الإعلام والقراءة

■ في الأسبوع الماضي اختتمت أيام الملتقى الإعلامي السنوي، الذي يعقد في إمارة الفجيرة، التي خصصت هذا العام، لمناقشة فكرة أن يربط الإعلام بالقراءة، وأن يأتي متحدثون من الكتاب والمثقفين والإعلاميين من أماكن مختلفة، ليتحدثوا عن هذه الفكرة، وإمكانية دعمها وتطويرها، وأن يدلي الكتاب بشهادات عن تجاربهم كقراء قبل أن يصبحوا كتابا، لديهم قراء.
حقيقة، كانت فكرة أن يتم ربط الإعلام بالثقافة عمليا وليس نظريا فقط، ترد إلى الذهن منذ زمن طويل، والإعلام الذي فاق في تطوره وتمدده، كل نشاط آخر في هذا الزمن، كما أعتقد، ليس أخا جيدا للثقافة عموما، وليس داعما كبيرا لأنشطة الكتابة والقراءة، والذي يطالع القنوات التلفزيونية المبثوثة في الفضاء بشكل هستيري، وتبث متواصلة طوال اليوم، يكاد لا يجد شيئا عن الثقافة، ولا يرى إلا نادرا، كاتبا أو ناقدا، أو شاعرا، يجلس على مقعد وثير في قناة ما، ويتحدث بارتياح، وحتى البرامج التي تسمى ثقافية، تهتم بثقافة الغناء والسينما ولا تحتل الكتابة الإبداعية إلا حيزا ضيقا فيها، أيضا لا يوجد متخصصون حقيقيون، يقرأون، ويتفاعلون مع ما يكتب إلا نادرا، وهكذا نرى الإعلام المرئي، وربما المسموع أيضا لا يخلو من هذه الوعكات الكبيرة، باستثناء إشراقات قليلة، في برامج جميلة وناضجة يقدمها شعراء وكتاب، وتستعرض شيئا من الكتب التي تصدر يوميا، وتستضيف من يستطيع أن يدلي بدلو ثقافي في الأمر.
بالنسبة للإعلام المكتوب، أي الصحف الورقية التي تنشر إلكترونيا عبر الإنترنت، تجد في كل صحيفة تقريبا، صفحة ثقافية، وربما ملحقا أسبوعيا يهتم بالثقافة، ويستعرض بعض الكتب، وهذا بالطبع نشاط جيد في معناه، ويمكن اعتبار الصحافة هنا، من الداعمين لفعل القراءة، حين تستعرض الإصدارات، وتنادي قراءها، من أجل أن يقتنوا كتبا ويقرأوا
وعبر تلك الإعلانات الصغيرة، المتوفرة أيضا، يمكنها التنويه عن أمسية ثقافية، أو حفل توقيع كتاب، أو معرضا للكتب يقام في مكان ما، هكذا، ولو أقررنا أن الاهتمام بقراءة الصحف نفسها، أصبح الآن، أمرا نادرا، إلا في مجالات معينة كالتجارة والرياضة، تصبح أخوة الصحف هنا، بلا معنى كبير، ولن نطرب إلا لمعنى التآخي فقط. ومن الأشياء المخيبة للآمال حقا، أن عددا من الصحافيين الثقافيين أنفسهم، لم يعودوا معنيين بالركض خلف الحدث الثقافي، والبحث عن تفاصيله، ورصفه على صفحاتهم، وحث الناس على تذوقه، وإنما أصبح الموضوع كله، عملا روتينيا، من وراء جهاز مجنون يلملم شتات الدنيا كلها، ويضعه أمامك، وبالتالي تصبح مثل تلك الأخبار، متوفرة ولا تحتاج لمطاردتها، وصياغتها بأسلوب خاص، وأحيانا وبسبب تلك المحاكاة المتمثلة في نقل الأخبار من مصدر واحد في الإنترنت، نجد أن معظم الصحف التي تغطي نشاطا ما، تغطيه بخطأ الخبر الوارد عنه في المصدر، إن كان ثمة خطأ، ولو كتب أحدهم اسم شاعر جمعة بدلا من خميس، لنقلته الصحف كلها بالخطأ نفسه، ولو قيل سيتحدث الشاعر أمل دنقل في حفل ما، وهو متوف منذ سنوات طويلة، لما فكر أحدهم في تعديل ذلك ولترك كما هو. وهكذا.
لقد تحدثت عن إشكالية القراءة والإعلام بوصفها تحمل كل تلك العقد والمشاكل التي ذكرتها، وقلت إننا من أجل أن نخلق توأمة رائعة بين القراءة، ودعم القراءة، علينا أولا أن نتأكد من صلاحية تغطيات نشاط الكتابة والقراءة، بمعنى أن نتأكد بأن من يغطي نشاطا ثقافيا، أو يحاور مثقفا له نتاج موجود، عليه أن يقرأ أولا، أن يطبق تشريعات القراءة على نفسه، أن ينغمس في الكتب ويغرف متعة الانغماس ذلك، وأن يقرأ كتاب: «تاريخ القراءة» لألبرتو مانغويل، ليعرف كيف اكتسبت المعرفة وتطورت ووصلت إلينا. غير منطقي أن يكتب اسم كاتب مشهور، خطأ حتى الآن، لدى عدد من الثقافيين، وغير منطقي أن تكتب الركاكة في التقارير الثقافية، المفترض أنها تضيء حدثا، ولا تعتمه، وبالنسبة لقنوات الفضاء، لا بد من غسلها أيضا، وجعل القائمين على الثقافة فيها، ملمين بما يكتب ويقرأ ويثير التساؤلات، وليس من المنطق في شيء أن يستضيفك مقدم برامج ثقافية، ثم يسألك عن اسمك أو هويتك الثقافية قبل بداية الحلقة، إن كنت شاعرا أو ناقدا أو كاتبا قصصيا، هو هنا يقدم البرنامج ولا يعده، وربما يكون المعد ملما بكل شيء لكن أن تقدم برنامجا لا تعرف عنه شيئا، يعد من الجرائر الكبيرة، في الإعــــــلام الذي يدعي دعم الثقافة.
القراءة نفسها كما تحدثنا عنها، هي في الحقيقة ليست فعلا إجباريا، وقد ذكر كثيرون أن علينا أن نرغم أبناءنا على فعل القراءة، بدلا من تلك الإشغالات الحداثية التي تنهب وقتهم، وهذا لن يحدث أي لن تحدث استجابة بهذه الطريقة، فالزمن الذي تعلم فيه الناس حب القراءة إما بالحزم أو اللين، كان زمنا آخر، لم تكن فيه تكنولوجيا ولا إغراءات أخرى. في الواقع كانت القراءة في حد ذاتها عملا ترفيهيا كبيرا، ينتقل به القارئ من بيته في حيه ومدينته إلى بلاد أخرى بعيدة. ومؤكد أن تتبع شخصية روائية في رواية تدور أحداثها في موسكو مثلا، كان شيئا جديرا باللهاث خلفه. والتعرف إلى أمريكا وعقلية أمريكا من خلال قصة لكاتب من هناك، فعلا ترفيهيا ومعرفيا، هكذا.
لن نضايق الإعلام أكثر، وفقط نطالبه بأن يكون صادقا في تبني القراءة، والثقافة عموما. وأن تكون البرامج الإعلامية التي تتحدث عن الثقافة، مرتبطة بالثقافة فعلا وليست تعديا بلا نتائج. وكذلك حين تغطى الأحداث الثقافية، أن تغطى بألحفة من المودة، وليس مجرد ألحفة بلا هوية.
كاتب سوداني

 

الإعلام والقراءة

أمير تاج السر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فراس حج محمد فلسطين:

    إن كانت القراءة في السابق فعلا ترفيهيا، كما وضح الكاتب، فما حاجة الناس اليوم وخاصة الناشئة للقراءة ووسائلهم الترفيهية المعرفية مختلفة، وهي تؤدي ما يؤدي فعل القراءة من متعة واكتساب معارف، وبطريقة أكثر جاذبية، لن نخدع أنفسنا كثيرا، القراءة إن كانت متعة في السابق فهي اليوم عمل يرجعك إلى ما يشبه السجن، فما الذي يجبر الفتيان على احتضان كتاب والقراءة فيه، ولتكن رواية ممتعة؟ إنه سيختار مشاهدة فيلم ربما أفضل له بكثير.

  2. يقول الدكتورجمال البدري:

    وصفتك بأميرالرّواية العربية…فتحققت النبوءة ؛ والآن أصبح موضوعك كالتاج فوق الصفحة الزهراء علامة.فتمّ تتويجك باليوم نفسه لتتويج لبنان بالرئيس…إنه يوم النعيم لا يوم البؤس ؛ ياسيد ( الطقس ).

إشترك في قائمتنا البريدية