في غضون الأيام الماضية حصلت حادثتان تمحورتا حول الحرية الدينية والتعايش في مجتمعاتنا، الاولى في مصر والثانية في العراق، وتكاد تكون الحادثتان متطابقتين، محورهما واقع تعامل شيوخ المؤسسة الرسمية مع الأقليات الدينية، عبر الترويج لأفكار يناقشونها على شاشات التلفزيون، وفي الندوات والدروس الفقهية، حيث يقدم مشايخ يدعون الوسطية أفكارا تشرعن اضطهاد المختلف، عبر تكفيره ووصم عقائده بالبطلان والفساد.
والكل بات يعلم أن مع كل جريمة ترتكبها التنظيمات الإرهابية، يتبارى مشايخ المؤسسات الرسمية أمام كاميرات العالم، طارحين فكرة واحدة مفادها، أن التنظيمات الإرهابية كـ»داعش» و»القاعدة» وما شابهها، لا تمثل الإسلام الحقيقي. وهذا يعني ضمنا أنهم هم من يمثلون الإسلام الحقيقي، وهنا نتفاجأ بأن كل طروحات المشايخ الوسطيين المعتدلين تتطابق – ولو نظريا – مع ما يفعله الإرهابيون، إذن هل المشكلة تكمن في الجذر الفقهي الذي تصر المؤسسة الرسمية على التمسك به حرفيا دون أي معالجة أو تمحيص لما آلت إليه مجتمعاتنا بعد 1500 سنة؟
ظهر علاء الموسوي رئيس الوقف الشيعي في العراق، في فيديو لدرس ديني تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، يشرح فيه مفهوم الجهاد في الإسلام، ويحدد من هم الكفار الذين يجب محاربتهم وإخضاعهم لسلطة المسلمين، وذكر من وصفهم بـ «الكفار من أصحاب الكتاب» وهم اليهود والنصارى ومعهم المجوس والصابئة، وأشار إلى أن الحكم الفقهي بحقهم هو أن يخيروا بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو قتالهم حتى يرضخوا لأحد الامرين الاولين.
هذا الامر اثار حفيظة الاقليات في العراق، حيث تقدمت 180 عائلة مسيحية بشكوى للقضاء جاء فيها «نحن العوائل المسيحية في بغداد نقدم شكوى حول تصريح رئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي، إضافة إلى وظيفته من خلال تصريحاته الطائفية التي تمت بشق الصف واللحمة الوطنية والسلم الاجتماعي بين ابناء ومكونات الشعب العراقي، في كافة أديانه واطيافه». كما صرح رأس الطائفة الكاثوليكية في العراق وبطريرك بابل للكلدان في العالم، البطريرك مار لويس رافايل ساكو ردا على رئيس ديوان الوقف الشيعي قائلا، «من المؤلم جدا أن يطلع علينا بين فينة وأخرى، خطيب جامع أو عالم دين بكلام تحريضي، أو فيلم يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يخص المسيحيين واليهود والصابئة يصفهم بالكفار، كما يروج تنظيما «داعش» و»القاعدة» كأساس للتعامل معهم: اعتناق الإسلام، دفع الجزية أو القتل».
وتزامنا مع الحدث العراقي، ظهر الشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف المصرية، وهو أكاديمي وداعية ديني، ممن يوصفون بالوسطية والاعتدال، على شاشة «المحور» الفضائية في برنامجه الديني «المسلمون يتساءلون» ليهاجم المسيحيين ويصف عقائدهم بالكفر والفساد، ليثير حالة من الاستياء والرفض والقلق لدى ملايين المواطنين من مسيحيي مصر، الذين عاشوا مئات السنين شركاء في الوطن مع مسلمي مصر، والذين يتعرضون اليوم لشتى انواع الاستفزاز والمضايقات والاعتداءات، والقتل وإحراق البيوت والكنائس، الذي بات امرا متكررا في الاونة الاخيرة.
ونتيجة للحملة التي اثيرت ضد الشيخ عبد الجليل في وسائل التواصل الاجتماعي، والحملات الإعلامية في الصحافة والتلفزيون ضده، قرر الدكتور حسن راتب رئيس مجلس إدارة قناة «المحور» وقف البرنامج على شاشة القناة، كما قرر وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، وقف الدكتور سالم عبدالجليل عن الخطابة بالمساجد، وقد ذكر الوزير في مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات الفضائية «لا علاقة له بنا، ولن أسمح بصعوده على المنبر حتى يعتذر، ولا تستضيفوه في قنواتكم، وأغلقوا عليه كل أبواب التواصل، قناعاته بعيدة عنا كأوقاف».
وفي اول رد للشيخ المتهم بإثارة الفتنة الطائفية صرح قائلا «هل أعتذر عن قول الله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، أنا أعتذر لو كنت جرحت المشاعر، لكن العقيدة ليس فيها اعتذار، ونحن أبناء وطن واحد، نحن لا نعادي من يسالمنا، ومستعد للمحاسبة أمام هيئة كبار علماء الأزهر، لو خطأوني، أقسم بالله سوف أخلع عمامتي ولن أتكلم في الدين».
اذن نحن ازاء مشكلة حقيقية، هي وبوضوح شديد، وبدون لف ودوران أو مواربة، مشكلة «النص المقدس»، النص الذي عمره 1500 سنة، الذي نزل في ظروف تاريخية تحكمها معطياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والذي حاول بعض الفقهاء مثل الافغاني والكواكبي ومحمد عبده وطه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم، إبان ما عرف بحقبة النهضة العربية الاشتغال عليه، ومحاولة مواءمته مع العصر، عبر آليات التأويل والفهم التاريخي للنص، لكنهم سرعان ما اصطدموا بجدار منيع من طروحات مشايخ المؤسسة الرسمية، الذين تمسكوا بقولبة المجتمعات الاسلامية، لتتلاءم مع النصوص، حيث تم وأد مشروع النهضة في بواكيره.
واليوم نستمع ونرى مشايخ أصبحوا نجوما للفضائيات ووسائط التواصل الحديثة، وهم يملأون رؤوس الشباب بقصص الغزوات ونكاح الاسيرات، لأنهن ملك يمين، هذه الافكار تعمل عمل المخدرات المدمرة لعقول الشباب، دون أن تجرؤ المؤسسة الدينية الرسمية على الوقوف بوجه هذه الطروحات. والسؤال هنا ما الذي نتوقعه من جيل يسمع هذا الكلام، سوى أن يتحول إلى ارض خصبة جاهزة لتلقي بذور الإرهاب.
إن الغزو والاسترقاق وملك اليمين والهجوم على دول الغير، رغم وجودها في النصوص المقدسة، إلا أن القانون الدولي الوضعي، أوقف العمل بها، لان الشروط التاريخية للمجتمعات الانسانية تجاوزتها، كما هو حال الكثير مما يعرف بالحدود في التشريع الاسلامي، التي اوقفت الدول الاسلامية العمل بها، نتيجة لتطور المجتمعات الانسانية، مثل العقوبات الجسدية من جلد أو قطع أو رجم، واستبدلتها بمؤسسات إصلاحية، تتم فيها اعادة تأهيل من يرتكب جنحة أو جريمة.
لكن تبقى مشكلة التدليس والمحاباة ملازمة لشريحة واسعة مما يمكن تسميته الطبقة المثقفة أو المستنيرة في مجتمعاتنا، التي تحاول أن تخفي المشكلة وتتعامل معها بمخاتلة، وكنموذج لهذه الطروحات أورد ما كتبه اعلامي معروف على صفتحه في الفيسبوك معلقا على فيديو رئيس الوقف الشيعي قائلا «سوف تترجم هذه المقاطع من قبل الاعداء إلى جميع اللغات، وستحوِّل التشيع إلى شيء مرادف لداعش، هنالك موروث ديني ومسائل خلافية وتأريخ مليء بالحروب المقدسة، لا اعتقد أن من الحكمة استذكاره وعرضه على الاعلام في هذه المرحلة، التي يتصدر فيها الارهاب الوهابي واجهة الاخبار، لانه سيقتطع ويوظف لمآرب خبيثة تسيء لمدرسة آل البيت، لذا يجب الابتعاد على الاقل اعلاميا عن اي قراءة تتعارض مع مضمون الدولة المدنية، التي تؤمن بها المرجعية، والاحتفاظ ببعض الاراء الفقهية داخل الدروس الحوزوية «. وهنا يجب أن نبين أن فقهاء الشيعة كانوا اقل صداما في هذا الامر نتيجة تبنيهم لفكرة ارجاء تنفيذ الحدود، لحين ظهور الامام الغائب، الذي يمثل بعدله الحكومة الوحيدة التي يمكن أن تطبق شروط الاسلام الحقيقي، من وجهة نظر المذهب الشيعي، لكن هل يعني ذلك أن نوافق على التدليس والمخاتلة، في أن تبقى هذه السموم تدرس في المدارس والحوزات الدينية بدون مواجهتها، وبدون التعامل مع النصوص التاريخية الملغمة بمعطيات منتهكة لحقوق الانسان في مجتمعاتنا المعاصرة والاكتفاء بعدم ذكرها علنا .
أزمتنا كبيرة وعصية على الحل، وما زاد طيننا بلة سيطرة الاسلام السياسي على مفاصل الدولة في العراق، وسيطرة الفكر التكفيري الاسلاموي على العديد من المؤسسات الدينية الرسمية في الدول العربية، وبتنا في وضع كارثي يكفي لايضاحه ما كتبه احد الناشطين العراقيين على صفحته في الفيسبوك عندما تسأل «أيهما اهم لانقاذ مجتمعنا اليوم، العبادة ام العلم ؟» وقبل أن نجيب يجب أن نعلم أن عدد الجوامع التي يشرف عليها ديوان الوقف الشيعي في العراق هي 16 ألف جامع وحسينية، وعدد الجوامع التي يشرف عليها الوقف السني في العراق هي 19 الف ومئتين جامع، لكن عدد المدارس في هذا البلد هو 11 الف مدرسة، أغلبها وبفضل حكومتنا الرشيدة متهالكة وبدوام ثلاثي أو رباعي احيانا، فهل رأيتم حجم مأساتنا؟
كاتب عراقي
صادق الطائي
مجتماعتنا دينيه، يفكرون دائما بعذاب النار ، اذا لم يؤدوا فرائضهم الدينيه
منذ بدايات الطفوله ، يبداء غرس مفاهيم الجنه و النار برؤوس الاطفال، و يعلمونهم اسس الصلاه و الصيام و تفرعاتها ، حتى ينالون الجنه
الجميع هكذا ، كل الدول العربيه و الشرق اوسطيه ، ليس مهم لديهم التعليم ولا العمل ، بل الصلاه و الصلاه ، خاصه عندما تكون جماعه في الجامع
المشكله، ان هذه العبادات تزداد يوما بعد اخر ، و يتم التباري باصوات مكبرات مآذن الجوامع، و عدد ركع الصلاه، و اذا ارادوا مدح شخص معين، يقولون عنه انه صائم و مصلي،،،وكانهم يقولون ان الغير صائم و مصلي انسان سئ! و ممكن كافر و يستحق القتل!
لا ارى مخرج لمأساتنا هذه،
شكرا سيدي على هذه المقاله الحلوة
مقال يستحق الثناء والتقدير لصدق ما طرح به.عندما ينبري البعض ويتهم الخطاب الديني والمناهج بسبب ازمتنا يتهمه المتدينون بكل التهم .ان دولة مدنية قوية كفيلة بافساح المجال للمتنورين بايجاد مناهج دينية ترتقي لمفهوم العصر
اولا: الفقة الاسلامي كان و ما زال هو هو و انما تغير دوره في الحياة و تأثيره في الناس و ما زلت اذكر المجتمعات العربية ايام عبدالناصر و وندرة المحجبات، على سبيل المثال، حتى من نساء و بنات كبار المسؤولين في الازهر و في الاخوان. يعني المشكلة ليست في الفقه و لكن في تأثير المتحدثين باسم الدين بسبب صعود تيارات الاسلام السياسي. و السبب هو الفشل الذريع الذي نعيشه في ظل انظمة الحكم و المعارضة الهزيلة
ثانيا: يدعو الكاتب الى التدخل لوقف تدريس “هذه الافكار” حتى في المدارس و الحوزات الدينية و في هذا حجر للتفكير. و ابدال تسلط بتسلط. المطلوب هو حرية التفكير و التعبير للجميع. فاما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الارض.
ثالثا: التكفير شائع بين الناس حتى بين المذاهب في الدين الواحد و حتى في داخل نفس المذهب. و اعتقد انه ليس فعلا مشكلة فقد تعود الناس عليه. ببساطة فان كل من يتمسك بمذهب معين اسلامي او مسيحي او يهودي او غير ذلك يعتقد انه الاصح و بالتالي فالآخر ضال وكافر بمعنى انكاره لما اعتقد انه حقيقة.و لا مشكلة في ذلك اذا ساد مفهوم الحرية.
رابعا: ان الدين عند الله الاسلام منذ الازل و ان جميع الانبياء كانوا مسلمين بنص القرآن. وهذا منطقي جدا فان الله سبحانه و تعالى لا يغير الدين و هو يعلم كل ما كان و ما سيكون. و الاسلام هو التسليم بالعبودية لله وفي هذا المعني فان المؤمنين بانبياء الله و كتبه مسلمين لانها كلها تعني الايمان بالله و التسليم بحكمه.