باريس ـ «القدس العربي»: كان كل شيء على ما يرام في ملعب التنس المتأهب لمباراة فريق الولايات المتحدة مع نظيره الألماني لولا أن المغني الأمريكي المكلّف بغناء النشيد الألماني قدّم، خطأً على ما يبدو، النشيد الألماني الخاص بالحقبة النازية. ليس من السهل أن يردع المرء مغنياً أوبرالياً، فأسهل منه دحض محلل سياسي ممانع.
غنّى الرجل، فطغى، ولم يكن بوسع لاعبات الفريق، كما جمهور المشجعين، سوى محاولة غناء نشيدهم الحقيقي المعتمد، أي المقطع الرسمي من النشيد. لكن المغني الأمريكي راح يصيح عبر المياكروفون «ألمانيا فوق الجميع، فوق كل شيء في العالم». ولم يكن ذلك محرجاً للأمريكيين (فتحت رعاية ترامب سيكون كل شيء مختلفاً، كما يقول أحد المعلقين على الفيديو) بقدر ما بدا كارثياً للفريق الألماني، وهذا هو الرائع في الأمر، فأنت ترى بأم العين محاولات اللاعبات غناء كلمات أخرى، فيما الإحباط يبدو واضحاً على بعضهن.
تابع المغني الأمريكي نشيده «النازي»، وتابعت المغنيات ينشدن عن النضال، بإخوّة، بقلب، ويد، من أجل أن يزهر الوطن الألماني، كما تقول كلمات المقطع الثالث من النشيد، وهي الكلمات التي تعتمدها ألمانيا المعاصرة.
لم يكن ذلك طريفاً، ولا محرجاً، كان كارثياً، كما نلمح في تصريحات اللاعبات وعموم الفريق وردود أفعالهم. فجوليا أجهشت بالبكاء حينما بدأ عزف النشيد، ووضع ديرك ديير، المدرب المساعد، يديه على وجهه، فيما بدا الذهول واضحاً على وجوه بقية اللاعبات والطاقم الفني.
باربرا ريتنر، مدربة الفريق، قالت إنها كانت تفكر في انتزاع الميكرفون من المغني. أما اللاعبة بيتكوفيتش، التي بدا عليها الغضب الشديد قبل خوض المباراة، فأكدت أنها كانت تعتزم الخروج من الملعب فور سماعها النشيد، وهي قالت «لقد كانت لحظة مروعة، إنه أسوأ حدث وقع لي في حياتي حتى الآن». وأضافت اللاعبة الألمانية «إن ما حدث بمثابة قمة الجهل، نحن الآن في عام 2017، في القرن الحادي والعشرين، أمر مثل هذا لا يمكن أن يحدث ببساطة».
ريتنر ختمت بالقول «لا يمكنني تصديق ذلك. كنت على وشك البكاء، كانت لحظة حزينة وصادمة للغاية حقاً. لقد شعرت بالذهول لما حدث. إنه خطأ لا يغتفر، إنها فضيحة».
مؤكد أن كثيرين، في مشرقنا العربي بالذات، يرون مبالغة كبيرة في انفعالات الفريق الألماني، لكنه لا شك حدث طيب، حين ترى هؤلاء وهم يتحرّقون لتأكيد انتمائهم لألمانيا الجديدة، مع أنك لن تعدم تعليقات تحت الفيديو الذي يصوّر الحدث، يقول فيها بعضهم «إن كل نشيد وطني آخر يستدعي الحرب والدماء، بينما النشيد الألماني بريء»، إلى تعليق آخر «إذا كانت هذه الحادثة فضيحة، فكم أنت فقيرة يا ألمانيا».
لقد طغى نشيد المغني الأمريكي، كان صوته قوياً ومسموعاً أكثر مما ينبغي، لا ننسى أن المايكروفون بيده لم يكن من السهل أن يقهر. مع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك أغنية ألمانية ممكنة. لقد سمعنا صوتها بوضوح.
راشد عيسى