يقول نزار قباني: «لماذا نحن مزدوجون إحساسا وتفكيرا؟/ لماذا نحن أرضيون.. تحتيون../ نخشى الشمس والنورا؟/ لماذا أهل بلدتنا يمزقهم تناقضهم؟/ ففي ساعات يقظتهم، يسبّون الضفائر والتنانيرا/ وحين الليل يطويهم/ يضمّون التصاويرا!».
وضمن هذه الفكرة تماما، يعيش الإنسان العربي الكثير من الإزدواجية بين روحه وجسده، بين ما يؤمن به وما يفعله، بين ما يريد وما يستطيع، بين نفسه والآخر من مجتمع ووظيفة وسلطة. وهذه الازدواجية الفكرية والنفسية والمجتمعية تبدأ من لحظة الميلاد غالبا، وقد لا تنتهي حتى لحظة الحتف، إلا مع القليل ممن يتصالحون مع ذواتهم وأفكارهم، ليعيشوا ما يؤمنون بشكل صادق، خارج مظاهر النفاق المجتمعي.
وأبسط مستويات التحليل تقودنا إلى أن الفرد العربي كان ولا يزال محكوما بثلاث دوائر أساسية، تحرك دائرتان منهما الأخيرة، وإن كانت الثالثة ليست في معزل عن أسباب التردي والسقوط: الدائرة السياسية، والدائرة الدينية، والدائرة المجتمعية. ومما لاشك فيه أن هذه الدوائر مجتمعة هي من أنتج هذه الشخصية المرتبكة، والتي أنتجت بدورها هذه الكوارث المتلاحقة، فالسياسة العربية القائمة على القهر والقمع، وتكميم الأفواه، وخنق الحريات؛ أدت إلى الحجر على الوعي، وجعله مقيدا يراوح محله، وربما تراجع قرونا عديدة بعيدا عن ماضيه الحضاري المشرق، وبعيدا عن الحضارة المعاصرة بالبعد عن أسبابها مثل: القراءة، والتفكير، والبحث العلمي، مستخدمة في ذلك أعتى أداتين وأمضاهما وهما «الجهل والفقر». ولا بأس بالكثير من العنف لكل من تجاوز هاتين العقبتين باتجاه الحياة، محاولا الخروج على مصادراتها المزمنة بالتفكير الحر والوعي الرافض، وبالتالي أنتجت هذه السياسات القمعية شعوبا راضخة، وخائفة من كل شيء.
ثم لجأت بعد ذلك لاستخدام سلاح أمضى، وأكثر فاعلية في ترويض العقل وتدجينه، ألا وهو الدين، سيما وهي تدرك أنه الطاقة الروحية الأعلى المتمكّنة من روح الإنسان العربي، بل ويشكل منظومته القيمية والأخلاقية المطلقة، لذا كانت مأسسة الدين، وتفريغه من محتواه الروحي، وسيلة سهلة لتحقيق غاياتها ومآربها، بتجييره لصالحها، وجعل مهمته الأساسية إغلاق العقول ومنعها من التفكير، والدوران الأعمى في دوائر الحلال والحرام، أي الخوف والطمع في الدنيا والآخرة، وبالتالي صناعة رقيب خارجي متصل بالسلطة السياسية والدينية، وبمفاهيم قيمية جاهزة ومعلبة، وغير قابلة للتعاطي الحياتي معها ضمن سلطة القانون.
ولأن لا قيم للعربي خارج الدين، فلا يتم تربيته قيميا، بحيث تكون قيم مثل الصدق والأمانة واحترام الآخر وغيرها، أصيلة وعميقة وراسخة في وجدانه ووعيه خارج أي محفزات أو رقيب خارجي، كما لا يتم غالبا اختبار ممارساته القيمية في معمل الحياة اليومي خارج الشكلانية المتعارف عليها دينيا، والتي قد تكون بذاتها مظهرا من مظاهر النفاق الاجتماعي، وبالتالي لا يتم معرفة مدى تطبيقه الفعلي لهذه القيم بقناعة إنسانية، ووظيفية مجتمعية.
وبذلك وجدت الإزدواجية العربية المعروفة بين داخل الإنسان وخارجه، وأمام الذات وبين الناس. الأمر الذي رسخ كل الانحدارات الأخلاقية، والفساد المجتمعي، من غش وسرقة ورشوة ومحسوبية، بل وسوغها أحيانا بمسوغات اجتماعية وإنسانية لأنها أصبحت عامة وشائعة، كما تفشت أراض نفسية كالحقد والحسد ومراقبة الناس في أدق خصوصياتهم، وصُدّرت صورة العربي المشوهة أخلاقيا للخارج.
كما أن الدين (المؤسسة، بشكل خاص ومحاصِر)، استخدم لإستهداف المرأة، لتتصدر مسائل الحيض والنفاس والطهارة والمحرم وما شاكلها، قراءات وفتاوى الفقهاء وأحاديث المجالس، بعيدا عن مشكلات المجتمع المتجددة، وقضاياه المستحدثة كل يوم، ليصنع من المرأة «العورة» محرّماً (تابو) كبيراً يفكر فيه الإنسان العربي المقهور، والمكبوت جنسيا داخليا، ويعمد لتغييبه خارجيا. كما يحظر الكلام فيه أمام الناس، ليشتغل فقط في خلفية المشهد في رأسه وشهوته، ولتصبح المرأة صيدا مترصَّد الإقتناص من جهة، وعورة واجبة الإخفاء من جهة أخرى. وبذلك غابت صورة المرأة نصف المجتمع (الأم، والأخت، والصديقة، والزميلة، والجارة) لتحضر المرأة العورة فقط. وهكذا جوّف الدين من جوهره الروحي الكبير، وتحول لمؤسسة متحجرة هدفها الأساسي تفريخ أصنام، وفتاوى جنسية، ولا عجب أنه أصبح لاحقا معملا لتصنيع الإرهاب وآلة للموت والخراب.
وضمن مدخلات هاتين الدائرتين المتحالفتين تمت صناعة الدائرة الثالثة، وهي المجتمع ومخرجاته الإنسانية، لتنتج لنا مجتمعا مزدوج القيم والأحكام، يرفض كل المحظورات علانية، ويبيحها خفية، ويصادر حق الإنسان في الإختلاف في أبسط نواحي الحياة، ليخلق بذلك معاييره القيمية الخاصة، والخاطئة أحيانا كثيرة، ويحاكم أفراده ضمنها. ولينتج بالتالي إنسانا مزدوجا فكرا وروحا، أو إنسانا فصاميا بأبسط الأحكام.
وللأسف لم يشتغل المثقف بكل مستوياته الإبداعية والفكرية، غالبا، للنجاة من شراك هذه الازدواجية، بل سقط فيها، وعاش حياتين أحدهما مثالية في اللغة والكتب، وأخرى كاذبة وملتبسة في المجتمع؛ بل وكثيرا ما كان أداة تلميع للسلطة المؤسسية، السياسية والاجتماعية والدينية، وتقديم فعلها القائم على القهر والكبت على أنه نموذج للحرية والنبل.
ولعل قراءة سريعة في مواقع التواصل الإجتماعي تعكس لنا هذه الإزدواجية، فلا يوجد (إلا نادرا) من يضع حالته الإجتماعية على أنه متزوج، ناهيك عن أن يضع صورة زوجته، التي تتحول إلى أم فلان في معرض حديث عابر. ربما خوفا من حكم الآخر/المجتمع، أو لأن مشاريع التصيَّد الضمنية قائمة، كما يبتعد التنظير السياسي والديني والاجتماعي والنفسي (الانطباعي) عن النقد الحقيقي للسلطات الثلاث، ويذهب (غالبا) نحو التمجيد وصناعة الأصنام.كما تتقدم المثالية الفجة كل شخصية إفتراضية، في حين تشهد تصرفاتهم بما يخفون من شخصيات مزدوجة.
فمتى نتجاوز هذه الصورة المضطربة ونتصالح مع ذواتنا ومع الآخر؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي على كل فرد منا أن يحاول الإجابة عليه أمام نفسه فقط، بكل صدق وموضوعية.
كاتبة عُمانية
فاطمة الشيدي
آنسة أو سيدة فاطمه، صدقيني بأن مقالك هو أروع ما قرأت وهذه الأفكار ما هي إلا تسائلات أطرحها على نفسي يومياً وأعذريني إن قلت أنها ليست إزدواجية الإنسان العربي بل هي رباعية أو خماسية فالطفل الذي ينشأ في هذه الحاضنة غالباً ما تكون له شخصية أمام أبويه وأخرى أمام معلمه وأخرى مع أقرانه وزملائه وأخرى يكتسبها حينما يبلغ ويخرج إلى خضم الحياة ، هناك عوامل كثيرة مسؤلة عن هذا النتاج المسخ من الشخصية أولها الدين وفهمه الخاطى من ثواب وعقاب وثانيها لغتنا العربية التي يقولون أنها جميلة حيث أننا نكتب ونقرأ بطريقة ومن ثم نتكلم بطريقة أخرى أي أننا في تغيير مستمر للشيب وما يتبعه من نفاق مستمر مع الحياة.
أوافقك الرأى يا فاطمة وانا اعتقد ان هناك فصام شخصية مزمن. فيتحدث العربي والمسلم عن أخلاق القرآن العليا بكل قوة وعندما يعود الى واقعه اليومي نجده يتصرف بكل مخالف ومضاد لتلك التعاليم السامية فيكذب ويزني ويرتشى وينافق وربما سرق ويعطي لنفسه اي مبرر. الأخلاق والإسلام منهم براء.
