ذكرت عدّة صحف تركية نبأ رفض زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المعتقل منذ أكثر من 15 عام في جزيرة إيمرالي استقبال وفد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي يتزعمه صلاح الدين ديمرطاش، وجاء في تعليل هذا الرفض أنه بسبب عرقلة الحزب لمسيرة المصالحة الوطنية خلال الفترة الأخيرة، حيث حمّل أوجلان أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي مسؤولية توقّف المسيرة، بينما كان البيان المعلن عن إنهاء عملية السلام مع الحكومة التركية صادراً عن حزب العمال الكردستاني وقيادته في جبال قنديل، وليس عن حزب الشعوب الديمقراطي. هذا الرفض يحمل مجموعة من الرسائل والكثير من الدلالات السياسية، ومنها:
1 ـــ أن اوجلان لا يفرق بين حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي ويعتبرهما حزب واحد.
2 ــ أن أوجلان يحمل المسؤولية على حزب الشعوب الديمقراطي ولم يخاطب قيادة قنديل، وكأنه يطالب حزب الشعوب الديمقراطي بتلقي الأوامر السياسية منه، وليس من جبال قنديل، وإلا فلا معنى لزيارته في السجن وتلقي الأوامر من جبال قنديل.
3 ــ أن أوجلان يعوّل على مواصلة عملية السلام على حزب الشعوب الديمقراطي وليس على قيادة قنديل، لأن قيادة قنديل خارجة عن إرادة زعيم الحزب لصالح قيادة إقليمية أخرى.
وقد استغل أوجلان هذا الزيارة لتأكيد ذلك فأوضحت المصادر الصحافية «أنّ أوجلان طالب وفد حزب الشعوب الديمقراطي الإسراع في وقف العمليات الإرهابية التي يقوم بها عناصر التنظيم والعودة الفورية لطاولة المفاوضات مع الحكومة التركية ومتابعة عملية المصالحة الوطنية من حيث توقفت».
وهذا المطالبة تحمل عددا من الدلالات وهي:
1 ــ أن أوجلان إذ يطالب بوقف العمليات الإرهابية، ولم توضح الصحف إن كان هذا الوصف للعمليات بالارهاب من عبدالله اوجلان أم من الصحف نفسها، فإن ذلك يعني أن اوامر العمليات الارهابية لم تصدر منه، وإنما من قيادة أخرى.
2 ــ العودة الفورية لطاولة المفاوضات مع الحكومة التركية، ودلالة ذلك ان وقف المفاوضات لم يكن من أوجلان أيضاً، وان قرار حزب العمال الكردستاني بإنهاء مباحثات عملية السلام مع الحكومة التركية لم يكن من اوجلان.
3 ـــ متابعة عملية المصالحة الوطنية من حيث توقفت، ودلالة ذلك انه يريد بناء عملية السلام وفق الخطة التي أسس لها هو مع الرئيس أردوغان، وليس ببداية أخرى من قيادات خارجية.
كما تناقلت المصادر الصحافية أنّ أوجلان: «أبدى استياءً شديداً من تصريحات قيادات حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني حيال رفض التحالف مع العدالة والتنمية عقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 حزيران/ يونيو الماضي»، أي أن أوجلان كان يريد دخول حزب الشعوب الديمقراطي في الحكومة الائتلافية، وهذه نتيجة طبيعية لقيادة سعت إلى احداث مصالحة حقيقية بين الشعبين، ولكن من سعوا إلى إفشال الحكومة الائتلافية كان هدفهم الأول إفشال المصالحة الوطنية، وبالأخص حزب الحركة القومية، الذي لا يعترف بالمصالحة أصلاً، واما حزب الشعب الجمهوري فإن مواقفه المنسقة مع حزب الشعوب الديمقراطي فقد كانت منصبة على إفشال حزب العدالة والتنمية من مواصلة قيادة البلاد مهما كان ثمن ذلك، فكأن حزب الشعوب الديمقراطية ضحية تفاهمات داخلية وخارجية تريد إيقاف عجلة عملية السلام، ولذلك يتكرر هذا الموقف من حزب الشعب الجمهوري في رفض المشاركة في الحكومة المؤقتة أيضاً، بعد أن بذل زعيم الحزب كلجدار أغلو كل جهوده لإفشال الحكومة الائتلافية.
إن الخطورة التي يتعرض لها الأكراد في المنطقة انهم يقعون ضحية مشاريع سياسية لبعض الأحزاب السياسية التركية أو الدول الإقليمية والعالمية لتحقيق اهداف في ظاهرها خدمة القضايا الكردية، ولكنها في حقيقة الأمر ضرر عليها، وفي نظر المخططين لها ليسوا أكثر من ادوات مرحلية، وفي مقدمة ذلك الاستخدام الامريكي للأحزاب الكردية في الحرب على تنظيم الدولة «داعش»، فقد تم استخدام الأحزاب الكردية في العراق وإقليم كردستان في محاربة أطراف عديدة من العراقيين السنة، كان من آخرها تنظيم داعش، بهدف إشعال حروب بين العراقيين السنة والأكراد وصناعة العداء بينهم، كما تم استخدام الأحزاب الكردية في سوريا لمقاتلة فصائل من الثورة السورية، وكذلك ضد داعش بحسب الخطط الأمريكية، والعالم لا ينسى الضجة الإعلامية الكبرى التي أثارها الإعلام الغربي حول عين العرب كوباني، حتى تم استحضار قوات من البيشمركة الكردية من العراق للمساهمة في محاربة داعش، واستغرقت المعارك أشهراً مع ان القوات الأمريكية كان بامكانها حسم المعارك خلال ساعات، ولكن الهدف المشبوه دفع الأكراد للمشاركة في المحور الذي تقوده إيران في العراق وسوريا، فإيران استغلت الحرب على داعش في العراق وسوريا في صناعة أحلاف تخدم مصالحها ونفوذها في العراق وسوريا، وإذا استطاعت قيادة إقليم كردستان بقيادة مسعود برزاني إحداث توازن في العلاقات الدولية والاقليمية على صعيد اقليم كردستان في العراق إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته وحدات حماية الشعب خضعت أكثر للارادة الايرانية وقيادة فيلق القدس وقاسم سليماني قبل طرده من قيادة الحرب الايرانية في سوريا بسبب فشله الذريع فيها، ومع ذلك لا تزال الأحزاب الكردية في سوريا تستخدم في المخططات الإيرانية في تقسيم سوريا لصالح خدمة المشروع الإيراني الذي يعمل لتقسيم سوريا في المرحلة الأخيرة في حال فشلهم النهائي في قمع ثورة الشعب السوري.
إن الأحزاب الكردية في سوريا مطالبة ان لا تكون ضحية مشروعين أحدهما غربي وامريكي والآخر إيراني وطائفي في سوريا، وكلاهما يريق الدماء الكردية بحجة محاربة داعش لحساب المشاريع والمصالح الأمريكية والإيرانية، فحتى لو أقامت أمريكا وإيران للأكراد كياناً سياسياً في سوريا فلن يكون كياناً سياسياً وعسكريا حراً ومستقلاً، بل سيكون اداة لمحاربة الشعب السوري، بل وجواره العربي والتركي بل والكردي الآخر أيضاً، ولذلك فإن تدمير عملية السلام الداخلي في تركيا لا تخرج عن نفس المخططات السوداء الأمريكية والإيرانية والإسرائيلية في التدخل في شؤون الشعب الكردي في تركيا كما فعلوا في سوريا، وكما تفعل أمريكا وإسرائيل مع أقليم كردستان العراق، وخطتهم في تبنى المطالب الكردية الانفصالية الثقافية والسياسية، لأن ذلك يخدم مصالحهم الاستراتيجية في إضعاف كافة قوميات المنطقة العربية والايرانية والتركية والكردية وغيرها.
إن كافة الأحزاب الكردية في سوريا والعراق وايران وتركيا مطالبة ان تكون مشاريعها خاصة بها ولأبناء شعبها، وحتى محاربتها لتنظيم داعش ينبغي ان يكون في خدمة قضايا الشعب الكردي وفق الخطط والمشاريع التي يضعها الأكراد لأنفسهم، وليس وفق الخطط التي تساوم الأحزاب الكردية عليها لتحقيق ما تظنه مكاسب دولية لقضيتها، وهي في حقيقتها توريط لها في أحلاف مدمرة، فخطة الشعب الكردي في تركيا التي كان يقودها زعيم حزب العمال الكردستاني التاريخي عبدالله اوجلان قد حققت نجاحاً كبيراً، من اكبرها تمكن حزب كردي من تشكيل حزب سياسي يمثله في الشارع والبرلمان والحكومة، وقد تمكن من المنافسة على رئاسة الجمهورية لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث في العاشر من آب/أغسطس 2014.
هذا النجاح قاده عبدالله أوجلان وأردوغان، وقد تمثل في رسائل القائد عبدالله أوجلان في أعياد النيروز في عامي 2014 و2015، كما تمثل في خطب أردوغان التصالحية منذ عام 2005، وفيها تأكيد على الروح الجديدة التي سرت في تفكير حزب العدالة والتتمية، وقيادة أوجلان لحزب العمال الكردستاني في المشاركة في العملية السلمية والمصالحة الوطنية وإقامة الدولة التركية الجديدة المتعددة القوميات والتعددية الحزبية والدولة الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية، وقد أخذت هذه الخطة التي وضعها أوجلان وأردوغان تؤتي أوكلها في النجاح الاجتماعي والاقتصادي والاستقرار السياسي في السنوات القليلة الماضية، وهو ما لم يرضي العقلية المعادية للأتراك والكراد معاً، سواء كانوا أمريكيين او إيرانيين أو من غيرهم من بقايا القومية العربية والبعثية واليسارية المزيفين.
إن الحجة التي تتذرع بها قيادة قنديل في مخالفة أوامر أوجلان هي أنه في السجن وغير حر في اتخاذ قراراته، وقد تبين أنها غير صحيحة ولا صادقة، لأن قيادة قنديل استبدلت قيادتها التركية المتمثلة في عبدالله اوجلان إلى قيادة إيرانية متمثلة بقاسم سليماني وخامنئي، وهذه القيادة الإيرانية الجديدة تتحكم بالأحزاب الكردية في قنديل وسوريا اولاً، وتريد ان تفرض أجندتها على حزب العمال الكردستاني في تركيا، لنفس الأجندة والأهداف، فإذا ما كان حزب الشعوب الديمقراطي تابعاً لأوامر قنديل فإنه سيبقى تابعاً لأوامر خامنئي وإيران، وإلا فإنه مطالب ان يكون مقتنعاً بان الرؤية التي قدمها عبدالله اوجلان هي الرؤية الصحيحة لمستقبل الشعب الكردي في تركيا والمنطقة أيضاً، والمراهنة على قيادة قنديل أن تحقق مكاسب للشعب الكردي في تركيا أو في سوريا هي مراهنة فاشلة وخاسرة، لأن إيران فرطت في الشيعة العرب وهم أقرب لها من الأكراد العراقيين او السوريين أو الأتراك، فكيف لا تفرط بهم.
٭ كاتب من تركيا
محمد زاهد جول
لماذا لا يصدر الرئيس أردوغان عفوا رئاسيا عن أوجلان
فصلاح الدين ديمرطاش قد خدع الأكراد وحزب العدالة معا
وبسببه خسر الأكراد المشاركة الفاعلة بالحكومة وبالتالي السلام
ولا حول ولا قوة الا بالله