الانتخابات العراقية والتأثيرات الإيرانية المؤكدة

قال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، الجمعة الماضية، بأن «لدينا أدلة مثيرة للقلق على أن إيران تحاول التأثير باستخدام المال على الانتخابات العراقية، وهذه الأموال تستخدم للتأثير على المرشحين والتأثير على الأصوات». وأضاف خلال زيارة قام بها إلى البحرين بأنها «ليست مبالغ قليلة من المال تستخدمها إيران في العراق على ما نعتقد، وهذا في رأينا غير مفيد للغاية».
معنى القول إن هناك أدلة بأن السلطات الإيرانية تحاول التدخل في الانتخابات البرلمانية العراقية المزمع عقدها في مايو المقبل. وذهب ماتيس أبعد من ذلك في تصريحه هذا، عندما قارن بين أفعال إيران وروسيا، حين حاولت الأخيرة التأثير في انتخابات الرئاسة الامريكية، وقال «تحذو إيران حذو روسيا بالتدخل في الانتخابات العراقية».
قد يقول قائل بأن أمريكا لا تنطق عن الهوى، وهذا التصريح دليل على وجود أسانيد ثابتة لدى السلطات الأمريكية تؤكد ذلك. ومع اتفاقنا مع هذا الرأي على أن الولايات المتحدة قادرة على تأكيد حالة ما في هذا البلد أو ذاك، نظرا لإمكانياتها المادية والمعنوية، لكننا نعتقد أنها لا تريد أن تعترف بأن العامل الإيراني ليس عاملا طارئا في الحالة السياسية العراقية، أي عندما يقول وزير الدفاع الأمريكي بأن إيران تحاول التأثير، فإنه يتغابى عن موقع إيران في المعادلة السياسية العراقية، ويحاول لأسباب تخص حالة النزاع الإيراني – الأمريكي الإعلامي على الاقل لحد الان، تقليص دور طهران ونقلها إلى مستوى عامل مؤثر لا أكثر. وعامل التأثير بين الدول غالبا ما يكون وقتيا ومرتبطا بحالة معينة، وظرف محدود يطول ويقصر حسب قوة الضغط العالي للدول الموثرة، وحسب حالة الضعف التي تعانيها الدولة المتأثرة، لكنه سيزول عاجلا أم آجلا، لكن وصف إيران بأنها مؤثرة في الحالة العراقية فهذه فرية كبرى، فالدور الايراني ومنذ التاسع من أبريل 2003 وحتى اليوم ليس عامل تأثير، بل هو موجود في بنية النظام السياسي العراقي، الذي صاغت ملامحه وشكله وهيكليته الولايات المتحدة الامريكية. كما أنها هي من قبل بوجوده وفسح المجال أمام توسعه وتغوله، في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والأمني. فقد كانت واشنطن بيدها كل مقاليد السيطرة في العراق أبان الغزو، وهي التي وافقت على أن تقوم ميليشيات مسلحة مولتها ودربتها إيران بمسك الأرض خلف قطعاتها العسكرية، التي كانت تتقدم صوب المناطق العراقية من جنوبه باتجاه الوسط والشمال. ثم تكرر هذا المشهد مرة أخرى حينما قادت التحالف الدولي في قتال تنظيم «الدولة»، فوفرت الغطاء الجوي لتلك الميليشيات نفسها وقبلت بمشاركتها، وهي تعلم علم اليقين بأن العديد من المستشارين الايرانيين كانوا معهم، وهم من وضعوا الخطط العسكرية لهم، وقدموا التوجيهات والنصائح والإرشادات. ناهيك عن حالة التزاوج الفريدة بينهما على الساحة العراقية منذ عام 2003 وحتى عام الانسحاب الأمريكي الشكلي من العراق في 2011. فهل يمكن للولايات المتحدة بعد كل ذلك أن تتنصل من مسؤوليتها في تعزيز الدور الأمني الإيراني، الذي بات كبيرا جدا في الحالة العراقية بعد الحرب ضد تنظيم «الدولة»؟ وهل تُعذر واشنطن عن حالة التغابي التي تمارسها وهي التي هيأت فرصة كبرى لايران كي تستثمر في العراق؟
لقد تباهى الزعماء الإيرانيون كثيرا بالاستثمار الناجح في الحالة العراقية، وفي كل يوم يظهر لنا تصريح يؤكد هذا الجانب، ولعل أحدثها الذي سبق تصريح جيمس ماتيس المذكور أعلاه، هي تصريحات علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون الدولية. فهو يؤكد على «أن بلاده لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراق». وبذلك فهو ينفي كل ما يتحدث عنه الآخرون من نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وعن التمثيل الشرعي للإرادة العراقية، بل إن تصريحه هذا ينفي كل شيء عن حقيقة وجود السيادة واستقلالية القرار في هذا البلد، ويجعل من جميع الوجوه السياسية مجرد أُجراء يعملون لحسابه وحسابات نظرية الأمن القومي الايراني، لتحقيق مصالح إيران في المنطقة العربية والشرق الاوسط. والمفارقة الكبرى أن إيران هي من سبق وحذّرت من تدخل أمريكي في الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، حيث قال السفير الإيراني السابق في بغداد، حسن كاظمي قمي، بأن جهاز «سي أي آيه» ووزارة الدفاع الأمريكية يحاولان التدخل في هذه الجولة الجديدة من الانتخابات عبر مؤسسات غير حكومية. كما برر تغيير سلوك بعض الدول العربية الحليفة لواشنطن، ويقصد بها السعودية ودول الخليج، في تعاملها مع الحكومة العراقية على أنه مؤشر ينبغي الحذر منه، لأنه طريقة أستهداف جديدة للتأثير في الانتخابات المقبلة.
إن حالة التوأمة في المشهد السياسي العراقي بين الفاعلين الرئيسيين أمريكا وإيران لا تحتاج إلى شاهد نفي يؤكد عدم وجودها، بعد خمسة عشر عاما من استمراريتها وبنجاح كبير لصالحهما وخسارة كبرى للعراق. كما لسنا بحاجة إلى أن نسمع دلائل اتهامات هذا الطرف ضد الآخر، على عدم شرعية ما يقومان به من انتهاك واضح وصريح لكل معنى من معاني السيادة العراقية، فقد ترسخت في العراق مصالح كبرى للولايات المتحدة الامريكية، وترسخت قبالتها مصالح استراتيجية لإيران تخدم نظريتها التوسعية في المنطقة، وتثبيت نفسها كقوة إقليمية لها قرار فيها. كما نجح الطرفان في خلق طبقة سياسية تعمل لتأمين مصالحهما، وتشكيل جماعات ضغط ولوبيات فساد في الساحة العراقية، ارتبطت وبشكل جذري بالزعامات الإيرانية والأمريكية ممن يتولون السلطة، أو من هم في خارجها، حتى بات رجال السياسة وزعماء القبائل وحتى رجال الدين يحجون إلى طهران وواشنطن، لنيل الرضى والتبريكات، سواء في استلام منصب أو الاستمرار فيه.
إن من الغريب حقا أن يقارن وزير الدفاع الأمريكي ما يسميه التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الامريكية، بالتدخل الايراني في الانتخابات البرلمانية العراقية. فالبون شاسع جدا بين الحالتين ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم وضعهما في خانة المقارنة. فمصدات التحصين الوطني في أمريكا كبيرة جدا، وإذا صح فعلا قد تم اختراقها من قبل منظومة الأمن والاستخبارات الروسية، فإن هنالك مؤسسات في داخل النظام السياسي الامريكي قادرة على ملاحقة الخرق وتشخيصه ثم معالجته، إضافة إلى أن الدول المتقدمة لا يصيبها الأذى بالقدر نفسه الذي يصيب الدول المتخلفة في حالات كهذه، لأن هنالك فصلا واستقلالية بين السلطات، في حين أن العراق خال تماما من كل ذلك، وتنعدم فيه المنظومات الرصينة القادرة على تصحيح الخروقات والانحرافات المقبلة من خارج الحدود. لأن تشكيل المؤسسات فيه جرى بدون إرادته وبغياب القرار السياسي المستقل. وعليه ستبقى إيران هي اللاعب الأكبر في المعادلة العراقية، إلى مدى غير منظور حتى الساعة، بغض النظر عمن يتواجد في البرلمان أو في هرم السلطة التنفيذية في هذا البلد.
باحث سياسي عراقي

الانتخابات العراقية والتأثيرات الإيرانية المؤكدة

د. مثنى عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    العراق عبارة عن ولاية إيرانية لا يخرج فيها الشيعة عن التبعية المذهبية لإيران
    وهناك بعض السُنة لا يخرجون عن التبعية المالية لإيران
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سلام عادل(المانيا):

    ايران تستطيع التاثير على بعض القوى الشيعية ولكن يبقى السؤال اين القوى العراقية الاخرى وماذا فعلت تلك السنيين سوى ما تمليه عليها دول الجوار التي تعادي ايران فجعلت من العراق ساحة للصراعات بين دول الجوار والكرد كانوا خدم امريكا ,يبقى الامل بالشباب جيل المستقبل بان يتجاوز الحالة الدينية والقومية من اجل ان يعيشوا بعراق قوي متحضر مسالم يكون المواطن حر ومتساوي مع الجميع

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    ايران ، وريثة فارس التأريخية ، هي دولة توسعية ذات طبيعة مهيمنة عبر التاريخ ، لا يناظرها في ذلك أي في طبيعة التوسع و الهيمنة ، في المنطقة ، الا إسرائيل ! و نفس مشابه و موجود لدى من يحاول إقامة ما يسمى بدولة كردستان الكبرى ، و يجمع هذه الكيانات الثلاثة النفس القومي الشوفيني و الاستناد إلى دين أو مذهب مجير لصالح خدمة و تعزيز هذا النفس !
    .
    عودة إلى الحالة الإيرانية ، فإن دولة فارس الحالية و التاريخية تعتبر واعتبرت العراق دوماً ،حديقتها الخلفية ، وهناك تصريحات بين الفينة والأخرى من مسؤولين إيرانيين ، تؤكد أن بغداد هي العاصمة التاريخية للإمبراطوية الفارسية العظمى ! و حين يطلق اسم بغداد في فارس فهم يعنون العراق بأكمله ، و هي تصريحات تمثل بالونات اختبار و جس نبض و نوع من ترسيخ واقع بالتدريج ، ولذا هي تأتي من مسؤولين من الطبقة الثانية و ليست الأولى ، لإعطاء مجال للتراجع و انها تمثل اراء شخصية ليس إلا ، فهذا هو الدهاء السياسي الفارسي المعهود!
    .
    هناك مثل شهير في ايران يقولون فيه :
    شيعة بغداد سنة ، أست ، سنة بغداد ، كافر أست !
    .
    اي ان شيعة بغداد ( و كما قلت هم يعنون ببغداد ، العراق) هم سنة ، و سنة بغداد هم كفار !!
    فيصفى في النهاية ، أن الجميع كفرة من وجهة نظر المثل الفارسي بإمتياز ، ليبيح ذلك لهم التصرف بهذا الشعب و هذه الأرض.
    .
    مسألة تدخل إيران اليوم في الشأن العراقي تتجاوز مصطلح التدخل برأيي الى وضع الاحتلال المهيمن ، وهي أجبرت الولايات المتحدة الامريكية ، بسياستها على أن تشاركها الاحتلال بل تتجاوزها و تصبح هي الوكيل صاحب الامتياز الحصري في احتلال العراق و الهيمنة عليه ، وهي تهيمن و تمول الميليشيات الشيعية علناً وجهاراً ،لكنها أيضاً و بأدلة كثيرة تبين أنها على الاقل ، اقول على الاقل مولت و جهزت عصابات مثل القاعدة و تنظيم الدولة بالأسلحة و آوت زعماء لهم في أراضيها!
    من اجل إشاعة الفوضى وضرب المصالح الأمريكية و التي تجعلها صاحبة اليد العليا في العراق و جعلتها كذلك فعلاً.
    .
    بل جعلت زعماء يحسبون على السنة العرب يحجون إليها لتقديم فروض الطاعة و تنصيبهم في مواقعهم من أجل ضمان عدم خروجهم عن خطها!
    .
    ناهيك عن أن المرجعية العليا للشيعة في النجف هي ايرانية فارسية لا تزال تستنكف عن أخذ الجنسية العراقية رغم أن ما قضته في العراق يتجاوز ما قضته من حياتها في ايران !
    .
    فتأمل!

إشترك في قائمتنا البريدية