اتهام إدارة أوباما بالتنصت إهانة للمنصب الرئاسي نفسه وقلة احترام للحقيقة… وبانون أقنع ترامب بوجود «دولة عميقة» تحاول محاصرته وإفشال رئاسته

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: بعد شهرين من وصوله البيت الأبيض تلاحق روسيا الرئيس الأمريكي دونالد بدرجة بدأت تسبب له الإحباط، ولهذا قرر يوم السبت قلب الطاولة على متهميه من خلال العودة إلى هوسه القديم وهو الرئيس السابق باراك أوباما حيث اتهمه في سلسلة من التغريدات بالوقوف وراء عملية تنصت على هاتفه في أثناء الحملة الرئاسية.
ودعا ترامب الغاضب الكونغرس التحقيق في التنصت بدون أن يقدم أي دليل عن حدوثه وسط نفي قادة المجتمع الاستخباراتي من جيمس كلابر مدير الأمن القومي السابق إلى جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي آي». وقال حلفاء الرئيس السابق إن أوباما لم يكن يملك الصلاحية لكي يتنصت على منافس سياسي بدون إذن من قاض فيدرالي.
وفي حالة سمح القاضي بالتنصت فهذا يعني وجود أدلة كافية تعطي «إف بي آي» فرصة المضي في مراقبة المحادثات. ولو تطور الوضع لسمح بتعيين محقق خاص له الصلاحية في التحقيق في أي مكان كما حدث مع فضيحة «ووترغيت» التي أطاحت بريتشارد نيكسون و»إيران غيت» وقضية مونيكا لوينسكي وعلاقتها مع الرئيس السابق بيل كلينتون.
ومن هنا يمارس ترامب لعبة الضحية وأنه يتعرض لعملية ملاحقة في حملة لا أساس لها، وأنه لم يقم بعلاقات مع الروس.
وتعلق صحيفة «التايمز» إن الستة أسابيع التي مرت على وصول البيت الأبيض يشعر المسؤولون فيها بحالة من الإحباط من أن الرئاسة لا تسير بطريقة صحيحة. فبعد خطاب اتسم بالهدوء الأسبوع الماضي وأحيا الأمل لدى المراقبين في واشنطن من أن الرئيس قرر التركيز على العمل إلا أن مسألة التدخل الروسي في الانتخابات لا تزال تلاحق الرئاسة ولهذا السبب عبر ترامب عن غضبه الشديد.
وكما قالت «سي أن أن» فقد عنف الرئيس مدير استراتيجيته ستيفن بانون ورينيس بريبوس مدير طاقمه حيث خرج عن طوره. ونقلت عن مصادر قولها إن ابنته إيفانكا وزوجها غارد كوشنر، كانا حاضرين حفلة التعنيف. لكل هذا جاءت اتهامات ترامب لأوباما بعد ساعات من لقاء البيت الأبيض العاصف والتي لم تقم على دليل أو ذرة من الحقيقة.

لا مسؤول

وتعلق صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها على الاتهامات بأنها «متهورة ولا تلتفت للحقيقة، وتؤثر على الموقع الأخلاقي للرئاسة الأمريكية، حيث يقوم رئيس برمي الاتهامات الإجرامية على سلفه من خلال هجوم طفولي عبر تويتر».
وكانت الصحيفة قد كشفت يوم الأحد عن موقف مدير «إف بي آي» الذي شعر بالقلق من مزاعم ترامب التي لا تقوم على الحقيقة والتي تتهم ضمناً «إف بي آي» بمراقبة مواطن أمريكي بناء على طلب من الرئاسة، أي خرق القانون.
وترى الصحيفة أن اتهامات ترامب تمثل «لحظة خطيرة وتتطلب من الكونغرس وأعضائه للتحرك أبعد من المناورات الحزبية والالتفات إلى عافية الديمقراطية نفسها». وتضيف الصحيفة أن ما دفع الرئيس ترامب لهذا الموقف الغاضب هو التحقيقات التي يقوم بها «إف بي آي» في نشاطات الدائرة المقربة منه وعلاقتهم بالروس.
وتقول إنه من غير المعهود أن يكون الرئيس مطلعاً على تفاصيل تحقيق مؤسسة فرض القانون يتعلق بأشخاص مرتبطين به، ناهيك عن الرئيس نفسه. فلو كان التحقيق يتعلق بمحاربة التجسس لكان الرئيس يعرف به. أما التحقيق الحالي فلا أحد يعرف عنه. فالتدقيق في تصادم الإدارة الحالية مع الروس أمر غير مسبوق.
ولاحظت الصحيفة محاولات الرئيس توسيع مزاعمه إلى الكونغرس ومنحه شرعية من خلال التحقيق وفيما إن قامت مؤسسة بالإدارة السابقة به. وكيف أن ديفين نيونز، رئيس لجنة الاستخبارات والذي كان عضواً في فريق نقل السلطة لترامب أكد أنه سيستجيب لطلب الرئيس. وتدعو والحالة هذه قادة الكونغرس للتصرف بصراحة وليس من أجل حماية ثقة الرأي العام بالحكومة. فمن خلال نشر تغريدة تتضمن تجريماً لأهم منصب في البلاد كان ترامب يتهم نفسه.
وتعتقد الصحيفة أن اتهاماته تتميز بالإثارة ولا مفر أمام الكونغرس إلا بعقد جلسة مشتركة لبحث كل جوانب التدخل الروسي في الانتخابات. ولو كان ترامب واثقاً بما يقوله فيجب أن لا يتردد بتعيين محقق مستقل يقوم بالتحقيق في الدور الروسي. وتدعو المسؤولين الكبار من أصحاب الكرامة وأن الوقت قد حان لأن يسألوا أنفسهم إذا كانوا سيواصلون منح اسمهم وتعريض شهرتهم للخطر لرئيس لا يبالي كثيراً بالمؤسسات الديمقراطية والحقيقة.

رئيس محبط

وترى صحيفة «واشنطن بوست» أن الرئيس الذي قضى نهاية الأسبوع كان محبطاً وغاضباً على فشل إدارته باحتواء تداعيات التأثير الروسي الذي يلاحقه.
وقالت إن عهد ترامب الناشئ عانى من فوضى. فالشأن الروسي يعتبر حرفاً للانتباه عن أهم انتصار له وهو خطابه في الكونغرس.
وفي تصريحات نقلت عن كريستوفر رودي، مدير «نيوزماكس» وهي مؤسسة إخبارية يمينية، عادة ما يشارك الرئيس لعب الغولف قال إن ترامب أخبره غاضباً «سيتم التحقيق بهذا وسأكون مصيباً» مضيفاً «لم أره في حالة غضب كهذا».
وتعلق الصحيفة أن ترامب يدخل الأسبوع السابع من رئاسته كالسادس تلاحقه القضايا المثيرة للجدل في وقت يحاول فيه الوفاء بوعوده الانتخابية. ورغم محاولة فريقه البناء على زخم خطابه والعمل على فرض أجندته في الكونغرس يجد ترامب نفسه مرة أخرى وسط فوضى وشكوك.
وتضيف «في وسط الفوضى رئيس متعجل ومحبط من عدم قدرة إدارته على محو الانطباع من أن حملته الإنتخابية اتصلت مع الروس أو منع التسريبات المتعلقة بأمور الأمن القومي وما يجري في داخل إدارته وعجزها عن تحقيق أي إنجاز مهم».
وبنت الصحيفة رؤيتها عن إدارة ترامب من خلال مقابلة 17 مسؤولا في البيت الابيض والكونغرس ومن أصدقائه وكلهم طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم.
وإزاء هذا ستعمل الإدارة على تجاوز كل هذا من خلال أمر تنفيذي جديد حول المهاجرين واتخاذ الخطوات العملية لإلغاء قانون الصحة الوطنية «أوباما كير» وتعتمد الخطوات المقبلة مثل تخفيض الضرائب والإنفاق على مشاريع البنية التحتية على اتفاق الكونغرس حول العناية الصحية المتاحة. وتوصل المسؤولون في البيت الأبيض إلى أن الإدارة تدور حول نفسها وسط انتقادات من المحافظين.

