم نوعا ما وهذا بسبب مدرسة موسكو للغات الأجنبية التي لقنتهم اللغات. ويذهب القادة إلى جبهات القتال لأن بوتين قرر ملاحقة أعدائه من الشيشان والجهاديين الروس إلى سوريا. وقام بإنقاذ حليفه بشار الأسد . لكنه ظل محافظاً على علاقات مع تركيا- رغم إسقاط المقاتلة الروسية- إيران، مصر، لبنان والسعودية. ويقول إن بوتين رفض الانضمام لحرب واشنطن الطائفية وفضل استخدام عبارة الحرب على الإرهاب. ويقول إن بوتين هو رجل كل المواسم. فهو يتقبل الثناء من الأسد و»إنقاذه» سوريا. ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي العنصري أفيغدور ليبرمان بـ «الذكي». و «بالتأكيد اقتبتست ترجمة للقاء في الكرملين كلاماً لبوتين زعم فيه أن ليبرمان، حارس النوادي الليلية من الإتحاد السوفييتي السابق، بـ «الروسي العظيم».
كما ويرحب دائمًا بنتنياهو «حتى وهو يقصف الإيرانيين في سوريا». وكذا علاقته مع اردوغان، فعندما سافر بوتين إلى تركيا للقاء اردوغان ركن مروحيته على البوسفور قبالة قصر توبقابي. وأخذ سيسي مصر بوتين لافتتاح أوبرا في القاهرة. ورحب بوتين في الكرملين بالملك سلمان وبالقطريين وسافر إلى إيران روحاني واستمع للمرشد الأعلى، ولكن الإيرانيين لم يذكروا احتلال الروس لشمال إيران في أثناء الحرب العالمية الثانية ولا دور السوفييت في أذربيجان أو جمهورية مهاباد الكردية. ولم يذكر بوتين السيسي بقرار السادات طرد الخبراء الروس عام 1972 ولا مغازلة الأسد الشاب الغرب وحضوره احتفال الباستيل في باريس مع نيكولاس ساركوزي عام 2008.
دهاء بوتين
وبعد الهزيمة في ليبيا فلن يتهاون بوتين مع أية محاولة للغرب والتخلص من نظام الأسد ولن يكون هناك انسحاب مهين من الشرق الأوسط. فعندما يريد الروس الحديث مع الجنرال المتدرب أمريكياً والمعادي للإسلاميين خليفة حفتر نقلوه جواً إلى بارجة حربية في المتوسط. ولم يذرف بوتين أية دموع على المرتزقة الروس الذين قتلوا في معركة مع الأكراد. وسمح للأتراك بالسيطرة على عفرين. ويبدو أنه توصل لاتفاق مع إسرائيل يقوم الإسرائيليون من خلاله بضرب الإيرانيين متى شاءوا ولكن لا حرب في سوريا ولا إسرائيليين أو أمريكيين ولا مناطق آمنة وفوق كل هذا لا حرب مع إيران.
ولا يريد الإيرانيون حرباً مع إسرائيل ولن يربح فيها أي طرف كما يعرف نتنياهو. وفي طهران يعتبر بوتين صوت الحكمة. ففي الماضي كانت الخارجية الأمريكية هي من تطالب الأطراف بضبط النفس خاصة عندما تقوم إسرائيل بغزو غزة أو لبنان، ولكن الكرملين هو الذي يدعو اليوم لضبط النفس بين إيران وإسرائيل.
ويتساءل الكاتب عن أثر شخصية بوتين المتسمة بالدهاء والصعوبة فيما حققه في المنطقة ودور دونالد ترامب غير المستقر والمتقلب في تسليمه الإنتصار . ويعتقد فيسك أن شخصية ترامب وبوتين أسهمتها في هذا الإنجاز. ففي عهد باراك أوباما كان هناك نوع من التوازن الذي أصبح الآن في صالح بوتين. وعندما تحولت موسكو إلى محط نظر الشرق الأوسط فمن الصعب أخذ هذا التوازن من بوتين، خاصة أن أوروبا لا يلتفت إليها. فلا يمكن للإتحاد الأوروبي التعامل مع روسيا التي لا تزال تحتل أجزاء من أوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم. ولهذا فجواب القارة على التصرفات الروسية هي مزيد من العقوبات.
ويتحدث الكاتب عن الموقف الروسي من الإتفاقية النووية مع إيران التي دعم البقاء فيها مقابل خروج الولايات المتحدة منها، ففي ضربة واحدة أصبح الحليف المقرب من إيران يتعاطف مع أوروبا ويقدم نفسه على أنه ملتزم بالإتفاقية التي وقع عليها مع الصين. ولكن قد يدخل حرباً تجارية مع الولايات المتحدة – حرب الدولار- إلى جانب الحكومات الأوروبية التي عبرت عن استعداد للوقوف أمام قرار ترامب أمام جبن شركاتها الخائفة من خسارة أرباحها.
وفي كل هذا هناك ما يدعو إلى الانزعاج، فبوتين لن يذرف الدموع على المرتزقة الروس في سوريا، فنشاطاتهم هناك هي من أجل فحص قوة الأمريكيين وفي المقابل لن يهتم الأمريكيون بالأكراد الذين قتلوا في عفرين. ولن يصرخ بوتين على حال حقوق الإنسان في غزة وإطلاق النار على المتظاهرين وتدمير إسرائيل للعيادات والمستشفيات.
وسيظل ملتزماً بالحرب على الإرهاب وصديقًا للجميع. أما ساكن البيت الأبيض غريب الأطوار فقد فتح الباب أمام بوتين فدخل منه هذا مباشرة.
إبراهيم درويش