ثلاثة تطورات حدثت خلال أسبوع واحد تتعلق بغزة – قد تبدو متباعدة لكنها في الحقيقة مترابطة: مؤتمر البيت الأبيض حول الوضع الإنساني في غزة والذي ترأسه جيسن غرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب لعملية السلام، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج بعد اجتياز معبر بيت حانون في يوم الثلاثاء 13 من الشهر الحالي، وخطاب التحريض الذي ألقاه الرئيس محمود عباس مساء الإثنين واتهم فيه حركة حماس بالمسؤولية المباشرة عن المحاولة. والأحداث الثلاثة، وإن بدت متباعدة، فإنها تثير أسئلة عديدة حول هذه التطورات المتزامنة والمترابطة والمشبوهة.
حول معاناة غزة
لماذا تقوم إدارة ترامب التي أجرمت في حق أهالي غزة بعقد مؤتمر لإنقاذ غزة والتباكي على سكانها وهي التي قامت بقطع المساعدات عن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تقدم المساعدات لثمانين في المئة من سكان القطاع؟ فكيف لمن يخطف اللقمة من يدك يبكي عليك وأنت تتضور جوعا؟ إذن لا بد من سبب آخر. ولنسمع نفاق إدارة ترامب في ما جاء في بيان الدعوة للاجتماع. يقول البيان: «إن حل الوضع في غزة هو أمر حيوي لأسباب إنسانية مهمة ولأمن مصر وإسرائيل، وهو خطوة ضرورية نحو التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين». ويضيف البيان «سيكمن التحدي في تحديد أي الأفكار يمكن تنفيذها بشكل واقعي في ضوء حقيقة أن الفلسطينيين في غزة ما زالوا يعانون في ظل الحكم الاستبدادي لحماس». إذن الهدف هو أمن إسرائيل ومصر وإيجاد حل واقعي للصراع. وللدلالة على أن مؤتمر البيت الأبيض مشبوه من أوله إلى أخره فلم تدع الأونروا للمؤتمر على الأقل لتقديم تقرير عن الأوضاع الإنسانية في القطاع، كما شارك في اللقاء الغامض 13 دولة فقط وعدد من المؤسسات الإنسانية ورفض مسؤولو الإدارة الكبار تقديم تفاصيل أو وصف ما قدمته الدول المشاركة.
محاولة اغتيال مشبوهة
كيف لحركة حماس التي جاءت اتفاقية المصالحة لتنقذها من أزمة وجودية وإنسانية أن تقوم بمثل هذه العملية؟ لقد شاهدت بأم عينيها سكان القطاع المليونين يغرقون في حالة من اليأس والفقر المدقع والضياع والانهيار بسبب الحصار الطويل والحروب الثلاثة التي استهدفت غزة تحت حجة وجود حركة مسلحة تهدد أمن إسرائيل، ولا يكاد يوجد غزي واحد دون أن يضع جزءا من اللوم أو كل اللوم على سياسات حماس التي أوصلت الحالة الإنسانية في القطاع إلى ما هي عليه الآن. فهل هناك إنسان عاقل يعتقد أن حركة حماس يمكن أن تقوم بمثل هذه العملية الدنيئة في استهداف الحمد الله وفرج؟ فالعملية لا تصب في مصلحتها بل تعتبر تحديا لسلطتها وهيمنتها على القطاع. ولو كانت تريد حركة حماس أن تغتال الحمد الله لما اقدمت على ذلك في غزة بل في رام الله أو نابلس لخلط الأوراق وهي قادرة على ذلك. ولو أرادت حركة حماس أن تغتال الحمد الله في غزة لأتقنت العملية دون أن تترك أي أثر ولما قامت بمثل هذه العملية التي تدل على غياب مهنية مدبرها ومنفذها. إذن لا بد من طرف آخر وراء هذه العملية له مصلحة كبرى في عدم إتمام المصالحة وإبقاء القطاع محاصرا ومكسورا ومهانا ومجوعا ليقبل ما يعرض عليه لاحقا. فمن هو الطرف المستفيد من عدم إتمام المصالحة؟
خطاب الرئيس عباس
الخطاب التحريضي الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الاجتماع القيادي للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح وأمناء الفصائل وبعض قيادات الأجهزة غريب من نوعه وغير معهود. اتهم عباس حركة حماس بالمسؤولية المباشرة عن محاولة الاغتيال رافضا أي تحقيق وقاطعا بالنتيجة دون أن يقدم دليلا واحدا مقنعا لتعزيز هذه التهمة ما يجعلها تهمة جاهزة ولأسباب سياسية قد تكون أكثر خطورة من عملية الاغتيال نفسها. ومما جاء فيه: «بصفتي رئيسا للشعب الفلسطيني قررت اتخاذ الإجراءات الوطنية والقانونية والمالية كافة من أجل المحافظة على المشروع الوطني». أي الهدف هو إنقاذ المشروع الوطني.
من جهتها ردت حركة حماس على هذه التهم التي اعتبرتها باطلة وتحريضية قائلة في بيان صحافي «إنها تفاجأت بالمواقف التوتيرية لعباس والتي تحرق الجسور وتعزز الانقسام وتضرب وحدة الشعب الفلسطيني وعوامل صموده»، كما طالبت الحركة كل الجهات الإقليمية والدولية وجامعة الدول العربية «بالتدخل العاجل والمسؤول لوقف هذا التدهور الخطير».
محاولة لفهم هذه التطورات
إن الرئيس عباس ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج يعرفان حق المعرفة أن الذي حاول القيام بعملية الاغتيال ليس حركة حماس. من حقهما أن يلوما الحركة لا أن يجرماها بسبب مسؤوليتها من الناحية الموضوعية بصفتها مسؤولة عن الأمن في كل القطاع وأي إختراق لهذا الأمن يضر بسمعة حماس ويشكك في قدراتها. وهي ليست المرة الأولى التي يخترق فيها الأمن في القطاع. وكانت محاولة اغتيال أحد قادتها الأمنيين توفيق أبو نعيم يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017 أحد أسطع الأمثلة على هذا الاختراق.
ورغم ما لحق من خلافات في الساحة الفلسطينية إلا أن مسلسل الاغتيالات لم يكن يوما فلسطينيا بل على أيادي عملاء يعملون لصالح دول وأجهزة مخابرات وأعداء للشعب الفلسطيني. وكما يعرف الجميع أن حماس موجودة بكثافة في الضفة الغربية مثلما توجد فتح بكثافة في قطاع غزة ولم يصدف أن حصلت محاولات اغتيال دنيئة بين الطرفين، عدا عن المواجهات المحدودة عام 2007 عندما قرر محمد دحلان أن يصفي حركة حماس بالقوة المسلحة بناء على تعليمات وخطط أمريكية رسمت مع نائب رئيس الأمن القومي إليوت أبرام ونشرت تفاصيلها فيما بعد تحت اسم «عملية الانقلاب القاسي» في مجلة «فانيتي فير» (عدد 3 مارس/آذار 2008).
إن خطاب الحنق الذي أدلى به عباس ليس لأنه يعرف أن حماس قامت بالمحاولة بل لأسباب قد تكون أخطر من ذلك تتعلق بصفقة القرن ومحاولة الالتفاف على شرعيته وإيجاد قنوات اتصال بين حركة حماس والولايات المتحدة عن طريق وسطاء عرب لتمرير صفقة القرن في القطاع أولا تبدأ بتبادل جنديين إسرائيليين (وربما ثلاثة) وجثـتين لجنديين مقتولين تحتفظ بهما حركة حماس منذ حرب صيف 2014. وفي المقابل هناك مشاريع يتم تنفيذها أو على وشك تنفيذها على الأرض من قبل الدول المانحة وبتشجيع من الولايات المتحدة من بينها محطة تحلية المياة والتي عقد من أجلها اجتماع في بروكسل الأربعاء جمع نحو 500 مليون دولار. كما أن هناك وعودا ببناء ميناء بحري في قطاع غزة وربما إعادة ترميم المطار. وبالتالي يكون القطاع قد استوفي شروط قيام دولة أو شبه دولة وخاصة إذا تم توسيع القطاع في أراضي سيناء المصرية وهو ما يبدو أنه مشمول في مشروع صفقة القرن الذي تروج له إدارة ترامب.
لقد تأكدت الإدارة الأمريكية بعد زيارة سرية قام بها غرينبلات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجس نبض الرئيس عباس في موضوع الصفقة وأكد السيسي لغرينبلات أن عباس في هذا العمر لن يقبل على الإطلاق بصفقة خطيرة تنهي حياته كرجل خان قضية شعبه إذا تخلى عن القدس وحق العودة وضم المستوطنات لإسرائيل. ويبدو أن الوساطة مع حركة حماس تقدم هذه الإغراءات ليكون البديل الآن على الأقل هو إقامة كيان قابل للحياة في غزة بدعم عربي ودولي وإقامة مشاريع حيوية كبرى لإنقاذ القطاع من نهاية مروعة إذا استمرت الأمور كما هي عليه الآن. ولكن في ظل اكتمال المصالحة من الصعب على هذا المخطط أن يسير خطوة إلى الأمام خاصة أن عباس سيقوي موقفه في رفض الصفقة الأمريكية – إذن لا بد من إفشال المصالحة.
في هذا السياق نفهم ترابط اجتماع البيت الأبيض حول غزة ومحاولة الاغتيال التي تهدف أساسا إلى قطع الطريق على رأب الصدع الفلسطيني الذي يقوي موقفي عباس وحماس في التكاتف معا لرفض صفقة القرن، ونفهم كذلك خطاب التهديد والوعيد الذي أطلقه عباس تحذيرا لحركة حماس خوفا من التعامل مع المخطط الأخطر في فصل غزة عن الضفة وتشكيل كيان مدعوم من بعض القوى الإقليمية كتنفيذ أولي لصفقة القرن.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز بولاية نيوجرسي
د. عبد الحميد صيام
تحليل جيد ومترابط وعميق. لا يوجد منطق يقبل ان تكون حماس من هي وراء حادثة التفجير لموكب الحمدالله ولكن ما يضفي بعض الشك في هذا الإطار هو مقتل الشخص المتهم منذ الْيَوْمَ الاول بالعملية وهو الخوصة. على طريقة اغتيال كنيدي بقتل من قام بالقتل وهنا افقد الأدلة. كان على حماس ان تحافظ على حياة الخوصة الذي يكمن فيه سر العملية كلها.