يكثر الحديث اليوم حول فرضية تأجيل الانتخابات البرلمانية في العراق، والتي يفترض إجراؤها في شهر أيار/ مايو 2018، وخاصة بعد تأجيل انتخابات مجلس المحافظات التي كان يجب إجراؤها في نيسان/ابريل 2017، إلى شهر ايلول/ سبتمبر 2017، ثم تأجيلها ثانية لغرض إجرائها تزامنا مع الانتخابات البرلمانية! ولأن الأسباب التي أدت إلى تأجيل الانتخابات المحلية لاتزال قائمة، وأهم هذه الأسباب مسألة العدد الكبير من النازحين الذين يتواجدون خارج مناطق سكناهم الأصلية. فتبعا لأرقام منظمة الهجرة الدولية لا يزال هناك أكثر من 3 ملايين نازح بسبب النزاع الذي بدأ في كانون الثاني/ يناير 2014.
والواقع أنه لا توجد إمكانية للحديث عن تأجيل الانتخابات البرلمانية لأن الدستور العراقي حدد ولاية مجلس النواب بطريقة يمنع معها تمديد عمل مجلس النواب بأي حال من الاحوال؛ فالمادة 56/ أولا من الدستور نصت على أن «تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة». ومن ثم فإن التأجيل سيعني حل مجلس النواب وبقاء الحكومة الاتحادية كاملة الصلاحيات وفق التأويل الذي حكم عمل حكومة رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي في الفترة بين أيار/ مايو 2010 وتشرين الثاني/نوفمبر 2010، فقد رفض المالكي حينها أن تكون حكومته، مع عدم وجود مجلس نواب، حكومة تصريف أعمال! ومن الواضح أن هذا التفسير سيحكم حكومة حيدر العبادي في حال تأجيل الانتخابات، لاسيما مع وجود ثغرة في الدستور العراقي تتيح مثل هذا التأويل المفرط! فقد أشار إلى ما سماه حكومة «تصريف الأمور اليومية» في حالتين: سحب الثقة عن مجلس الوزراء أو رئيسه (المادة 61/ثامنا/ د)، أو حل مجلس النواب (المادة 64/ ثانيا)، ولم يتطرق إلى وضع مجلس الوزراء في حالة انتهاء ولاية مجلس النواب! وكان الفقه الدستوري، والمنطق، يوجبان أن يتم التعامل مع مجلس الوزراء في حالة انتهاء دورة مجلس النواب تماما كما يتم التعامل معه في حالة حل المجلس، ولكن هذا لم يحدث، وبالتالي لا أحد يمكن أن يتخيل أن تأويل الحكومة سيكون مختلفا هذه المرة! خاصة وأن المحكمة الاتحادية، المسيسة وغير الشرعية، القائمة هي صاحبة الصلاحية الحصرية في تفسير الدستور وهي لا تخرج في قراراتها عن إرادة الفاعل السياسي الأقوى وهو هنا رئيس مجلس الوزراء!
بناء على ما تقدم، لن تسمح القوى السياسية الشيعية تحديدا، بتأجيل الانتخابات، لأنها تخشى أن يستغل العبادي هذا التأجيل لمصلحته انتخابيا من خلال احتكاره للقرار السياسي بعيدا عن أي رقابة! فالخارطة الشيعية اليوم تشهد صراعا بينيا لم تشهده من قبل.
في انتخابات عام 2014 على سبيل المثال، كانت هناك ثلاث قوى رئيسية فقط هي دولة القانون، والتيار الصدري، والمجلس الإسلامي الأعلى. أما اليوم فنحن أمام انقسام عميق داخل حزب الدعوة بين المالكي والعبادي. وهناك إشارات صريحة من تنظيم «بدر» بأنه لن يكون هذه المرة جزءا من دولة القانون، إضافة إلى الانشقاق الذي حصل في المجلس الأعلى مع تشكيل الحكيم لتيار الحكمة، وانشقاقات في كتلة الإصلاح، وصعود، وإن يكن محدودا، لبعض رموز ميليشيا الحشد الشعبي التي تريد تحويل رصيدها العسكري إلى رصيد سياسي. ومع هذا المشهد المعقد، فإن أي تأجيل للانتخابات قد يقلل من فرصها في المنافسة وربما يقوض بعضها تماما!
أما القوى السنية فإن بعضها يطرح فكرة التأجيل في محاولة منه للضغط على الفاعل السياسي الشيعي من أجل الإسراع بعملية عودة النازحين إلى مدنهم من جهة، كما تحاول هذه القوى استخدام مسألة عودة النازحين كبروباغاندا سياسية بعد أن فشلت في التأثير على قرار الفاعل السياسي الشيعي المتحكم في ملف عودة النازحين. فقد فشل الممثلون السنة في مجلس النواب، حتى اللحظة، في إعادة نازحي سليمان بيك المنطقة التي استعيدت في ايلول/ سبتمبر 2014! أو في إعادة نازحي جرف الصخر التي استعيدت في تشرين الاول/اكتوبر 2014! وبالتالي فلا شيء يضمن أن تأجيل الانتخابات سيعيد هؤلاء إلى مناطقهم.
والحقيقة أن مسألة عودة النازحين ترتبط بعوامل أكثر تعقيدا، من بينها مشاريع إعادة الإعمار الغائبة تماما بسبب شحة الأموال التي نتجت عن عجز الموازنة العامة الاتحادية مع استمرار انخفاض أسعار النفط، وعدم وجود أي مؤشرات على وجود اهتمام دولي لدعم تمويل إعادة الإعمار في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم «الدولة» (داعش) إضافة إلى وجود تعقيدات أمنية وسياسية واجتماعية تمنع عودة عدد كبير من هؤلاء النازحين تحت دعاوى مختلفة. وبالتالي لا ضمانة هنا أيضا أن تأجيل الانتخابات سيغير من هذا الواقع شيئا! والملاحظ أن لا أحد من هذه القوى السنية قادر على الحديث صراحة عن مخاطر إقامة انتخابات مع وجود الميليشيات في هذه المناطق! لهذا يحاول بعضهم التحالف مع هذه الميليشيات من أجل الإبقاء على حظوظه قوية في المنافسة!
كرديا لا يبدو الأمر أقل تعقيدا، خاصة وأن ارتدادات صفقة كركوك ما زالت حاضرة فمشكلة كركوك قد تعقد تمرير قانون انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها مع الانتخابات البرلمانية، وليس من الواضح ما إذا كانت هناك إمكانية للإجماع على قانون توافقي مع التغيير الكبير في علاقات القوة التي تحكم وضع المحافظة. ولكن على مستوى الانتخابات البرلمانية فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني على الأرجح لن يبقى مصرا على مطالبه القديمة المتعلقة بالعودة إلى النظام الانتخابي الذي يعتمده العراق كدائرة واحدة، وسيكون حريصا هذه المرة، على انتخابات مبكرة قد تستطيع إعادة تصحيح الاختلالات التي حصلت بعد زلزال كركوك. كما أن قوى كردية أخرى ستحاول الإفادة من موقفها من الاستفتاء، ومن هذا الزلزال، وهنا أقصد كتلتي التغيير والجماعة الإسلامية، من أجل زيادة رصيدهما.
أما الاتحاد الوطني الكردستاني فإن الجناح العائلي فيه، والذي عقد صفقة مع بغداد بعد أزمة الاستفتاء، بحاجة هو الآخر إلى انتخابات مبكرة من أجل استكمال عمليات الإزاحة والإحلال داخل الحزب من أجل مزيد من السيطرة!
في النهاية يبدو من المعطيات التي سردناها أن الانتخابات البرلمانية العراقية ستجرى في موعدها، وأن دعاوى التأجيل ليست أكثر من مناورة يقوم بها البعض. ويبدو أيضا أن ثمة قرارا أمريكيا بضرورة أن تجرى هذه الانتخابات في موعدها، من أجل الحفاظ على الشكل الديمقراطي القائم! وإذا كانت الأمم المتحدة قد تحدثت في وقت سابق عن الأوضاع المضطربة في العراق وعن النازحين ومعضلة إعادتهم، فإنها تبدو اليوم أكثر حرصا من الآخرين على إجراء الانتخابات في موعدها.
٭ كاتب عراقي
يحيى الكبيسي
وماذا عن ثلاثة ملايين نازح من نينوى (الموصل) ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله