الاستثناء المغربي

حجم الخط
24

عزّز حزب «العدالة والتنمية» المغربي صورته كحزب كبير في البلاد من خلال نتائج الانتخابات البلدية والجهوية التي أمّنت له السيطرة على أكبر المدن المغربية متمثلة في الرباط والدار البيضاء وفاس (المعقل الأساسي لمنافسه القديم «حزب الاستقلال»)، من خلال حصوله على المركز الأول في الانتخابات الجهوية.
ورغم تقدّم حزبي «الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال»، اللذين حلا أولاً وثانياً في الانتخابات البلدية، فقد عوّض الحزب ذلك بحصوله على المرتبة الثالثة بنسبة 15،95 وحصول حليفيه، حزبي «التجمع الوطني للأحرار»، و»الحركة الشعبية»، على المرتبتين الخامسة والسادسة.
غير أن كل هذه مجرّد تفاصيل أقلّ أهمّية بكثير من الحدث الذي يمثّله وجود هذا الحزب الإسلامي على سدّة السلطة وما يرفعه ذلك من دلالات كبرى مؤثرة على الشأن العربي.
تزامن صعود «العدالة والتنمية» ذي الاتجاه الإسلامي إلى السلطة عام 2011 مع ارتفاع مدّ احتجاجات الربيع العربي، وعلى عكس أغلب الأنظمة العربية، التي جابهت بالنار والحديد أي محاولات لتغيير شكل أو مضمون الحكم في بلدانها، فقد تعاملت المؤسسة الملكية المغربية بمرونة وحنكة مع هذه الأحداث وهو أمر صار من تقاليد هذه المؤسسة وصفاتها التي تمتاز بها عن باقي المؤسسات العربية الحاكمة.
لم تدرك الأنظمة العربية، وخصوصاً في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر (وكّلها «جمهوريّات») أن وقوفها في وجه المدّ الثوري العارم سيكلّف حكّامها، ونظمها، وشعوبها، أكثر بكثير مما كانت ستكلّفها المراجعات والتسويات التي فرضتها عليها اللحظة التاريخية التي لا ترحم.
إضافة إلى الاستثناء المغربي كان هناك التونسي، الذي نجح في تقديم نخب قادرة على القبول بالنتائج الديمقراطية مهما كانت، وسمح بالحالة الطبيعية للمدّ والجزر، فيما يتعلق بالتيار الإسلامي، وحركة التمويل السياسي والإعلامي المبرمجة ضدهم، فإن المحاولات الإقليمية والمحلية المسعورة لجرّ البلاد إلى استقطابات دموية فشلت، ولكنها أخرجت الإسلاميين من الحكم، وهو أمر طبيعيّ ويساهم، بشكل أو بآخر، في نضوج هذا التيار السياسي، وفي تحفيزه على الاشتغال السياسي والفكري لتطوير أدواته وعلاقاته مع النخب والجمهور.
ولا بأس أيضاً أن نذكر التجربة الأردنية التي، رغم وجودها على حدود الجحيم المفتوح عراقياً وسورياً، فقد استطاعت أن تمخر عباب العاصفة بدون أضرار كبرى، وهي رغم مماحكات نخبتها الحاكمة المريرة مع التيار الإسلامي، على خلفية مطالب فصله عن جسمه العربيّ والخارجيّ عموماً، وقضايا أخرى كثيرة معقدة، فإنها لا تنفكّ تبدي قدرات على تحقيق توازنات مع المطالب السياسية والشعبية، توازيها إدراك كاف للمخاطر يمنعها من الانزلاق إلى حرب مع أي من المكوّنات السياسية للمجتمع، أو السماح لأي كان بضرب النسيج الأهلي الأردني.
يُحسب مع ذلك لـ»المخزن» المغربي (أو «الدولة العميقة»، كما يسميها البعض)، أنه كان الأكثر جرأة والأسرع مبادرة من كل الأنظمة العربية في إدراك العلاقة العميقة بين المدّ الثوري العربيّ وبين الحاجة لفكّ الحصار الخانق ضد الاتجاهات الإسلامية، فقد ربطت الجماهير العربية بشكل فطريّ بين تردّي شؤونها الاقتصادية والاجتماعية، واحتكار نخب وأحزاب بعينها للسلطات التنفيذية، وما عناه ذلك من إقصاء وقمع تعرّض له الإسلاميّون.
السماح بانتخابات ديمقراطية كان الأسلوب الأمثل لإعطاء الإسلاميين حقّهم في تحمّل مسؤوليات تنفيذية، وتحمّلهم، بالتالي، لحملات المعارضة السياسية والشعبية ضدهم، وهو ما انعكس صعوداً لخصومهم في تونس، وتراجعاً لهم في الانتخابات البلدية المغربية التي حلّوا فيها في المركز الثالث.
الاستثناء المغربي قدّم طريقاً مثلى لحكام العرب لاستلهامها، ولكن الفارق ربما هو أن بعض أولئك الحكام وبطاناتهم الحاكمة، جاؤوا للحكم بالانقلابات أو بوراثة بلاد وشعوب لا تربطهم بها سوى أجهزة الأمن والبطش والفساد، وما كان لهم أن ينظروا إلى تلك الشعوب إلا كما ينظر المحتلّون إلى بلدان يحتلّونها، ولا أن يتفاعلوا مع مطالب أهاليها إلا بالقتل والتدمير والإجرام.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ...moussalim.ali.:

    .
    – السيد نوري – UK.
    .
    – ليس هانك في المغرب أي فوضى . وأنا أعم شخصيا ما أقوله ، لأني عايشت حقبة مقاومة الإستعمار الفرنسي للمغرب ، وحقبة العاهل الراحل ، حقبة الرصاص بالمغرب ، دائما .
    .
    – ما لا تعلمه أنت وكثرا من المغاربة أنفسهم مع الأسف ، وهو أن للمغرب تاريخ يعود لإثنى عشر قرنا ( 12 قرنا ) .
    .
    – @@@@@ كم من دولة يعود تاريخها لإثنى عشر قرنا ؟ .@@@@@
    .
    – إستثناء المغرب أو نجاحه أو إعطاؤه درسا للمملكات العربية في القرن 21 ، هو باختصار ، ” ذكاء العاهل ، و ذكاء الشعب المغربي ” .
    .
    – كيف للعاهل أن ُيوّفر الحكم للأحزاب السياسية بنسبة 100/100 ، والمغرب يخرج تدرجيا من حقبة حكم كانت مختلفة 100/100 عن ما هو عليه الحال الآن ؟ . إن فعل ، فستكون هناك الفوضى حقا .
    .
    – للإشارة فقط ، ما يخوّله الدستور الجديد ( دستور 2011) للأحزاب السياسية المغربية من صلاحيات الآن ، لم تستطيع الأحزاب التكييف معه بعد ، لأنها هي نفسها ليست مبنيّة على أسس دمقراطية داخلية للأحزاب ؟ .
    .
    – الحملة الإنتخابية هاته ، مرت رغم بهض الشوائب المهتادة في جو رائع .
    .
    – ما كان أروع ، وهو أن الشعب المغربي البسيط ، المستضعف ، كان يصرخ وبكل حرية ، لأول مرة خلال حملة اناتخابية ، ” لا للفسادين اللصوص ” .

  2. يقول صوت من مراكش:

    رغم اني كنت من المقاطعين ليقيني ان منة الديمقراطية الممنوحة لنا غير كافية

    الا انني اثمن للمخزن طريقة تعامله مع مطالب الخريف العربي مقارنة بالانظمة

    العربية الاخرى

    وتحياتي

  3. يقول ماجدة / المغرب:

    الاستثناء المغربي يعود اولا الى طبيعة الشعب المغربي
    شعب مسالم مكافح يعمل بجد لبناء نفسه وبناء الوطن جميع فئات المجتمع تعمل بكل جد رجالا ونساء
    وثانيا يعود الى طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البلاد وهي علاقة باتت مع تولي محمد السادس الحكم متينة قوية يشوبها الرضى من طرف المواطن مهما كان فقيرا
    ثقة المواطن في الملك اكثر من ثقته في الاحزاب وكل منظومة الحكومة
    لذلك تجد نوعا من الرضى بالوضع الحالي
    اضف الى هذا ان الملكية في المغرب كما قال الاخوة قبلي مؤسسة تاريخية تعود الى اربعة قرون خلت وليس من السهل تقويض دعلئمها لا قدر الله
    نعم لا قدر الله فنحن راضون قانعوم ونعتبر انفسنا احسن بكثير من غيرنا ولله الحمد فهذا من فضل ربي علينا
    هذا هو الاستثناء المغربي بكل بساطة !

  4. يقول عادل:

    هناك الاستثناء التونسي أيضا حيث اعترفت كلّ الأحزاب بشرعيّة الانتخابات الأخيرة. وكان للسيّدين راشد الغنوشي وذ.منصف المرزوقي شرف تهنئة السيّد الباجي بفوزه بالرئاسيّة. والنهضة اليوم شريك في الحكم مع حزب نداء تونس.. تجربة فريدة نأمل أن تتواصل ويكون هناك تداول سلمي على السلطة. فنحن العرب جديرون بأنظمة ديمقراطيّة مثل الآخرين. شكرا

  5. يقول Hassan:

    لو تصالح الزين في تونس منذ التسعينات مع الإتجاه الإسلامي، النهضة حاليا، ما آل الأمر إلى ما هو عليه الآن ولكان الحال غير الحال.

  6. يقول عادل:

    الأخ حسان: “لو” باب من أبواب الشيطان كما جاء في الحديث الشريف. ومن أدراك بأن تكون الحال غير الحال. علّمنا أساتذتنا أنّ “لو” حرف امتناع لامتناع. وقد حدث في تونسما حدث. والافتراض لا يكون على الماضي… “لو” في السياسة لا تعني شيئا،لأننا يمكن أن نفترض كلّ شيء.. ماذا “لو” كانت تونس تقع في أوروبا؟ ماذا “لو” غادر الرئيس السوري الحكم؟ ماذ ا “لو” انسحبت اسرائيل من الأراضي المحتلّة؟ إلخ… شكرا

  7. يقول مروان الجزائر:

    الاستثناء الوحيد ..هو الاستثناء التونسى..كفى ضحكا على الناس..الكل يعلم ان الانتخابات شكلية وان السلطة بيد القصر..

    1. يقول طاهر العربي:

      ‏وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

    2. يقول مروان الجزائر:

      صدقت…

  8. يقول Hassan:

    عادل
    ليس هذا لب الموضوع، مع أنني لست نهضاويا. ولم أنتخب ولن أنتخبها. أنسيت ” من ترك الجدال …”

  9. يقول جلال العربي:

    لا أعرف لماذا الدول المغرب العربي مختلفة عن الدول المشرقية بينما هذه الدول تحل مشاكلها بالحوار والمشاركة وتصل إلى تفاهمات السياسية كما حصل في المغرب تونس وحتى ليبيا قبل المتحاربون فيها بالجلوس طاولة الحوار نرى العكس الذي يحصل في الدول المشرق الصراعات الدموية الحروب ا ال أهلية والطائفية ولا أحد يفكر في مصلحة الوطن أو حل المشاكل والخلافات بالحوار بدون الاستخدام السلاح ما السبب هل المواطن في المشرق دمه الحار ويثور سريعا حتى في طريقة الحوار نرى مثلا الذي ينتمي المغرب العربي يتكلم اللغة هادئة مختصرة مقنعة بينما الشخص المشرقي يتكلم بعصبية ثوتر شديد ولا يعرف إلا اللغة الشتائم والسب بدون اقناع

  10. يقول mosa:

    حينما شاهدت كثير من الدروس الحسنيه نسبه ( للملك الحسن ) و كانت تضم افذاذ العلماء ويجلس العالم في كرسي أعلى من كرسي الملك أيقنت ان هذا الملك توارث الحكمة من ابيه . و لا بد ان ملك المغرب اهتدى الى هذا الحل وهو التنازل عن كثير من صلاحياته بعد استشارة مستشاريه من العلماء وما اختزنته السنوات من خبرات . كما ان بن كيران اثبت براعه سياسيه كبيره خاصه حينما شاهدناه في حواراته مع مذيع الجزيره احمد منصور . و لا بد ان المواطن المغربي حين يختار ممثل له يبني ذلك على ما كان وما تحقق له والنتائج تدل على ان الشعوب حينما تختار من يمثلها تفلح في ذلك .

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية