عمان ـ «القدس العربي»: الدلالة كانت رمزية بالتأكيد ومقصودة سياسيا عندما هبطت الطائرة التي تقل وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر شمال الأردن في القاعدة العسكرية التي انطلق منها الطيار الشهيد معاذ الكساسبة الذي قتله «تنظيم الدولة ـ الإسلامية» في سوريا.
المرافقون للوزير الأمريكي قالوا إنه سيتحدث لرفاق الكساسبة لكن المرافقين السياسيين والإعلاميين للوزير الأمريكي تجنبوا الإشارة للأسباب المتعلقة بوقف أو تجميد الطلعات الجوية الأردنية ضد تنظيم الدولة، ضمن قوات التحالف، فالمساعدات الأمريكية في هذا الخصوص تظهر للطبقة السياسية في الأردن أن الإدارة الأمريكية لا تريد «حسم» المعركة ضـد «الدولة» لا في سـوريا ولا في العـراق والمسـؤولون في الإدارة الأردنيـة يتصـرفون على أسـاس هـذا الانـطباع.
رفاق الطيار الكساسبة تواقون لمواصلة المهمة في إطار الرد على عملية إعدام رفيقهم لكن عمليات الإشتباك الميداني مع «الدولة» ضمن إطار التحالف أصيبت مؤخرا بـ»الخمول» مرة بسبب حجب الأموال المخصصة للعمليات ومرة بسبب الأجندات السياسية.
الوزير كارتر وفي وقفته السريعة في الأردن استعد لتعزيز الدفاعات الحدودية الأردنية وتحدث عن التنسيق مع إسرائيل وعن إستمرار المواجهة مع «الدولة»، لكن الأداء كان لفظيا، فخلف الستارة يشتكي الأردن من «العوامل السياسية» الإقليمية التي ظهرت في سلم أولويات الإدارة الأمريكية حيث الاتفاق النووي مع إيران وفي برنامج أولويات المملكة العربية السعودية حيث عاصفة الحزم.
يمكن في أروقة صناعة القرار والنخب الأردنية الاستماع لتلك الإجتهادات التي تسخر من سعي الأمريكيين لإدامة فترة المواجهة مع تنظيم الدولة، خلافا للوقائع برأي الخبرة الأردنية المتميزة استخباريا بالتنظيمات الجهادية.
هنا يمكن ملاحظة أن الوزير كارتر يزور عمان ويتوقف في الأردن بطريقة «استعراضية» في القاعدة التي انطلقت منها طائرة الكساسبة، دون أن يوازي هذا الاستعراض عمل حقيقي وجدي على صعيد تنشيط التحالف الخامل أو تقديم الإسناد الدفاعي اللازم والضروري لتقليص نفوذ «الدولة» في الإطار العملياتي داخل سورية والعراق.
الاستعراض حصل بالتزامن مع التصريح الذي تحدث فيه الرئس الأمريكي باراك أوباما عن الحاجة لتمديد فترة مواجهة «الدولة» لفترة تبدأ من عشر سنوات إلى 20 عاما بعد ان تمأسس التحالف على فكرة القضاء على «الدولة» خلال خمس سنوات.
الإدارة الأمريكية بهذا المعنى «تغير أقوالها» وتعمل على إطالة أمد السياق الابتزازي الذي توفره الدولة للأنظمة العربية، وهو اتجاه يضايق بعض الدول الجادة مثل الأردن والسعودية، لكن المجموعة العربية في قوات التحالف ضد «الدولة» تبدو مستسلمة له وإن كان ذلك حسب الأوساط الدبلوماسية المطلعة يؤشر على عملية ابتزاز «سياسية ومالية» من قبل الصناعات الأمريكية والإدارة في واشنطن لدول النادي الخليجي، خصوصا بعدما أصبحت عاصفة الحزم السعودية على نحو أو آخر جزءا حيويا وفاعلا من استراتيجية واشنطن في ترتيب الأوراق الأساسية مع طهران قبل الانتقال إلى برنامج «تأهيلها» للمجتمع الدولي.
بهذا المعنى وعلى هذا الأساس يمكن القول ان الزيارة الاستعراضية التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي للمنطقة مالت للتحدث عن صمود التحالف ضد إرهاب «الدولة» أكثر من غرقها في اي تفاصيل يمكن ان تنطوي على تجديد خطط التحالف والالتزامات معه، وأكثر بطبيعة الحال من توسيع نطاق المواجهة أو توسيع الإطار العملياتي.
يعني ذلك أن عملية الابتزاز السياسي وغير السياسي متواصلة للنظام الرسمي العربي عندما يتعلق الأمر بالعزف الدائم على إوتار اتجاهات «الدولة» الانقلابية والأمنية، وهي مسألة لم يعد من الممكن إخفاؤها لا عند المسؤولين الأردنيين ولا الدبلوماسيين العرب والأجانب.
بسام البدارين