الإسرائيليون منقسمون بين أربعة تصورات للصراع ويجمعهم القلق على مستقبل دولتهم

حجم الخط
0

الناصرة – «القدس العربي»: في ظل الذكرى الخمسين لاحتلال 1967 واستكمال احتلال فلسطين يتواصل الجدل في إسرائيل حول مستقبلها فيما تمضي هي بتجنب أي حسم للصراع. يظهر ذلك في مقابلات مع جهات إسرائيلية أجرتها صحيفة إسرائيلية  تولى ترجمتها وقراءتها المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» وهي تشمل أربعة خيارات حول مستقبل الصراع يختلف وينقسم حولها الإسرائيليون لكن قلقا على مستقبلها يجمعهم.
ويستعرض «مدار» سجالات إسرائيلية مختلفة تتمحور حول سؤال جوهري هو: ما هي الخيارات المستقبلية المتاحة أمام إسرائيل بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة  وذلك على أساس مقابلات أجرتها صحيفة «دفار ريشون» الإسرائيلية، مع خمسة إسرائيليين «يتبنون رؤى مبلورة في هذا المضمار. وتوضح الصحيفة أن «القاسم المشترك الوحيد لهؤلاء جميعا هو القلق الحقيقي على مستقبل إسرائيل وسكانها»، بينما «آراؤهم مختلفة تماما، لحدّ التناقض التام». وباستثناء اثنين منهم، يجمع الثلاثة الآخرون على ضرورة أن «تغيّر إسرائيل توجهها واتجاهها.

الخيار الأول ـ دولتان للشعبين

تعرض صحيفة «دفار ريشون»، بداية، تاريخ «فكرة التقسيم» والتحولات التي طرأت عليها وتقول إنه بينما كان يبدو أن هذه «الفكرة» هي شعار «قوى هامشية متطرفة» بين الإسرائيليين طيلة سنوات طويلة، حتى أن أحزاب «اليسار الصهيوني» أيضا رفضتها وقاومتها، أصبحت تبدو ـ في عام 1992 ـ «أكثر واقعية وأقرب من أي وقت مضى»، وذلك إثر اعتلاء إسحاق رابين سدة الحكم في إسرائيل. وتزعم  الصحيفة أن توقيع أوسلو جعل الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة خيارا قائما لكن سرعان ما تبين أن الواقع «أشد تعقيدا وأكثر إشكالية عما كان يبدو ظاهريا»: ففي ظل الحكم الذاتي الفلسطيني الجزئي «تعززت قوة التنظيمات الإرهابية» التي «ترفض أي اعتراف بدولة إسرائيل وتعارض أي تسوية تاريخية معها». كما أن «فشل القيادتين»، الإسرائيلية والفلسطينية، في التوصل إلى تسوية سياسية «بعد سنوات من جهود الوساطة الدولية»، أدى إلى «تراجع حل الدولتين وانحسار التأييد له باعتباره حلا ممكنا ومتاحا». ومع ذلك بقي مؤيدو هذا الحل داخل إسرائيل يعتبرونه «ليس حلا عادلا فحسب، بل الوحيد الذي يسمح ببقاء إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية»، أيضا، ويجنّبها «خطر فقدان الأغلبية اليهودية». يؤكد المحامي غلعاد شير، أحد المشاركين الإسرائيليين المركزيين في المفاوضات والاتفاقات السياسية مع الجانب الفلسطيني خلال العقود الثلاثة الماضية، في حديثه للصحيفة، أن «حل الدولتين للشعبين بالحذر والتدريج هو الطريق الوحيد الذي يضمن بقاء إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية». وهو يرى أن إسرائيل ملزمة بالدفع نحو هذا الانفصال» حتى ولو بدون اتفاق شامل لحل الصراع بسبب خلافات عميقة حول القضايا الجوهرية كاللاجئين والقدس.
وردا على سؤال الصحيفة  يدحض محاولات الترهيب من الدولة الفلسطينية وتبعاتها الأمنية ويقول إنها ستكون منزوعة السلاح وتحت مراقبة وثيقة. ويزعم أن ثمة أغلبية إسرائيلية واضحة، دائمة ومستقرة، تؤيد حل الدولتين. ويتابع «وإذا ما سألتم الناس إن كانوا مستعدين لإخلاء مستوطنات كجزء من اتفاقية سلام، فسترون أن ثمة أغلبية مؤيدة لهذا أيضا وهو الحال بالنسبة لتقسيم القدس أيضا ولكن حين يجري تقسيم مركّبات الحل الشامل، تختفي هذه الأغلبية». ويرفض مقولة «اللا شريك» المعتمدة من قبل إسرائيل ويؤكد أنها ينبغي المبادرة سياسيا وأن «المشكلة»، هي «انعدام الرغبة لدى القيادات في تغيير مواقعها ومراكزها.

الخيار الثاني ـ دولة واحدة
وسيادة إسرائيلية على الضفة الغربية

ما يعتبره غلعاد شير ومؤيدو «حل الدولتين» في إسرائيل بمثابة «التهديد الأكبر والأخطر» ـ دولة واحدة بين النهر والبحر ـ يشكل، في المقابل، غاية تطلع قطاع غير قليل من اليمين الإسرائيلي يدعو إلى بسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية. من أبرز المعبرين عن رؤية هذا القطاع وطموحه، وزير الدفاع الأسبق موشيه آرنس، رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، وزعيم حزب «البيت اليهودي»، وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت.
«هذه الأرض لنا، منذ الأزل وإلى الأبد. كل ما نصبو إليه هو العيش مع الفلسطينيين بسلام، من دون إرهاب، لكن ينبغي عليهم تقبّل السيادة اليهودية على أرض إسرائيل»، تقول يهوديت كاتسوبر، الناشطة السياسية المستوطِنة في «كريات أربع» التي كانت ضمن النواة الأولى التي أقامت «الحي اليهودي» في مدينة الخليل. وهي تقود، خلال السنوات الأخيرة، حملة دعائية جماهيرية تتمحور حول «السيادة الإسرائيلية على أرض إسرائيل» ـ وهي حملة «تحقق نجاحا ملحوظا وتستقطب اهتماما واسعا وتأييدا كبيرا»، كما تقول في حديثها للصحيفة.
بدأت كاتسوبر بترويج فكرة «السيادة الإسرائيلية» في أعقاب إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من غزة، عام 2005 قلنا إنه «من غير الممكن أن يجري طرد اليهود بعد الآن وإن علينا الشروع في خوض نضال آخر».
وفي محاججة «التخوف من فقدان الأغلبية اليهودية»، تقول: «إذا نظرنا إلى عدد اليهود والفلسطينيين اليوم، بما في ذلك في الضفة الغربية، فسنجد أن ثمة أغلبية يهودية تصل إلى 66% أما إذا أضفنا قطاع غزة أيضا فنحن نشكل أغلبية تصل إلى61%»، وتدعي أن أغلبية الإسرائيليين يؤيدون بسط سيادتهم على الضفة.

الخيار الثالث ـ الإبقاء على «الوضع القائم

ثمة من يعتقد بأنه رغم الإشكالية الكبيرة والتعقيد الشديد اللذين ينطوي عليهما الوضع القائم في الضفة الغربية، إلا أنه لا يزال يشكل «الخيار الأفضل، أو الأقل سوءاً، بالنسبة لإسرائيل وهي اليوم بقيادة بنيامين نتنياهو تتبنى هذه الخيار فعليا. والجنرال احتياط يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لـ»مجلس الأمن القومي» والقائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، يقول إن «الفجوة بين ما يريده الإسرائيليون وما يريده الفلسطينيون في الوضع الراهن أكبر وأعمق من أن يتم تجسيرها والتوصل إلى تسوية سياسية». ويوضح: «وضعت جميع الادعاءات المؤيدة والمعارضة للخيارين السابقين ـ دولة واحدة أو دولتين ـ وتوصلت إلى الاستنتاج بأن الحل الأفضل هو إدارة الوضع القائم بصورة صحيحة. في هذه اللحظة، ليس هنالك استعداد لدى أي من الطرفين لتقديم جميع هذه التنازلات. ولذا، يجب إبقاء الخيارين مفتوحين، فربما يستطيع أبناؤنا، أو أحفادنا، التوصل إلى اتفاقية بعد خمسين عاما.
ويرى الصحافي والكاتب بنحاس عنبري، أيضا، أن «تفضيل الوضع القائم هو ضرورة، وليس خيارا مثاليا». ويوضح وهو الباحث في «المركز المقدسي لقضايا الجمهور والدولة»: «من المفضل التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين وإنهاء الصراع، لكن هذا لن يحدث في المدى المنظور». ويعتبر أن المشكلة الحقيقية تبدأ من الفلسطينيين الذين طردوا في عام 1948»ذلك أن هؤلاء «يعتبرون أن نهاية الصراع تتمثل في عودتهم لديارهم وهو ما لا تستطيع إسرائيل القبول به أو الموافقة عليه. وردا على سؤال الصحيفة حول «ما يمكن القيام به الآن»، قال عنبري الذي يتهم الجانب الفلسطيني بإفشال التسوية إنه «ينبغي التوصل مع الفلسطينيين إلى ترتيبات عينية، في قضايا تصاريح العمل في إسرائيل، تزويد المياه والكهرباء، مثلا»وهي قضايا تتعلق بـ»إتاحة العيش للطرفين».
وردا على سؤال آخر يقول» تضررت صورة إسرائيل كثيرا، لكن ليس ثمة ما يمكن عمله، لأن أية محاولة للقيام بشيء آخر ستفضي إلى ما هو أسوأ من الوضع الحالي بكثير، الذي هو «الأقل سوءاً». أما المرحلة التالية، ما بعد «الوضع القائم»، فهي: عندما يحين الوقت ويحصل الانفجار، سيتوجب علينا التفكير بما علينا فعله، بعيدا عن خيار الدولة الواحدة بالطبع، الذي هو الخيار الأسوأ على الإطلاق».

الخيار الرابع ـ وطن  واحد لشعبين

إلى جانب الخيارات الثلاثة السابقة، التي تعتبرها الصحيفة «تقليدية»، ثمة من يحاولون «التفكير خارج الصندوق»، كما تصفهم الصحيفة، فيطرحون خيارا رابعا يتلخص في: دولة واحدة مكونة من مجموعات مختلفة تتمتع بحكم ذاتي ومكانة متساوية. وظهر هذا الخيار «غير التقليدي» في 2002، حين تبلورت مجموعة ضمت الشاعر إليعاز كوهين، المستوطِن في «كفار عتصيون»، وموطي أشكنازي، قائد الحملة الاحتجاجية التي أعقبت حرب تشرين/ أكتوبر( 1973 حرب الغفران)، والبروفسور إستر ألكسندر والدكتور حاييم آسا، وأقام هؤلاء حركة فكرية أطلقوا عليها اسم «عدالة» وضعت نصب عينيها نموذج «كونفدراليات ثلاث تعيش ضمن حدود أرض إسرائيل الانتدابية، تشمل الأردن، إسرائيل وفلسطين». وقد خاضت هذه الحركة الانتخابات للكنيست الإسرائيلي في عام 2003، لكنها لم تحصل سوى على1181 صوتا، وما لبثت أن تفككت واختفت في إثر ذلك.
في السنوات التالية، توصل كوهين إلى القناعة بضرورة «الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة». ويوضح أنه «ليس من المهم صيغة الحل النهائي لأنه، إذا لم نعترف بلاجئي عام 1948 وبأن إسرائيل هي وطن واحد للشعبين، فلن يكون هنالك أي حل». ويرى أن «خيار الوطن الواحد للشعبين» يبدو اليوم «أقرب إلى الواقع مما كان عليه قبل خمس سنوات»، مع اتساع الإقرار، «في إسرائيل وفي غالبية دول العالم»، كما يقول، بأن «حل الانفصال غير واقعي وغير ذي صلة».

الإسرائيليون منقسمون بين أربعة تصورات للصراع ويجمعهم القلق على مستقبل دولتهم

وديع عواودة:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية