غزة – «القدس العربي»: لا يمكن فصل حادثة إطلاق النار التي نفذتها قوات حرس الحدود المصرية التي تراقب الحدود القصيرة جدا مع قطاع غزة، على قوات الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية في القطاع، التي تديرها مرجعيات حركة حماس، عن قرار محكمة مصرية اعتبار الجناح المسلح للحركة «تنظيما إرهابيا»، وكذلك لا يمكن فصلها عن حالة التحريض الكبيرة التي تتعرض لها الحركة من قبل وسائل الإعلام المصرية، والتي شهدت عودة للمربع الأول بعد الهجوم الذي نفذته جماعة إرهابية تنشط في منطقة سيناء، ضد ثكنات لقوات الجيش والشرطة المصرية، ما أوقع عشرات الضحايا.
فالخلاف الجديد الذي تفجر بعد قيام مسلحين يتبعون تنظيما إرهابيا قبل عشرة أيام، صب من جديد الزيت على نار الخلاف بين الدولة المصرية وحركة حماس، فانبرت وسائل الإعلام المصرية في كيل الاتهامات للحركة التي لها نفوذ قوي في قطاع غزة، باعتبارها مصدر قلق أمني لمصر، ومشاركة في هذه الهجمات، وهو أمر نفته مرارا الحركة مؤكدة حفاظها على الأمن المصري.
لكن ذلك لم يغير وجهة النظر المصرية حيال قطاع غزة وتحديدا حركة حماس، فالشعور العام الذي تولد جراء الحملة الإعلامية المصرية الكبيرة ضد الحركة، رفع من نسب حالة العداء لحماس، وسهل كثيرا قيام محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة، للنطق بحكم قضائي يعتبر الجناح المسلح لحركة حماس كتائب القسام «تنظيما إرهابيا»، وهي سابقة لم تسجل من قبل في أي من الدول العربية، بوصف تنظيم مسلح يقاوم الاحتلال الإسرائيلي بهذا الشكل.
ومع استمرار حملات الإعلام المصري، خاصة تلك التي تستهدف الحركة الإسلامية التابعة فكريا لتنظيم الإخوان المسلمين المحظور في مصر، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فإن أدوات ومشاعر العداء ضد الحركة من المرجح أن تزداد في الأيام المقبلة، وهي أمور ترى حماس أنها تسير بشكل منظم وهدفها «شيطنة الحركة» عند الجمهور المصري.
لذلك لم تمض غير أيام قليلة على هذا القرار الذي انتقدته حركة حماس بشدة، من كل مستوياتها القيادية وشاركتها في ذلك القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى، ليقوم جنود حرس الحدود المصري بإطلاق رشقات نارية على مواقع لقوات الأمن الوطني التي تتبع وزارة الداخلية في غزة، والمرابطة على الحدود مع مصر، في حادثة رأى الكثيرون أنها تأتي في سياق حملة التحريض الكبيرة ضد حماس، فالقوات الأمنية في غزة لم ترد على الواقعة، والتزمت الثكنات العسكرية، واكتفت وزارة الداخلية بإدانة الهجوم المباغت، والطلب من مصر بفتح تحقيق.
حادثة إطلاق النار من المحتمل أن تتكرر مستقبلا، خاصة وأن مثلها حصل بعد عزل مرسي من الحكم، أي في بدايات الأيام الأولى لوقوع العداء بين مصر وحماس، التي تتهم حاليا رسميا بالمشاركة في ما يعرف بـ»أحداث اقتحام السجون» خلال ثورة كانون الثاني/يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وشعبيا من خلال حملات الإعلام، وذلك مع تواصل اتهام حماس إعلاميا بالمشاركة في التفجيرات التي تنفذ بين الحين والآخر في مناطق سيناء ضد الجيش والشرطة، رغم أن الحركة التي لم تكتف فقط عند حد النفي، بل وأكدت مرارا أن أيا من الاتهامات لم توجهها رسميا من قبل السلطات المصرية، خلال العلاقة القائمة بينهما حتى اللحظة، والمتمثلة باتصالات قادة الحركة مع المشرفين على الملف الفلسطيني الموكل لجهاز المخابرات المصرية العامة.
لكن قرب حركة حماس فكريا من تنظيم «الإخوان المسلمين» بصفتها ممثلة للتنظيم في فلسطين، سيبقي المسافة بينها وبين سلطات القاهرة بعيدة جدا، في ظل محاربة الأخيرة للتنظيم منذ الإطاحة بالرئيس مرسي، حتى لو عادت الاتصالات فيما بينهما، فلن تكون مماثلة لتلك التي كانت في فترة وجود الإخوان بالحكم.
وبالعودة لموضوع القرار المتخذ ضد كتائب القسام التي التزمت الصمت عدم أيام، فقد خرجت نهاية الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي تشاركها فيه كل فصائل المقاومة الفلسطينية، لتعلن رفضها للقرار، والتأكيد على أن القرار يمثل «طعنة في ظهر المقاومة»، تخلله دعوة الفلسطينيين لمسيرات تنديد، وفي ذات اليوم خرج أنصار حماس في مدينة رفح الواقعة على حدود مصر، وهناك أنذر الناطق باسم حماس من لجوء الحركة لـ»أعمال مجنونة» إذا ما استمر الحصار المفروض عليها، ويقصد بذلك حصار إسرائيل وإغلاق معبر رفح.
قبل ذلك كان الدكتور محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس يطالب بشكل واضح بأن تتدخل السلطات المصرية لـ»كف يد» الإعلام المصري عن حركة حماس، وإلى إلغاء قرار المحكمة المصرية ضد كتائب القسام.
فالزهار في لقاء مع الصحافيين أكد أن حركة حماس لا تتدخل في شؤون الدول العربية، وعاد وشن هجوما على حركة فتح، واتهم جهاز المخابرات الفلسطينية بتقديم «تقارير كيدية» عن الحركة لمصر ودول عربية.
الزهار قال في حديثه «نحن أبرياء من الاتهامات بأننا تدخلنا في سيناء، وجهازا المخابرات العامة والحربية المصريان يعرفان ذلك جيدا»، وكان يستشهد بذلك بالاتصالات التي تجريها حماس مع المخابرات المصرية. ويخشى أن يكون القرار القضائي المصري هذا مقدمة لقرارات أخرى، قد تتخذها دول عربية، وكذلك يرى المراقبون أن القرار الذي أسر إسرائيل كثيرا، سيكون ذريعة أمام الدول الغربية في التعامل مستقبلا مع حماس، بعد قرار إحدى المحاكم الأوروبية ببطلان اعتبار الحركة «إرهابية».
هذا ورغم ما تشهده العلاقات من تأزم بين الحركة ومصر، خلافا لتلك المرحلة التي كانت قائمة فترة حكم مرسي، إلا أن الاتصالات بين الطرفين لم تنقطع حسب ما تؤكد حماس، ودون أي نفي من مصر، وتعتمد على قناة المخابرات المصرية التي تدير الملف الفلسطيني.
وقد كشف القيادي في حماس أيضا إسماعيل رضوان، بعد قرار المحكمة المصرية أن الاتصالات بين حركته والمخابرات المصرية ما زالت مستمرة، وطالب بأن يسارع المستوى الرسمي المصري من أجل تصحيح ما اسماها بـ»الخطيئة» التي قامت بها إحدى المحاكم المصرية ضد كتائب القسام باعتبارها «جماعة إرهابية»، خاصة وأنه قال إن القسام «وقف حاميا للأمن القومي المصري».
وقد سارعت حركة حماس بعد قرار المحكمة إلى نفي ما نسب من تصريحات لمصادر منها، بأنها أوقفت التعامل مع مصر بصفتها وسيطا في ملفات المصالحة الداخلية والتهدئة.
وباستمرار الحالة القائمة، فإن أحوال السكان الغزيين المحاصرين ستشهد تفاقما كبيرا في الأيام المقبلة، فمصر تغلق بوابة غزة إلى العالم، وهي معبر رفح البري، والسبب في ذلك حسب ما تقول مصر هو عدم استقرار الأوضاع الأمنية في سيناء، لذا يرى المراقبون أن الحملة المصرية الحالية التي يشنها الجيش بعد الهجوم الإرهابي الأخير، من شأنه أن يؤخر فتح المعبر الذي اعتاد السكان على فتحه ليومين أو ثلاثة أيام على أبعد تقدير، كل شهر ونصف تقريبا، تخصص لسفر المرضى والطلاب وأصحاب الحالات الإنسانية والإقامات في الخارج.
فالاتصالات بشأن المعبر حسب ما قال مصدر من غزة قبل أيام، مقطوعة، وهناك في قطاع غزة أكثر من 30 ألف شخص من السكان مسجل للسفر في كشوفات تعدها هيئة المعابر، والعدد هذا مرشح للزيادة يوميا، مع بقاء المعبر البري مغلقا، ما يهدد حياة العديد من المرضى، ومستقبل الكثير من أصحاب الاقامات.
على العموم فإن مقبل الأيام سيجيب عن العديد من التساؤلات التي تهم الغزيين تحديدا، الذين يرون مصر الوسيط في مفاوضات التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، والتي أنهت الحرب الأخيرة «الجرف الصامد»، وكان من المفترض أن تنطلق مفاوضات أخرى غير مباشرة بين الوفدين، للحديث عن باقي الملفات التي أجلت، لكن العملية هذه أرجئت لموعد لم يحدد.
ومصر هي الوسيط في عملية المصالحة الداخلية بين فتح وحماس، وقد أبرم على أراضيها في ايار/مايو 2011، اتفاق المصالحة الذي وقعت عليه الفصائل، وكان أساس الارتكاز في عملية تشكيل حكومة التوافق.
وقد جاءت القرارات المصرية الجديدة باعتبار كتائب القسام «تنظيما إرهابيا» وما تلاها من أنباء عن نية القاهرة إدراج 40 قياديا من الحركة والقسام على قوائم الممنوعين من السفر، واشتداد حالة الخلاف، تأتي بعد أن توسمت الحركة والمراقبين خيرا، في استضافة القاهرة على أراضيها للمرة الأولى منذ عزل مرسي وفدين من فتح وحماس، لإجراء مباحثات حول ملف المصالحة، تلت انتهاء الحرب، غير أن ما تتعرض له الحركة في هذه الأوقات، خاصة من حملات انتقاد شديدة في وسائل الإعلام المصرية، يضع عقبات جديدة أمام تنفيذ مصالحة ولو بالحد الأدنى بين الطرفين، رغم سلوك المصالحة طريقا مليئا بالعقبات.
أشرف الهور