الناصرة – «القدس العربي»: اتهمت أوساط واسعة في إسرائيل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بتزوير التاريخ، لإصداره بيانا مشتركا مع نظيره البولندي حول دور بولندا في المحرقة. وحمل مؤرخون وصحافيون إسرائيليون بشدة على نتنياهو، ووصفوه كمن زيّف التاريخ وتواطأ مع اليمين القومي البولندي، من خلال بيانهما المذكور، وأنه طوّع التاريخ لخدمة غاياته السياسية الشخصية.
وكان نتنياهو قد تحدث عن مضمون البيان المشترك، الأسبوع الماضي، الذي أعقب تعديل بولندا قانونا يجرم من يتهم بولندا بالمشاركة بالمحرقة. ولم يعلق مؤرخون، خاصة من متحف تخليد ذكرى المحرقة، على أقوال نتنياهو، كما لم يتطرق إليها الإعلام. لكن المؤرخ الإسرائيلي البروفسور يهودا باور، ابن الـ92 عاما ويوصف بكبير مؤرخي المحرقة، نشر مقالا في صحيفة «هآرتس»، قبل أيام، وصف فيه البيان المشترك لنتنياهو ومورافيتسكي بـ»الخيانة»، بعدها بدأت تثور الضجة حول هذا البيان. وبعد نشر نصه بالعبري قال متحف تخليد ذاكرة المحرقة فيه إن إسرائيل وافقت من خلال البيان المشترك على الرواية البولندية للمحرقة، التي تتضمن «تشويهات تاريخية». واعتبر المتحف أن الصيغة المعدلة لقانون المحرقة البولندي» تسمح بالمس بالباحثين وطلاب الجامعات والمعلمين والصحافيين والسياسيين ومرشدي السياحة والعاملين في مواقع تخليد الذكرى».
وكان القانون البولندي المذكور قد أثار غضبا في إسرائيل خاصة أنه تضمن عقوبات على من يتهم بولندا وشعبها بالتواطؤ مع النازيين وملاحقة اليهود. ومن بين الانتقادات ضد نتنياهو هو أنه شخصيا أعلن عن الاتفاق حول البيان المشترك، ليظهر أنه حقق إنجازا في حل الأزمة بين الدولتين، لكن في أعقاب مهاجمة متحف المحرقة والمؤرخين والإعلام للبيان المشترك، لم يرد نتنياهو شخصيا على ذلك وإنما صدر بيان بتوقيع الطاقم الإسرائيلي الذي أجرى المفاوضات مع البولنديين، وبدا كأن نتنياهو يحاول التهرب من المسؤولية.
واعترض متحف المحرقة على ما جاء في البيان المشترك، بأن للبولنديين دورا كبيرا في إنقاذ اليهود، أثناء الاحتلال النازي، وقال إن هذا الأمر «لا يتلاءم مع المعلومات التاريخية المتوفرة». وحسب متحف المحرقة فإن «حكومة المنفى لم تعمل بجد من أجل مواطنيها اليهود في بولندا، رغم تسليم معلومات كثيرة وموثوقة خلال سنوات الحرب بشأن كارثة يهود بولندا. ولم يعتبر السكان اليهود في بولندا كمواطني الدولة البولندية وبالتأكيد لم يعتبروا على أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب البولندي ولم تضع الحكومة قتل اليهود على رأس اهتماماتها».
كما أكد متحف المحرقة في بيانه أن البيان المشترك «يستعرض حالات المساعدة المقدمة لليهود كظاهرة واسعة»، لكن «البحث التاريخي يظهر صورة مختلفة كثيرا: مساعدة البولنديين لليهود في فترة المحرقة كانت ظاهرة نادرة نسبيا، المس بهم وحتى قتلهم كانت ظاهرة سائدة». منوها أن البحث التاريخي الحديث يؤكد أن عشرات الآلاف على الأقل، وربما حتى مئات آلاف اليهود البولنديين، قضوا في فترة الحرب بسبب نشاط جيرانهم البولنديين، ولذلك فإن ضلوع البولنديين في ملاحقة اليهود لم تكن هامشية أبدا.
كذلك أشار متحف المحرقة إلى أن 6863 بولنديا ساعدوا اليهود خلال المحرقة، ولذلك فإن «محاولة تعظيم المساعدة المقدمة لليهود وتصويرها كأنها ظاهرة سائدة، ومن الجهة الأخرى تصغير دور البولنديين في ملاحقة اليهود، هو ليس مسا بالحقيقة التاريخية فقط، وإنما بذكرى بطولة البولنديين الذين قدموا المساعدة لليهود. كذلك رفض متحف المحرقة زعم بيان إسرائيل وبولندا أن أفرادا بين البولنديين تعاونوا مع النازيين، واعتبر أن هذه المقولة هي محاولة للمقارنة بين المتعاونين مع النازية من أمم مختلفة، وبينها اليهود».
معتبرا أن محاولة التلميح إلى هويات «الجوانب المظلمة» ليهود وبين أولئك البولنديين، هي تعبير ساخر لمحاولة طمس الفرق بين قتلة باختيارهم وبين ملاحقين فاقدي الأمل».
وشدد المتحف خلافا للبيان المشترك، على أن تنظيمات المقاومة السرية البولندية لم تقدم المساعدة لليهود، «وإنما كانت ضالعة بشكل نشط في ملاحقتهم».واستنكر استخدام مصطلح «العداء للبولندية» كمصطلح مواز لـ»العداء للسامية، « وأنه يدل على انعدام فهم للتاريخ. وقال الصحافي في صحيفة «هآرتس»، عوفر أديرت، إن «الخطأ الخطير الذي ارتكبه نتنياهو يكمن في الاعتقاد بأنه بالإمكان تطويع التاريخ أيضا لاحتياجات سياسية آنية، مهما كانت».
ووصف الخبير القانوني البروفسور مردخاي كرمنيتسر، في مقال في الصحيفة نفسها، البيان المشترك بأنه «استسلام مخز». واعتبر المحرر الاقتصادي والسياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سيفر بلوتسكير، أنه «يصعب تصديق أن رئيس حكومة إسرائيل، نجل مؤرخ كبير ورجل لديه وعي تاريخي، بإمكانه أن يوقع على مجموعة مضحكة لهذه الدرجة من الأكاذيب والحقائق المزيفة حول الشعب البولندي أثناء المحرقة.
يشار الى أن كل ذلك جاء على خلفية أزمة دبلوماسية حادة بين إسرائيل وبين بولندا بعد تشريع الأخيرة قبل شهور قانونا يجرّم من يتهم البولنديين بالتعاون مع النازية في المحرقة.