الإعلام المصري… رهينة السلطة وأداتها تاريخيا

حجم الخط
1

لا تزال مصر بعد ثورة يناير تعاني من وجود قطاع إعلامي سلطوي، وقيود على حرية التعبير. ولم تستغلّ الأنظمة التي حكمت البلاد في فترة ما بعد الثورة الفرص التي أُتيحَت لها لإصلاح وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، حيث تعرّضت الأصوات الناقدة إلى المضايقات والتهميش من جانب جهات حكومية وغير حكومية.
وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير، التي أطاحت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، اتّخذت الأنظمة المصرية المتعاقبة بعد الثورة خطوات للحدّ من حريّة التعبير والسيطرة على المحتوى في التغطية الإعلامية المصرية. لقد تحطّمت الآمال في ظهور قطاع إعلامي أكثر مهنية، بسبب جهاز الإعلام الحكومي الذي دعم عملياً أي نظام يمسك بزمام السلطة، ووسائل الإعلام الخاصة التي تأثّرت بملاّكها من رجال الأعمال الذين يرتبطون بعلاقات مع نظام مبارك، والاستقطاب الحادّ بين وسائل الإعلام الإسلامية وغير الإسلامية، ورغم ذلك، لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دوراً رئيساً في ثورة 25 يناير. وقد وفّرت هذه الوسيلة طرقاً جديدة للتعبير عن الآراء الانتقادية، وتحدّت المؤسّسات الإعلامية القائمة، ونظّمت الأنشطة المناهضة للحكومة.
لعب الإعلام المصري على الدوام دوراً مهماً في مصر والشرق الأوسط، وطرأت عليه تغييرات مهمة خلال العقدين الماضيين، بلغت ذروتها في دخول شبكات التواصل الاجتماعي التي استخدمتها القوى الثورية بصورة استراتيجية لدعم قضيتها وإسقاط حسني مبارك، الديكتاتور الذي حكم مصر ثلاثين عاماً. ومنذ اندلاع الثورة عام 2011، كانت التغيّرات سريعة، حيث حاولت وسائل الإعلام الحكومية معرفة رؤسائها الجدد. أما وسائل الإعلام الخاصة، فهي تحاول عدم تنفير الناس، في الوقت الذي تحافظ على مصالح أصحابها، الذين كان معظمهم متحالفين بشكل وثيق مع النظام القديم.
في أعقاب سقوط مبارك، يبدو أن كل نظام جاء إلى السلطة، حتى وصول المشير السيسي إلى الحكم، كان أكثر قسوةً على وسائل الإعلام من سابقيه. لكن تبقى شبكات التواصل الاجتماعي قوة مستقلّة، رغم أن الدولة حاولت تضييق الخناق على الأصوات المعارضة في وسائل الإعلام كافة. لطالما استخدمت الحكومة الإعلام لخدمة أجندتها السياسية ونشر رسائلها، عندما تم إدخال الخدمة الإذاعية، بثّ جمال عبد الناصر رسائله القومية الاشتراكية إلى بقية العالم العربي من خلال محطات مثل، صوت العرب وإذاعة الشرق الأوسط. وعندما وقّع أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، ما تسبّب في مقاطعة الدول العربية لمصر، تم استخدام الإذاعة لمواجهة الهجمات المقبلة من هذه البلدان.
وساهمت استثمارات الدولة في إنتاج المحتوى الإعلامي في جعل مصر أكبر منتج في العالم العربي لسنوات عديدة. فقد كان إنتاج البرامج والمسلسلات المصرية، يُصدَّر إلى معظم الدول العربية، ويشكّل في العموم العنصر الرئيس في المحتوى الذي يُبَثّ على قنوات الإعلام العربي.
في عهد مبارك كان مجلس الشورى هو الذي يعيّن رؤساء تحرير الصحف الحكومية، الذين كانوا يرتبطون على الدوام بالنظام بصورة وثيقة. وعليه، أمّن هذا الترتيب تغطية مواتية للنظام في جميع الأوقات، وتغطية واسعة لكل خطوة يخطوها مبارك في إطار خطاب القائد الأعلى وشخصية الأب والحامي الحكيم للدولة والشعب. لذا، اعتاد قرّاء الصحف الحكومية على عناوين رئيسة من قبيل «مبارك أكثر زعيم يثق به شعبه بين شعوب العالم»، أو على اكتشاف أن صورة مبارك في البيت الأبيض، وهو يتقدّم الرئيس الأمريكي باراك أوباما وغيره من زعماء العالم، قد تم التلاعب بها لوضع مبارك في مقدّمة الصورة.
أما القنوات الفضائية الخاصة، فاختلفت في مستوى تأييدها لمبارك أو المتظاهرين الذين تعهّدوا بإسقاطه. العديد من هذه القنوات يملكها رجال أعمال ممَّن كانوا يرتبطون بتحالف وثيق مع نظام مبارك، لذلك حاولت قدر الإمكان الدفاع عن النظام وتشويه سمعة المتظاهرين.
كان هناك عدد قليل من القنوات التلفزيونية الخاصة وبعض البرامج المحدّدة على القنوات الأخرى التي اختارت الوقوف إلى جانب الثورة خلال الأيام الثمانية عشر الأولى، وحاولت تغطية ما يجري في الساحات المصرية بقدر المستطاع. وقد سَعَت إلى استضافة ضيوف متوازنين، بمن في ذلك الناشطون والمثقّفون، فضلاً عن ممثّلين عن الحكومة والحزب الوطني الديمقراطي. وحظيت هذه البرامج، فضلاً عن تغطية القنوات غير المصرية مثل قنوات الجزيرة و«سي ان ان»، بالشعبية لدى الجمهور، الذي كان يحاول معرفة ما يجري في الساحات المصرية. وبالتالي واجه العديد من هذه الوسائل بعض المضايقات من جانب الحكومة، بما في ذلك قناة الجزيرة، التي أغلقت الحكومة مكاتبها خلال الأيام الثمانية عشر.
بعد فترة شهر عسل وجيزة جداً، بدأ تمجيد وسائل الإعلام الحكومية للناشطين يتقلّص لصالح المجلس العسكري للقوات المسلحة. وبدأت أوجه قصور إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية في الظهور. واتّضح أن أحلام الشعب الأولية بقيام نظام إعلامي حرّ لم تتحقّق. كما بدأت حرية التعبير تواجه بعض التهديدات والتحدّيات الخطيرة، عندما بدأ النظام بتضييق الخناق على الحريات الإعلامية. وأُعيدَت وزارة الإعلام في تموز/يوليو في خطوة اعتبرها العديد من المدافعين عن وسائل الإعلام مثيرة للقلق، إذ كان وزير الإعلام المعيَّن، أسامة هيكل، قد بدأ حياته المهنية مراسلا عسكريا لصحيفة «الوفد».
وأصبح الإعلام الحكومي مؤيّداً قوياً للنظام العسكري، وقام بحملات تشهير لتشويه سمعة الثوار. وأشار تقرير نشرته مجلة «تايم» الأمريكية إلى أن البرامج الحوارية في محطات الإعلام الحكومي كانت مليئةً بالألفاظ المعادية للمحتجين، حيث صوّرت الثوار باعتبارهم «بلطجية» وحذّرت من «التدخّل الأجنبي» في الشؤون المصرية، ومن تزايد انعدام الأمن وارتفاع معدلات الجريمة. أما التظاهرات المناهضة للمؤسسة العسكرية فقد وُصِفَت بأنها «أحداث خطيرة ومزعزعة للاستقرار يحرّكها عملاء أجانب». وتعرّض الأشخاص الذين انتقدوا المؤسسة العسكرية إلى الترهيب من جانب النظام بوسائل عديدة. ففي أوائل آذار/مارس 2011، بدأت المؤسسة إخضاع المدوّنين والصحافيين إلى محاكمات وتحقيقات عسكرية، ولم يتغير الوضع منذ ذلك الوقت وحتى الان.
ثمّة حاجة إلى حدوث تغييرات كبيرة في قوانين الإعلام وبنيته للمساعدة في انتقال مصر إلى الديمقراطية. ويبدو أن المشكلة كبيرة إلى حدِّ أن هذه التغيرات تعتمد على الإرادة السياسية أكثر منها على أي شيء آخر، وقد لا تكون التغييرات في مصلحة النظام الحالي، الذي يستخدم الإعلام لترويج قضاياه. يبدو والحالة هذه أن السبيل الوحيد للخروج من المأزق، باستثناء الإرادة السياسية، يكمن في الإصلاح عن طريق قلّة من الأصوات المعارضة داخل وسائل الإعلام، مدعومة بتأييد المجتمع المدني والجماهير. وطالما أن في مصر حكاماً يعتقدون أن السيطرة على وسائل الإعلام تصبّ في مصلحتهم، فلن يتحقّق الإصلاح إلا عن طريق بعض الأصوات المعارضة في وسائل الإعلام، مدعومة بتأييد المجتمع المدني والجماهير.

٭ كاتب وباحث فلسطيني

هشام منوّر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عماري عبد القادر الجزائر:

    الإعلا م في مصر عونا للدكتاتورية وذراعا من أذرع النخاسين لإسترقاق وإستعباد الشعب المصري الأبي ،فالإطاحة بهذا الاعلام هو الاطاحة بأكبر سوق للنخاسة في العصر الحديث في الأمة العربية

إشترك في قائمتنا البريدية