الأزمة الخليجية جولة جديدة للثورة المضادة للربيع العربي

حجم الخط
3

المحور الجديد أخذ بالتشكل كردة فعل على الربيع العربي الذي دعمته قطر، وعارضته بشدة في ثورة مضادة الأقطاب نفسها التي تقف اليوم في واجهة الحملة المضادة لقطر، الدولة العميقة في مصر ممثلة بالسيسي، وداعموها في أبوظبي والرياض، المعادون بشدة لصعود التيار الإسلامي المعتدل.
وإضافة للدور المصري الناقم بسبب سقوط نظام مبارك، فإن تراكمات طويلة من النزاعات الخليجية ـ الخليجية كان لها الأثر الاكبر في الحملة الاخيرة، فصعود الدولة الخليجية الصغيرة، ونجاحها في تحقيق نفوذ كبير، عربيا وإقليميا، أثار حسد جيرانها، وبعد الأثر الكبير الذي حققه الدعم الإعلامي القطري لصالح حراك الثورات ضد الأنظمة في مصر وتونس وليبيا. بدأ ذلك المحور بقيادة الثورة المضادة من المحيط العربي قبل العودة للخليج، وهكذا عملوا على استرجاع نفوذهم المفقود لصالح جارتهم في ليبيا ومصر وتونس، وهو ما حصل فعلا، حيث تم إبعاد الإخوان المسلمين بالقوة عن السلطة في القاهرة، وبالانتخابات عن السلطة في تونس بعد دعم منافسيهم، وهم أيضا من رجال النظام ما قبل الربيع العربي، وهكذا الأمر تواصل في ليبيا، حتى أصبح حفتر وهو من ضباط المؤسسة العسكرية القديمة في ليبيا أصبح الرجل الأكثر نفوذا في ليبيا، بعد إضعافه للعديد من القوى الاسلامية التي صعدت بعد الربيع العربي.
وبعد هذه الحملة التي شنها المحور عربيا في تثبيت اركان ثورته المضادة، عادوا لترتيب هذه الحملة الاخيرة ضد قطر، وهذه المرة بالاستقواء بحليف جديد وهو إسرائيل، التي ترى في سياساتهم اكثر انسجاما مع تطلعاتها في المنطقة الراغبة بتمرير تسوية تاريخية، وانهاء بؤرة حماس في غزة، الحركة المقربة من قطر، التي تشكل إحدى نقاط الاتفاق بين المحور المضاد، بدءا من السيسي الذي يفرض حصاره على غزة، وانتهاء بأبوظبي المعادية بشدة للحركة، بنصائح من مستشارها المقرب دحلان.
لذلك فلهذه الحملة بعد إقليمي مهم، يتعلق بهذا المحور المتآلف من ابوظبي للرياض للقاهرة لبنغازي، الاكثر قربا من اسرائيل، والمتمتع بعلاقة خاصة مع الرئيس الامريكي ترامب.
ولا تبدو الولايات المتحدة مكترثة للمنتصر في هذا النزاع، ما دامت النتيجة لن تؤثر على مصالحها، ولن تخرج عن إطار حلفائها، فالرضى الأمريكي، أو عدم الممانعة واضح كموقف فعلي، وبمضمون التصريحات التي حافظت على حيادها بين أطراف الأزمة. صحيح أن تصريحات ترامب أيدت صراحة الحملة، لكن الموقف العام يبقى في اطار الحياد الإيجابي، وهذا الموقف يشمل معظم المؤسسات الامريكية، فـ»قاعدة العديد» وهي تمثل المؤسسة العسكرية، لا يبدو انها ستصطف لصالح احد، ولأن الحكومة القطرية أيقنت، على ما يبدو، من أن القوة العسكرية الامريكية في قطر لن تتدخل في النزاع، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في حماية البلاد من أي مغامرات من حليف امريكي آخر كالسعودية، سارعوا لطلب القوات التركية التي وصلت خلال ساعات من بدء الازمة.
ومجرد ملاحظة الشخصيات ومراكز القوى التي تشن هذه الحملة، نعرف أن ما يحدث هو بضوء اخضر، ليس فقط من طاقم ترامب، بل يحظى بعدم ممانعة على الاقل، إن لم نقل رضى  مؤسسات امريكية نافذة. فعندما نتحدث عن المؤسسة العسكرية في مصر والاردن ودحلان، والأهم من هذا كله اسرائيل الحليفة الاولى لامريكا في المنطقة، فنحن بلا شك نتحدث عن اشتراك عدة مراكز ثقل امريكي وحلفاء للمؤسسة الامنية الامريكية في المنطقة، وهذا ليس له علاقه بطاقم ترامب فقط، الذي هو في النهاية يملك حيزا كبيرا في توجيه السياسات، كونه الرئيس.
والحديث عن انقسامات بين المؤسسات الامريكية، أو اختلافات حول الموقف من الحملة، فهذا مؤشر آخر على أن ما يحدث ليس امرا يمس الأمن القومي الامريكي، ليحصل على اجماع، واختلاف الادارات الامريكية يحدث دائما في الامور غير الاستراتيجية، وكثيرا ما وقع هذا التباين في وجهات النظر في خطة احتلال العراق، بين البنتاغون والمخابرات الامريكية، وتكرر في الموقف من الاسد، كما كشفت هيلاري كلينتون في مذكراتها، واخيرا في دعم الفصائل شمال سوريا، لكن هل سمعتم مثلا أن المؤسسات الامريكية قد تباينت وجهات نظرها في حماية الاردن، أو اسرائيل، أو حتى كوريا الجنوبية، حال تعرضت لتهديد من اعداء للولايات المتحدة ؟ بالطبع لا، فالامريكيون يختلفون في كل شي ما عدا مصالحهم القومية الكبرى، وسياساتهم الاستراتيجية، وهي في هذه الحالة مضمونة، لان المتنازعين هم جميعا من حلفائها، وأيا كان المنتصر فلن تتأثر، وبالتأكيد أن وجود طاقم ترامب يزيد الامور سوءا، كونه قد يكون اقرب للفريق الذي يشن الحملة على قطر.
من الواضح من سلسلة العلاقات التي يتمتع بها هذا الحلف وطبيعتها مع اسرائيل، نلاحظ أن هناك رغبة اسرائيلية في تعزيز هذا المحور، الذي يضم حليفها المقرب السيسي، وتتوازى مع هذا رغبه جامحة لدى السيسي ومؤسسته العسكرية الناقمة على قطر، كابرز داعم للثورة المصرية، وكل هذه الرغبات تستند إلى ارضية تباغض خليجي ـ خليجي ممتدة منذ نحو مئة عام، إذ نشرت قبل ايام وثيقة تاريخية تتحدث عن نصائح قدمها والي البصرة لحكام قطر وابوظبي، بنبذ الخلافات والتصالح، واللافت أنهم كانوا ينتمون للعائلات الحاكمة اليوم نفسها. ولعل هذا يضعنا مجددا امام تكرار لحالة الشقاق العربية والتنافس الذي ادى بايران لتحقيق كل هذه المكاسب في العمق العربي، ويكفي النظر للمحور الايراني المنسجم والمتكاتف، من طهران لصنعاء، لنعرف أحد أسباب هذا التفوق، في مقابل دول عربية مشتتة مشغولة بنزاعاتها، ولعل الحلف الايراني في اسعد حالاته اليوم، ليس فقط لانه يرى هذه الخلافات بين الدول التي يفترض أن تقود المواجهة ضده، بل لأنه يرى فرصة امامه سانحة جدا للتدخل مجددا في الخليج العربي، فهذه الضغوط الهائلة والحملة المنسقة قد تمنح إيران ارضا خصبة لعرض الحماية والتدخل، ولا ننسى أن حماس لم تتوجه يوما لايران وتحصل على دعم عسكري منها، إلا لانها وجدت كل التنكر والمعاداة من هذه الدول العربية نفسها.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

الأزمة الخليجية جولة جديدة للثورة المضادة للربيع العربي

وائل عصام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    استاذ وائل مقال في غاية العقلانية والتحليل السليم
    هذه الثورة المضادة ستكنسها ثورة الشعوب الرافضة للديكتاتوريات وسلطة “الرز”

  2. يقول سامح //الأردن:

    *حصار (قطر ) الجميع فيها خسران.
    اقصد جميع العرب.
    الرابح؛ اكيد (إيران وأمريكا وإسرائيل).
    سلام

  3. يقول السودان:

    وماذا قدمت ايران من دعم الى حماس ؟ هل دعمتكم بالدبابات والمدافع ؟ ايران دعمت حماس بالأرز فقط – حماس لا هم لها سوى عدم انقطاع الأرز الإيراني – على فكره حماس لن اقدر على تحرير. شبر واحد من فلسطين ؟
    ثانيا دم المسلم آكتر قدسيه من هدم المسجد الأقصى لو كُنتُم تفقهون

إشترك في قائمتنا البريدية