«الإسلام ليس الحل، الإسلام هو المشكلة، الإسلام ليس دين الأمن والسلام، إنه دين الإرهاب والحرب، الإسلام ليس سبب نهضة الملسمين، بل هو علة تخلفهم». عبارات تتردد بشكل محموم في مراكز أبحاث وندوات مفتوحة ولقاءات وحوارات ودوائر مختلفة حول العالم اليوم وقبل اليوم والجدل بالطبع مستمر، ومستمرة معه موجة عاتية من «الإسلاموفوبيا»، التي كادت تقترب لكثرة ترديدها من عبارة «اللاسامية» في الميديا الغربية.
«يورب ستصبح عما قريب يوريبيا»، والقارة الأوروبية ستتحول إلى الجزيرة العربية، والمسلمون سيحكمون بريطانيا التي سيتحول نصفها إلى الإسلام بحلول 2050، ودانيال بايب «الأمريكي الإسرائيلي الهوى» يخاف أن تضع أوروبا النقاب على وجهها كتلك الفتاة القادمة من العربية السعودية.
إنه موسم الهجوم على الإسلام من كل جبهة: هجوم خارجي من تحالف اليمين الأورو – أمريكي، وهو تحالف قديم انضم إليه مؤخراً فلاديمير بوتين ورفاق الحزب الشيوعي الصيني، وتحالف داخلي تقوده بغباء جماعات «القاعدة» ومن انضوى تحت لوائها ممن يقاتلون «التحالف الصليبي اليهودي»، وبعض الجماعات الشيعية الطائفية المتسلحة بالحقد التاريخي، والتي تقوم أصلاً على نقض التاريخ الإسلامي، وتشويه صورته، ومن أدبياتها استمد الكثير من المستشرقين مادتهم في الهجوم على الإسلام.
المحلل الأمريكي ستيفن سكوارتز ينحت مصطلح «الفاشية الإسلامية» بعد أحداث واشنطن ونيويورك، ويقصد به «استعمال العقيدة الإسلامية من أجل التغطية على إيديولوجيا توتالرية». وكريستوفر هيتشنز يعقد مقارنة بين الفاشية التاريخية والفاشية الإسلامية، ويؤكد التشابه بينهما في استعمال العنف القاتل والتدمير والقضاء على الحياة العقلية، وعقدة الخوف من اليهود، ناسياً أن خمسين مليونا ـمنهم ستة ملايين يهودي – قتلوا خلال خمس سنوات في «أوروبا المسيحية» وغيرها من البقاع، لم يقتلهم «الفاشيون المسلمون»، وأن عداء المسلمين لإسرائيل ليس ناتجاً عن كون إسرائيل دولة يهودية، ولكن من كونها دولة احتلال.
وفي أبريل/نيسان 2010 كتب المؤرخ جيفري هرف مقاله «الجمهورية الجديدة»، حاول فيه بكل السبل إيجاد علاقة بين المسلمين والنازيين الأوروبيين، والجماعات اللاسامية خلال الحرب العالمية الثانية، في محاولات متهاوية لإيجاد ما قال إنها «علائق إيديولوجية» تجمع بين الطرفين. غير أن هناك من يحذر من هذه الموجة العاتية من «الإسلاموفوبيا»، يقول المؤرخ ريتشارد وبستر «إن جمع مجموعة من الإيديولوجيات السياسية، والمجاميع الإرهابية المسلحة، والحكومات والطوائف الدينية تحت مصطلح «الفاشية الإسلامية»، يقود إلى تبسيط مبالغ فيه لظاهرة الإرهاب». أما المؤرخ البريطاني نيال فورغاسون فيقول: «إن الاستعمال السياسي لهذا «المصطلح المضلل» إنما هو طريقة تجعلنا نشعر بأننا جيل عظيم يواجه حرباً عالمية أخرى». ومع أن الكثير من المعلقين والأكاديميين يذهبون إلى التفريق بين ما يدعونه «الإسلام الفاشي»، وما يقولون إنه «الإسلام التقليدي» الذي يريد أتباعه أن ينأوا بأنفسهم عن الإرهاب، كما يرى ويليام سافير، غير أن النية مبيتة لجعل مصطلح (الفاشية الإسلامية) ينتشر ويعمم لغرض الدعاية الإعلامية ضد الإسلام كديانة والمسلمين كمجموعة بشرية، كما يرى ريتشارد نيلسون.
والعجيب أن معتوهاً مثل جورج دبليو بوش كان يحاول إظهار نفسه بمظهر المنظر الذي يفهم لغة المصطلحات، فأدلى بدلوه في الموضوع بوصفه لسياساته بأنها «معركة ضد الفاشيين المسلمين الذين سيستعملون كل طريقة ممكنة لتدمير حياتنا نحن الذين نحب الحرية». ناسياً أن الخليفة الفاروق هو صاحب العبارة المكتوبة على أكثر من معلم حضاري غربي اليوم، وهي «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».
ومع الإقرار بأن مجموعة من المسلمين تمارس أعمالاً إرهابية هي بالأساس ضد أصول الإسلام ومقاصده الكبرى في التعايش، مع الإقرار بذلك إلا أن موجة الأعمال الإرهابية التي انتشرت في السنوات الأخيرة لا ترجع في أسبابها إلى نصوص القرآن، ولكن ترجع إلى أفعال الولايات المتحدة والغرب وتقديمهم الدعم لإسرائيل وأنظمة الاستبداد العربية التي ألجأت الكثير من الشبان إلى الطريق الخطأ. إن مشاهد القتل والدمار الذي يراه المسلمون اليوم في غزة، التي تركت لمصيرها المأساوي، كفيل بأن يبعث كل شياطين الغضب المنفلتة، التي يمكن أن تتحرك بوحي مما ترى على الشاشات التلفزيونية، وليس بوحي من نصوص القرآن، على عكس ما زعم جاري أمنوف، حين ذكر أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية ليست مسؤولة عن ردة الفعل الإرهابية التي جاءت في شكل أحداث 11 سبتمبر/ايلول على الإطلاق، زاعماً أن السبب يعود إلى الكراهية العمياء عند المسلمين لليهود، وعلاقة الجهاديين وتأثرهم قديماً وحديثاً بالنازيين، في محاولة لحشر «جماعته»، في الموضوع، وإظهارها بمظهر «الجماعة المستهدفة»، بالإرهاب، وكأن برجي مركز التجارة العالمي كانا في تل أبيب وليسا في نيويورك، وكأن القتلى الأمريكيين في تلك الأحداث كانوا يهودا، وكأن الكاتب لا يهدف من محاولته تلك إلى جعل اليهود في مركز الاهتمام العالمي في «الحرب على الإرهاب»، وكأنه لا يوجد شعور متزايد لدى الجمهور في البلدان الأوروبية بأن إسرائيل هي أكبر دولة تهدد السلم والأمن الدوليين. ويمضي أمنوف قائلا أن السبب في تصاعد الفاشية الإسلامية يرجع إلى علاقة الفاشيين المسلمين بالنازيين في ألمانيا، وأن الدافع للفاشية الإسلامية ليس مواجهة الاستعمار الغربي، ولكن كراهية اليهود، محاولاً بكل الوسائل الساذجة ربط مفتي القدس في حينها أمين الحسيني بهتلر، وكأن هتلر كان مولوداً في مكة أو في القدس. ويردد أمنوف أكاذيب وقحة عن عدة آيات في القــــرآن تأمر بقتل اليهود، ويضيف ان القرآن يحرم على اليهود قيـــام دولة لهم ولو في قرية صغيرة في أي مكان، بدون أن يورد هـــذه الآيات التي ذكر أنها تمنع اليهود من قيام دولتهم أو التمتع بحق الحياة، وإنما يستغل بخروج فاضح على قواعد المهنة، يستغل جهل الغالبية العظمى من الأمريكيين بآيات القرآن، ليزعم أن فيه آيات تمنع قيام دولة يهودية، وتدعو إلى قتل اليهود لمجرد أنهم يهود.
صحيح أن هناك آيات تدعو إلى القتال، لكنها جاءت في سياقات حربية، لرد عدوان من حمل السيف ضد الجماعة المسلمة الجديدة، وللدفاع عن النفس، لان الآية المحكمة تقول «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، وفي رأيي لا يمكن أن نرى عدلاً أكثر من ذلك، فالأمر بالقتال ليس مطلقاً، ولكن بقتال «الذين يقاتلونكم»، وقد جاءت صيغة الفعل هنا بالمضارع، لتدل على أن الطرف الآخر مستمر ومداوم على قتال المسلمين استمرارية الفعل المضارع نفسه، وأنه طرف عسكري «مقاتل» وليس مدنياً مسالما. ومع ذلك تنتهي الآية بالقول الكريم: «ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».
ومع كل هذا الوضوح في أدبيات الإسلام، إلا أن خصومه بكل فجور يصرون على ترويج الأكاذيب عنه في الدوائر الإعلامية والأكاديمية والسياسية لخداع الجمهور الغربي ضد دين اسمه مشتق من المصدر ذاته الذي اشتقت منه كلمة «السلام»، وبدأت كل سوره بالآية «بسم الله الرحمن الرحيم»، إلا سورة براءة التي ركزت على أحكام الحرب، التي يعدل القرآن عن تسميتها حرباً في مواطن كثيرة إلى تسمية الجهاد، ليظهر المعاني الإيجابية، والأهداف النبيلة التي ينبغي أن تكون من ورائها مثل، الدفاع عن النفس ونصرة المظلوم حسب نصوص القرآن، وقد ذكرت الآية «بسم الله الرحمن الرحيم» مكررة في سورة النمل، ليكون عدد تكرارها في القرآن مساوياً لعدد سور القرآن ذاته.
ومع أن سور القرآن تبدأ باسم الإله الذي يوصف بأنه رحمن ورحيم، وليس بأنه «رب الجنود أو رب إسرائيل أو إله الحرب أو إله الدمار»، إلا أن الإسلام والقرآن لا يزال يعاني من هجمة شرسة ضد تعاليمه الحقيقية من قبل خصومه تارة، وممن يزعمون أنهم يدافعون عنه تارات. والحقيقة أن الإسلام واقع بين مطرقة «القاعدة» وسندان جماعات اليمين المتطرف في الغرب، والشيء المدهش أن «القاعدة»
والجماعات اليمينية الغربية، يجمعها جامع مشترك قوي، وهو النظر للإسلام على أنه دين العنف واستهداف الآخر وقتل اليهود والنصارى.
ومع كل هذه التعمية على حقيقة مبادئ الإسلام، ومع كل الصور التي تحملها لنا الشاشات عن الجرائم البشعة التي يرتكبها مسلمون ضد بعضهم، وضد غيرهم، والتي لا تنطلق من وحي الإسلام، قدر ما تنطلق من دواعي الثأر والغضب وردات الفعل المختلفة، مع كل ذلك لا يزال الإسلام هو الأكثر انتشاراً بين الأديان السماوية، والسبب واضح: بساطته ووضوحه، وواقعيته، وقربه من الأرض وهمومها وقوة أصوله، ومرونة فروعه التي تتكيف مع الأزمان والأماكن المختلفة.
٭ كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
كلام في الصميم. لكن حبذا لو يكون هذا الخطاب مترجما إلى اللغة الإنجليزية، بما أنك تنقل منها ما يقول الخصوم عن الإسلام. الإسلام مبتلى كما قال الشيخ الغزالي رحمه الله بمبغض قال وصديق ضال.
شكرا لك دكتور
لا تستطيع انكار أن القاعدة تستند على القرآن في حربها ضد المجتمعات المتمدنة، وأنها تقاتل الأنظمة الحداثية في العالم العربي، للعودة بالمسلمين إلى الوراء. وما حربها على الشعب والقيادة السورية غلا محاولة لتطبيق الإسلام النجدي على القرن الحادي والعشرين
أعجبتني العبارة التالية التي ختم بها المقال:
ومع كل هذه التعمية على حقيقة مبادئ الإسلام، ومع كل الصور التي تحملها لنا الشاشات عن الجرائم البشعة التي يرتكبها مسلمون ضد بعضهم، وضد غيرهم، والتي لا تنطلق من وحي الإسلام، قدر ما تنطلق من دواعي الثأر والغضب وردات الفعل المختلفة، مع كل ذلك لا يزال الإسلام هو الأكثر انتشاراً بين الأديان السماوية، والسبب واضح: بساطته ووضوحه، وواقعيته، وقربه من الأرض وهمومها وقوة أصوله، ومرونة فروعه التي تتكيف مع الأزمان والأماكن المختلفة.
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون
أحسنت يا دكتور جميح أحسن الله اليك
لكني لا أعرف لماذا أغفلت المتصهيونين العرب
فهم أشد ممن ذكرتهم بكثير
أو أنك لا تحب نشر غسيلنا الوسخ – في المرة القادمة استعمل كفوف معقمه
ولا حول ولا قوة الا بالله
إن ما يدعيه القس من كذب عن القرأن مستغلا جهل الناس بما في القران لا يوازي ما يدعيه شيوخ الإسلام من تضليل و تجهيل لعامة الناس , فهؤلاء في نظري هم الخطر الحقيقي , وأن ما أتاح عملية النقض التاريخي لبعض الجماعات المحسوبة على الفكر الشيعي هو ناتج طبيعي لفرض تاريخي قام على الإستبداد والجهل , وإلى اليوم يجرم كل من ينتقد أو يناقش حول شخوصه. لا ينبغي أن نلوم الأخر فمعضلتنا منا وفينا . فنحن نعاني خللأً ثقافياً يجب أن نعبرف به أولاً , ثم يجب علينا إسقاط القداسة التي غلف بها تاريخنا , لنضعه تحت مشرحة البحث والدراسة التاريخيه الدقيقة لنطرد عنه ما علق به من خرافات وأوهام وتوضيف سياسي . , وأن لا نضع الأشياء في عير موضعها فالله سبحانه يقول في بيان مرتبة الإسلام( قالت الأعراب أمنا قل لم تؤمنو ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل ألإيمان في قلوبكم) ليكون بمقدورنا حينها أن ننهض بحضارة هذه الأمه التي وصلت إلى مستويات تجاوزت جاهلية ما قبل الإسلام