■ الانتخابات البريطانية على الأبواب والمعركة تستعر خاصة بين الحزبين الرئيسيين الحاكم حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون والمعارض حزب العمال بزعامة إيد ميليباند اليهودي ذو الخلفية الأسرية الماركسية، اللذين لم تنجح حملاتهما الإنتخابية حتى كتابة هذه السطور في ترجيح واحد على الآخر. وتتوقع إستطلاعات الرأي العام الا يفوز أي منهما بالأغلبية الكافية لتشكيل حكومة تدوم من دون إئتلاف مع أحزاب أخرى، كما هو حال الحكومة الحالية المكونة من حزبي المحافظين والديمقراطيين الأحرار. ونتيجة لذلك فإنهما يتوددان للأقليات الدينية والعرقية فأصواتها ستكون العامل الحاسم خاصة في بعض الدوائر الانتخابية التي لا تتجاوز فيها الفروقات بين الحزبين بضع مئات ولهذا كل صوت حاسم.
خلافا للولايات المتحدة فأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وغيره من القضايا العربية لا يدخل ضمن البرامج الانتخابية للأحزاب التي أُعلنت يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين. ولكن التصويت على الإعتراف بدولة فلسطين الذي شهده مجلس العموم البريطاني في 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ربما يكون مؤشرا إلى مواقف هذه الأحزاب من القضية الفلسطينية.
ففي هذا التصويت منع حزب المحافظين نوابه من المشاركة في العملية الذي كان العدوان الإسرائيلي على غزة في الصيف الماضي والمجازر وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها قوات الاحتلال، حافزا أساسيا على عملية التصويت التي بدورها جاءت إستجابة لضغوط شعبية لم تشهدها بريطانيا من قبل. ليس هذا فحسب بل كانت الحكومة منحازة انحيازا تاما لإسرائيل طيلة فترة العدوان ولم تصدر عنها ولو إدانة واحدة للمجازر بل زودتها بمعدات عسكرية.. الأمر الذي دفع الوزيرة المسلمة في الحكومة البارونة سعيدة وارسي إلى الإستقالة احتجاجا. ويذكر في هذا السياق أن معظم إن لم يكن جميع وزراء الحزب في الحكومة الإئتلافية هم من أشد المؤيدين لإسرائيل وأعضاء في مجلس أصدقاء إسرائيل.
حزب الديمقراطيين الأحرار بزعامة نيك كليغ، يتبنى من القضية الفلسطينية موقفا متقدما ومتميزا أكثر من أي حزب آخر. وهو بالمناسبة لديه مرشحة في الإنتخابات المقررة في 7 أيار/مايو المقبل، نصفها من ناحية الأم فلسطيني ووالدها بريطاني. وليلى موران وهذا هو إسمها تعتبر نفسها فلسطينية وقالت في مقابلة مع «القدس العربي» «سوف أناضل لأصبح أول فلسطينية في البرلمان البريطاني.. في نهاية المطاف… النضال هو كل ما نفعله نحن الفلسطينيون».
حزب العمال: تاريخيا كان الحزب الإكثر تعاطفا مع إسرائيل ولكنه في العقدين الأخيرين شهد تغيرا على صعيد القاعدة. وهو الحزب الذي دعا زعيمه ميليباند نوابه للتصويت لصالح القرار، طبعا باستثناء بعض المتصهينين في الحزب، واتخذ الحزب موقفا معارضا للعدوان الذي وصفه ميليباند ب»غزو غزة».
وأكد ميليباند موقفه الداعم للدولة الفلسطينية مجددا في تصريحات له في الأسبوع الماضي وفي خضم الحملة الانتخابية، الأمر الذي أثار حفيظة ومخاوف زعماء الجالية اليهودية في بريطانيا ما دفعهم إلى تحذيره من أن موقفه «المعادي» لإسرائيل لن يجعل اليهود يفكرون في التصويت لحزبه. وقال نائب رئيس مجلس النواب اليهود وهو كما يزعمون صوت غالبية اليهود في بريطانيا، أن دعم حزب العمال غير المشروط للدولة الفلسطينية، ومواقفه خلال الحرب على غزة، يجعل الناخب اليهودي يبتعد عن حزب العمال.
ويشعر زعماء اليهود بالنفوذ الذي يجعلهم لا يترددون وهم يصدرون التحذيرات، رغم أنهم في العدد يقلون عن العرب بنحو 100 الف، وعن المسلمين بنحو مليونين وثلاثة ارباع المليون.
ونسبة اليهود إلى عدد السكان في بريطانيا لا تزيد عن 0.45٪ حسب آخر الإحصائيات، وهذا يعني بالأرقام ان عددهم لا يتجاوز الـ 264 ألفا حوالي ربعهم في لندن. لكن نفوذهم السياسي وتواجدهم في مواقع إتخاذ القرار ومجلس العموم، يعادل أضعاف أضعاف هذه النسبة. ووصل النفوذ اليهودي في بريطانيا أقصاه في عهد مارغريت ثاتشر التي فازت بالحكم في عام 1979 وإستمرت حتى الإنقلاب الداخلي عليها أواخر 1990، إذ وصل عدد وزراء الصف الأول من اليهود 7 وزراء يحتلون حقائب سيادية منها المالية والداخلية، ناهيك عن أن رئيس ديوانها كان يهوديا وكذلك مستشارها للشؤون السياسية. ورغم أن هذا العدد قل في الحكومات اللاحقة لكن عدد النواب في مجلس العموم لم يتغير ان لم يتصاعد، ويزيد هذا العدد في البرلمان الحالي عن 20 نائبا (وحسب صحيفة جيوش كرونيكال لسان حال غالبية اليهود فإن العدد يصل إلى 24 من أصل 650 مجمل عدد أعضاء البرلمان). وللإنصاف فإنهم ليسوا جميعا من الموالين لإسرائيل ومثال على ذلك جيرالد كوفمان النائب العمالي المخضرم الذي يساوي بين إسرائيل والنازية. ولكن وفق النسبة والتناسب فإن عدد نوابه يجب ألا يزيد عن 3 نواب فقط.
في المقابل فأن نسبة العرب في بريطانيا تبلغ حوالي 0.6٪ وان عددهم يصل لحوالي 366 ألف نسمة منهم 110 في لندن وحدها ويتمركزون في مناطق محددة تسمح لهم بأن يشكلوا قوة إنتخابية ضاغطة، تفرض أجندتها على مرشحي تلك المناطق أو بفرض مرشحيها. غير ان الوجود العربي في مراكز النفوذ في بريطانيا ان لم يكن غير قائم على الإطلاق، وإن وجد يكاد لا يذكر. اما الوجود في مجلس العموم فهو صفر مكعب بإمتياز.
وفي الإطار الأوسع وهو الإسلامي فأن العدد يصل إلى أكثر من 3 ملايين نسمة أي ما يعادل 5٪ من مجمل عدد السكان. وفي بعض المدن مثل برادفورد في شمال إنكلترا، تصل نسبة المسلمين إلى حوالي 50٪ مثل مدينة برادفورد. وأما في مدن كلندن ومانشستر التي يتواجد فيهما أكبر تجمعين لليهود، فإن المسلمين يشكلون حوالي 14٪.
غير أن هذه النسبة غير مترجمة بعدد المقاعد في مجلس العموم.. إذ لا يتجاوز عدد النواب من المسلمين الثمانية فقط. ولن ندخل في الإسباب وإن كان للجيل الأول من المهاجرين المسلمين همه الأكبر هو الحفاظ على الكينونة الأسرية في المجتمع الجديد وتوفير لقمة العيش فعاشوا بمعزل عن محيطهم، غير ان الجيل الثاني والثالث بدأ يشق طريقه ويدخل معترك الحياة السياسية والبرلمانية ولكن هذا التحرك وان كان بداية حسنة فإنه لا يعكس ثقلهم البشري الحقيقي الذي لو أخذنا بالنسب المطلقة يجب
يمنحهم ما لا يقل عن 35 – 40 نائبا.
نحن لا نطالب ان يصل تمثيل العرب والمسلمين في البرلمان بالنسبة، إلى مستوى اليهود فهذا من سابع المستحيلات، ويحتاج إلى مئات السنين من العمل الدؤوب والتخطيط والنفوذ المالي والتغلغل السياسي، ولكن على الأقل ان تنعكس قوتهم البشرية على عدد مقاعدهم في مجلس العموم،
وكما قلت فان المسلمين من الآسيويين بدأوا رحلة الألف ميل، ويسيرون في الطريق الصحيح ونتمنى على العرب أن يعقدوا العزم، ويأخذوا ليلى موران مثلا يحتذى به.. ورحلة الأف ميل تبدأ بخطوة واحدة. والخطوة تبدأ بتجميع أنفسنا في جالية قوية متماسكة هدفها المصالحة العامة لا الزعامة، وتوجيه الجيل الثاني يعني اولادنا، نحو الإنخراط في الأحزاب البريطانية وجعل صوتهم مسموعا ومؤثرا في المرات المقبلة.. فلا شيء مستحيل.
قد يصعب التعويل على التضامن العربي لأنه وصل إلى أدنى درجاته على جميع المستويات الشعبية والرسمية، بسبب «الدربكة» التي أحدثها ويحدثها ما يسمى بـ (الربيع العربي) وإفرازاته ممثلة بالإنشقاقات العرقية والدينية والطائفية في المنطقة وآخرها ما يشهده اليمن من جرائم على أيدي فلول الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحلفائه من الحوثيين. أنا شخصيا ضد أي تدخل خارجي في أرضنا العربية أمريكيا كان أم ايرانيا أو أيا كان مصدره، وأنا شخصيا مع السيادة العربية على كل شبر من أرضنا العربية.
نجحت الطائفية في إحياء العظام وهي رميم.. وإيقاظ «النخوة العربية» بـ»عاصفة حزم» لم نشهد لها مثيلا في تاريخنا المعاصر، ولا أدري كيف ومن أين أتت.. ونذكّر فقط بأن فلسطين بمجملها أرض محتلة قبل سيطرة الحوثيين ومن يقف وراءهم على اليمن بـ67 عاما.. وتحتلتها قوة خارجية، وشعبها بالمناسبة بمجمله من أهل السنة.. فهل تنجح سنيته بما فشلت فيه عروبته.. لعل وعسى..
٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح