عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن في الأردن وعندما يتعلق الأمر باستراتيجية التفاعل مع المشهد السوري وضع خطط تكتيكية أو وقائية تتهيأ لحالة يغيب فيها «الدب الروسي» عن واجهة الأحداث بموجب قرار الرئيس فلاديمير بوتين الأخير سحب قواته العسكرية.
الأردن على علم مسبق بان الوجود العسكري الروسي في سوريا تبرمج أصلاً على أساس التفاهم مع الإدارة الأمريكية وبانه خلط الأوراق وتقدم بمساهمة فعالة جداً ألمح لها الملك عبدالله الثاني شخصياً مرتين عندما تحدث عن توفير فرصة لم تكن موجودة بسبب الحضور الروسي لإطلاق عملية سياسية شاملة تعيد للواجهة الحل السياسي.
عمان لم تعلق رسمياً ولا بأي شكل حتى ظهر أمس الثلاثاء على القرار الروسي ومن المرجح انها لم تكن بصورته أصلاً ولا يوجد لديها معلومات عميقة عن ما حصل في الكواليس سواء بين بوتين والرئيس الأمريكي باراك اوباما أو بين موسكو والقصر الجمهوري في دمشق. وجهة نظر الأردن داخل الغرف المغلقة كانت تتفاعل مع تطورات الأحداث على اساس ان الوجود الروسي العسكري من البداية كان المؤشر الأبرز على «بداية النهاية « للنظام السوري بشكله الحالي، وعلى اساس وجود «طرف قوي وفاعل» اليوم داخل المعادلة السورية المنفلتة يمكن التفاهم معه على التفاصيل حتى عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحدودية والحيوية الأردنية المباشرة.
انطلاقاً من ذلك ولأن الوجود الروسي كان بالنسبة للأردنيين بمثابة فرصة إضافية لتفعيل وتنشيط عملية التسوية السياسية التي ينادي بها اصلاً العاهل الأردني إتجهت عمان دفعة واحدة وبصورة مكثفة نحو العباءة الروسية فزار الملك موسكو مرتين وتم توقيع إتفاق تنسيقي عسكري للطيران الروسي على الحدود الأردنية.
لاحقاً طلبت موسكو من عمان وضع وثيقة لتصنيف «المجموعات الإرهابية « في سوريا وتحدثت عن مركز للتشاور الأمني والمعلومات سيقام في الأردن وزار رئيس الأركان مشعل الزبن موسكو لكي يتحدث عن ضمانات بعد حصول عمليات عسكرية ضخمة يمكن ان تؤثر على حدود بلاده وفقاً لشروحات تقدم بها رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور رداً على استفسار لـ «القدس العربي». اليوم لا توجد أدلة أساسية على ان عمان بصورة الانسحاب التكتيكي الروسي العسكري.
ولا بصورة ما سيحدث لاحقاً رغم يقينها بان الوجود العسكري الروسي اصلاً قدم مساهمة فعالة أولاً في «إطالة عمر» النظام السوري، وثانياً أخضع المعارضة العسكرية ميدانياً وقلم أظافرها بصورة دفعت لترتيب لقاءات جنيف وتدشين التسوية السياسية من حيث الملامح حتى انتهت بالهدنة الأخيرة أو ما يسميه أوباما بـ «انخفاض منسوب العنف».
في مقايسات المفكر السياسي الأردني عدنان أبوعودة غالبية أركان النظام الرسمي العربي خارج التأثير الجذري والعميق في مسارات الأحداث بكل قضايا المنطقة وملفاتها وليس بالملف السوري فحسب.
لكن في مقاربات وزير الخارجية الأردني ناصر جوده الوجود الروسي كان عنصراً نشطاً في الدفع بإتجاه تسوية سياسية، برز ذلك الموقف عملياً قبل ظهور مؤشرات خفيفة على ان روسيا لا تمنح الأردن ما يبحث عنه من «ضمانات» حقيقية ميدانياً لمنع حصول عمليات عسكرية ضخمة يمكن أن تؤثر على الواقع الحدودي الأمني للمملكة أو على تزايد أعداد اللجوء.
هنا حصرياً نقلت تسريبة عن مؤسسة القصر الملكي الأردني بعد لقاء جمع رؤساء تحرير الصحف المحلية، تظهر قدراً من الانزعاج من التجاهل الروسي قبل ان توجه وزارة الدفاع الأمريكية ولأول مرة عبر الحدود الأردنية مع سوريا رسالتها الأهم عسكرياً وهي تقذف بالصواريخ مناطق تابعة لتنظيم «الدولة» داخل سوريا وبدون أي اعتراض من النظام السوري أو روسيا. بالنسبة للدوائر الأردنية الإنسحاب العسكري الروسي ترتب بموجب اتفاق ملامحه غير واضحة مع الأمريكيين الذين يحجبون المعلومات اليوم عن حلفائهم في المنطقة.
قنوات واشنطن لم تقدم معلومات حقيقية للحلفاء في عمان وأبو ظبي أو حتى الرياض وهو أمر يتم تداوله بين زعماء الدول العربية الثلاث وسط مخاوف أردنية متوقعة ومفهومة على شكل تساؤلات عن مبررات عنصر المفاجأة في قرار سحب القوات الروسية من سوريا والخلفيات والقوة البديلة التي ستفرض بصماتها، كل تلك عناصر برسم «الانتظار» عندما يتعلق الأمر بردة الفعل الأولى التي تحاول في بلد كالأردن قراءة مسار الحدث.
بسام البدارين