في مستهل كتابه عن «التلاقي بين البوذية والغرب» يستثير فردريك لونوار مخيلتنا التاريخية والروحية في آن، بالاشارة الى انه، وفي زمن توسّع الامبراطورية الفارسية أيام قورش الكبير في القرن السادس قبل الميلاد، لتمتد نهر السند الى نهر النيل الى بحر ايجة، كان يمكن لبوذا السعيد، وبيسر، بفضل الحال الممتازة للطرقات والمواصلات، أن يذهب للقاء معاصره الفيلسوف اليوناني فيثاغورس في مدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع من السفر على صهوة حصان.
يضيف رينوار ان مثل هذا العبور الذي لم يتحقق في حينه، مع انه كان ميسّراً للغاية من ناحية الظروف السياسية والأمنية والطرقية في ظلال هيمنة الفرس على معظم المسافة الفاصلة، صار شبه مستحيل اليوم بسبب انعدام الاستقرار أو اقفال الحدود في المنطقة الفاصلة بين اليونان والهند.
بعد قرنين من قورش، كان الفتح المقدوني للشرق، انتصاراً على الفرس، وتجاوزاً لنهر السند باتجاه ممالك حوض الغانج. فتح الشرق الممتد من بحر ايجة الى نهر السند على مصراعيه مرة أخرى، وحتى لو ان عقد الامبراطورية الواحدة انفرط سريعاً بعد رحيل الاسكندر، فإنّ مرحلة هلينستية كاملة بقيت تؤسس لهذه الرابطة «من اليونان حتى الهند» التي لن تجد تحديداً جغرافياًً حديثاً يعبّر عنها ككل (لا «جنوب آسيا» ولا «الشرق الأوسط»)، ولو أنّ امبراطوريات مدافع البارود الثلاثة (العثمانية والصفوية والبابورية المغولية) عبّرت عنها، بالتفاعل، حرباً أو سلماً، فيما بينها، وأزيد، وقبل قرون قليلة من الحين.
مصادفة التلاقي الزمني بين التفاوض اليوناني – الأوروبي حول أزمة المديونية العامة وحدود الانتداب «التقشّفي»، وخصوصاً الألماني على أثينا، وبين التفاوض الايراني مع مجموعة الدول الست تتقدمها الولايات المتحدة، وحدود «الوصاية النووية» على ايران، كانت مناسبة لانتعاشة احالات عديدة الى التاريخ القديم في كل من البلدين، في الكتابات التي راجت حول اللحظة. فلكل من ايران واليونان حصة الأسد في التاريخ القديم. لا يعني ذلك ان الامبراطورية الايرانية الممتدة حتمية أبدية كما حاول أن يدبّج البعض، ولا ان الديمقراطية اليونانية هي ذلك الشيء المتواصل عبر التاريخ، فاليونان الحديثة، التي استولدت سلالتها الحاكمة من بافاريا بعد انفصالها عن الدولة العثمانية، كانت لا تزال تخضع لحكم الكولونيلات الديكتاتوري حتى بداية السبعينيات من القرن العشرين، ولم يسقط هذا الحكم بمراكمة وعي ديمقراطي ليبرالي داخلها، بقدر ما سقط تحت وطأة الأزمة القبرصية.
يبقى أن التاريخ القديم للمجال الممتد من غرب الهند وشمالها، ومن أفغانستان (التي ازدهرت فيها حضارة يونانية بوذية) حتى اليونان، كان تاريخاً ايرانياًً – يونانياً بامتياز، يعبّر عن واحدة من صفحاته البهيجة فردريك رينوار عندما يرسم لبوذا مساراً ميسّراً لمجالسة فيثاغورس. هذا الاقليم الممتد من بحر ايجة حتى حوض نهر السند شرقاً، ونهر النيل جنوباً، كان يمكن لآسيا الصغرى واليونان أن ينظر اليهما كغربه، ولبلاد ما بين النهرين والهضبة الايرانية أن ينظر اليها كوسطه.
المشتركات الحضارية في هذا الاقليم «اليوناني – الايراني» صقلتها التجربة الهلنستية بعد الاسكندر. ومع ان الصراع بين السلالات المتعاقبة على امبراطورية الفرس (ثم الاسلام الاموي والعباسي) وبين الامبراطورية الرومانية (وامتدادها الذي نسميه اتفاقاً بالبيزنطية) أفقدت هذا «الاقليم الممتد من السند الى ايجة» بعضاً من مشتركاته الحضارية، وأغنته بأبعاد أخرى في نفس الوقت، ولو بحدود كانت تجعل التنقل بين ربوعه أصعب (السفرة المتخيلة – والمثبتة عند الجماعة الأحمدية – للمسيح الى كشمير صارت أصعب)، فان منظومة التفاعل بين الامبراطوريات العثمانية والصفوية والمغولية الهندية عادت وأتاحت لهذا الاقليم انتاج مشتركات حضارية جديدة، ولعبت اللغة الفارسية دوراً أساسياً في هذا المضمار، بكونها لغة الصفوة الأدبية من دلهي وآغرا حتى الآستانة).
عبور الطريق من الهند الى اليونان برّاً تزداد صعوبته أو استحالته في كل يوم، خصوصاً بالنسبة الى الأفراد، رغم ان خارطة العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية بين ايران وكل من الهند وباكستان وتركيا، وما يمكنه أن يفتحه الاتفاق النووي من آفاق في هذا المجال ترسم اتجاهاً معاكساً. وطبعاً، لو مُلّك بوذا المتخيّل في السفرة جوازاً أوروبياً ستسهّل أموره على الحدود، لكن معدّل الخطر عليه من الجماعات المتشدّدة سيزداد!
هذا المدى الذي استذكره لونوار بجرّة قلم، ليس هناك ما يلتقطه خير من الكلمة الساذجة: «الشرق». رغم تضخم الاسقاطات عليها.
انه شرق قورش والاسكندر والسفرة التي لم يقم بها بوذا مع انها كانت متاحة (أما البوذية فانها ستنتشر في هذا الاقليم بعض الشيء لكن مجالها الأساسي على المدى الطويل سيكون خارجه).
ستبقى أوصال التنقل في هذا الاقليم «من الهند الى البلقان» مقطعة، خصوصاً بالنسبة الى الأقوام القاطنة فيه. أما المشتركات في الزمنين الهلنستي أو السلطاني فتشكل بالتحديد ذلك الميراث النقيض لكافة النزعات الاحيائية والمهدوية الرائجة، سواء في المجال الهندوسي، أو في المجال الاسلامي بشيعته وسنّته. وأياً كان الموقف في اليونان من المكوث في «منطقة اليورو» أو مغادرتها، فإنّ المناداة بهوية «هندية ايرانية يونانية» ممتدة من السند حتى الاكروبولس لن تخطر في بال أحد. اليوناني الرافض للفكرة الأوروبية بحد ذاتها، لو وجد، سوف يبحث عن نفسه حضارياً في «ارثوذكسيته»، في «متوسطيته»، في «بلقانيته» أو حتى في «ليفانتينية نصف العثمانية»، لكن أن يصل به المقام لتخيّل رحلة يقطعها بالقطار من أثينا حتى دلهي، فهذا أمر جد مستبعد. ما هو شرق بحر ايجة صار عنده «آخر اكزوتيكي» بتمامه.
في هذا الاستبعاد نلمح الجانب المقلوب لعولمة الزمان والمكان. هنا المسافات تزداد ولا تقصر، والنزعات الاحيائية والمهدوية يرسم كل منها في تهويمه نطاق امبراطورية مترامية الأطراف، ومتطهرة من المخالف. طبعاً لن تجد نزعة احيائية فيثاغورية، أو هلنستية، أو صفوية عثمانية مغولية مشتركة، والمفارقة انّ آخر من أوجد لهذا النطاق «الهندو – ايرانو – يوناني» من العالم فرصة أخيرة للتلاقح الحضاري التعددي بين أركانه، كان الاستعمار والاستشراق المصاحب له.
لكن «الاقليم الاسكندريّ» هذا، الاقليم الذي تغذي الحنين اليه منمنمات «الاسنكدر نامه»، يبقى بسذاجة فكرته عند الايماء بها لأوّل وهلة، وبجمال صفحات ميراثه الحضاري المشترك عند تقليبها، يطرح نفسه، كلما استبد الشعور بالاختناق، من «الاتحاد الاوروبي» وشروطه، ومن ولاية الفقيه وعنترياتها القولية، ومن «داعش» و»النصرة» و»حزب الله» و»الحشد الشعبي» وعبد الفتاح السيسي و»بهاراتيا جاناتا». هذا الاقليم الواسع المفقود خبره، كما الروح.
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
رحلة جميلة معك عبر التأريخ يا أستاذ وسام
سترجع الخلافة الراشدة يوما حتى تزال الحدود الأرضية وتستبدل بالحدود الربانية
ولا حول ولا قوة الا بالله
السلام عليكم٠إلى الأخ الكروي..الخلافة الراشدة قائمة..هداك الله إليها و الأخ الكاتب بارك الله فيه أومأ إليها عن قصد أو غير قصد..فلقد ذكر رحلة المسيح الناصري عليه السلام من فلسطين مرورا بسوريا ثم إيران حتى وصوله إلى الهند و بالضبط إلى كشمير أين يوجد قبره مع كل من رافقه(أمه مريم عليها السلام و بعض أفراد عائلته و أصحابه..) و ذكر الكاتب الجماعة الأحمدية لأن هذه الجماعة تؤكد على و فاته و دفنه هناك فأبحث في هذا الأمر بلا تعب و لا تستمع لأحد إلا لما يمليه عليك ضميرك و ندعو الله أن يظهر الحق لمن جاهد من أجله..كذلك ذكر الكاتب جزاه الله خيرا قصة الملك كورش أي ذو القرنين الذي حارب أقواما فاسدة و همجية كانوا مفسدين في الأرض و جعل بينهم و بين من من أستنصروه عليهم سدا..اولاءك الأقوام الذين حاربهم كورش هم”ياجوج و ماجوج ” أي الشعوب (الروس و الأوربيون” و هم من وصفهم القرآن بهذا الوصف و حينما يخرجون أي يظهرون على الأمم الأخرى و يكثر فسادهم و يتحكمون في العلوم و يشعلون الحروب و يكونون إرهاصا لقيام الساعة..