العمليات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة باريس يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وخلفت مقتل قرابة 130 شخصا وأكثر من 300 جريح هي امتداد لعمليات أخرى شهدتها فرنسا وأوروبا منذ تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة وكذلك في مناطق أخرى من العالم وأساسا الهند وروسيا. وتفجيرات باريس، من توقيع تنظيم الدولة الإسلامية، هي نقلة نوعية في الإرهاب العالمي لأنها نفذت بتقنية عمليات الكوماندوهات العسكرية، مما جعل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يقول بقيام جيش إرهابي بمهاجمة العاصمة.
وتفيد وزارة الداخلية الفرنسية بحدوث ست أو سبع عمليات إرهابية في وقت واحد من طرف قرابة ثمانية أشخاص أو أكثر انقسموا إلى ثلاث مجموعات، وتحركوا بتقنيات متعددة منها حرب العصابات في المدن لكنها كلها ترمي إلى إحداث أكبر حصيلة من القتلى والضحايا. ولهذا فقد استهدف الإرهابيون أماكن عمومية وفي توقيت واحد خلق الصدمة وتشتيت الأجهزة الأمنية. وكان الهجوم على ملعب فرنسا وعلى عدد من المطاعم والمقاهي ومسرح باتكلان. واستهداف الأماكن العمومية التي تكون عادة مليئة بالناس هو الذي يفسر هذه الحصيلة المرتفعة التي تعتبر أسوأ ما تعرضت له فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. وتبقى كذلك ثاني أكبر اعتداءات إرهابية في أوروبا بعد اعتداءات مدريد يوم 11 كانون الثاني/يناير 2004 الأعنف بحصيلة 192 قتيلا، وبدورها كانت ضد منشآت عمومية، حيث استهدفت قطارات.
والاعتداءات التي تعرضت لها باريس هي الحلقة الثالثة في مسلسل إرهابي يتصاعد بشكل خطير، وكانت الحلقة الأولى تلك التي نفذها محمد مراح ما بين 11 و19 اذار/مارس 2012 في مدينة تولوز وخلفت مقتل سبعة أشخاص، أربعة مدنيين وثلاثة عسكريين. ووقعت الحلقة الثانية من الاعتداءات ما بين 7 و16 كانون الثاني/يناير الماضي عندما نفذ الإخوان كواشي علميات إرهابية استهدفت المجلة الساخرة شارل إيبدو وقيام إرهابي إميلي كوليبالي نسق معها بالهجوم على متجر يهودي، وجرت العمليتان في باريس.
ولكن تفجيرات 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 تشكل قفزة نوعية في عمليات الإرهاب المستهدف للغرب لسببين رئيسيين، الأول وهو الطابع العسكري لعملية التنفيذ من طرف مجموعات متعددة اعتمدت حرب العصابات، وهو ما يفسر نزول الجيش إلى العاصمة باريس لقدرته العالية على مواجهة عمليات من هذا النوع. والسبب الثاني هو منتهى السرية المتناهية التي عملت بها المجموعات الإرهابية رغم استنفار المخابرات الغربية ومنها الفرنسية في رصد وتتبع الإرهابيين والمشتبه بهم دوليا. وهذا يبين أنه مهما كانت المراقبة، تقع عمليات إرهابية، إما لسوء في التقدير الأمني أو ذكاء الإرهابيين لتجاوز مختلف إجراءات المراقبة. واستخباراتيا، هذه العملية تشكل تحديا خطيرا للمخابرات الفرنسية والغربية التي تجد نفسها متجاوزة بالضغط ومستوى الخطر، كما كتبت جريدة لوموند في عدد السبت الأحد.
فهذه المرة لا يتعلق الأمر بتقنية «الذئب المنفرد» وهو قيام شخص واحد بعملية تنفيذ الاعتداءات، كما حدث في حالة محمد مراح، وهي التقنية التي كانت تشغل بال الأجهزة الأمنية والمخابراتية لصعوبة رصد فرد واحد بل بمجموعة متكاملة على شكل كوماندو تابع لقوات خاصة لجيش معين تنسيق بين الداخل والخارج. في الوقت ذاته، يستمر غياب التنسيق وتقييم الأخطار، فبعد الحاث، قالت المانيا باعتقال شخص متبه فيه يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر بالجاري بأسلحة وله علاقة بتفجيرات باريس.
انتظار تفجيرات مماثلة
وإذا كانت هذه التفجيرات مفاجئة للرأي العام الفرنسي والدولي، فهي لا تعتبر مفاجئة لخبراء مكافحة الإرهاب والدارسين لهذه الظاهرة. ولعل العنوان الرئيسي الذي يمكن إطلاقه على هذه العمليات هو «عسكرة الإرهاب» بحكم تنفيذ مجموعات متدربة على مستوى عال جدا عمليات في وقت واحد وبأسلحة ومتفجرات واستهداف أماكن عمومية. وهذه التقنيات مختلفة عن إرهاب بعض الحركات الأوروبية ما بين الستينيات وحتى السنوات الماضية، ويتعلق الأمر بتنظيمات مثل حركة إيتا الباسكية في اسبانيا والجيش الجمهوري الإيرلندي وتنظيم «العمل المباشر» الفرنسي و»بادر ماينهاف» الألماني، وهي حركات كانت عموما انتقائية في أهدافها وليست عشوائية.
وفي تصريحات للقناة التلفزيونية BMTV قال فدريك غالواز، وهو رئيس سابق لقوات التدخل الخاصة التابعة للدرك الفرنسي «كنا ننتظر هذا النوع من العمليات الإرهابية الشاملة نظرا لحدوث عمليات متشابهة في السابق في أماكن أخرى من العالم».