حالة حصار

ويشعر ترامب بأنه محاصر ويعتقد أن رئاسته تتعرض للجلد من النقاد المؤيدين لأوباما والبيروقراطيين الفدراليين والرموز الاستخباراتية ولا تنس الإعلام الذي وصفه «بعدو الشعب». وتضيف الصحيفة أن الغضب اليومي مصدره هو ما يطلق عليه البيت الأبيض «الدولة العميقة» والتي تشعلها الشائعات داخل المؤسسة الأمنية والتقارير التي تخرج من المؤسسات الإعلامية المرتبطة باليمين المتطرف أو البديل. ويحبذ هذا الإعلام مصطلح «الدولة العميقة» لوصف شبكة متحصنة داخل المؤسسة ومعادية لترامب.
ويقول دانا روهارباتشر، النائب الجمهوري عن كاليفورنيا والداعي لعلاقات جيدة بين الولايات المتحدة وروسيا، إن إدارة ترامب عوقبت بسبب تصادمها مع الموقف المتشدد من روسيا والذي يشترك فيها معظم الديمقراطيين والجمهوريين.
وعلق قائلاً «تذكر ما قاله لنا دوايت أيزنهاور: هناك مجمع عسكري ـ سياسي، ولا يزال المجمع قائماً ولديه قوة كبيرة». وأضاف «إنه في كل مكان ولا يحب طريقة تعامل ترامب مع روسيا، ويظهر رأسه في مقال بعد مقال».
وكان ترامب يراقب بغضب شبكات الأخبار التي تبث على مدار الساعة فضائح إدارته. وتحدث ترامب غاضباً لأحد المقربين أن كارتر بيج، الذي عمل مستشاراً لفترة في حملته، ورغم عدم وجود علاقة فلا تزال الشبكات التلفازية تستضيفه.
ويتم توزيع القصص النارية التي ينشرها موقع برتيبارت الذي كان يحرره مستشار الرئيس الحالي للاستراتيجيات بانون في داخل البيت الأبيض ومنها قصة وردت في برنامج إذاعي يديره مارك ليفين والذي اتهم فيها إدارة أوباما بتدبير «انقلاب صامت».
وتحدث بانون إلى الرئيس عن خطر «الدولة العميقة» على رئاسته. ويشير المستشارون للقاءات الخاصة التي يجريها الرئيس مع بانون والتي يتم فيها توجيه ترامب وتعتبر مفتاحا لفهم تصرفاته واستعداده لمواجهة المجتمع الأمني. وأشاروا إلى حديث بانون عن «إعاد تفكيك إدارة الدولة» والذي يهدف كما يقولون إلى كسر تأثير المجتمع الاستخباراتي على قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية.
ويتفق بعض النواب مع مواقف بانون ومنهم نيونز الذي قال «ليس رهاباً عندما يحدث في الحقيقة، فهناك تسريب وراء تسريب من البيروقراطية (المخابرات) والمسؤولين السابقين في إدارة أوباما، وهو أمر حقيقي»، مشيراً إلى قلق البيت الأبيض ومحاولته مواجهة الواقع هذا بطريقة منظمة.
وتقول الصحيفة إن البيت الأبيض حقق انتصاراً صغيراً بعودة الرئيس من الكونغرس حيث شعر أنه بدأ يسيطر على الإدارة بل وقرر التخلي عن التويتر. ولكن النظام انكسر عندما كشفت الصحيفة عن اتصالات وزير العدل مع الروس. وفي داخل ويست وينغ شعر المسؤولون بالغضب لأن وزارة العدل لم تستشرهم في كيفية الدفاع عن الوزير.
وتشير الصحيفة لتداعيات الفضيحة وغضب الرئيس الذي أعلن أنه واثق في وزيره في الوقت الذي اعترف هذا بأنه لن يتعامل مع أي تحقيق له علاقة بالتدخل الروسي وهو ما اعتبر توبيخاً للرئيس نفسه. وفي يوم الجمعة استدعى ترامب مستشاريه في البيت الأبيض وعنفهم على قرار ستشين قبوله بالاتهامات وأنه أذعن للضغوط من الإعلام. وغادر البيت الأبيض إلى منتجع مار- أ ـ لاغو برفقة ابنته ومستشاره كوشنر تاركاً وراءه بانون وبريبوس.
وتظل المشاكل تلاحق ترامب ومع كل مشكلة يعبر عن غضبه ويعود لسلاحه المهم التويتر. ففي يوم الأحد كان في مزاج جيد لأن كل الصحف تحدثت عن اتهاماته لأوباما بالتنصت عليه لكنه لم يجد إلا قلة من الجمهوريين الذين تنسموا للدفاع عنه في برامج الأحد الإخبارية.

التحقيقات الداخلية

وتقول كاثلي ديكر، في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» إن إدارة ترامب تجد نفسها تواجه ما عانت منه الإدارات السابقة وهو البحث عن حس طبيعي من خلال التحقيق بنفسها.
وتقول إن التحدي الأكبر حسب عدد من المسؤولين السابقين هو إقناع الأمريكيين بمصداقية تحقيق بنشاطاتها بدون إحداث أضرار داخلية على للبيت الأبيض يتركها وسط تحقيق قد يطول. ويقول مايكل ولدمان، كاتب خطابات الرئيس بيل كلينتون «من السهل الحصول على جو يجمع بين الرهاب والرغبة بإرضاء الرئيس وبما سيحدث لاحقاً».
وسيواجه ترامب وفريقه مشكلتين، الأولى تتعلق بحماية مستقبلهم خاصة انهم سيتعرضون للمقابلات مع «إف بي آي» أو قد يطلب منهم الحضور أمام لجان الكونغرس، ومخاوف كهذه ستقلل من إمكانية التعاون وتصعب من عمليات تعيين كوادر جديدة. وفي الوقت نفسه ستجد الإدارة نفسها أمام مهمة صعبة من أجل الدفع لإنجاز أهداف السياسات في مناخ إعلامي يطغى عليه الجدل.
ويعلق ميكي كانتور الذي خدم ممثلاً تجارياً ووزيراً للتجارة في إدارة كلينتون «يتصرف البيت الأبيض مثل أولاد في عمر الثامنة يلعبون كرة القدم حيث يحاول كل واحد ركل الكرة» وعندما تلاحق الكرة فإنها تؤثر على عمل الآخر.
وباستثاء إدارة أوباما فقد اضطرت كل إدارة منذ فضيحة «ووترغيت» تعيين محقق خاص. وحتى هذا الوقت ألمحت إدارة ترامب أنها لن تعين شخصاً بهذه الصفة وهي تريد أن تجعل البحث في موضوع الروس تحت سيطرتها ومن صلاحيات وزارة العدل. وهذا يعني تحقيقاً محدوداً ولكنه بالضرورة يعني تعرض البيت الأبيض لمساءلة حول كل تطور من تطورات الملف.
ويرى جون باريت الذي عمل في قضية «إيران غيت» في ثمانينيات القرن الماضي تحت ظل المحقق الخاص لورنس وولش «يجب ألا تكون هذه حرباً سياسية ولا حرباً أهلية» و»يجب تحقيق القانون في ظل الشمس».
وبالنسبة للعاملين مع رئيس تتعرض إدارته للتحقيق فإنه يكون شخصياً أيضاً. ففي أثناء إدارة كلينتون لم يتم التحقيق حول الرئيس وزوجته بل أيضاً في وزارات الإسكان والتطوير الحضري والزراعة.
فالتحقيق الذي بدأ في استثمارات كلينتون في أركنساس «وايت ووتر» تطور إلى تحقيق استمر 6 أعوام وغطى انتحار مسؤول في البيت الأبيض وعلاقات الرئيس الجنسية وتوجيه تهمة للرئيس وكلفت عمليات التحقيق مع نهاية ولايته أكثر من 71 مليون دولار.

الحق على بريبوس

وفي الوقت الحالي ألقيت كل المشاكل والجدل على شخص واحد وهو رينيس بريبوس. ففي سلسلة من المقابلات التي أجرتها مجلة «بوليتكو» كشفت ان مسؤول طاقم البيت الأبيض البالغ من العمر 44 عاماً أصبح محلاً للنقد في داخل البيت الأبيض.
ووصفوا الطريقة التي يدير بها العمل حيث ينتقل من لقاء إلى آخر بشكل ترك انطباعا لدى الموظفين أنه يحاول منعهم من التواصل مع الرئيس. واتهم بريبوس بمحاولته ملء الوظائف برجال من حلفائه.
وأشاروا إلى غياب الاتجاه في داخل البيت الأبيض الذي يشهد مراكز قوة وصراعات.
وقال مسؤول بارز «هناك شعور بالإحباط من قبل الكثير – ومن ضمنهم الرئيس- وأن الأمور لا تسير بطريقة حسنة» مشيرًا إلى أن بريبوس سيتحمل المسؤولية في أي حال. ووصف مسؤول آخر ذلك بالقول «هناك عجز كامل، … هناك غياب في الإدارة والاستراتيجية». وفي الوقت نفسه ناقض مسؤول فكرة فقد رئيس طاقم البيت الأبيض ثقة الرئيس.
وقال بانون «نحن نطبق أجندة الرئيس ترامب في وقت قياسي وننجز وعوده الانتخابية واحداً بعد الآخر»، و»هذا يكشف عن المهمة العظيمة التي يقوم بها رينيس». وقال كوشنرـ مستشار الرئيس وصهره إن بريبوس «لا يزال قوياً وفاعلاً».
وتعلق المجلة بأن تحميل شخص واحد المسؤولية غير عادل ويجب توجيه إصبع الاتهام للرئيس الذي يحب الدراما ولا يمكن التكهن بتصرفاته. خاصة في اتهامه لأوباما بالتنصت عليه. فقد خلق للموظفين مشكلة من أجل إصدار بيان لا يغضبه ولا يسبب صداعاً لهم في الوقت نفسه. وكثيراً ما اشتكى بريبوس من عدم قدرته على التحكم بتصريحات الرئيس وأنه يقضي معظم الوقت محاولاً التقليل من ضرر ما يقول.

اتهام إدارة أوباما بالتنصت إهانة للمنصب الرئاسي نفسه وقلة احترام للحقيقة… وبانون أقنع ترامب بوجود «دولة عميقة» تحاول محاصرته وإفشال رئاسته

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية