عمان- «القدس العربي» : أفلت العيار إعلامياً على الأقل رغم ان هيئة مكافحة الفساد حاولت الاستدراك. تفاعلت مجدداً وفي نطاق نظام العدالة الدولي قضية التبغ الأردنية وبعض أعضاء البرلمان قيد الاشتباه وحصلت السلطات على إفاداتهم. هذا ليس خبراً جديداً بين الأردنيين فشارعهم ووسائط تواصلهم تتحدث منذ خمسة اسابيع عن تفصيلاته.
الجديد كان أن يصدر عن رئيس هيئة مكافحة الفساد محمد العلاف قبل أربعة أيام وبصيغة تعزز القناعة بأن الشارع لا يتحدث حصراً بشائعات هنا لأن الإفصاحات الرسمية تصادق على بعض تفاصيل روايته لمسار الاحداث. لاحقاً للتداول الواسع جداً لهذه المعطيات التي صدرت عبر لقاء تلفزيوني للعلاف صدر توضيح وشرح من الهيئة يشير إلى أن التحقيق لم يشمل رسمياً أياً من اعضاء البرلمان بل تمت الاستزداة بمعلومات بعضهم وعلى أساس تقديم الإفادات والمعطيات للنيابة العسكرية التي تتولى الآن واحدة من أضخم «الجرائم الإقتصادية».
بمعنى آخر برز شكل من أشكال الخلاف على مرجعية التحقيق في هذه القضية الضخمة خلف الستارة والكواليس واحتج نواب البرلمان على تثبيت تهمة «شعبية» على بعضهم أو برزت بالتوازي مجدداً تلك التجاذبات داخل صف أجهزة الدولة حول حكمة وطبيعة التصرف فظهر توضيح الهيئة وحاول إعادة ترتيب المشهد بعيداً عن الاثارة والتشويق الناتجين عن التصريح الام للجنرال العلاف حيث إشارة مباشرة إلى ان رجل الاعمال الفار عوني مطيع تلقى المساعدة «من الداخل» خلال هربه من مطار عمان الدولي.
«إحالات على التقاعد»
حصل ذلك بالتوازي مع «إحالات على التقاعد» في طريقها للإنضاج الاداري وفي بعض المؤسسات الأمنية والجمركية مؤخراً دون توفر أي قرينة على أي علاقة لها بقضية التبغ في الوقت الذي يتوارى فيه نواب البرلمان عن الأنظار ويتوقفون عن النصح والإرشاد والتوجيه ترقباً لخطوة التحقيق المقبلة حيث لا دورة منعقدة ولا حصانة برلمانية.
ظهور المتهم الرئيسي في قضية التبغ إلى جانب بعض النواب في صور التقطت بعدة مناسبات تداولها الشارع وأسست بالنتيجة للانطباع الذي لا يمكن التعامل معه كحقيقة قانونية مجردة وهو أن شبكة العلاقات التي إاخترقها نجم التبغ الهارب الآن فيها بعض أعضاء البرلمان. طبعاً التعامل مع الصور فقط غير منصف فقد استمعت «القدس العربي» مباشرة لرئيس مجلس النواب عاطف طراونة وهو يتحدث عن ظاهرة التعسف والظلم عبر وسائط التواصل داعياً الحكومة للتصرف وضبط الايقاع بدلاً من الاساءة للجميع وبدون مبرر.
فقط الطراونة تجرأ دون بقية النواب وصرح لـ»القدس العربي» ولغيرها بحكاية صورته مع المدعو مطيع وعلى أساس أنها صورة صدفة التقطت خلال نشاط خيري لأغراض التبرع لأيتام المخيمات مع تأكيد بعدم وجود أي معرفة شخصية من أي نوع وعلى ان الناس تلتقط الصور في كل المناسبات. دون ذلك لم يتحدث علناً على الأقل اي من النواب الذين يربط الشارع وليس التحقيق بينهم وبين شبكة مطيع المتواري عن الأنظار حالياً والذي تطورت قضيته بالمعنى القانوني الدولي عندما وضعه الإنتربول الدولي رسمياً على «لائحة المطلوبين» بعد مذكرة من النيابة الأردنية.
عملياً السلطات الأردنية بهذا الإجراء قررت البدء بخطوات «مطاردة مطيع» وهذا يثبت الجدية في التعامل مع القضية بتجرد قانوني وضمن سياق الامر الملكي «بكسر ظهر الفساد» لكن دون اغتيال الشخصية وبث الاشاعات.
«منع من النشر»
بالتوازي أمرت الحكومة ايضاً بوضع تقنيات ووسائل للتصدي للشائعات التي تسيء لسمعة الجميع ..هنا لوحظ أن اندفاع الناطق الرسمي الوزيرة جمانة غنيمات قل ورئيسها الدكتور عمر الرزاز اكتفى بتغريدة واحدة فقط للجمهور يشرح فيها حيثيات التوجيهات الملكية بمكافحة الفساد فيما اعلن وزير التنمية السياسية والبرلمان موسى المعايطة عن منصة خاصة باسم الحكومة ستتصدى للشائعة.
في الأثناء يقرر وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر عدم تفويت الفرصة فتنشرت له صحيفة الغد مقالاً «منع من النشر» سابقاً يتحدث فيه عن «قوى الواقع» التي تلتهم بكل الجدية أي محاولة حقيقية للإصلاح في البلاد حفاظاً على إمتيازاتها متجاوزة حتى التوجيهات الملكية.
مرافعة المعشر الجديدة حاولت المقارنة بوضوح بين ما حصل معه شخصياً كرئيس للجنة الاجندة الوطنية التي إقترحت إصلاحات مدنية ومؤسسية الطابع وبين ما يحصل اليوم مع حكومة ترفع شعار «دولة مدنية» برئاسة الرزاز محذراً من أن القوى نفسها التي اعاقت هناك تتدخل اليوم هنا ليس من أجل النظام ولا الملك بل من أجل مصالحها وتحاول الإعاقة بالرغم من وضوح الموقف الملكي خاتماً بسؤال عميق: هل يقبل شباب الأردن اليوم ذلك؟
«القدس العربي» سبق أن سمعت من المعشر تفاصيل كاملة عن إحباط مشروع «الأجندة الوطنية» الذي ترأس لجنته بأمر ملكي وغرق في حيثيات اصلاحية بالجملة. لكن الأخير هنا يحاول «مساندة الرزاز» بمرافعة بمقياس خاص قد تؤدي في النتيجة إلى تحشيد وتجميع قوى الشد العكسي المناهضة للتيار المدني او الذي تتهمه مع ان الفارق بالمناخ ملموس ويتمثل في ان حكومة الرزاز وبدون وثائق إصلاحية او لجان ملكية كانت نتيجة لأحداث «الدوار الرابع» خلافاً للأجندة الوطنية. وهو بكل حال ما يلمح له المعشر وهو يؤشر على السر الأهم في الاتجاه العكسي الذي أقنع مؤسسة القرار المركزي بإحباط الأجندة وهو تحذير القرار من إصلاحات يمكن أن تؤدي لتغيير هوية الدولة الأردنية وتخدم ما يسمى بالتوطين.
وهي عموماً التهمة المعلبة نفسها التي تقال كلما تقررت خطوة إصلاحية مع فارق اليوم يظهر بأن حكومة الرزاز جذبت الشعب والرأي العام عندما اقرنت أقوالها بالأفعال وخاضت في عش دبابير الفساد وفتحت ملفاً لا يمكن إغلاقه ببساطة باسم «فساد التبغ» المقدر قيمته بنحو 177 مليون دينار هي مجموع المطالب المالية من شركات ومؤسسات مطيع وجماعته. الأردن لا يزال في سياق التفاعل والسيناريوهات متعددة.
*بدون شك مصارحة الحكومة
للمواطنين حول المستجدات
يوقف (الإشاعات) فورا.
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.
سلام