بغداد ـ «القدس العربي»: انتهى التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية يوم 12 من أيار/مايو الحالي، ليبدأ الصراع الأعنف بين القوى السياسية على تشكيل الأغلبية المطلوبة، بعد معرفة حجم كل كتلة، والبدء بعقد التحالفات لتشكيل الحكومة المقبلة، وسط مخاوف من ان يترك الصراع بين إيران وأمريكا عقب إلغاء الاتفاق النووي، تداعياته على نتائج الانتخابات والحكومة المقبلة.
ومع مساعي المراقبين والاستطلاعات لرسم ملامح نتائج الانتخابات المتوقعة، في ضوء ثقل القوى السياسية العراقية، فان الجميع يقر بعدم امكانية حصول تغييرات كبيرة عن نتائج الانتخابات السابقة.
القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني فريد اسسرد، أشار لـ»القدس العربي»، إلى ان الطبيعة الديموغرافية في العراق حتمت ان يكون للشيعة الأغلبية بسبب الثقل السكاني، لذا يكون لديهم عدد أكبر من الآخرين في مجلس النواب وهذه حقيقة لا يمكن لاحد تجاهلها، متوقعا ان يبقى حجم الكتلة الشيعية في مجلس النواب المقبل كما هو.
وقال عن الأحزاب الكبيرة في إقليم كردستان، «انها تعاني من مشاكل كثيرة، ولكن حتى الآن لم يظهر بديل قوي جدير بالثقة، لذا اعتقد ان الأحزاب الكبيرة ستحافظ على أصواتها السابقة، إضافة إلى ان الأحزاب الجديدة أيضا ستكون ضمن القائمة النيابية المقبلة»، معربا عن اعتقاده «باحتمال ان يكون هناك تناقص في عدد ممثلي الأكراد في البرلمان الاتحادي المقبل ولكن ليس إلى درجة تثير القلق».
وعن القوى السنية، ذكر ان وضعهم خاص، تأثر كثيرا بالدمار الذي تركه وجود «داعش» في المحافظات السنية، وهناك عدد كبير من أهلها في المخيمات، وإذا لم يتم استنفار الجهود للتحرك نحوهم، ستكون هناك امكانية لتراجع أصوات السنة في المجلس المقبل.
إلا ان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي مفيد الجزائري، أكد لـ»القدس العربي» وجود دلائل كثيرة على ان تغييرا سيطرأ وان الأمور لن تبقى على حالها نتيجة المزاج العام الرافض للفساد والفشل وسوء الإدارة، مستدركا ان توقع التغيير الجذري صعب، ولكننا نتمنى ان يكون مؤثرا. وبيّن ان قائمة «سائرون» التي تقود حركة الإصلاح تضم التيار الصدري والحزب الشيوعي وقوى مدنية أخرى، «ونتوقع ان يحافظوا على نسبة مشاركة جمهورهم المستقرة كما حصل في الانتخابات الماضية»، منوها إلى وجود تأييد شعبي للقائمة ووعود من جهات بدعمها، «ولكن لا نعول عليها ونتجنب البناء على الأوهام، حتى تظهر نتائج الانتخابات» متوقعا حصول الحزب الشيوعي على «ما بين 2 إلى 4 مقاعد»، علما بانه ليس لديه الآن أي مقاعد في البرلمان.
وشدد الجزائري على ان «التذمر والواقع الصعب الذي تعيشه الأكثرية الساحقة لا بد ان يعبر عن نفسه في الانتخابات» مشيرا إلى ان الكتل الكبيرة كانت تتمكن من خداع الجمهور في الانتخابات السابقة لكسب أصواتهم، ولكن بعد نكبات الموصل وظهور داعش وبعد التقشف والفساد، أصبح الكثير من الناس يتعلمون من الدروس الصعبة والمعاناة والمحنة الطويلة.
نسبة المشاركة
ووسط مخاوف من عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات ليأسهم من العملية السياسية، وجه أغلب زعماء الأحزاب والكتل السياسية والمرجعيات الدينية، رسائل تحث على ضرورة المشاركة في الانتخابات.
وعقب التصويت الخاص للعسكريين والمغتربين والسجناء يوم 10/5 أعلنت مفوضية الانتخابات، أن نسبة التصويت في الاقتراع الخاص بلغت 78 في المئة.
ويحق لأكثر من 24 مليوناً بضمنهم حوالي مليون عسكري، المشاركة في انتخاب البرلمان الجديد للدورة الرابعة المكون من 329 نائباً، مع وجود أكثر من سبعة آلاف مرشح يمثلون 18محافظة.
احتمالات التزوير
وقبل بدء الانتخابات، أطلقت الكثير من الأحزاب والتيارات مخاوف من توقعات قوية للتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات من بعض القوى السياسية المتنفذة، إضافة إلى ممارسة ضغوط على الناخبين بهذا الشأن.
القيادي الشيوعي ووزير الثقافة السابق مفيد الجزائري، أكد ان «حالات التزوير لا نستبعدها أبدا، لأنه في كل الانتخابات السابقة والفوز الذي حققته الكتل الكبيرة، كان قائما في جزء أساسي منه على التزوير، وهم اعترفوا، ولكن الآن ربما اتخذت بعض الإجراءات التي تضيق عليهم ولا تجعلهم يزورون براحتهم كالسابق، إلا انهم لن يقصروا في محاولات التزوير وابتكار وسائل أخرى».
وشهد يوم التصويت العام، الكثير من المخالفات منها قيام مرشحين من تحالف الفتح التي يرأسها هادي العامري، بالاستحواذ على مراكز اقتراع في ديالى ومنع ناخبين من الوصول إليها، وسحب استمارات الناخبين، ووقوع شجار بين ممثلي وأتباع المرشحين في بعض المراكز الانتخابية، ومنع الصحافيين من تغطية بعض المراكز، وغياب أسماء الكثير من الناخبين من السجلات، كما شهدت مخيمات النازحين عمليات تزوير، وغيرها من المخالفات.
وبدورها عبرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» عن القلق بشأن وقوع حالات ترهيب للناخبين من قبل تشكيلات مرتبطة بالحشد الشعبي، عقب قيام مديرها يان كوبيتش بزيارة إلى صلاح الدين ولقائه بالحكومة المحلية فيها. وفي هذا السياق، أكد المرشح عن الموصل علي مليح الزوبعي، ان قادة في الحشد الشعبي في نينوى هددوا سكان المناطق المحررة من «داعش» بالتهجير من المحافظة إذا لم يصوتوا لقائمة الفتح.
وفي كركوك انتقد نواب عرب ومنظمات مراقبة للانتخابات، حدوث تزوير واسع في الحويجة لصالح حزب كردي. كما أكد محافظ كركوك راكان سعيد، وجود شكاوى مقلقة من بعض المحطات الانتخابية، مشيراً إلى وجود أخطاء ليست عرضية خلال الاقتراع الخاص، لافتا إلى أن «هناك شكاوى مقلقة جدا من بعض المحطات والمراكز وهذا الأمر خطير جدا».
وفي إقليم كردستان العراق، كانت الانتخابات فرصة لبعض القيادات الكردية لعودة نغمة استقلال الإقليم إلى الواجهة، في وقت شهد تحرك محموم للقادة الكرد في المناطق المتنازع عليها، على أمل اعادتها تحت النفوذ الكردي عبر الصناديق، وسط شكوى كردية بان ميليشيات الحشد في كركوك ومناطق أخرى «متنازع عليها»، منعت القوات الأمنية الكردية من التوجه إلى الصناديق للمشاركة في الاقتراع الخاص.
ويذكر ان المفوضية العليا للانتخابات، اعتمدت لأول مرة، آلية الفرز الالكتروني ونقل بيانات الاقتراع، عبر القمر الصناعي لنقل البيانات من 55 ألف محطة إلى المركز الوطني في المفوضية، منوهة إلى انها ستعلن النتائج الأولية خلال 48 ساعة.
الدور الإيراني
ويبدو واضحا ان نتائج الانتخابات العراقية وشكل الحكومة المقبلة، لا يمكن ان تكون بعيدا عن تداعيات تأزم العلاقة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها وخاصة بعد الغاء الاتفاق النووي.
القيادي الكردي فريد اسسرد، أكد انه «في ظل تدهور العلاقة بين إيران وأمريكا، هناك تراجع كبير في الدور الأمريكي في العراق، وسيملأ الإيرانيون هذا الفراغ، وسيكون لهم دور كبير في هذا الموضوع»، مبينا ان العراق يكتسب أهمية استثنائية بالنسبة لإيران لوجود علاقة قوية بينها والشيعة وانه في الظروف الحالية لا توجد قوة يمكن ان تنافس الدور الإيراني في العراق.
وكان مستشار المرشد الإيراني للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي، اعتبر في تصريحات مؤخرا، نتائج الانتخابات العراقية واللبنانية، جزءا من (محور المقاومة)، مبينًا انها ستمثل «رسالة إلى أمريكا ودول أخرى تتدخل في المنطقة بأنه من الآن فصاعدا لن يكون لها مكان». في إشارة إلى الدور الإيراني المعروف في توحيد الكتل الشيعية لتشكيل الحكومات في العراق منذ 2003.
ورغم دعوة رئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي له ارجحية في الانتخابات، العراقيين للمشاركة الواسعة وعدم الاستماع إلى دعايات التخويف بتمزيق البلاد، فان العراقيين، ينتابهم القلق من احتمالات تدهور الأوضاع بعد الانتخابات، عبر محاولات بعض القوى إثارة الاضطرابات لفرض نفسها على المشهد، مثل التهديد بـ» ثورة شعبية كبرى» أو «حرب أهلية» بحجة وقوع التزوير، في وقت لا يبدو العراقيون واثقين من ان الانتخابات ستحقق لهم التغيير المطلوب لإصلاح الأوضاع المتردية في بلادهم.