هل صحيح أن النص أساس لكل عمل إبداعي أو غير إبداعي؟ هل يرتبط سوق العمل اليوم بمدى شطارة الشخص لتسويق نفسه وتسويق بضاعته، ألا يتطلب الأمر من التاجر أن يكون شاعرا قليلا، وقصّاصا قليلا، ليسوّق بضاعته؟ ألا يتطلب الأمر أيضا أن يكون السياسي متقنا للغة ولفن الخطابة وفن تأليف القصص ليستحوذ على رؤوس مستمعيه؟ ألسنا جميعا في حياتنا اليومية نحتاج لقليل من الشعر والنثر وملح الكلام الجميل لنحافظ على علاقتنا؟ أليس الأدب في النهاية هو النواة والقلب ووقود الدماغ الحقيقي لإنتاج أي شيء؟ فلماذا إذن هذا النكران لوظائفه الجليلة وفوائده الجمّة؟
من فبرك في عقولنا أن الأدب وظيفة لإهدار الوقت؟ من أدخله في زقاق الأشياء المنسية، وألبسه لباسا غير لباسه؟ من أوقد النار في باعه الطويل وقد كان سببا لتحضٌّر أمم وتميزها؟
ما أعرفه هو أن المحافل الأدبية تحدث بعيدا عن الإنسان العادي، مثل أفراح الدراويش في مواسم جنونهم، يلتقي فيها الأدباء ويفرغون مخزون قلقهم بشأن أمورهم الخاصة وأمور الشعوب وأوطانها، يدخنون ويحتسون القهوة بكميات كبيرة خلال أحاديثهم، ثم يتفرقون مجددا…لا «عيش» ولا «ملح» وطبعا لا روابط متينة يصنعها الدخان، كما لا أعتقد أن القهوة تفعل ذلك. كل لقاءاتهم تلك لا تعني أحدا، وأحيانا لا تعني حتى أبناء مهنتهم المبهمة تلك. لا شيء يميز في الحقيقة كُتَلنا الأدبية ونُخَبَنا المثقفة، إنها هنا وليست هنا، ولعلّنا نراها أكثر خلال السجالات التي تحمل بعض التراشق الحاد بين طرفين، وكأن في الأمر اتفاقا سريا على رفض كل توافق وانسجام محتمل. هناك رؤية خاطئة للشعوب المؤدبة والمهذبة على أنها شعوب خطيرة، لهذا بدا الأمر عاديا أن نعيش في ظلال الحظائر المشيدة لنا منذ آلاف السنين.
تقاليدنا اليوم أقرب إلى تقاليد القرود منها إلى تقاليد البشر في مطلع قرن التكنولوجيا والطب المتطور والصواريخ المخترقة للفضاء الأرضي، إذ ثمة انهيار كامل للعقل المفكر، فيما تحوّلت ساحات العيش إلى حلبات لتصارع كل أنواع الغرائز. تزخر المنافي بالمقابل بأنواع من الكتاب والشعراء والمثقفين والأكاديميين والعلماء، إما خضوعا لنفي سياسي أو قسرا لظروف اقتصادية تحول المثقف بكل أشكاله وألوانه إلى متسول. وبالنسبة لهذا المثقف الذي يُنفى أو يَنفي نفسه طوعا، فإن ما يبحث عنه هو ولادة جديدة وليس هروبا، إعادة ترتيب لدماغه المشوش في بيئته، تنظيف ما يجب تنظيفه وتأثيثه بأثاث جديد يليق بمقامه الفكري. والله من العيب أن يقف المثقف في طابور المنسيين داخل وطنه، إنّه انتحار بطيء واختيار مخجل، فلطالما هناك فرص للخروج منه فما عليه سوى الخروج. من هناك سيضطر لرؤية بلاده وأهله بمكبر صورة، وسيضطر أن يراه أهل البلاد أيضا بالتليسكوب، وإلا كيف نفسر عظمة من غادروا أوطانهم صغارا وعادوا إليها كبارا يُرحب بهم باحترام ولهفة مبالغ فيهما أحيانا؟
ويعتقد الغربيون أن المَنفيَّ مجبرا كان أو طائعا ليس سوى سائح في رحلة، أو سفر، ويعرفون المنفى على أنه «حركة إبداعية» فهل يعني ذلك أن كل كاتب أو شاعر أو ذي فكر يلزمه أن ينفي نفسه؟ بالتأكيد لا، ولكن الركود الثقافي الذي تشهده المنطقة العربية، يعود لركود في حركة الفرد نفسه، وفي ذلك الثبات الذي يشبه توقف الساعة، وانحباس الهواء والماء في مكان مغلق. «كل حركة بركة» يقول مثلنا القديم، ويبدو أن منبعه فيزيائي محض، وينطبق على كل ما هو حي ومن غايته ترك بصمة إنتاجية في وسطه. لكن هذه الحركة أيضا هي التي جعلت الأدب في المنافي يصبح إنسانيا، شاسعا واسعا، شاملا للوجدان المشترك لذلك الراحل بقلمه بحثا عن ظروف أفضل للكتابة والتعبير عن أفكاره في ما يخص تحسين حياة الإنسان ومحاربة الشر الذي تبناه آخرون تحت عناوين كثيرة أغلبها «سياسي- اقتصادي».
أكتشف هذا الأمر، أو في الحقيقة أزداد تأكدا منه في كل سفرة لي إلى البحرين على الخصوص، حين أعود إلى النبع الذي تدفقت منه، وأتأمل المكان بكل ذخائره وجمالياته التي لا تزال خاما تقريبا. أقرأ كل المعطيات المبثوثة أمامي ولا أفهم لماذا مسحة الأسى التي تملأ العيون، فكل تلك الطاقات مبهرة، ولكن الركود يقتلها، وتلك الدوائر المغلقة التي تحيط بها تزيد من عزلها عن الفضاء العام الثقافي فتسمم الوضع أكثر مما تخدمه.
أنا هنا اليوم مجرّد طائر مهاجر يعود لعشه ويغادره، لكني طائر لا يكف عن التحليق. أما هذه السماء الفسيحة التي أنعم بالتحليق تحتها فهي الشاشة التي أرى من خلالها الأمور بشكل أوضح وأنضج. داخل القفص يقرفص الطائر المقلم الأجنحة وينعى حظه، ويتخبط في أسئلة كثيرة كلها تصب في المعنى نفسه «أليس مجتهدا؟ فلماذا لا ينتشر؟ ولماذا لا يُقرأ بشكل جيد؟ ولماذا لا يعبر الحدود بنصه كأي كاتب آخر صنعته محليته؟
كل هذه الإشكالات تنبثق دفعة واحدة من وضع كتابنا في العالم العربي من أقصاه لأقصاه، كلها تثير الأسئلة المشككة بما نؤمن به أو ندعيه، نحن أمة الشعر، أو عشاقه، نحن أمة الغناء وهز الخصر والرقص على وقع الدفوف، نحن الذين تثملنا أم كلثوم وتوقظنا فيروز، ويجعلنا مارسيل خليفة وطنيين كما في السبعينيات وقبلها…
كذب من قال إننا طلقنا الأدب والشعر. ولكن من حوّلنا إلى كائنات بليدة؟ من خفف أصواتنا فأصبحنا بلا أصوات، بلا أرواح، بلا أجساد؟
مرة أخرى يأتيني ذلك الصوت الحزين لأميمة الخليل وهي تغني «عصفور طل من الشباك» فتنهمر الأسئلة مالحة كالدمع عليّ عن مستقبل أوتار العود في مشهدنا الثقافي، عن مستقبل القصيدة التي يمكن أن تغنى ويمكن أن تُقرأ، ويمكن أن تهرّب حبرا على ورق وتلتهم كقطع الحلوى؟ عن مستقبل رواة القصص المضيئة، وصناع الأبطال الخارقين؟
أقف عند حدود الأسئلة لأني لغاية اليوم لا أفهم التحولات التي عصفت بإرثنا الذي تهاوى دفعة واحدة وأصبح النهوض به مهمة شاقة. حقيقة هل لهذا التراجع المخيف معنى؟ هل هناك أمل صغير يعيد لنا الثقة التي فقدناها في أنفسنا؟ وقد فاتتنا قطارات ورحلات لا حصر لها كان بالإمكان أن توصلنا لمحطات تصلح لإقلاع جديد؟ هل هناك أمل لعودة العصافير المهاجرة لأعشاشها؟ وأمل آخر لفتح الأبواب لطيور الأقفاص؟ هل من بريق في الأفق للم الشمل لهذه العائلة الممزقة؟
أيها السادة والسيدات، يا قرائي الأحباء: المثقف اليوم مجرد ناطق رسمي للسياسي الأبكم، «طفل جرائد» يلوح بصحفه في الشوارع للمارة وهو ينادي بالعناوين المثيرة…
آخ من هذه النكسة، نكسة الـ2017 بامتياز…
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
تساؤلات مشروعة وصحية لابد للجميع أن يشارك في حل الغازها والمساهمة في حل هذه الإشكالية فما نمر به يعد نكسة حقيقية بكل معنى الكلمة تقهقر وتراجع وجنون سياسي لامثيل له والمثقف العربي أما أن يكون مطبلا السلطة الحاكمة او أن يعاني من رهابها وفي مجمل مشهدنا العربي الذي تشكل الثقافة حيزا منه نحن بحاجة إلى ثورة بمعناها غير التقليدي للانطلاق نحو إصلاح هذا الواقع العربي المؤلم .
اعتقد الظروف الاقتصادية صنعت هذا الركود اضافة لغول الاسعار ابعد قطاع كبير من المثقفين من شراء الكتاب الورقي ،مثلاً …زرت معرض الخرطوم الدولي للكتاب في شهر اكتوبر ، تفاجأة بأن مكتبة مدبولي في المعرض يبيع كتاب طة حسين ..نقد في الادب الجاهلي….بسعر ٤٠٠ جنية ،اذاً هذا منحني آخر يواجة عملية الاطلاع …
لا يزال الكثير من قراء جبران خليل جبران ونقاده يعيبون عليه تشبيه ابناء جلدته بالقرود..
ولا يزال الكثير من النقاد يعيبون على انصاف الكتاب وأرباعم بعدم اتقان فن الادب والكتابة فمن اساسيات الكتابة ان يكون النص مترابطا ومنسجما وطارحا لأشكالية ضمن منهجية معينة في مقدمات ونتائج وألا يقحم نفسه في نصه كي لا يتهم بالنرجسية أو عدم الموضوعية.
لا اعرف لماذا خطر على بالي الشيخ محي الدين بن عربي و مربيته فاطمة بنت المثنى اثناء قرأة المقال الذي تقول فيه الدكتورة اننا اصبحنا كمجتمع القرود بالفعل اين كنا و اين اصبحنا ؟
فاطمة بنت المثنى القرطبية
الكثير منا يعلم من هو العالم الكبير محي الدين ابن العربي و لكن ما لا يعلمه الكثير منا :مواقفه و أفكاره العظيمة بما يتعلق بالمرأة المسلمة فقد كتب في عدة كتب عن المساواة التامة بين المرأة و الرجل و أن المرأة المؤمنة تفوق الرجل في كثير من الأحيان, و له من الأفكار بخصوص المرأة ما إن ذكرتها اليوم أمام أحد المسلمين لاتهمك باتباع الغرب . و لكن لماذا كان ابن العربي يقدر النساء إلى هذه الدرجة؟
لأن أحدى شيوخه كانت… أمرأة
ولدت فاطمة في قرطبة و بدأت رحلتها الروحية في صغرها في كنف والديها ثم تزوجت رجلاً أُصيب بمرض الجذام سهرت على رعايته 24 سنة حتى توفى و كانت تجلب رزقها من الخياطة حتى أُصيبت في يدها ففقدت مصدر معيشتها و اضطرت أن تعيش بقية عمرها في ظروف صعبة جداً حتى أن أكلها كان من ما يلقيه الأغنياء في الحاوية غير أنها كانت تحمد ربها و ترى هذه المحنة نعمة لأنها محنة امتحن بها الانبياء و كان يقصدها الكبار و الصغار و الرجال و النساء للتتزود من علمها و من حبها الإلهي و يقول عنها ابن عربي:
“”عذراء . هيفاء . تقيد النظر من العابدات السائحات الزاهدات”. شيخة الحرمين إن أسهبت أتعبت وإن أوجزت أعجزت وإن أفصحت أوضحت . شمس بين العلماء، بستان بين الأدباء.
علمها عملها. عليها مسحة ملك وهمة ملك” و وصفها بأنها رحمة لهذا العالم
و كانت تقول ” أعطاني حبيبي فاتحة الكتاب” فكانت تقرأ الفاتحة بنية شيئ فيكون.
و قد تتلمذ ابن عربي عندها في بداية شبابه و كانت هي شيخة في التسعين و خدمها عدة سنين و قام هو و اثنان آخران ممن تتلمذوا على يديها ببناء بيت صغير من قصب لتستطيع أن تعيش فيه و قد سكنت فيه حتى وافتها المنية.
لم تكتب كتاباً و لم ترأس دولة و لكن إرثها يكمن في شخص الشيخ ابن عربي الذي دون حياتها في كتبه و التي استطاعت أن تزرع في قلبه أهمية المرأة.
المصادر: الفتوحات المكية لابن عربي – نساء متصوفات لكاميلا هلنسكي.
و لمذا يتطلع دائما كل مثقفينا الى الشهرة و التقدير و التبجيل و حتى التقديس…..? المثقف الحقيقى لا يعمل من أجل ذلك….بل لراحة ذاتية …..كما أن المولع بالقرائة ليس مجبور باعلان ذلك فى كل مناسبة…لانه يقرأ لنفسه لا للآخرين….المشكلة كما دائما مشكلة عقلية…
في الأسبوع الماضي لم أكتب تعليقًا بشأن مقالك الأثيرعندي…لأنني كنت مشغولًا في المطبعة بوضع لمسات أخيرة على روايتي الجديدة.لقد شعرت بالتقصير( والله غفوررحيم ).يادكتورة : لمست توترك الداخليّ خلال عباراتك في المقال.إنما الذي أراه ياسيدتي أنّ نحافظ على الأمل بالصبرالجميل.فنحن نعيش مرحلة الهمود لا الصعود ؛ والهمود مرحلة مادون الهبوط كالتي وقع فيها آدم بعد الخطيئة فكان من الغاووين ؛ عسى الله أنْ يبعث فينا روح الحياة كما بعثها في النبيّ زكريا بعدما وهن منه العظم واشتعل رأسه شيبًا ؛ ليكون منه ( يحيى ) سميًا.لا أريد الهرب من الواقع كما هربنا في الأمس من الزلزال الذي أخافنا لكنه جمع الناس على صعيد واحد.رأيت السنيّ والشيعيّ والمسيحيّ بعضهم لجنب بعض يذكرون الله كالحجيج ؛ فجأة كان الزلزال وفجأة غابت طائفية وفرقة الحقد الأسود.وأدركت ساعتها أنّ الناس أسوياء الفطرة ؛ لكن الشيطان يريد تغييب المحبة باظهارالكراهية المفتعلة.شكرًا لأدب وأخلاق الزلزال الذي فاق على الأدباء حضورًا ؛ فجمعنا في وطن واحد.فهل سنكتب أدبًا ( زلزاليًا ) ؟ وأقول إنّ من مهمات ( المثقف ) اليوم ؛ والأديب خاصة ؛ بثّ روح الأمل النظيف للحفاظ على الرأي العام من الخبال الذي ضرب المنطقة بالنكسة تلو النكسة كالزلزال في هذا العام (2017) وكنكسة حزيران ( 1967).ولنتذكرفعل الصبر
الجميل الذي جعل النبيّ يعقوب يحقق به الرجاء ليوسف على الأقل كيما تستلم الأجيال اللاحقة ؛ منا الرسالـة بأمانة الموقف.ومن هنا الأمل للمّ شمل هذه الحالة الممزّقة ؛ ببناء وصناعة عائلة أدبية من أحبابك في الجريدة ؛ فما لا يدرك كلّه ؛ لا يُترك أقلّه.والألف ميل تبدأ بخطوة قويّة المبادرة.ألم نسمع لقول الله الأمرلنبيه بالسبب : { يايحيى خذ الكتاب بقوّة }.بعد ذاك جاءت النتيجة الإمــربعرش الذهب : { وآتيناه الحُكم صبيًا }.المودة والتحيّة لبروين الحبيب أريج.فهي زهرة الخليج ومزهرية القدس البهيج ولؤلؤة التاج ؛ بنت البحرين ؛ وأنعم بها من قلم وهاج.
كل يوم اثنين انتضر مقالك (المالح مثل الدمع) حتى اني اطالعه الساعة 12 ليلا لا طاقة لي بالانتضار حتى الصباح مقالات راءعة رقيقة حتى في نقدك للمتقفين وا لسياسيين. تجلدينا بسوط من حرير تنسجه اصابعك الرقيقة موجهتا سهام رؤياك لواقعنا لقلوبنا مثل كيوبيد ما ان ةتلمسنا حتي نمس بطاقة من الحب نحو دواتنا ونحو الاخر حتى ارتايت ان عالمنا العربي يجب ان تحكمه المرأة ليستكين
تحياتي
ياللروعة يادكتورة بروين لهذا المقال؟ والحمد الله على السلامة يادكتور جمال من الزلزال.وكما غنى كاظم الساهر(( محروس من عين البشر)).
الأخت ليلى من جدة : أشكرك على الاهتمام المتواصل بصدق الكلمات ومشاعرالودّ والقرب ؛ أدام الله عليكم نعمة الأمن والأمان والحُبّ.
عزيزي د. جمال
كلامك يهز في الشعور العميق بالأخوة، ويجعلني متفائل بغد أفضل طالما ان في ربوعنا رجال من أمثالك، حبذا لو ارسلت لي نسخة الكترونية pdf من روايتك كي أقرأها فوجودي في باريس يمنع علي التزود بجديد الادب، وأنا في كل مرة ازور عاصمة عربية احاول ان اتزود بالكثير من الكتب واعود بحمولة كبيرة ولكن ليس كل مرة اجد ما أبحث عنه، مبروك الرواية،
لقد اصبحنا نعتمد على الزلازل للم شملنا..
مع تحياتي