منقوع الألم ومعاناة السؤال يمكن تغليفهما وتعليبهما في الأردن عندما يتعلق الأمر بتلك المفارقات التي تسجلها مشاهد يطرحها المواطن الأردني البسيط ويناقشها ويوثقها مقابل العبارة الشهيرة لرئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي والتي وعد فيها الأردنيين بأفضل الخدمات مقابل التصعيد الضريبي.
يبدو أن فهم الحكومة لعبارة الخدمات الأفضل لا يشمل مشهدين في قمة الألم انشغل بهما الرأي العام منذ مطلع الاسبوع الجديد.
الخدمات الأفضل لا تشمل تقديم مكان لجلوس المرضى المصطفين على شكل طابور بالقرب من مركز التصوير بالأشعة في أكبر مستشفيات الحكومة في المملكة، وهو بالمناسبة نفسه المستشفى الذي زاره الملك عبد الله الثاني شخصيا ثلاث مرات على الأقل قبل سنوات.
نشر مواطنون صورا مؤلمة لبعض مرضى السرطان وهم بانتظار صورة الأشعة إما وقوفا وسط الزحمة او عبر الارتماء على البلاط.
نشرت تلك الصور على وسائط التواصل مع عبارة وقع عليها مئات المواطنين و تقول «جزء من عذاب القبر في قسم الاشعة في مستشفى البشير».
طبعا هذا المستشفى تحديدا يقوم بعمل جبار ويزوره للاستشفاء والعلاج نحو ربع الشعب الأردني، ولا يحظى من الحكومة باهتمام يليق بالمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه وتلك قصة اخرى.
ما نقصده هنا سبق أن حذرنا منه وهو أن نظام الخدمات الحكومية تراجع اصلا وبإقرار واعتراف نخبة عريضة من المسؤولين، فعلى أي اساس يصر رئيس الحكومة على عرض ضمانات تخالف الواقع الموضوعي واعدا المواطنين بخدمات افضل برفقة معادلة الضريبة الجديدة.
في الواقع أحلام الأردنيين تصغر ولا يريدون خدمات افضل بل تلك التي كانت تقدمها الدولة بالعادة وبالحد الأدنى.
غير معقول القبول بفكرة مرضى عاجزين لا يوجد مقعد لهم للجلوس عليه وغير معقول أن صرف بعض الأدوية في مستشفيات وزارة الصحة يحتاج لشهر او شهرين، والسؤال هو على أي أساس قالت الحكومة إنها تلتزم بتحسين خدماتها مقابل تصعيد الضريبة.
في قطاع الصحة في الأردن حدث ولا حرج، فقد تعاملت شخصيا مع طفلة صغيرة كانت بحاجة إلى موعد في عيادة طبيب الأسنان وطولبت بالعودة إلى الموعد بعد عامين.
ما هو مبرر وجود حكومة أصلا إذا كانت الخدمات الصحية والبدائية غير متوفرة كما كانت في الماضي وما هو مبرر فرض المزيد من اعباء الضريبة على المواطنين في الوقت الذي يتواجد فيه وزير الصحة الحالي بمقر رئاسة الوزراء اكثر بكثير من تواجده في مقر وزارته.
ذلك شأن لا نناقشه لأن أي وزير له الحق في البقاء لأقرب مسافة جغرافية من رئيسه ولأن مقر رئاسة الوزراء أصلا فيه علية القوم وليس الضعفاء الفقراء الباحثين عن تلبية حاجات اساسية.
في المشهد الثاني منقوع الألم يتعرض للتغليف مجددا فقد قررت سلطة اقليم العقبة هدم الميناء القديم وتم تكليف شركة مقاولات بعملية الهدم ولم تراقب السلطة عمليات التنفيذ وقرر موظف ما الاخلال بشروط الوقاية فانتج شرارة كهربائية التهمت صوامع الحبوب وأدت لانفجار غامض غير مفهوم انتهى بوفاة ستة عمال (حتى كتابة المقال)وبدخول سبعة آخرين من العمال في حالة غيبوبة وموت سريري.
الحوادث تحصل لكن الشعب الأردني ولخمسة ايام متتالية لم يفهم ما الذي جرى حتى أعلنت سلطة العقبة أنها صمتت بأمر الادعاء القضائي وان الحادث نتج عن غياب منظومة السلامة العامة اثناء تنفيذ مقاولات الهدم.
كيف يمكن أن يحصل ذلك في بلد لديه ترسانة من التشريعات الرقابية وخبرة عريضة بيروقراطية طالما تفاخرنا نحن الأردنيون بها عندما نقلناها لدول الخليج او للشعب الفلسطيني؟.
على أي أساس تغفل عين الرقيب هنا فتنطلق شرارة واحدة وتنتهي بمأساة انسانية.
التوضيح الصادر عن سلطة اقليم العقبة بالخصوص معيب ولا يفسر مسار الاحداث لأن مؤسسات تلك السلطة قبل المقاول الفرعي هي المعنية بضمان منظومة السلامة العامة وهي المعنية بالمراقبة.
من حقي كمواطن أردني عندما تلزمني الحكومة بدفع المزيد من الضرائب أن أحصل على ضمانات كافية بالالتزام القانوني خصوصا من قبل مسؤولين تنفيذيين ينبغي أن يتواجدوا في الميدان بدلا من التوقف مرارا وتكرارا عند التقاط الصور في المناسبات التافهة والتي لا معنى لها مع اطلاق تلك التصريحات الغبية التي تتغنى بالمنجز الوطني وبنظام الخدمات وتنشد استقطاب المستثمرين وتتحدث عن قدرة الادارة المحلية وكأنها اخترقت الفضاء او صنعت الصاروخ مع أن جيش المراقبين المتكلس يهزمه غبار سام نتج عن شرارة كهرباء أطلقها عامل فني يعمل مع مقاول فرعي حصل على عطاء من مقاول رئيسي آخر في سلسلة متتالية من نمط المحاسيب والمعارف على حساب الوطن والمواطن.
تلك متوالية هندسية من الاخفاق تواجهها الحكومة يوميا وبصورة تدفعنا للتشكيك بشرعية قانون الضريبة الجديد فمن حق المواطن الأردني المقيم مثلا في ثغر الوطن الباسم في مدينة العقبة وهي بالمناسبة الميناء الوحيد للمملكة أن يضمن وجود قسم طبي للحروق الشديدة في المستشفى الوحيد في المدينة حتى يضمن بالنتيجة حصوله على العلاج الصحيح بعد حرقه وقبل وفاته.
مستوى الاخفاق ليس في هذين المشهدين فقط لا يمكن انكاره مما يعني ببساطة شديدة أن قانون الضريبة الجديد له علاقة بالجباية فقط وليس باي شيء آخر وبالتالي ننصح الحكومة بالتوقف عن اطلاق وعود هي تعلم أكثر وقبل الجميع أنها لا تستطيع الايفاء بها.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين