اغتصاب

لربما هو موضوع زواج القاصرات، أو في الواقع اغتصاب الأطفال، الذي يمثل المعضلة الأكبر في كتب التراث الدينية، والذي يستدعي إعادة قراءة لنصوص القرآن والسنة من أجل فهم أفضل وأكثر تطوراً وإعادة ترتيب للأحداث الاجتماعية التاريخية، وصولاً لمخرج من مأزق التفسير المبيح وأحياناً المستحسِن في كتب التراث تلك، واستقراراً عند حظر يرعى حقوق الطفلة الأنثى ويحميها.
طبعاً ذيول ومتعلقات الموضوع كثيرة، فموضوع مكانة ووضع المرأة والتعامل مع جسدها في الأديان عموماً وفي التراث الديني الإسلامي خصوصاً، يحتاج لتنقيح عميق وسريع.
إلا أن زواج الطفلات، حتى لا أكرر كلمة اغتصاب والتي هي في الواقع الأكثر صحة من أي توصيف آخر، يمثل معضلة اجتماعية وأخلاقية حالية صارخة تفضي إلى ايذاءات نفسية وجسدية عميقة وأحياناً كثيرة إلى الموت.
ان المجتمع الذي تغتصب فيه فتياته الصغيرات لا يمكن أن يكون مجتمعاً متوازناً صحياً، بل أبعد من ذلك، هو لا يمكن أن يكون سوى مجتمع منخور من منتصفه، مريض دميم، تعنف فيه إناثه اللواتي هن مصدر للحياة، لتتراكم لديهن المشكلات النفسية والأمراض الجسدية الناتجة عن الممارسة الجنسية المبكرة، وما يمكن لها أن تسبب من تشوهات بليغة لأجهزة الطفلة الصغيرة غير المكتملة.
ان المجتمع التي تكون فيه الأمهات طفلات بحد ذاتهن، طفلات مغتصبات معنفات، لا يعرفن من العلاقة سوى الغصب ولا يفقهن من التعامل الزوجي سوى الخوف، ان مثل هذا المجتمع لا يمكن أن يخلق أجيالاً سوية بناءة محبة للحياة، إنه مجتمع يصنع معادلة غير موزونة، تختل ضفتيها بين الأنثى المستضعفة التي هي العامل الأول في بناء الأسرة والذكر المستبد الذي هو العامل الأبعد عن المحيط البيتي، وعليه تتشكل هذه الحالة الغريبة لكينونة مغتصبة ضعيفة تتولى أمر نشأة جيل لاحق، فعلى أي شكل سيكون هذا الجيل وبأي مفهوم إنساني سيتشكل؟
ان فهم الجسد واحترامه وكفالة سلامته هي أهم قواعد بناء الإنسان الصحي القوي اليوم، وتلك قواعد يحرم منها عدد كبير من الطفلات المسلمات اللواتي يزوجن، أو لنقل يبعن، في عمر صغير يصل في تعريفه التراثي إلى سن المهد.
هذه الكارثة الإنسانية تذكر بإباحة وأحياناً باستحسان في كتب التراث السنية منها والشيعية والتى لم تمنع أن تزوج الطفلة ويدخل بها حتى وهي رضيعة، وفي روايات أخرى يمكن التمتع بها بطرق أخرى إن هي لم تطق الجماع، وفي أخرى يمكن الدخول بها ان كانت بنيتــها قوية وقـــادرة على الفعل الجنسي. إنه حتى أفضل الاختيارات بين المنصوصة أعلاه تبقى فضيحة وكارثة إنسانية لنا كبشر نحيا بالمفاهيم الإنسانية للقـــرن الواحـــد والعشريـــن، وهي اختـــيارات يجب أن تجتث جميعاً من عروقها حتى لا يبقى لها أثر، انطـــلاقاً إلى تحديد ســن زواج معقـــول تتفق عليه معظــــم الحضارات الإنسانية الحالية طبقــاً للعــلوم الطبـــية الحديثة كســن الثامنة عشرة، ثم إلى الحظر التام لظاهـــرة الخــــتان الوحشية، والــذي يحمي الأنثى جسدياً ونفسياً، هذا بالإضـــافة إلى ضرورة تمكين المرأة من نفسها وقراراتها، فلا تزوج إلا بإذنــها، ولا تجبر تحت أي ظرف للدخول في زواج تكرهه. إنه واجب إنساني عالمي، لا يستوجب تذكيراً أو مناضلة، أن تقوم كل الدول الحالية التي تحترم مدنيتها وإنسانية مواطنيها على تشريع قوانين تحمي الأنثى صغيرة وكبيرة من هذه الجرائم البشعة، وتضمن تحرر إرادتها وتملكها زمام أمورها وقراراتها.
لن نحرر دولنا من قبضة التطرف سوى بتحرير العقل الإنساني والإرادة الإنسانية، وهذان يتطلبان تمكين الإنسان من عقله، فيقرأ ويتثقف ويقول ما يشاء، ومن جسده، فيقرر فيه، بغير ما يضره، ما يشاء، وبغير هذا التحرر، ودون هذا الاحترام التام للجسد والإرادة الأنثويين، لن نأخذ خطوة واحدة للأمام، بل سنبقى كما نحن: إلى الخلف سر.