أختى الفاضلة فاطمة جزاك الله خيرا على هذا المقال الرائع, أسأل نفسى والأخرين اما آن لنا ان نسموا بأنفسنا بتغيير هذه المفاهيم الخاطئه, ألا ساء مايحكمون الذين قال فيهم المولى عزوجل (اذا يشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) أثنى عليك حيث ذكرتى بأنها نصف المجتمع وليست عورة وهى (الأم- الأخت- الحبيبة- الزوجة- الابنة- الصديقة- الزميلة و الجارة) فهل لمجتمع من المجتمعات الاستغناء عنها؟ افيدونا أفادكم الله.
فعلا هكذا الانسان العربي والعالم الثالث بأكمله لان الانظمه الشموليه هكذا ربت الانسان والمجتمع بأكمله وطالما نخلط الدين في السياسه تصبح الحاله اكثر سوداويه وشرسه اكثر فأكثر
لم يكن بودي كتابة تعليق لاختلافي مع العنوان ولكن تعليق أبو مفلح وربطه باللغة، فأحب توضيح أنّ لغتنا تختلف عن بقية لغات العالم لأنها تعترف باللهجات كفرع رسمي لها، ودليلي على ذلك تعدد قراءات القرآن الكريم، وبالنسبة للتناقضات وتوضيحها بمثال عملي أنّ الموضوع من وجهة نظري لا يتعلق بأشخاص أو جنس أو عرق بل هي من ضمن ثقافة الديمقراطية بغض النظر إن كانت وفق اسس أمريكية أو فرنسية، لأنّه في أمريكا، النظام الديمقراطي يعمل على تكوين مواطن سيرته البنكية تقول أنّه متديّن/مستلف محترم أي يُسدّد ديونه في وقتها، بينما في فرنسا النظام الديمقراطي يعمل على تكوين مواطن سيرته اللغويّة تقول أنَّ لغته الفرنسيّة محترمة أي يستطيع أن يكذب دون أن تشعر بذلك.
من وجهة نظري على الأقل الخلط ما بين مفهوم النظامين للديمقراطية اساس تناقضات العالم، والذي أظهرته العولمة وأدواتها بداية من السي أن أن والتي أسسها تيد تيرنر كهدية منه لزوجته جين فوندا والتي كانت ضد حرب فيتنام، فالبث المباشر لن يترك مجال كبير من الوقت كي لا يستطيع المثقف والسياسي التعاون لطبخ الأخبار، كما حصل أيام الحرب في فيتنام فظهرت فضائح تعاونهما للعلن بشكل فاقع.
من وجهة نظري أي انسان يحتاج اللُّغة أيِّ لغة كانت عندما يُريد أن يتحاور أو يتواصل مع الآخر كما هو الحال عند التفكير والتأمّل مع نفسه لترجمة خلاصة ما يُريد التعبير عنه بأيَّةِ لغة كانت، وطريقة بناء العولمة التجاري أعطت للّغات (وأحترام خصوصية كل لغة على حدة وضرورة معرفة تفاصيل هذه الخصوصيّة) مكانة توازي مكانة الطاقة في العصر المادي، واللُّغة ومكانتها في أي مجتمع من وجهة نظري على الأقل هي المعنى الحقيقي للفرق ما بين ثقافة الـ أنا وما بين ثقافة الـ نحن.
حيث ثقافة الـ أنا ترفض الإلتزام بمعنى المعاني وهيكل اللغة والحجة أنَّ مفهوم الحداثة وليس التحديث أو التطوير يتطلب ذلك، ومن هنا نفهم المقصود بحوار الطرشان للمثقفين، في حين ثقافة الـ نحن توجب الإلتزام بمعنى المعاني وهيكل اللغة لرفع أي لبس في الفهم والحوار أو التجارة مع الآخر داخل أي مجتمع.
