لا نعلم من يقلد الآخر؟؛ هل تسير الرئاسة الأمريكية على خطى الرئاسة المصرية أم العكس؟، وحين نجد دونالد ترامب يصب جام غضبه على الصحافيين وأجهزة الإعلام، ويجعل من تعليماته قانونا يعلو كل قانون، فإن الأمر لا يختلف كثيرا عما يجري في مصر؟ وفي الوقت الذي اصطدم فيه الرئيس الأمريكي بأهم وأخطر جهاز أمني؛ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه). نجد أن ثقة الرئاسة المصرية اهتزت في جهاز المخابرات العامة، وارتاحت لأداء المخابرات العسكرية، وأقر مسؤول رئاسي رفيع باختراق جماعة الإخوان المسلمين للمخابرات العامة، وتردد أن ذلك كان سببا في إبعاد رئيس المخابرات الأسبق اللواء مراد موافي، وتعيين اللواء إبراهيم شحاتة؛ مهندس صفقة الجندي الصهيوني جلعاد شاليط الشهيرة بدلا منه.
وشاليط أسَرتْه حركة «حماس»، ووقتها أشادت صحيفة «هاآرتس» الصهيونية باختيار شحاتة، وأثنت على دوره في دفع التنسيق بين السلطات المصرية والصهيونية إلى الأفضل نسبيا منذ سنوات طويلة؛ «إن لم يكن منذ توقيع ما عرف باتفاقية السلام!»، وكانت صحيفة «الشروق» المصرية نشرت تكهنات عن إحالة مسؤولين بالمخابرات العامة إلى التقاعد، وعَزَت ذلك إلى وجود مؤيدين من كبار الضباط للمرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق، وذكرت في 25 أيار/مايو 2015 أن أنصار شفيق وضعوا تحت المراقبة والرصد، وأنهم التقوا برجال أعمال ومسؤولين إماراتيين وسعوديين وأمريكيين.
ونجد أن الأمر الأكثر لفتا للانتباه هو التوتر القائم بين مجلس النواب وأجهزة الصحافة والإعلام، بصورة لم تحدث من قبل. ويبدو أن توتره جاء وليد الاستخفاف بالدستور والقانون وتجاوُز تقاليد العلاقة القائمة بين سلطات ومؤسسات الدولة وبعضها. واحتدم بين رئيس البرلمان والصحافيين والإعلاميين، ووصل حد مهاجمته لصحيفة «الأهرام»، وقال عنها: «الصحيفة التي تهاجم البرلمان إحنا بنصرف عليها، وإنه لا ينزلق عادة إلى مهاترات الصغار»!!.
وجاء في رد أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة «الأهرام»: «انتقاد رئيس النواب لصحيفة الأهرام يؤكد عدم تقبل المسؤولين في مصر للانتقادات والدور الرقابي، الذي تؤديه الصحف وتكشف الحقائق وتوضح الأخطاء للرأي العام». وذكر خالد البلشي وكيل نقابة الصحافيين؛ «النقد يعتبرونه تشويها، والقوة الناعمة للأهرام تتراجع تماما لأنها مست سيادته، أو رأت في البرلمان رأيا مخالفا. كان أولى بسيادته أن ينظر إلى ميزانية البرلمان ومن أين أتت سياراته المصفحة وغيرها؛ من أموالنا المهدرة لديهم».واستطرد: «في الوقت الذي لم نلمح برلمان سيادته يقر تشريعا يدافع عن غلابة هذا البلد، كل تشريعاتهم جاءت لندفع جميعا الثمن، نحن الذين نصرف عليكم سيادة رئيس البرلمان، ويا ليته بفايدة، ميزانية مصر مش لحضرتك؛ سيادة رئيس البرلمان».
وحسب الإحصائية التي نشرتها صحيفة «اليوم السابع» عن تشكيل البرلمان قبل تعيين نسبة الـ5٪ المقررة لرئيس الجمهورية؛ نجد أن رجال الأعمال الأكثر تمثيلا؛ موزعون على 40 نائبا من أصحاب الشركات، و28 نائبا من رؤساء مجالس إدارات شركات ومصانع، و23 نائبا أعضاء بمجالس إدارات ونواب رؤساء مجالس إدارات شركات ومصانع ومؤسسات، و14 نائبا مهن أعمال حرة. ويقدر مجموعهم 105 نواب، ومن المحامين 59 نائبا؛ بين محام حر ومحامي قطاع عام، أما ضباط الأمن السابقون وصل عددهم 50 نائبا، من مختلف الرتب؛ لواءات بالمعاش وضباط سابقين، وهم الأقرب إلى رجال الأعمال، بجانب أصحاب المعاشات وعددهم 41 نائبا، والقطاع الصحي ممثل بـ40 نائبا؛ طبيب وصيدلي، بالإضافة إلى 35 نائبا من الحاصلين على درجة الدكتوراه وأساتذة بالجامعات، و28 نائبا يحملون شهادة البكالوريوس والليسانس، و27 نائبا من المزارعين والفلاحين، و22 نائبا من المدرسين، و22 نائبا من المهندسين، و16 نائبا من الصحافيين، و14 نائبا من العسكريين السابقين، و13 نائبا من الرياضيين والنقاد الرياضيين ورؤساء الأندية، و12 نائبا يعملون بالمحاسبة، و8 نواب من عُمد (مخاتير) القرى، و3 نواب من مقدمي البرامج والمذيعين، و3 نواب يعملون مأذون شرعي، و2 نواب من سائقي السيارات، مع نائبتين من ربات البيوت، ويُعد العاملان (السائقان) هم وربات البيوت الأقل عددا، وإذا ما أضيفوا إلى الفلاحين والمزارعين يصل عددهم الإجمالي 29 نائبا فقط. وزادت نسبتهم عن الستين في المـئة في برلمانات ما قبل 2011، وغياب شبه كامل للفنانين والممثلين.
هذا المجلس بتشكيله الراهن لا يُعبر عن مصالح وتطلعات الغالبية العظمى من الشعب، ولا يتوقف عن إدانتها وتجريحها؛ لأنها خرجت في ثورتي يناير ويونيو، ولا يعترف أغلب المجلس بثورة 25 يناير؛ الموضوعة في صلب الدستور وأساس شرعية الحكم. ولولاها ما دخل واحد منهم المجلس. وهذا أصابهم بالانفصام، فتوالدت وتكاثرت المشاكل والأزمات، التي لا حصر لها، وتخلي المجلس عن وظيفته الرقابية ودوره التشريعي، واستقر في وجدان أعضائه أنهم «مجلس خدمات»؛ لكنها خدماتهم الخاصة بهم، التي تجعلهم يتبادلون المنافع، ويقتسمون الغنائم، ويحصلون على المكاسب، ويتفانون في خدمة موظفي الحكومة وأجهزة الأمن، لكونها تيسر لهم كل ذلك، وبدلا من مراقبة أعمالهم يدافعون عنهم بالحق وبالباطل، ويتماهون مع استبدادهم وفسادهم، ومع تغولهم في أوساط الحكم وهياكله، ومع أن الثابت أن أخطر أنواع الاستبداد هو الاستبداد السياسي، إلا أن الأكثر خطورة هو «الاستبداد التشريعي».
والاستبداد التشريعي وراء قرار النيابة بالقبض على الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى وإخلاء سبيله يوم الأحد الماضي، بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه مصري، ومعنى هذا أن هناك «قضية» أعدت له، وتجريم رأيه ونقده للمجلس، وهو ما دفع رئيس البرلمان إلى تقديم بلاغ يتهمه بإهانة البرلمان، ونفس الشئ قام به سمير صبري المحامي، فقدم بلاغا آخر اتهمه بنشر أخبار كاذبة. وقد قوبل ذلك بالاستهجان الشديد، فالتقاليد الصحافية تتيح فرصة الرد على ما ينشر في الصحف؛ في نفس المكان وبنفس المساحة، والجهل بها أدى برئيس البرلمان إلى الانزلاق إلى مقاضاة صحافي متمرس ولامع!.
في اليوم التالي أسقط البرلمان؛ رئيسا وأعضاء عضوية النائب محمد أنور السادات، لموقف ما كان يستدعي توقيع العقوبة الأقصى حتى لو أن ما ارتكبه كان خطأً، وجاء على مواقع التواصل الالكتروني أن أمانة مجلس النواب اشترت 3 سيارات جديدة مصفحة بمبلغ 18 مليون جنيه، ودفعت مقدمات لشراء 17 سيارة أخرى من ميزانية المجلس، وفي الوقت الذي نفت فيه الأمانة العامة للمجلس على موقعها الرسمي ما تداولته المواقع الالكترونية أكدت أهمية توفير سيارات مصفحة بسبب الضرورات الأمنية واستهداف الشخصيات العامة من قبل التنظيمات الإرهابية.، وصدر قرار إسقاط العضوية بأغلبية 458 عضوا من أصل 596 عضوا؛ إجمالي عدد أعضاء مجلس النواب.
وهكذا يتأكد لنا أن «الاستبداد التشريعي» أخطر من الاستبداد السياسي فالأول مقنن بالتشريعات، وبحماية القانون ويمارس مُعلَنا وسافرا، والثاني سلوك شخصي غير سوي؛ يمكن مقاومته ومواجهته، ويحميه النفوذ المالي أو الاجتماعي أو الحكومي أو تشد من أزره العصبية القبلية والعائلية!.
٭ كاتب من مصر
محمد عبد الحكم دياب
جميل ان نصول ونجول في المنطقة الخضراء
حذاري من التماس مع الخط الأحمر