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    دعي الشرع جانبا يا دكتورة ابتهال فسوف لن نتفق
    ولكن لنتمسك بالقانون الذي يوافق عليه المجتمع ممثلا بالبرلمان
    فان خرج قانون يجرم زواج الفتاة تحت سن 18 يجب الالتزام به
    طبعا هناك استثناءات للمحكمة تقرر ما تراه مناسبا لظروف الفتاة

    قانون للزواج مثله مثل قانون المرور من حيث العقوبات
    ليس حراما أن نتجاوز السرعة ولكن هناك غرامة أو سجن

    يجب على الدولة مساعدة الفتيات الفقيرات وأهلهن
    حتى لا يضطر الأهالي لتزويج بناتهن مبكرا
    فالزواج المبكر خير من الانحراف

    المشكلة الأساسية بالموضوع يا دكتورة هي الفقر
    ويقول الامام علي لو كان الفقر رجلا لقتلته

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول فؤاد مهاني (المغرب).:

    لقد انقلبت المفاهيم، فأصبح المعروف منكرا والمنكر معروف.الموضوع قد نختلف فيه أو لا ليس هذا هو الإشكال ولكن الطامة الكبرى هو أنك دعوت كما هي عادتك إلى مراجعة المفاهيم الدينية من قرآن وسنة ووضعك هذه النصوص الدينية في كفة واحدة مع كتب أخرى من علمية وأدبية أو ما شابههما والتي تضل نسبية بالمقارنة مع المفاهيم النصوص الدينية التي ستظل مطلقة وثابتة.فلا يمكن أن نحلل ما حرم الله تعالى أو العكس كمثل الذي يحلل الخنزير بدعوى تلقيه الرعاية الطبية بخلاف ذلك العصر.فإذا كان نبينا الأكرم قدوتنا قد تزوج عائشة أم المؤمنين وهي في سن تسع سنين هل يجوز أن نعكس كلامك هذا ونقول هذا الكلام المعيب في هذا الموضوع الذي يضل اختياري وليس ضروري. ونيل المرأة لحقها في قبول الزواج مع من تريد أو لا تريد ليس وليد اليوم بل سبق للإسلام أن منحها هذا الحق.وزواج القاصر ليس بعيب لأنه زواج بالمعروف ومحصن وليس اغتصاب أو بيع وكأننا في سوق النخاسة.فلنسمي الامور بمسمياتها مع احترامي لك سيدتي الكريمة.

  3. يقول رياض- المانيا:

    هذا الموضوع وغيره له علاقة بعادات اجتماعية لا تمت للقران الكريم بصلة وليست من القران الكريم في شيء. اتمنى من الكاتبة ان تذكر لنا بالتحديد ما هي الايات التي تتحدث عن هذا الموضوع التي ( يجب اعادة قراءتها)!!!
    ثم اريد منها ان تقول لنا اين هي النصوص التي تيجز ( الدخول في الرضيعة) وفي اي كتب وردت وخاصة اعني هنا كتب اهل السنة!!! اخيرا اقول ان مثل هذه المواضيع مواضيع متشعبة وتحتاج الى دراسات معمقة وطرحها بهذه الطريقة السطحية يعطي الانطباع ان من يكتب يريد التهجم اكثر من ارادته حل مشكلة تحتاج الى حل فعلي. ما رأي الكاتبة ان المانيا تحدد سن الزواج ورغم هذا كان في مدارس برلين وحدها في احد الاعوام 3000 حالة حمل واجهاض لطفلات دون 15 عاما! الرجاء النشر وشكرا

  4. يقول رشا:

    من نحو عشر سنوات حضرتُ برنامجا على بي بي سي الإنجليزية يفيد بأن متوسط العمر الذي تبدأ به الفتيات في بريطانيا الممارسة الجنسية هو تسع سنوات
    وما زلت إلى اليوم مصابة بالصدمة
    ربما لا أتفق مع الزواج المبكر للبنات خاصة من رجال يكونو أحيانا في العشرينات بينما البنات يكونون أصغر من 15سنه
    ولكن ليس معنى هذا وعند كل موضوع نبقى نعيد الاسطوانة المشروخة (إإعادة قراءة لنصوص القرآن والسنة من أجل فهم أفضل وأكثر تطوراً وإعادة ترتيب للأحداث الاجتماعية التاريخية)
    اليوم الكيل بمكيالين خاصة ضد ما يتعلق بالإسلام أصبح سمة كثير من يصفون أنفسهم بالنخبة..انظروا إلى الظاهرة نفسها في سياقاتها المتعددة وليس في سياق الإسلام..على الأقل زواج القاصرات يبقى اسمه زواجاً وليس اغتصاب ولا زنى

  5. يقول رغداء المغرب العربي:

    زواج القاصرات هو بيع وشراء واغتصاب وجريمه عقابها الاعدام الرسول صلعم تزوج بعائشه وعمرها سبعه عشر عاما وليس سته اعوام ودخل عليها وهي في التاسعه كما يقول بعض العلماء المضللين

  6. يقول كمال رمضان:

    مثل تونسى أسوقه لك أخت ابتهال “كلامك مع اللى ما يفهمكش ينقص فى الاعمار”.

  7. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    لن اكرر ما ذكر هنا من ان زواج القاصرات هو عادة اجتماعيه وليس له علاقه بالدين. حتى لو سمح الدين بذلك فان هناك تراكمات اجتناعيه اما للافضل او للاسوأ وذلك يتعلق بصيرورى تطور الشعب, عندما تمر الشعوب في لحظات انفراج وانفتاح نرى ان المجتمع يحرم اشياء معينه ويرقضها حتى ولو كانت حلالا وبالعكس واحيانا نراه يتشبت باطراف الدين وينسى جوهره. هذه امراض اجتماعيه.
    واوافق على انه يمكن للمجتمع ان يشرع قانون ويلزم الجميع كم ذكر الكروي. امثله فمثلا في المجتمع الفلسطيني الذي انتمي اليه لا تتزوج الفتيات اطلاقا قبل اقل من 17 سنه. والقانون تغير وارتفع الان الى 18 . الجميع ملتزم به. لم نكن بحاجه لثوره دينيه لتحقيق ذلك.

  8. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

    ماذا يقول العقل وماذا تقول العاطفة, قبل أن يحلل البعض ويؤيد زواج الطفلات الصغيرة عليه أن يسأله نفسه هذا السؤال:” كأب واعي متفهم هل بإمكاني أن أزوج ابنتي ذات السبع أو تماني سنوات مثلا لرجل بالغ يفهم في أمور لم تخطر لها هي على بال, هل من المنطق رمي فتاة في سن الزهور لهذه التهلكة؟

    ألا نسمع كل ثلاثة أيام عن فتاوى لاتعجب الناس فيرفضوها, لماذا يفعلون وهي صادرة من رجل دين متعلم متمرس؟ لأنهم إختبروها في عقولهم فتتصادمت مع شيء مقتنعين بها فرفضت, لنقل :” شيخ إسلامي معروف ومحترم أصدر فتوى تقول , “من يريد الجنة عليه رمي نفسه من أعلى سقف عمارته السكنية” أهل هناك من يفعل؟ ربما بعض المختلين , الأغلبية لن تفعل, لماذا ؟ لأنهم إختبروا الفتوى فلم تكن معقولة.

    كم كان علم طب النفس متقدما في ذاك الزمان في صحراء شبه الجزيرة العربية؟ سؤال.

