بعد مرور 24 ساعة على الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مدينة برشلونة مساء الخميس الماضي وخلف مقتل 13 شخصا، تجمع قرابة 20 من أنصار اليمين القومي المتطرف بالقرب من شارع رامبلا الذي كان مسرحا للاعتداء في تظاهرة شعارها «ضد الإسلام وطرد المسلمين»، لم يتحرك المهاجرون المسلمون لمواجهتهم بل قام مواطنون عاديون بطردهم وشجب التظاهرة مرددين شعارات من قبل «برشلونة ضد الفاشية» و«الفاشيون إرهابيون»، وذلك للتأكيد على الفرق بين ديانة ومعتقد الإسلام وقتلة ينفذون اعتداءات عبر تأويل هذا الدين للتأثير على الحوار والتعايش.
كان الدرس بليغا لأنه حدث في مدينة تحمل الريادة في التعايش أوروبيا، فشوارع هذه المدينة وخاصة شارع رامبلا الذي جرى استهدافه هو مسرح لمختلف التظاهرات في الماضي والحاضر، كان مسرحا للمطالبة بالديمقراطية خلال الدكتاتورية الفرنكاوية، ويحتضن تظاهرات منددة بما يجري في الشرق الأوسط من حروب أو تظاهرات للتضامن مع المهاجرين الذين يلقون حتفهم في مياه البحر الأبيض المتوسط.
خطر ضرب التعايش
تظاهرة التنديد بالإرهاب مع حرص الأغلبية على الفصل بين الدين الإسلامي والتطرف، والفصل بين المسلمين والإرهابيين هو أحد عناوين ردود الفعل العاقلة والناضجة والمتحضرة في مختلف المجتمعات الأوروبية التي تعرضت لعمليات إرهابية خلال السنوات الأخيرة سواء في فرنسا أو بريطانيا أو بلجيكا أو المانيا والآن اسبانيا.
وفي حالة اسبانيا، فهي تعتمد على تراثها في مكافحة الإرهاب، فالإسبان الذين عانوا من إرهاب إيتا الباسكية يفصلون بين ساكنة بلد الباسك التي تريد الانفصال وتطالب ذلك بأشكال سلمية وبين منظمة إيتا التي كانت تراهن على الإرهاب عبر عمليات اغتيال أو تفجيرات منذ نهاية الستينات حتى السنوات الماضية حيث أعلنت تخليها عن العنف.
ولم ينجح كتاب متطرفون ينادون بطرد المهاجرين المسلمين ويحذرون من خطر الإسلام في إقناع الرأي العام الإسباني. ولهذا لم يسجل هذا البلد الأوروبي ظهور حزب متطرف في أطروحاته ضد الهجرة والمسلمين. وفشلت الأحزاب السياسية رغم أن اسبانيا هي بوابة الهجرة عبر مضيق جبل طارق، ورغم تعرض البلاد سنة 2004 إلى أكبر عملية إرهابية في تاريخ أوروبا عندما فجر إرهابيون أربعة قطارات في العاصمة مدريد وتسببوا في مقتل 192 شخصا وجرح أكثر من ألف.
ولكن رغم هيمنة التسامح وعدم ربط أغلبية الأوروبيين الإسلام أو المهاجرين المسلمين بالإرهاب، إلا أنه يوجد تخوف حقيقي وسط علماء الاجتماع والأجهزة الأمنية من أن يؤدي ارتفاع العمليات الإرهابية على شاكلة ما شهدته برشلونة الخميس الماضي ومن قبل مدن مثل باريس ونيس ولندن إلى ارتفاع معاداة المهاجرين والإسلام عموما بشكل ملفت وسط الأوروبيين. هذا السيناريو مستبعد على المدى القريب لكنه غير مستبعد على المدى المتوسط والبعيد. وإذا حدث، وقتها ستكون مواجهة دينية وثقافية وقودها الجاليات المسلمة في الغرب وآفاق سلبية ومقلقة للغاية. ورغم هيمنة الحكمة حتى الآن، فالتيارات المعادية للجاليات المسلمة تتعاظم تدريجيا في الغرب.
إرهاب القاصرين
كل عمل إرهابي يحمل الجديد ويؤكد على منحنى معين. واعتداء برشلونة جاء للتأكيد على ما يسمى «الإرهاب الرخيص»، ويعني العمليات الإرهابية التي لا تكلف الكثير من الاعداد ولا ميزانية مالية بل فقط كراء سيارة أو شاحنة ودهس المواطنين، وهو ما حدث في برشلونة عندما قام الإرهابي سائق الشاحنة الصغيرة بدهس مئات المواطنين وأغلبهم سياح من عشرات الجنسيات لتكون الحصيلة 13 قتيلا و130 جريحا من جنسيات وديانات مختلفة.
لكن الجديد في اعتداءات برشلونة وكامبريلس هو ما يمكن اعتباره تحديا حقيقيا للأجهزة الأمنية والاستخباراتية المكلفة بمحاربة الإرهاب، في المقام الأول صغر سن الإرهابيين وبينهم قاصر وفي المقام الثاني هو وعدم رصد الشرطة لمنفذي الاعتداء، حيث لم يكونوا ضمن لوائح المشتبه فيهم ولو في الحد الأدنى.
وعلاقة بالتحدي الأول، أغلب أعضاء هذه الخلية من الشبان الذين ولدوا في التسعينات أو بداية العقد الجاري مثل حالة موسى أوكبير الذي يبلغ من العمر 17 سنة، أي ولد سنة 2000. ويعتبر أصغر منفذ لعمليات إرهابية حتى الآن في تاريخ الإرهاب المرتبط بالدين في أوروبا. وهذا يجر إلى التساؤل حول نوعية الإدماج منذ الصغر، وكيف انتقل موسى من فتى صغير إلى فتى إرهابي تورط في مقتل 13 شخصا؟
هذا التساؤل كان رئيسيا لدة جريدة «البيريوديكو» وهي تتناول سيرة موسى أوكبير محاولة رسم بروفايل خاص له لمعرفة هذا التحول الخطير. من المحللين القلائل الذين حاولوا الإجابة على ما يحدث كاتب الرأي أندري كلاريت من جريدة «البيريوديكو» الذي طالب في مقال له يوم الجمعة الماضية بضرورة فهم فكر التنظيمات الإرهابية ومنها «داعش» لمعرفة الرد على أطروحاتها بأطروحات أخرى مضادة. وشدد على أن «فهم فكر «داعش» لا يعني إضفاء الشرعية عليه.
وعلاقة بالتحدي الثاني، حداثة سنة المتورطين يعتبر تحديا حقيقيا للأجهزة الأمنية، أولا، لا يمكن رصد قاصري السن بسبب غياب التجربة، ولا يمكن مراقبتهم بشكل دقيق بسبب القوانين التي تحمي قصار السن. ونقلتا الصحافة الإسبانية عن خبراء «إذا كانت هناك صعوبة لتتبع مشتبه فيهم يبلغون من العمر العشرينات حتى الأربعينات، كيف يمكن مراقبة قاصرين لا يتجاوز عمرهم 18 سنة؟». ونقلت جريدة «لفنغورديا» عن شاب من ساكنة ريبول، وهي البلدة التي ينتمي لها بعض التورطين في الإرهاب ومنهم موسى أوكبير القاصر في السن، يقول «موس كان فتى خجولا ولا يتورط في المشاكل». وعليه، كيف يمكن للأجهزة الأمنية رصد فتى لا يتجاوز 18 سنة ولا يمتلك سجلا مشبوها؟
وعلاقة بهذا دائما، نقلت جريدة «الباييس» في عدد الجمعة الماضية بمراقبة الشرطة لأكثر من ثلاثة آلاف مشتبه فيهم يصنفون بالتطرف، لكن لا يجد أي واحد من منفذي اعتداءات برشلونة وكامبريلس يوجد ضمن هذه اللائحة. لم يسافر أي واحد منهم إلى العراق أو سوريا، ولم يكونوا يترددون على مساجد تصنف بالمتطرفة يديرها سلفيون. وكل هذا يفسر التحدي الأمني الخطير الذي يشكله الجيل الجديد من الإرهابيين، ويتجرم عمليا: كيف يمكن رصد الإرهابي الجديد الذي يحمل هذه الصفات؟
في الوقت ذاته، تورط القاصرين في عمليات إرهابية من المؤشرات الخطيرة على التعايش مستقبلا. فحتى الأمس القريب كان معظم المتورطين في عمليات إرهابية ولدوا في دول عربية وإسلامية وانتقلوا إلى الغرب للعيش، وبالتالي كان التبرير هو عدم الإندماج، لكن هذه المرة يتعلق الأمر بشباب ولد في أوروبا، فجزء من الرأي العام الأوروبي سيرى أن من ينفذ الاعتداءات الإرهابية ينتمي إلى ما يفترض بالأوروبيين الجدد وليس الوافدين من الخارج.
د. حسين مجدوبي