وعمليا، الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها باريس وقعت في أماكن أخرى من العالم وكلها تحت عنوان «استهداف أماكن عمومية» للتسبب في أكبر رقم من الضحايا. في هذا الصدد، فالهجوم على مسرح باتكلان الذي خلف أكثر من 80 قتيلا، ما هو إلا تكرار لعملية الهجوم على مسرح إشكيريا في العاصمة موسكو يوم 23 تشرين الاول/أكتوبر 2002 من طرف جيش إرهابي مكون من شياشنيين وخلفت مقتل 129 شخصا.
وتلتقي هجمات باريس كذلك مع تلك التي تعرضت لها مطاعم ومقاهي في الدائرة العاشرة في باريس في طريقة التنفيذ مع العمليات الإرهابية التي شهدتها مدينة بومباي الهندية يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 وخلفت مقتل 195، حيث قام مسلحون بالهجوم على فنادق ومطاعم فاخرة وفتحوا النار بشكل عشوائي.
ويجهل الظروف التي وقعت فيها تفجيرات ستاد فرنسا في باريس حيث كانت تجري مباراة لكرة القدم بين المنتخب الفرنسي ونظيره الألماني وبحضور فرانسوا أولاند، ولكن يبدو أن رغبة الإرهابيين هوتنفيذ تفجير داخل الملعب، ولم ينججوا في ذلك. وكانت تقارير أمنية ومخابراتية بريطانية واسبانية قد تحدثت عن عمليات مشابهة جرى إفشالها في الماضي.
في الوقت ذاته، يؤكد خبراء فرنسا انتظارهم عمليات إرهابية من هذا النوع وذات تقنية عالية لأسباب متعددة منها أساسا، في المقام الأول، تساهلت الدول الأوروبية مع شبابها المسلم للتوجه إلى سوريا بعد اندلاع الربيع العربي، وذلك لمحاربة نظام بشار الأسد. وبينما لا يشكل مسلمو الغرب حوالي 1،5٪ من مسلمي العالم، نجدهم يشكلون ما بين 20٪ إلى 25٪ من مقاتلي التنظيمات الإرهابية مثل داعش في سوريا. وهكذا، قد وجد هذا الشباب في سوريا الخاضعة لتنظيمات مثل داعش والنصرة المجال لتلقي تدريبات عسكرية عالية مثل صنع المتفجرات وفتح النار لتنفيذ عمليات إرهابية ضخمة. والآن، بدأ هذا الشباب يعود إلى الدول الغربية، مما يشكل قنابل قابلة للانفجار في أي لحظة.
وفي المقام الثاني، ارتفاع تنفيذ شباب أوروبي ومنهم فرنسيون لعمليات انتحارية في سوريا والعراق. وحول هذا الموضوع، كان الصحافي البارز في جريدة لوفيغارو كريستوفر كورنفين قد قال باحتمال تعرض فرنسا لعمليات انتحارية بعد تحقيق أجراه كشف عن تنفيذ تسعة فرنسيين لعمليات انتحارية في سوريا والعراق. ولا يتعلق الأمر بفرنسيين من جذور عربية وإسلامية بل بفرنسيين اعتنقوا الإسلام. ومن هذه الأسماء كفين شاسين الذي نفذ عملية إنتحارية في العراق خلال ايار/مايو الماضي. وبيير شولي الذي نفذ عملية انتحارية في العراق خلال شباط/فبراير الماضي، ونيكولاس بونس الذي نفذ عملية انتحارية في سوريا سنة 2013، وهناك ست حالات أخرى لفرنسيين نفذوا عمليات انتحارية.
البعد الاستراتيجي
لتفجيرات باريس
لا يمكن فصل العمليات الإرهابية التي تتعرض لها أوروبا والغرب عموما بل وحتى بعض الدول العربية مثل لبنان عن الملف السوري بتشعباته المختلفة سياسيا وعقائديا وعسكريا. وسيترتب عن اعتداءات باريس عدد من النتائج ذات البعد الاستراتيجي.
في هذا الإطار، سترفع الدول الغربية من تنسيقها الأمني وسط القارة الأوروبية وخارجها بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لأن الخطر قادم من الخارج، من مناطق مثل سوريا والعراق وليبيا. ولا يمكن استبعاد قيام كوماندوهات أوروبية بعمليات حربية دقيقة ضد داعش في سوريا خلال الأسابيع المقبلة.
وأخيرا، فالبعد الذي اتخذه الإرهاب الديني المرتبط بالتطرف الإسلامي وتورط شباب أوروبي من جذور عربية ومعتقد إسلامي، سيطرح إشكالية التعايش بشكل مقلق هذه المرة في فرنسا ومجموع أوروبا.
د .حسين مجدوبي
الارهاب العرب والمسلمين في فلسطين وسوريا والعراق مباح وضد الغرب فلا ولا مباح بل وحرام!
الشخص الذي يحمل قيما انسانية سيقف ضد الارهاب وضد قتل الأبرياء أيا كانوا.. فلا مبرر لقتل الأبرياء كما أسلفت يا أخي تاج السر.. نقف ضد القتل والتقتيل في حق الأبرياء العزل احتراما واكراما لآدميتهم بغض النظر عن عرقهم وعقيدتهم أو حكوماتهم..
لا مبرر للقتل وسفك والدماء ايا كانت.. الظلم يغضب الرب والخلق.. وما نكرهه لأنفسنا أولى أن نكره حدوثه للآخرين…
فرنسا بها اليوم أكثر من خمس ملايين مسلم وهم أقلية ستوجه لهم الادانة بفعل الجهل والطيش الموجه نحو الأبرياء العزل..
.. ادانة جريمة باريس هي ادانة ضمنية نوجهها لما يسمى بالاسلاميين المتشدقين بالشعارات الاسلامية في كل مكان..