احتفظت الولايات المتّحدة لنفسها بحقّ العمل من طرف واحد بالاستخدام أحاديّ الجانب للقوّة العسكرية، ومبرّراتها في ذلك دفاعها عن مصالحها الحيوية، ولكن يبدو أنّ هذه المصالح في كلّ أنحاء العالم، بالنّظر إلى حجم تدخّلها العسكري في الدول ذات السيادة، وإطاحة الأنظمة بغرض تنصيب أخرى عميلة تضمن وصول الولايات المتحدة الحرّ إلى الأسواق الرئيسية ومصادر الطاقة والموارد الاستراتيجية .
لقد ضاعف غزو العراق من خطر الإرهاب، ولم تكن الدعاية المركّزة الهادفة لتضليل المجتمع الأمريكي، سوى فضيحة من العيار الثقيل التي ربطت بين صدام حسين وأسامة بن لادن عدوّه اللّدود في الواقع. واعتبرت الإدارة الأمريكية بعد 2003 أنّ نجاح غزو العراق سيكون الاختيار الأوّل وليس الأخير ضمن سياسة الحرب الاستباقية، التي نظّر لها جورج بوش الابن ومستشاروه ووزراؤه، وبعد انهاء أمر العراق كان على الولايات المتحدة أن تلتفت إلى حالات أخرى.
رُصدت إيران وسوريا في أوّل الاحتمالات ضمن معايير الحرب الوقائية، ومثل هذه الاستراتيجية الكبرى وُضعت موضع التنفيذ. واشتغلت في سياقاتها إدارة بوش الابن بشكل قويّ للهيمنة والبقاء بشكل صارخ، وهي الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على العالم، مُلخّصها «الهيمنة أمّ البقاء»، العنوان الكبير الذي اشتغل عليه تشومسكي، في محاولة منه لحلّ بعض الخيوط المتشابكة في السياسة الدولية المُعقّدة، مع رغبة القوّة العالمية التي تُنادي بالتسلّط على العالم. وأشار بوضوح إلى مبعث القلق لدى كلّ فرد على سطح كوكبنا، من جرّاء أفعال وعقائد قوى الهيمنة الغربية.
نتساءل اليوم، هل كان صدّام حسين يُشكّل خطرا على السلام أم جورج بوش؟ الأكيد أنّ بوش الابن دمّر السلام العالمي بتدخّله في العراق، على ذاك النحو الذي يجدُ فيه ريتشارد فولك الخبير في القانون الدولي، جريمة بحق السلام، «من النوع الذي بسببه وُجّهت إلى الزعماء الألمان النّاجين اتّهامات، وصدرت بحقّهم أحكام، ونزلت بهم عقوبات في محاكمات نورمبرغ».
ولعلّ هذه الحرب هي التي دقّت الاسفين الأخير في جسد الامبراطورية التي جاهرت كذبا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي الحرب الهمجية التي تراجعت بفضلها موجة التّعاطف العالمية التي غمرت الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001 لتحلّ محلّها موجة الكراهية للغطرسة والنزعة العسكرية الأمريكية، ومثل هذه الاستنتاجات طرحها كبار المؤرّخين والمستشارين الأمريكيين أمثال آرثر شلسينغر مستشار الرئيس كنيدي في ما مضى.
هكذا «سقط الصرح برُمّته حطاما» بعبارة ميكايل غلنون، الباحث في القانون الدولي، عندما تتجاهل الولايات المتحدة المواثيق الدولية وتتجاهل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن ثمّة تُدمّر العراق العظيم غير عابئة بأي قوانين وغير متقيّدة بأي أحكام في سبيل الحفاظ على تفوّقها المزعوم، الذي ارتبط باستخدام القوّة في كلّ زمان ومكان. ولكن كان على أمريكا أن تتدخّل في دول العالم جميعها لأنّه عندما تنكشف الفضيحة المبرّرة لغزو العراق، وينتقل موقف الإدارة الأمريكية من اليقين المطلق بأنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل إلى القول بأنّه من الجائز استخدام العراق لأجهزة قادرة على إنتاج تلك الأسلحة، فإنّ مثل هذا الافتراض ينسحب على جميع دول العالم، لأنّ أيّ بلد يملك الإمكانية والقدرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل من الناحية العملية.
إنّ هذا الحكم على النوايا أسقط الإدارة الأمريكية من الناحية الأخلاقية، خاصّة عندما أدرك العالم اعتباطية الحجّية المُعلنة لشنّ الغزو الذي خلّف عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.
كاتب تونسي
لطفي العبيدي