يوماً بعد آخر، ومع اقتراب موعد الانتخابات العامّة في السويد في الخريف المقبل، تشتدّ ضراوة الحملات الانتخابية وتستخدم فيها جميع «الأسلحة»، وأهمها سياسة الهجرة والاندماج، بالإضافة إلى الصحة والضرائب وقضايا التأمينات الاجتماعية.
ولكسب أصوات الناخبين تتبارى الأحزاب في استثارة مشاعر الناس حول القضايا التي يعتبرها السويديون مهمة وملحّة، وعلى رأسها مسألة الهجرة. ولا تتورع الأحزاب أحياناً عن النزول إلى درك التحريض وإطلاق المواقف المتشدّدة في عدائها للمهاجرين واللاجئين.
حتى حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الذي يقود الائتلاف الحاكم، والمعروف بسياسته السخية والمتسامحة مع قضايا الهجرة واللجوء، اضطر مؤخراً إلى الإعلان، على لسان رئيس الوزراء ستيفان لوفين، عن موقف جديد ومتشدّد في ما يتعلق بهجرة العمالة الأجنبية إلى السويد والتشدّد في ما يتعلّق بتعلّم اللغة كشرط لحصول اللاجئين على الإعانات المالية وربما الإقامة.
تجري الانتخابات العامة في السويد كل أربع سنوات في يوم الأحد الثاني من شهر سبتمبر على أساس قانون التمثيل النسبي حيث يدلي من يحق لهم الاقتراع بأصواتهم لانتخاب ممثليهم في البرلمان (الريكسداغ) ومجالس المحافظات/الأقاليم وفي المجالس البلدية. ويعطي المقترعون أصواتهم لقوائم الأحزاب، ويمكنهم في الوقت نفسه التصويت لمرشَّح بعينه ضمن القائمة الحزبية. وبعد فرز الأصوات تُوزّع المقاعد في البرلمان بحسب نسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب في عموم البلاد، وتوزّع المقاعد في مجلس المحافظة/الإقليم والمجلس البلدي بحسب نسبة الأصوات في كلّ دائرة انتخابية. ولكي يصل حزب ما إلى البرلمان فلا بدّ له من الحصول على نسبة 4% في المئة كحدّ أدنى من مجمل عدد الأصوات في كافة أنحاء البلاد. أما الحصول على مقعد أو أكثر في مجلس المحافظة/الإقليم أو المجلس البلدي فيقتضي أن يحصل الحزب على نسبة 12% كحدّ أدنى في الدائرة الانتخابية.
يحق للمواطن السويدي عند بلوغه الثامنة عشرة من عمره الترشّح والتصويت لانتخاب أعضاء البرلمان وانتخاب مجالس المحافظات/الأقاليم والمجالس البلدية. وحقّ الترشّح والتصويت لانتخاب مجالس المحافظات/الأقاليم والمجالس البلدية (من دون البرلمان) متاح أيضاً لمواطني دول الاتحاد الأوروبي وأيسلندا والنرويج ومواطني الدول الأخرى، بمن فيهم المهاجرون واللاجئون العرب وغيرهم الحاصلون على الإقامة والذين مضى على تسجيلهم في المحافظة/الإقليم أو في البلدية مدّة ثلاث سنوات.
هل يشكّل العرب قوّة انتخابية وازنة في السويد؟
لا توجد إحصائيات رسمية حول التوزيع العرقي للمواطنين والمقيمين في السويد، لكن مكتب الإحصاء المركزي السويدي نشر مؤخراً إحصائية حول مسقط رأس جميع المواطنين. وبحسب الإحصائية المذكورة فإن عدد المقيمين المولودين خارج السويد لعام 2017 نحو مليون وثمانمئة وسبعة وسبعون ألفاً. وجاء السوريون على رأس القائمة بواقع 172258 يليهم العراقيون في المركز الثالث 140830 (بعد الفنلنديين 150877) ليبلغ مجموع المولودين في بلدان عربية 384319 شخصاً أي بنسبة 20% من بين جميع المولودين خارج السويد. وهذه الإحصائية مجرد مؤشر إلى أن العرب مجتمعين أصبحوا الجالية الأكبر، وأن اللغة العربية أصبحت الآن، أو تكاد تصبح، اللغة الثانية بعد السويدية من حيث عدد الناطقين بها، متقدمة بذلك على اللغة الفنلندية، التي احتلت المركز الثاني لعقود خلت، بحسب البروفيسور في جامعة ستوكهولم ميكايل باركفال.
لكن، هل يشكّل العرب كتلة ذات وزن انتخابي مؤثّر في السويد؟ لا توجد دلائل إيجابية حول فرضية تأثير العرب ككتلة ناخبة ذات تأثير مميّز. ولم يسبق للمتحدرين من أصول عربية أن انخرطوا بكثافة في الحياة السياسية السويدية، عبر الانضمام على نطاق واسع في الأحزاب السويدية المختلفة، خصوصاً الأحزاب ذات التوجهات الاجتماعية اليسارية، التي تدافع عموماً عن حقوق الطبقات الدنيا والوسطى في المجتمع وعن المهاجرين، مثل حزب الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب اليسار وحزب البيئة. وهذا لا يعني أبداً أن العرب منكفئون بالمطلق عن المشاركة في الحياة السياسية السويدية، بل أن ثمة أعدادا لا بأس بها من الناشطين في السياسة والمجتمع، وبعضهم حقق نجاحات ملحوظة ومنهم من وصل إلى مراكز قيادية متقدمة، سواء في الأحزاب أو في البرلمان وفي مجالس المحافظات والبلديات، حتى أن بعض المغامرين منهم والباحثين عن دور لم يتردد في الانضمام إلى أحزاب اليمين العنصري المعادي للمهاجرين والأجانب. وذهب بعضهم أبعد من ذلك حيث عمدت مجموعة من الناشطين العرب إلى تشكيل حزب سياسي جديد باسم «تجمّع الإئتلاف الجديد»، وهي خطوة قد تُعتبر انعزالية ولا تتماشى مع اتّجاه الاندماج الإيجابي في المجتمع السويدي. وعلى الرغم من ذلك كله، لا تزال نسبة مشاركة العرب في الحياة السياسية العامة منخفضة ولا تتناسب مع تعدادهم ضمن المجتمع السويدي.
ويمكن أن يعزى السبب في ضعف المشاركة في الحياة السياسية في أوساط المتحدرين من أصول عربية إلى عوامل عدّة لا يتسع المجال هنا لشرحها، لكن يمكن إجمالها باختصار في اللامبالاة والكسل أو العجز عن تعلّم اللغة السويدية، وبالتالي ضعف الاندماج في المجتمع، بالإضافة إلى الموقف السلبي العام من المجتمع وقيمه المختلفة، والرد على بعض المواقف العنصرية المتطرفة التي تواجههم بمواقف عنصرية وعدائية مضادّة.
هل تنجرف السويد مع موجة اليمين الشعبوي التي تجتاح أوروبا؟
تواجه الديمقراطية السويدية تحديات هائلة لم يسبق لها أن اختبرت مثلها خلال العقود الطويلة من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الذي شهدته البلاد. وثمة مصدران للخطر يهددان الديمقراطية في السويد خلال الانتخابات العامّة المقبلة وبعدها.
الخطر الأول يتمثل في الخشية من حدوث تدخّل خارجي في مجريات العملية الديمقراطية قد يؤدي إلى التأثير في نتيجة الانتخابات، وبالتالي الشكّ في نزاهتها مما قد يُحدث شرخاً سياسياً واجتماعياً لم يسبق له مثيل في التجربة الديمقراطية السويدية. ومصدر هذا الخطر بالتحديد هو القراصنة الروس المنضوين ضمن جيوش إلكترونية تقودها «وكالة أبحاث الإنترنت» وهي شركة روسية تعمل في مجال التأثير عبر الإنترنت لصالح جهات تجارية وسياسية مقربة من السلطات الرسمية الروسية. والشركة المذكورة وقراصنتها متهمون بنشر الأخبار الكاذبة والتشويش والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عبر التأثير في توجهات الناخبين لترجيح كفة دونالد ترامب على حساب هيلاري كلينتون.
أما الخطر الثاني، الذي قد يكون نتيجة للأول أو بمعزل عنه، فهو احتمال فوز أحزاب اليمين أو ما يُعرف بالتحالف البورجوازي الذي يضمّ أحزاب «المحافظين» و«الوسط» و«الليبراليين» و«ديمقراطيو السويد».
فوز التحالف المذكور أعلاه يعني تلقائياً خسارة الائتلاف الحكومي، أو الحُمر والخضر، كما يُسمّون، الذي يتألف من حزبيّ «الاشتراكيين الديمقراطيين» (الحُمر) و«البيئة» (الخضر). وخسارة الاشتراكيين الديمقراطيين، إذا حدثت، قد تهزّ الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ فترة، وقد تؤدي إلى اضطراب العلاقة بين النقابات وأرباب العمل، باعتبار أن بعض أحزاب اليمين البورجوازي يريد إجراء بعض التغييرات في قوانين العمل، وهي تغييرات ستكون بالطبع على حساب الموظفين والطبقات العاملة.
لكن كيف تبدو توجهات الرأي العام الآن، قبل خمسة أشهر فقط من الانتخابات؟ أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «نوفوس» في شهر أبريل الحالي لصالح التلفزيون السويدي تراجعاً إضافياً في شعبية حزب الاشتراكيين الديمقراطيين وتراجعاً أيضاً في شعبية حزب المحافظين. وما لم يحدث تحوّل ما في اتّجاهات الناخبين خلال الأشهر المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات، وهو أمر يحتاج إلى معجزة، فإن خسارة الائتلاف الحاكم تبدو شبه مؤكدة.
لكن المؤكّد أيضاً هو أن السويديين، بخلاف الشعوب الأوروبية الأخرى، مشهورون بالاعتدال والتروّي ولا يندفعون نحو خيارات حادة وجذرية، لذلك، حتى إن فازت أحزاب التحالف البورجوازي بأغلبية تمكنها من تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، فلن يحدث في السويد تحوّل جذري وانسياق عامّ مع موجة اليمين الشعبوي كما حدث في دول أوروبية أخرى. وفي اللغة السويدية توجد مفردة لا مثيل لها في لغة أخرى وهي «لاغوم» (lagom) وتعني بالتقريب الاعتدال والوسطية وعدم المبالغة، وهي تعبّر عن طبيعة السويدي الذي لا يبدي رأياً إلا بعد تأنٍ وتمحيص.
كاتب سوري
سامح خلف
أعتقد بأن الحكومة السويدية القادمة ستكون مع الأسف يمينية كما هو الحال بالنرويج !! ولا حول ولا قوة الا بالله