الانتخابات البرلمانية المصرية بعيون العالم: غاب الناخبون… حضر الأمن والعسكر وفاز رجال مبارك

حجم الخط
1

بعد ثورة 25 كانون الثاني يناير 2011 التي أطاحت بعهد حسني مبارك خاض المصريون أكثر من جولة انتخابية فاز في معظمها الإسلاميون الذين تنافسوا مع الأحزاب العلمانية الضعيفة والمشتتة على تقرير مستقبل البلاد الذي عاد من جديد بيد النخبة العسكرية التي حكمت مصر منذ أن أطاح الجيش المصري بالملكية في عام 1952. ولهذا السبب لم يبد المصريون حماسا شديدا للانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي انتهت المرحلة الأولى منها يوم الإثنين على أن تتم المرحلة الثانية في شهر تشرين الأول/ نوفمبر المقبل ومن ثم تعلن النتيجة النهائية في كانون الأول/ديسمبر نهاية العام الحالي. ولم تفلح دعوات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولا تهديدات قنواته الفضائية الحكومية والخاصة ومنح الموظفين نصف يوم إجازة حتى يتسنى لهم المشاركة في التصويت لتحميس الناس والخروج جماعات وأشتاتا ليوم الإنتخابات «الكبير».
وهناك عدة أسباب لهذا العزوف عن الإنتخابات وفقدان المصريين الحماس منها معرفة النتيجة مسبقا، فلا حاجة لمشاركتهم في انتخاب برلمان مكون من 596 مقعدا، هذا من وجه، ومن وجه آخر غاب الشباب الذي قاد حملة التغيير عن المشهد ولم يعد مهتما بالإضافة لغياب الأحزاب التي لم تعد موجودة نظرا إما لتماهيها مع النظام الحالي ورؤيته أو بسبب القمع الذي مارسه نظام الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي وأقام حوله هالة من التمجيد أعادت عهد مبارك ورجاله وهو ما يعني غياب الإسلام السياسي عن المشهد الذي ظل المنافس الوحيد القادر على التعبئة. وليس غريبا أن يحضر رجال العهد الماضي الذين أطلق عليهم بالفلول أو الدولة العميقة وبقوة في الإنتخابات البرلمانية الحالية. ومن هنا فنحن أمام برلمان مؤيد للسيسي ومن المحتمل قيامه بالمصادقة على كل القرارات التي أصدرها الرئيس العام الماضي بعيدا عن السلطة التشريعية في البلاد وعددها 175 قرارا وهو ما سيؤدي إلى تقوية ساعد الدولة على حساب الحقوق المدنية.

تمرير القوانين

يقول تايلور لاك في تقرير نشرته «كريستيان ساينس مونتيور» (16/10/2015) إن أهم شيء سيقوم به البرلمان المقبل ليس دعم قرارات الرئيس فقط ولكن المصادقة على إجراء إصلاحات دستورية تعزز من سلطته. ويمكنه تحقيق هذه الأهداف حالة فاز مؤيدوه بثلثي مقاعد البرلمان. وعلى خلاف الإنتخابات البرلمانية والتي عقدت مباشرة بعد الثورة وشارك فيها 10.251 يمثلون كل الطيف السياسي في مصر وبلغت نسبة المشاركة فيها حوالي 52٪ فانتخابات البرلمان الحالي بلون واحد وطعم واحد . وبحسب دراسة أجراها مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية فنسبة 40٪ هم أعضاء سابقون في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. وبحسب أتش إي هيللر من المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن «سيشهد البرلمان المقبل تمثيلا واسعا لمصالح رجالا الأعمال وشبكة الحزب الوطني السابق». وعليه فلن يجد السيسي صعوبة في تمرير القوانين التي صدرت منذ الإطاحة بمرسي ومنها قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين تسمح بتقديم المدنيين لمحاكم عسكرية وأخرى تسمح للرئيس بطرد طلاب ومدرسين في جامعة الأزهر. وبموجب الدستور الذي مرر العام الماضي فلن يكون أمام البرلمان سوى 15 يوما للموافقة عليها أو رفضها. إلا ان البرلمان القادم بطبيعته الذي عملت حكومة السيسي على تشكيله حسب مقاسها لن يناقش أو يعارض بل وسيقدم الدعم المطلق للرئيس الذي لن يرضى بأغلبية بسيطة. فهو يرغب بأغلبية مطلقة تعينه على تحقيق ما ألمح إليه في خطاباته الأخيرة من ناحية منح الرئيس وليس البرلمان سلطة المصادقة على الحكومة . ويرغب السيسي بتجريد البرلمان من سلطاته الممنوحة له دستوريا والتي تتعلق بسحب الثقة من الرئيس والدعوة لانتخابات مبكرة. وقال السيسي في خطابه له بأيلول/سبتمبر إن «الدستور منح البرلمان سلطات واسعة وبنية حسنة» مضيفا أنه لا يمكن إدارة الدولة بناء على النوايا الحسنة.

دعم الاستبداد

وبحسب إريك تريغر، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فالإنتخابات البرلمانية لن تؤدي إلا لتدعيم «المسار الاستبدادي في البلاد» والسبب كما قال في مقال نشره موقع المعهد (16/10/2015) مرتبط بالصيغة الإنتخابية التي تم تأكيدها بحيث تناسب القوى المؤيدة للنظام من أثرياء المدن المرتبطين بالإجهزة الأمنية ومراكز القوى الريفية، أي عشائر دلتا النيل والصعيد وسيناء والصحراء الغربية. وبهذه المثابة سيعزز النظام من سيطرته على الحواضر من خلال أصحاب المال والمصالح ويوسع من نفوذه في الأرياف. ومن ها يرى الكاتب ان الطبيعة النفعية عادت من جديد كما كان الحال في زمن مبارك. فالحصول على مقعد في البرلمان يضمن حصانة قانونية واسعة مما يعطي أصحاب المال حرية أكبر في القيام بأعمال تجارية مستغلين المنطقة الرمادية أو السوداء. أما بالنسبة إلى المرشحين في المناطق الريفية، فالفوز بمقعد يعزز أيضاً من مصالحهم ويمنحهم القدرة للوصول إلى موارد الدولة وتقاسمها بين أنصارهم. ويرى تريغر أن نزاهة الانتخابات لو ثبتت إلا أن ما شهدته البلاد في الآونة الأخيرة يثبت أن الصيغة التي اختارها نظام السيسي ضمنت له النتيجة مقدما.

خريطة جديدة

فما هي هذه الصيغة؟ فهي خلاف الصيغ الانتخابية التي جرى العمل بها في الفترة ما بين 1990 و 2005 حيث قسمت مصر إلى 222 دائرة إنتخابية وما تبع ذلك من تغييرات لشكل المراكز الإنتخابية فيما بعد الثورة والتي جاءت بالإسلاميين- إخوانا وسلفيين- للبرلمان، قدمت حكومة السيسي رؤية جديدة أعادت رسم خريطة مصر الإنتخابية بشكل يخدم القوى التي يريدها النظام البروز والسيطرة على العملية السياسية وإن بالإسم. فبموجب الصيغة الحالية تم توسيع أعضاء البرلمان إلى 596 مقعداً، يعين السيسي فيه 28 عضواً. فيما تنتخب 203 منطقة 448 ممثلاً (أو ما يقرب من ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان). وبالمحصلة ستكون تركيبة البرلمان القادم عبارة عن مزيج من القوى التي ارتبطت مصالحها بمصالح النظام الحالي سواء كانت أحزابا أو قوائم مثل قائمة «في حب مصر» والتي يقودها سامح سيف اليزال وهو جنرال امني سابق أصبح متحدثا باسم الجيش بعد الانقلاب.

أين هي الخروقات؟

لهذا السبب لاحظ ديفيد كيرباتريك من صحيفة «نيويورك تايمز» (19/10/2015) أنه لم يكن هناك «حبس أنفاس» بالنسبة لنتائج انتخابات مصر البرلمانية. فقد «صمم الرئيس عبدالفتاح السيسي نظاما انتخابيا لمحو أي نقاش حول السياسات أو التنافس الأيديولوجي». وأضاف أن نسبة الإقبال الضعيفة على الإنتخابات جعلت قاض له علاقة بمراقبة عملية الإنتخابات كتم ضحكته عندما سئل في نقاش تلفزيوني إن حدثت خروقا في العملية الإنتخابية. وقال عبدالله فتحي، رئيس نادي قضاة مصر «لم تكن هناك خروق بسبب ضعف المشاركة». وأضاف وهو يحاول كتم ابتسامته «أين هي الخروقات؟ ومن أين جاءت المنافسة؟»، «لم يكن هناك حوادث، لا خروقات ولا تجاوزات ولا ناخبين». ونقلت «نيويورك تايمز» عن خالد داوود المتحدث باسم الحزب الليبرالي «قدم الشعب المصري أحسن بعدم المشاركة» وأضاف «إنها محرجة ولا يمكنهم إنكار أنها محرجة لهم»، «فهذه الإنتخابات لن تساعد على بناء الديمقراطية أو برلمان حقيقي يحاسب الرئيس». وفي نفس السياق أشار تقرير «نيويورك تايمز» للنكات التي تبادلها المصريون حول فراغ مراكز الإقتراع وانتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي والتي كلها تركزت على فكرة الوحدة وراحة البال التي لا تتوفر إلا في مراكز الإقتراع لأنها فارغة. وترى الصحيفة أن برلمان السيسي سيكون كله من «البصيمة» تماما كما كان في عهد مبارك مع أن الأخير سمح بنوع من المنافسة. ففي عام 2005 وبضغوط أمريكية فتح المجال أمام الإخوان المسلمين الذين فازوا بنسبة 20٪ من مقاعد البرلمان مع أنه عاد في عام 2010 وتأكد من إستبعاد الإخوان. وترى الصحيفة أن الصيغة الإنتخابية أسهمت في نتائج الإنتخابات الحالية على الأقل في مرحلتها الأولى كما أن غياب المنافس الوحيد والقادر على التعبئة وهم الإخوان المسلمون، الجماعة المحظورة والمصنفة بالإرهابية عامل مهم في هذا السياق.

نهاية حزب النور

وتعتبر الإنتخابات في النهاية استفتاء ليس على شعبية النظام بل وعلى شعبية حزب النور الذي اعتقد قادته أن بمقدورهم ملء الفراغ الذي تركه الإخوان بسبب القمع. وها هم يدفعون ثمن تحالفهم مع النظام ضد الإخوان حيث لم يفز أحد من مرشحيهم بأي مقعد وبعضهم ينتظر جولات الإعادة. وهو ما دعا قادتهم لاتهام السيسي والحكومة ولوم القائمة المطلقة أو الصيغة الإنتخابية. ويتناقض فشل «النور» مع نجاحهم الباهر في انتخابات عام 2011 حيث فاز مرشحيه بـ 107 مقاعد ليشكل ثاني كتلة برلمانية بعد الإخوان. ومن هنا تشير انتخابات برلمان عام 2015 إلى أنها كانت رابحة للدولة والخاسر فيها كالعادة هو الشعب المصري حسب المدون المصري وائل إسكندر. وعلى العموم فلن يضير السيسي الذي عمل لهذه النتيجة حضر الناس لمراكز الإنتخابات أم لا ما دام قدم للعالم مظهرا من مظاهر الديمقراطية وطبق حسب رؤيته آخر مرحلة من «خارطة الطريق» التي أعلنها عندما عزل مرسي. وكما لاحظ عنوان في صحيفة «إندبندنت» ففي انتخابات مصر حضرت الشرطة والعسكر بكثافة وجلس الناخبون في بيوتهم.

نصر ولكن

وتظل الإنتخابات على المدى القريب نصرا جديدا للسيسي الذي وعد المصريين بالرفاه والإزدهار ولم يتغير شيء على حياتهم. فقضايا الفساد وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار وعودة تجارة السوق السوداء تضع تحديات أمام الحكومة. وتناولت مجلة «إيكونوميست» الوضع الإقتصادي في مصر. وقالت إن احتياطي مصر من العملات الأجنبية انخفض في إيلول/سبتمبر إلى 16.4 مليار دولار أمريكي. والمبلغ وإن كان كافيا لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات إلا أن مصر لا تجذب الكثير من الدولارات في الوقت الحالي.
فبعد سنوات من الإضطرابات السياسية والتي ضربت السياحة والإستثمار الأجنبي المباشر والذي وصل إلى 6.4 مليار دولار في السنة المالية السابقة (التي بدأت من تموز/يوليو حتى حزيران/يونيو). وتأمل الحكومة المصرية باجتذاب 10 مليارات من الإستثمار الأجنبي هذا العام إلا أن المحللين يقولون إنه أضغاث أحلام. فتعويم العملة المصرية أدى لابتعاد المستثمرين عن البلاد. كما أن البدائل التي اعتمدت عليها الحكومة لسد العجز في الميزانية ليست كافية في وقت تنخفض فيه أسعار الطاقة العالمية وهو ما ينعكس سلبا على عوائد دول الخليج التي استثمرت في النظام العسكري المصري.

مشهد متكرر

وعلى العموم فالمشهد الذي عاشته مصر في الأسبوع الماضي وسيتكرر في الشهر المقبل وربما تكرر في المستقبل هو محاولة من ديكتاتورية تثبت أقدامها الظهور بمظهر من يرعى العملية الديمقراطية، فتجارب مصر في الماضي والحاضر ما يفيد. فالديكتاتوريون عادة ما يستخدمون الإنتخابات لتأكيد سلطتهم وتأكيد شرعيتهم وتبرير وجودهم في الداخل والخارج. وما يخرج منه المراقب للمشهد الإنتخابي المصري هي أن رجال مبارك الفاسدين الذين ظن المصريون أنهم اختفوا أبدا عادوا وبقوة، وما جرى هو تغيير للصورة والإطار. وحسبما نقلت صحيفة «فايننشال تايمز»(20/10/2015) عن ناشط مصري قوله «لا أظن أن هذا البرلمان قادر على تحقيق معارضة فعالة وعودة الأعضاء السابقين للحزب الوطني هو النتيجة الحتمية لموت السياسة في العامين المنصرمين».
ويبدو فساد الإنتخابات في الطريقة التي تنافست فيها الأحزاب على ترشيح رجال العهد الماضي. ونقلت الصحيفة عن يسري العزباوي رئيس منتدى الانتخابات في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية قوله « تتعامل الأحزاب مع الموضوع مثلما تتعامل نوادي الكرة عندما تشتري اللاعبين المحترفين.. إنها تدفع للمرشحين الذين يحظون بشعبية محلية أو عشيرة كبيرة أو تاريخ في الخدمة المحلية وهؤلاء بالضرورة عائلات الحزب الوطني».

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Deutschland:

    يمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين .

إشترك في قائمتنا البريدية