الإشكاليّة عند المثقف الديمقراطي بغض النظر عن اللُّغة التي يُعبّر بها إن كانت عربيّة أو عبريّة أو إنجليزيّة أو فرنسيّة هو تناقضاته فكيف يمكن الحوار والتواصل مع الآخر بلغة هو لا يلتزم بهيكلها ولا معنى المعاني التي في قواميسها؟ فكيف سيكون الحال إذن، عندما لا يستطيع التمييز والتفريق ما بين معنى المعاني في قواميس كل لغة على حدة، وما ينتج عن ذلك من ضبابيّة لغويّة وتزيد الطامة عندما يكون المثقف جاهل في اللُّغة نفسها
الصراع ما بين العولمة والديمقراطية فضح المثقف والنخب الحاكمة في مسألة بُعدها عن الواقع والشعب ومشاكله وقضاياه
ولذلك نحن في حاجة إلى نظام جديد الآن، اساسه ثقافة الـ نحن (الأسرة/القبيلة/الشعب/المقاومة) بدل ثقافة الـ أنا
تسألين في نهاية مقالك، يا فاطمة:
متى نتجاوز هذه الصورة المضطربة ونتصالح مع ذواتنا ومع الآخر؟
والجواب، بكلِّ بساطة:
عندما يصعد الجحش إلى المئذنة؟
اكتشفت باحثة ألمانية علاجا لمقاومة تكاثر الخلايا السرطانية فى الجسم …تبادر الى دهنى لو ان هده المرأة ولدت فى بلد عربى …ربما قيل لها ابقى فى بيتك وربى اولادك احسن لك رغم قدرتها على انقاد ملاين الناس…سبحان الله
الى السيد S.S.Abdullah ان ما قصده السيد أبو مفلح هو انه نتعلم في مدارسنا اللغة العربية ولا نستطيع ان نجيدها اونتكلم بها فنحن في كل بلد يسمى عربي نتحدث بلغة اخرى ونخجل ان نقول انها لغة بلدنا القديمة بل نقول انها لهجة من لهجات العربية والكل يعرف انها ليست كذلك بل نخشى الانظمة القومية التي حكمت معظم بلداننا٠ثم انك تقول فأحب توضيح أنّ لغتنا تختلف عن بقية لغات العالم لأنها تعترف باللهجات كفرع رسمي لها، ودليلي على ذلك تعدد قراءات القرآن الكريم، وهل يوجد لغة لا تعترف بلهجاتها وما علاقة تعدد قراءات القران الكريم بالموضوع٠هو حديت نبوي وليس لدينا الان الا قراءة واحدة ٠اما بالنسبة لازدواجية الانسان في بلداننا نعم كما قال ابو مفلح اذا كنا لانعرف اي لغة نتحدث فكيف نستطيع ان نفكر بصورة صحيحة اولا٠ان الخوف هو العامل الاساسي في ازدواجيتنا فلذلك نحن نخفي ما نعتقد به ونجامل الاخرين والمجتمع فهنالك محرمات كثيرة في حياتنا لا نستطيع نقدها علنا لان ذلك يعرضنا للمشاكل وكذلك عوائلنا٠
عزيزي سلام عادل إن لم تكن تعلم، فأنَّ عبقرية علمائنا اللغوية في كتابة نص القرآن الكريم بطريقة تستطيع بها قراءة عدة قراءات من نص واحد، وهو ما تلاحظه في نص القرآن الكريم الذي بين أيدينا، وهذا الشيء لا يوجد مثيل له في لغة أخرى.
في بداية القرن الماضي وعند تكوين كيانات سايكس وبيكو، قام ساطع الحصري قام بنقل مناهج وطريقة تركيب المناهج الفرنسية والبريطانية نقلا حرفيا ومن ضمنه طريقة تدريس اللغة.
اللغات الأوربية ليس فيها تشكيل فتم إهماله في تدريس لغتنا.
قواميس اللغات الأوربية مبنية على ترتيب الألف باء في حين قواميس لغتنا في بداية القرن الماضي مبنية على جذور الكلمات فتم اهمال استخدام القواميس في تدريس لغتنا.
وهناك تفاصيل كثيرة تجدها لو بحثت في برامج البحث على الشَّابِكة (الانترنت) عن “نحن والعولمة والتقنية واللغات والعربية”
ما رأيكم دام فضلكم؟
لو أن هذه المرأة ولدت فى بلد عربى، يا أخي مروان، لاكتشفت خلايا سرطانية من نوع آخر، خلايا تتغلغل في أدمغة من يدعون الثقافة الناجعة من السينيين-السينيين العبادلة الذين لم يفتأوا يتقوقعون في ثفافة “المؤتلف”، والذين لم ينفكُّوا يثرثرون عن المعنى الحقيقي للفرق بين ثقافة الـ”أنا” وثقافة الـ”نحن”، والذين لم يبرحوا يكشفون، هم أنفسهم، عن جهلهم بهذا المعنى الحقيقي!!!
لقد تبين لي اشكالية المثقف هي القولبة أولا ثم الفهم من خلال القالب ثانيا
فلذلك لن يفهم شيء حتى لو قام باستخدام اسم حي ويقظان ومن هذه الزاوية أنا اختلف مع العنوان، فالضبابية من جهة والجهل من جهة أخرى لا يمكن أن تخلق ازدواجية؟!
ما رأيكم دام فضلكم؟
كم هي اللغة مهمة للأقوام المتخلفة والمحبة للثرثرة, إستمعوا إلى خطاب سياسي عربي وآخر غربي. الأول ثرثار والثاني محب الإختصار.