يختلف صبيان من نفس العائلة على طريق صغيرة ضايق أحدهما الآخر عند محاولته العبور.
يتطور الأمر لما يسمى في بلادي الأردن بـ «طوشة» بين مراهقين.. يحضر أقارب كل منهما ويشارك البعض بالمشاجرة.
خلال دقائق فقط يصل النبأ لذوي أحد الصبيين..يستل الرجل سلاحه الآلي ويذهب للمكان قبيل صلاة الجمعة ويطلق الرصاص بدون تدقيق ولا على التعيين.
نتيجة الخلاف بين صبيين قريبين بنفس القرية على عبور أحد الأزقة كانت كارثية بامتياز.. قتيل وثلاثة جرحى بالرصاص أحدهم نجا بأعجوبة من الموت..لاحقا رحيل 75 عائلة على الأقل من ذوي مطلق الرصاص ورؤوس حامية وجريمة بائسة سقيمة ستستقر طويلا في وجدان الناس بالمكان.
طبعا لا يخلو الأمر من احراق بعض البيوت والحادثة هي الطازجة عمليا بمستوى المشاجرات الأهلية في القرى الأردنية وسط مشهد يتكرر باستمرار ولا يجد حلا وان كان يعكس أسوأ ما في مزاج الذهنية الشعبية عندما يحصل ما تسميه القوانين بـ «سورة الغضب».
يحدثني صديق برلماني يتألم ومطلع على التفاصيل بل طرف فيها ويسهب الرجل بالتفاصيل المؤلمة التي تستقر كالجبال في عمق المجتمع.
يقول الرجل بألم شديد بأن حاملي الشهادات الجامعية من أقارب القتيل هم الأكثر ميلا للانتقام والتصعيد والرد على الدم بدم ويشير إلى أن البنية العشائرية في المملكة تتبدل بعمق وبصورة حساسة وخطرة لصالح فئتين من الناس: الفئة الأولى شبان صغار لم يعد في قواميسهم شيء اسمه احترام كبار العشيرة أو العائلة والفئة الثانية «مشايخ مولينكس» بدلاء يتقاضون الرواتب من الدولة ويظهرون بالمناسبات العامة ويتصدرون على حساب الشخصيات الوطنية العميقة والمجربة تمت صناعتهم بالعتمة وانحسرت وظيفتهم في تهديد المكانة الاجتماعية لقادة ورموز العشائر الحقيقيين.
احد المتهمين في الحادثة التي أشرنا اليها يتولى منصبا عشائريا وظيفيا من هذا النوع ويتصدر بدلا من الزعامات الحقيقية لأبناء العشائر المناسبات بأمر من الحاكم الاداري ويدعى لكل المناسبات الملكية والحكومية وكان بطلا فاعلا في الجريمة اياها.
دور العشيرة الايجابي الوطني في المسار الاجتماعي بدأ يتأثر سلبا دون أن يبرز دور «الدولة المدنية وهيبة القانون»..كان أولاد العشائر التي حافظت دوما على الاستقرار وبنت الدولة الأردنية الحديثة مستعدين للتضحية مقابل دولة القانون لكن ما يحصل اليوم للأسف لا هذه ولا تلك مما يفسر ويبرر مظاهر الانفلات الاجتماعي والأمني في الكثير من الأحيان.
في اوقات سابقة قتل ورحل أبرياء وأحرقت منازل واسطبلات واستهدف رجال أمن سقطوا شهداء او جرحى جراء انفلات عقلية الانتقام والثأر وبطء الاجراءات الأمنية والقضائية وبسبب التغييب القسري للحلقات العشائرية الوطنية الحكيمة والموثوقة التي كانت دوما تساهم في استقرار المجتمع وبصورة مجربة.
السلاح موجود وبكثافة بيد أردنيين غير عقلاء ولا يوجد ما يمنع من استعماله ولأبسط وأتفه الأسباب مما تسبب بجرائم اجتماعية والمجتمع يستسهل أحيانا الرد بالرصاص والدم والعنف وبدون رادع او حتى اجراءات حقيقية على مستوى الأزمة.
حتى أن موظفين رسميين يتاجرون اليوم بالسلاح غير الشرعي والالتهابات الاقليمية المجاورة تساهم في تكديس السلاح غير القانوني بيد مراهقين وقطاع طرق ومهربي مخدرات او بيد مواطنين عاديين من النوع الذي لا يعرف دربا في الرد والتعليق والنقاش غير درب الرصاص.
لم تتخذ حتى اللحظة اجراءات حقيقية ولا تنظم أي تدريبات عصف ذهني صريحة ويتخيل كثيرون من الحريصين المقهورين بأن بعض المستويات الرسمية لا زالت تعتقد بأن إبقاء المجتمع في حالة نزاع وخلاف وعنف مسألة مفيدة في الأمن القومي او يستفيد منها النظام علما بأنها تسحب من رصيده.
أعرف كثيرين من طبقة شيوخ «المولينكس».. أقولها بصراحة شاهدت نماذج منهم تتراقص بطريقة بدائية واستعراضية في ساحات المؤسسات السيادية ومرة بالغ أحدهم في صيحات الولاء والانتماء فاستفسرت عنه وعلمت بأنه مطلوب للقضاء وسجلت عليه خمسة قيود قبل التحول المفاجىء إلى «زعيم باسم عشيرة» بدلا من الرمز الحقيقي لها.
أصدقاء اعرفهم شخصيا من الزعامات الحقيقية لبعض العشائر العربية المحترمة يعانون الأمرين من التهميش والاقصاء واحيانا الاستهداف لأن احدا ما في دوائر صناعة القرار قرر أن مصلحة الدولة والنظام تتطلب صناعة طبقة جديدة من «المشايخ التايواني» على حد تعبير الزميل المخضرم سمير الحياري..هؤلاء مع الوقت يصدقون انهم زعامات فيراكمون الامتيازات ويشكلون مراكز قوى تتجاوز احيانا المستوى الرسمي الذي أنتجهم.
تلك اشكالية يعلمها جميع المشتغلين بالعمل العام ونتج عنها غياب حقيقي للحلقات الوسيطة الايجابية في المجتمع وبين صفوف العشيرة فبقي التايواني في الصدارة وتوارى الأصلي الحقيقي عن الصدارة والأضواء ترفعا وقهرا.
بالماضي ووفقا لتركيبة المجتمع الأردني تكفل طرفان دوما في عمق المجتمع بمساعدة الدولة والنظام على مواجهة الانحراف الجرمي والتوتر الاهلي.. الاخوان المسلمون ونخب ورموز العشائر التي يقر لها المجتمع بالزعامة.
اليوم تبدلت الأحوال وتغيرت البوصلة..الاخوان المسلمون مطاردون بكل الطرق ويتم ابعادهم عن كل المنابر وطبقة «التايواني» تتصدر بالدوري الموسمي الاجتماعي..النتيجة ملموسة وسريعة في الشارع والزقاق والمدرسة: أعلى نسبة تعاطي حبوب وزجاجات كحول ملقاة وسط الأزقة البائسة وانحراف وجرائم وعاطلون عن العمل بلا تغذية مثقفة او وطنية وتيه وضياع.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
العشائرية لها العادات والتقاليد
والدولة لها السلطة التنفيذية التي تنفذ القضاء
ولكن حين تتداخل العشائرية بسلطة الدولة تكون الكارثة
الثأر وغسل العار وجرائم الشرف موروثات نسخها الإسلام للأبد
ولا حول ولا قوة الا بالله
يعني بدك تقول تبدلت غزلانها بقرووو….
الله يعينك يابلد
من وين بدنا نرقع تا نرقع
بعين الله يابو البدارين بعين الله
إن ما يسمى بالدولة العميقة في الأردن هو الذي يشجع الروح العشائرية والقبلية البغيضة وبشكل مدروس وممنهج. وسلاح العشائرية سلاح ذو حدين في السلطة، فهو من ناحية يعمل على تفتيت النسيج الوطني، الأمر الذي يسهل السيطرة على الجميع، وهو من الناحية الأخرى يعمل على تحدي سلطة الدولة والقوانين فيها ونشر روح الانتقام والخروج عن القوانين فيها. ولكن ذلك يخدم الحكم أكثر مما يضره. والدليل على ذلك هو تقديس العشائرية في وسائل الإعلام وانتشار آلاف الدووايين العشائرية في كل حارة في الأردن، بالرغم من معرفة الحكومة أن ذلك يشجع العصبية والعنصرية بين أفراد المجتمع.
شرح وافي وكافي وصادق
والواقع الحالي هو المطلوب وهو الذي يعمل عليه الذين يتحينون لحظة انهيار المنظومة الاجتماعية و من بعدها السياسية كي تكون الطريق ممهدا أمامهم
وللأسف النظام ! !؟ اما مشارك متآمر أو اللي 4 يهم خير
العوض بسلامتك