الأردن: لهجة «تعايش مع الواقع» تتصاعد وحسابات تخشى «مطرقة ترامب»

عمان- «القدس العربي»: يمكن ببساطة التقاط ما هو جوهري أكثر في تلك المعركة التي تستهدف الضغط على الأردن تحديدًا، من خلال قراءة ما بين سطور التصريح الذي أدلى به الملك عبد الله الثاني للإعلام الإسرائيلي، على هامش المشاركة الأردنية في منتدى دافوس أمس الأول، مباشرة بعد قراءة أردنية تعمّقت في الكواليس لسلوك وأداء وتعليقات نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس عندما زار تل أبيب والقدس.
ما صدر عن الأردن في دافوس موقف جديد، يبدو أكثر واقعية وتأطيرًا لمصالح الأردن الأساسية، خصوصًا على أساس تجنّب حصول فراغ مع الإدارة الأمريكية، وعبر الإيحاء بأن الأردن مستعد لاستئناف علاقاته واتصالاته مع إسرائيل بعد انتهاء أزمة جريمة السفارة. ذلك طبعًا بالتوازي مع لغة صارمة مجددًا عبر الإعلام الأمريكي نفسه، تحدث فيها عاهل الأردن عن القدس باعتبارها مفتاح السلام والاستقرار من عدمه في المنطقة، مع تجديد رفض خيار الدولة الواحدة الإسرائيلي، التي في حال قيامها ستستهدف المسلمين والمسيحيين العرب.
الأهم؛ تلك الإشارات الملكية الأردنية، التي تقترح إمكانية التعايش مجددًا مع إطلاق عملية سلام بشأن المسار الفلسطيني، حتى بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن القدس. تلك الواقعية العميقة، لم تكن ترافق الموقف الأردني التصعيدي، عندما انطلقت تفاعلات قرار ترامب حول القدس.
لكن اللغة الجديدة للأردنيين، قد لا تكون فقط محصلة لما مورس عليهم من ضغط خلف الستارة، من إدارة الرئيس ترامب، بقدر ما هي في الوقت ذاته في الأرجح نتيجة لقناعة الأردن بأنه قام بواجبه، وسيواصل القيام بواجبه في دعم الشعب الفلسطيني، كما أوضح أمام «القدس العربي» الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني. الخيار الواقعي في اللهجة الأردنية مرتبط بما يُعتقد أنه ضمانة بريطانية، وأخرى أمريكية بعدم الاعتداء ــ ضمن مسار هجمة السلام الجديدة لواشنطن ــ على المصالح الأردنية العليا.
ومفردة المصالح عند تعريفها في هذه الحالة تحديدًا، وفي السياق الفلسطيني بصورة حصرية، لا تعني بالمطلق إلّا التأشير على دور الأردن في القدس، ورعاية مقدساتها، وهو دور ألمح إليه نائب الرئيس الأمريكي، عندما زار عمّان، لكنه بلغة خشنة، ربطه إلى حد نسبي، حسب مصادر «القدس العربي» بدعم الأردن لخيار العودة للتفاوض. هنا تبدو الحسابات أوضح من أي وقت مضى، فعمّان استنفدت خيارات التصعيد بشأن القدس ضدَّ إدارة ترامب. وعمّان تتصور أنها قامت بواجبها، ولا تريد البقاء وحيدة في مساحة المجازفة مع البيت الأبيض، بوضعه الحالي، خصوصًا في ظل البرود المصري والسعودي.
وليست بطبيعة الحال بصدد تغيير تموقعها في المنطقة ضمن بوصلة السياسة الأمريكية، كما أن وضعها الاقتصادي والمالي ثم الجيوسياسي والأمني، لا يسمح لها بالعبث مع المطرقة الأمريكية العمياء، وهو تعبير استخدم فعلًا في اجتماعات مغلقة.

الانحناء لعاصفة

والوضع المصلحي نفسه يتطلب اليوم ضبط النَّفْس وإعادة إنتاج المشهد مع إسرائيل تحديدًا، وتفويت الفرصة أمام اليمين الليكودي الحاكم بتوفير ذرائع بين يديه وفي أحضانه للانقضاض على المصالح الأردنية العميقة، الأمر الذي تطلب الانحناء قليلًا لعاصفة أزمة السفارة مع إسرائيل والنزول المشترك مع نتنياهو عن الشجرة، وفقًا لتعبير رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري. فالأردن في هذه المرحلة يبدو مهتمًا بأن لا يوفر ذخيرة أمام اليمين الإسرائيلي، لاستثمار حالة التفلت العربي والشرخ الذي يحدثه وسط النظام العربي المصري الملف الإيراني.
وذلك يعني ببساطة شديدة، حسب التعريف المتفق عليه في أروقة القرار في عمّان، عدم تمكين نتنياهو او حزب الليكود من السيطرة التامة على القدس، بالتوازي مع إخراج الأردن من حصته في الرعاية والوصاية بدعوى استغلال تصعيده ضد قرار ترامب. ويعني بمعنى آخر، حسب التعريفات والشروحات نفسها تجنب التشبيك الليكودي غير العقلاني الذي يعزف على وتر الوطن البديل، أو الخيار الأردني خصوصًا، وأن التسريبات الإعلامية الليكودية بدت في الشهر الأخير وكأنها في حالة حرب مع الدولة الأردنية. يحصل ذلك ليس فقط في سياق محاولة منع الليكود ونتنياهو من الاستفراد بالأردن، بسبب انشغال السعودية في وضعها الداخلي وإيران وانشغال مصر بأزماتها الداخلية.
ولكن أيضًا في سياق استعادة ما تيسر من العلاقة مع الأمريكيين الذين بدأوا إصدار سلسلة من التلميحات السياسية المغرضة، على عدة أشكال، بدلًا من التعامل مع فراغ في حلقة التواصل مع واشنطن يمكن أن يؤدي إلى «وضع هش جداً» للأردن في الاشتباك الإقليمي خصوصًا في ظل التقديرات الأمنية التي تتوقع استنساخ نسخة جديدة من تنظيمي داعش والقاعدة قريبًا، بعدما انتهى الأمر بما انتهى إليه في العراق وسوريا.

اتفاق على الاختلاف

الأردن الرسمي يُقر أن ضعف هوامش تأثيره في معادلة القرار الأمريكي أضعفت هوامش المبادرة والمناورة أمامه، خصوصًا في المجال الفلسطيني الذي كان يشكل دوما بيت الخبرة والمرجعية. مقابل ذلك التقطت البوصلة الرسمية ما ينبغي التقاطه من تهديد استراتيجي عميق، تضمنته عبارة غامضة حمّالة أوجه، قالها نائب الرئيس مايك بنس بعد تناوله الغداء في الأردن، وهي تلك العبارة التي يقول فيها الأخير.. «اتفقنا على الاختلاف».
تبدو العبارة ودودة ودبلوماسية، لكن المجسات الخبيرة في المؤسسة الأردنية التقطتها بصورة أعمق على أساس أنها عبارة مغرقة في الحساسية، والرسائل المرمزة، لأنه ليس سهلًا على تقاليد السياسة الأردنية أن يتحدث الرجل الثاني في الإدارة الأمريكية عن اختلاف مع الأردن بشأن مدينة القدس تحديدًا، ثم يذهب في اليوم التالي ويزور المسجد الأقصى، مستفزًا الجميع ويصرح بقنبلته السياسية الثانية، قائلًا: إن عملية السلام تبدأ من القدس وقاصداً أنها تبدأ من القدس بوضعها الجديد.
بنس أيضاً طرق على العصب الحيوي الأردني المشدود، عندما تحدث عن عملية سلام جاهزة لن تبدأ عمليًا، إلّا بعد عودة الأطراف المعنية إلى طاولة التفاوض. وبعد هذه الرسائل من المطرقة الأمريكية يميل المحللون إلى اعتبار ما قاله الأردن في دافوس حول التعايش الواقعي مع الظروف الجديدة، هو بمثابة الرد الأردني المباشر الذي يقول ضمنيًا، إن عمّان بدلت فعلًا من لهجتها وموقفها وأوقفت نمو لهجة التصعيد.

الأردن: لهجة «تعايش مع الواقع» تتصاعد وحسابات تخشى «مطرقة ترامب»
هل هدد نائب الرئيس الأمريكي عمان بصورة مبطنة؟ «تنفيسات» في قمة دافوس
بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو السندس:

    التعايش مع الواقع اساسه … الاردن فقط … ومالناش دعوه بالتزامات قوميه وأخويه باليه

  2. يقول المحامي سليمان الشرعة /الاردن/المفرق:

    الاردن شعبا وحكاما لفلسطين الكثير والاردنيون كانو الاكثر تضحية من اجل فلسطين ومعظم العرب كانو متفرجين وبالنهايه مقابل هذا الدعم التضحيه كان الاردن الضحية حتى من اخوته الفلسطينين ….قضية فلسطين ليس حكرا على الاردنيين بل لزوما ان تكون قضية لكل العرب والمسلمين..

إشترك في قائمتنا البريدية