    الأخت إبتهال الخطيب , هيهات ثم هيهات كيف يمكن تحويل مسار ناقلة نفط ضخمة في بحار هائجة, المهمة مستحيلة.

  9. يقول فهد السالم صقر-الإمارات العربية المتحدة:

    للعلم فإن ممارسة الجنس للفتاة في الغرب تبدأ في أول المراهقة يعني 13-14 سنة وهناك قانون يجرم مضاجعة الكبير لفتاة قاصر دون سن ال14 أي أن سن السماح بممارسة الجنس للفتيات يبدأ في سن ال14 وقد تم رفعه م,خرا بكندا إلى 15 سنة…وهنا أنا أتحدث عن الجنس الحرام خارج إطار الزواج علما بأن الفتاة التي في سن ال13 في الغرب لو مارست الجنس مع قاصر آخر في مثل سنها فلا عقوبة على ذلك ( أي قاصر مع قاصر….
    أنا لا أفهم لماذا نقحم الدين في كل شي ولماذا نبحث مواضيع خلافية وفقهية تختلف بإخلاف الزمان والعصر والمكان….
    لكل الحق في أن يطرح أي قضية ولكن أنا أشتم رائحة لمز من قناة الإسلام وإلا لماذا لا تبحث القضية بشكل عام بغض النظر عن الدين والثقافة وأقصد من باب سيكولوجي إجتماعي…

    سبحان الله متى نتوقف عن جلد أنفسنا مع أن الغرب وهم أعدائنا شئنا أم أبينا لدهم من هذه المشاكل بالأطنان.

  10. يقول د. أثير الشيخلي - العراق:

    هناك دوماً إقحام و غمز و لمز من قناة الدين و بأية وسيلة كانت ؛هنا في هذا العمود اﻷسبوعي و كأني أشعر أن المواضيع يتم اختيارها من أجل هذا الهدف و ليس العكس!
    الدين يتفهم أوضاع اجتماعية معينة فيقدم لها علاجات وحلول اما قاطعة أو تدريجية اعتمادا على نوع تلك اﻷوضاع و لكل مجتمع تقاليده و بيئته كما أن لكل إمرء من دهره ما تعودا ،
    لا يوجد نص من قرآن أو حديث صحيح ينص على تحديد عمر معين للزواج سواء للرجل أو المرأة و إنما هو شرط البلوغ ؛ بعد ذلك المسألة تعتمد على تشريعات المجتمعات نفسها و تقاليدها بل حتى و اجواءها؛ في المجتمع الصحراوي و بعض المجتمعات الأفريقية ربما ترى الفتاة و هي في عمر ال 12 أو ال 13 و كأنها بعمر العشرين هيئة و حتى تحمل للمسؤولية بالمقارنة مع مجتمعات أكثر حضرية إن صح التعبير.
    ليس المكان فحسب و إنما حتى الزمان ؛ اعرف شخص مقرب مني عائليا، الفارق بينه و بين والدته 13 سنة فقط هي تزوجت في سن ال 12 جرى ذلك في بغداد ، قبل مايقارب ال 50 سنة ، و بغداد في ذلك الحين كانت المدينة أﻷكثر تقدما و حضارة بين جوارها ربما ، هذه الشخص لديه ثلاثة أشقاء و شقيقة هو اليوم أستاذ جامعي يحمل شهادة دكتوراه و إخوانه و أخته ما بين تخصص الهندسة و الصيدلة إلى آخره و من عائلة معروفة اجتماعيا و والدتهم التي اليوم في منتصف الستينيات لا تزال امرأة ناشطة اجتماعيا و معروفة بوقار سمتها، وأخبرني ابنها هذا أنها لاتزال إلى اليوم تشرف على تربية اﻷحفاد!
    انا لست مع تعميم الزواج المبكر على اﻹطلاق و مع تحديد عمر مناسب للطرفين و بشده ، و من خلال تشريعات مختصين و خبراء ولكن ما أردت قوله انه لا يجوز التعميم و لا يجوز إقحام الدين و كأنه سبب المشاكل المجتمعية بينما هو على العكس تماماً ؛ هو سبب لحلها
    وهذه بالتأكيد وظيفته ، أي إيجاد حلول و ليس خلق مشاكل كما يريد البعض اتهامه بأية طريقة كانت!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية