الإعلام العربي يتجاهل جرائم إسرائيل في القدس وينشغل بالقضايا الهامشية

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: غابت القضية الفلسطينية بشكل شبه كامل عن وسائل الإعلام العربية، وخاصة الصحف المحلية التي لم تعد تلتفت لما يجري في الأراضي المقدسة، بما في ذلك الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك التي تصاعدت خلال الآونة الأخيرة بصورة غير مسبوقة.
وتنشغل غالبية الصحف العربية الكبرى التي تصدر في العواصم العربية بالعديد من القضايا المحلية، بما فيها مشاكل وهموم هامشية، بينما تنشغل قوات الاحتلال الإسرائيلي بتغيير معالم مدينة القدس والاعتداء على المسجد الأقصى وفرض واقع جديد، فيما لم يعد يجد الفلسطينيون من يهتم بالقضية التي ظلت قضية العرب الأولى وشغلهم الشاغل لعقود طويلة ماضية.
وسجلت الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك تطوراً جديداً الأسبوع الماضي، عندما اقتحمت قوات الاحتلال الحرم الشريف بمدرعة تصدى لها الفلسطينيون بصدورهم العارية وأحذيتهم الخفيفة، في حادثة هي الأولى من نوعها منذ الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك في العام 1967، وعادة ما تقوم القوات الإسرائيلية الراجلة باقتحام باحات الأقصى والاشتباك مع المصلين والمعتصمين هناك، ولم يحدث أن دخلت آليات أو مدرعات عسكرية إلى هناك حتى خلال انتفاضة الأقصى، أو عندما اشتعلت أعنف المواجهات يوم اقتحام أرييل شارون الحرم الشريف في أواخر أيلول/سبتمبر من العام 2000.
وأجرت «القدس العربي» مسحاً شبه شامل للصحف العربية الرئيسية الصادرة صباح الثلاثاء الماضي، أي في اليوم التالي للجريمة، ليتبين أن الخبر غاب عن أغلب الصفحات الأولى للصحف إن لم يكن عنها جميعاً، بما في ذلك الصحف العربية الصادرة في لندن والتي عادة ما تولي اهتماماً بالقضية الفلسطينية، باستثناء «القدس العربي» التي أوردت الخبر على صفحتها الأولى وأفردت له مساحة كبيرة ولافتة.
وبحسب المسح الذي أجرته «القدس العربي» فان جريدة «الأهرام» أكبر وأقدم الصحف المصرية ـ على سبيل المثال ـ أفردت صفحتها الأولى في اليوم التالي للجريمة الإسرائيلية من أجل الحديث عن «اللجنة الثلاثية لسد النهضة» و»انتظام العملية التعليمية في المدارس والجامعات» و»اكتشاف مقبرة جميلة الجميلات»!! أما المسجد الأقصى والاعتداءات التي تستهدفه فلم تكن في دائرة اهتمام الصحيفة الحكومية الأولى في مصر.
أما «الاتحاد» الإماراتية فاستحوذت التطورات في اليمن على اهتمام صفحتها الأولى في ذلك اليوم، فيما كتبت «النهار» اللبنانية في عنوانها الرئيسي: «الوضع اللبناني في الثلاجة وهولاند يرجئ زيارته.. مبادلة الترفيع العسكري بعمل الحكومة لم تنضج» وغاب الخبر الفلسطيني تماماً عن الصفحة الأولى. وكان الحال ذاته بالنسبة لصحافة تونس والجزائر والسعودية، لينكشف بذلك حجم التجاهل الإعلامي العربي لقضية المسجد الأقصى وأزمته الراهنة والاعتداءات التي يتعرض لها يومياً منذ فترة.
ووصف صحافي فلسطيني يقيم في بيروت التجاهل الإعلامي لأحداث المسجد الأقصى بأنه «عقوق عربي للقضية الأم» مضيفاً في حديث أدلى به لــ«القدس العربي» أن «العرب فقدوا البوصلة، والقضية الوحيدة التي كانت تجمعهم لم تعد أصلاً في وجدانهم ولا تستحوذ على تفكيرهم».
ويلفت الصحافي الفلسطيني إلى أن التجاهل الإعلامي لقضية القدس «لا يمكن أن يكون عفوياً» مشيراً إلى أن العرب لديهم رغبة في أن يتخلصوا ويتحرروا من المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه فلسطين والمسجد الأقصى، كما أن إسرائيل فهمت في الوقت ذاته الظرف العربي الراهن وحالة التشرذم، وكذلك تراجع شعبية التيار الإسلامي الذي كان يمنح القدس أولوية واستغلت كل هذه الظروف لتصعد من اعتداءاتها على المسجد الأقصى، وترفع من وتيرة التهويد في مدينة القدس، بحسب الصحافي.
ويتساءل الصحافي المقيم في بيروت عن الإعلام الأردني وما إذا كان يمارس ضغطاً على حكومته من أجل التحرك حيال المسجد الأقصى، لافتاً إلى أن المقدسات في القدس ما زالت حتى اللحظة تحت الولاية الأردنية وخاضعة لاشراف وسيادة الأردن بموجب اتفاقية وادي عربية، وبموجب القوانين الأردنية السارية، وهو ما يعني أن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأقصى تمثل اعتداء على الأردن، مضيفاً: «هل تجاهل الإعلام الأردني أيضاً الاعتداء على بلاده؟!».
وبحسب الرصد الذي أجرته «القدس العربي» فقد كان لافتاً أن جريدة «فايننشال تايمز» البريطانية نشرت تحقيقاً من صفحة كاملة يوم الخميس الماضي تناول الأوضاع في مدينة القدس المحتلة، بما في ذلك الأحوال المعيشية الصعبة التي يعاني منها سكان البلدة القديمة في القدس المحتلة والقيود الإسرائيلية، بينما يغيب مثل هذا التحقيق عن أغلب الصحف ووسائل الإعلام في العالم العربي.
الجدير بالذكر أن أغلب الصحف الكبرى في العالم العربي مملوكة مباشرة للحكومات أو أنها مقربة منها، أو محسوبة على النظام الحاكم، وفي أغلب الدول العربية ما زالت الكثير من الصحف تتلقى الأوامر سراً من الأنظمة الحاكمة، ولا تعبر إلا عن السياسات الرسمية في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية